فصل الكلام في غريب ألفاظ الإمام عليه السلام
إن من غريب ألفاظ الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، بما يتعلق بألفاظ التوكيد المعنوي واستعمالها، هو ما يتعلق بالألفاظ “كلا” و “كلتا” و”جميع”، وهي في غرابتها مشابهة لتلك المتعلقة بكلمة “كلّ” مثلما فصّلناه من قبل في مقال سابق.
وتكمن الغرابة في استعمال المسيح الموعود عليه السلام لهذه الكلمات، في إضافتها للضمير دون التعامل معها على أنها توكيد معنوي، فتأتي في صياغة غريبة أو تعبير نحوي غير مألوف، بحيث تقع معمولة لعوامل مختلفة غير التوكيد.
ونذكّر بما أكّدناه في هذا الصدد وينطبق على ألفاظ التوكيد المعنوي كلها، بما فيها “كِلا” و”كِلتا” و” جميع” حيث جاء في كتاب النحو الوافي ما يلي:
“قد تقع ألفاظ التوكيد المعنوي السبعة “وهي: نفس، عين، كِلاَ، كلتا، كل، جميع، عامة” معمولة لبعض العوامل، ولا تعرب توكيدًا لعدم وجود المؤكَّد؛ فتعرب على حسب حاجة ذلك العامل، فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو خبرًا … و … وبالرغم من امتناع إعرابها توكيدًا تظل في حالتها الجديدة تؤدي معنى التوكيد كما كانت تؤديه من قبل، مع أنها في حالتها الجديدة لا تسمى في اصطلاح النحاة توكيدًا، ولا تعرب توكيدًا. وهذا كثير في: “جميع”، و”عامة”؛ نحو:
الزائرون انصرف جميعهم، أو: عامتهم الزائرون رأيت جميعَهم، أو: عامَّتَهم الزائرون مررت بجميعهم، أو بعامَّتهم..
أما: “كُلّ” فيكثر وقوعها -عند فقْد المؤكَّد بعد عامل الابتداء، فتكون مبتدأ، ويقل وقوعها بعد غيره؛ فمثال الأول: الحاضرون كلُّهم نابه. ومثال الثاني قول الشاعر:
يَميدُ1 إذا والت عليه دِلاؤُهم … فيصدُرُ عنه كلُّها، وهْوَ ناهلُ
وهذا من القليل الذي لا يحسن محاكاته، لوقوعها فاعلًا مع إضافتها للضمير. ومن
الأمثلة للثاني: الحاضرون تكلمَ كلُّهم الحاضرون سمعتُ كلَّهم، وأعجبتُ بكلهم …” (إ.ه)
ويضيف النحو الوافي عن “كلا و “كلتا” ما يلي:
“وأما “كلا” و”كلتا” فيكثر -عند فقد المؤكَّد- وقوعهما بعد عامل الابتداء، ويقلّ بعد غيره “فهما من هذه الناحية مثل: “كُل”؛ فمثال الأول: الحاضران كلاهما نابه، الحاضرتَان كلتاهما نابهة … ومثال الثاني ما قاله بعض الأعراب وقد خُيّر بين شيئين: “كليْهما وتَمْرًا”. يريد: أعطني كليهما وتمرًا. وفي هذه الصور وأشباهها يفيدان معنى التوكيد، لكن لا يصح إعرابهما توكيدًا.” (إ.ه)
وبناء على كل هذا مما ورد في النحو الوافي نرى:
- أن الكلمات ” كلا” و “كلتا” و “جميع” قد تخرج عن التوكيد لتُعرب حسب موقعها في الجملة رغم إضافتها إلى الضمير.
- من بين الأمثلة على ذلك: الزائرون انصرف جميعهم، الزائرون رأيت جميعَهم؛ و “كليْهما وتَمْرًا”.
- وفق كل هذا تثبت صحة الفقرات من كتابات المسيح الموعود عليه السلام، والتي استعمل فيها نفس هذه الصيغ من ألفاظ التوكيد.
نورد فيما يلي تلك الفقرات مع الإعراب الصحيح لعبارات التوكيد في الخط الأحمر:
- قد كان إجماع الصحابة على موت عيسى أوّلَ إجماع انعقد في الإسلام باتفاق جميعهم، وما كان فرد خارجًا منه كما أنتم تعلمون. (الخطبة الإلهامية) مضاف إليه مجرور
- وقد اجتمع جميعهم صائلين على الإسلام. (لجة النور) فاعل مرفوع
- فمن صال عليه فقد صال على جميعهم وعلى كلّ من جاء من حضرة الكبرياء. (الاستفتاء) اسم مجرور
- فمن أنكر أبديّة أحد من صفات حضرة العزّة فكأنما أنكر جميعها ومال إلى الدهريّة. (الاستفتاء) مفعول به منصوب
- وسُمّي جميعُها باسم الجنين. (منن الرحمن) نائب فاعل مرفوع
- فهذان حزبان خرج كلاهما من العدل والحزم والاحتياط. (مواهب الرحمن) فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى
- وتعلمون أن دُودَه لا تَهلِكُ إلا في صميم البرد أو في صميم الحر، فاختاروا كليهما تُعصَموا من الضر. (مواهب الرحمن) مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى
صيغة “كلتي”
كذلك فإن من غريب اللفظ الوارد في كلام المسيح الموعود عليه السلام هو ما ورد في الفقرة التالية:
ليدلّ لفظُ الأُنسَين على كلتي الصفتين إلى انقطاع الزمان. (منن الرحمن)
وتكمن الغرابة في هذه الفقرة في معاملة المسيح الموعود عليه السلام لكلمة “كلتي” معاملة الاسم المثنى رغم إضافتها إلى اسم ظاهر، فجرّّها بالياء.
رغم أنه وفق قواعد النحو والصرف المعروفة في يومنا هذا، يجب معاملة ” كلا” و”كلتا” معاملة المثنى، بحيث ترفع بالألف وتنصب وتجر بالياء، فقط في حالة إضافتها إلى الضمير. بينما عند إضافتها إلى الاسم الظاهر- كما هو في الفقرة أعلاه (كلتي الصفتين)- فيجب إلزامها الألف ومعاملتها معاملة الاسم المقصور بتقدير حركات الإعراب الثلاث في حالات الرفع والنصب والجر.
وقد يظن البعض أن هذا خطأ أو سهو وقع فيه المسيح الموعود عليه السلام.
إلا أنه وبتفحص وبحث في في أمّهات المصادر والمراجع النحوية، يتضح أن هذه الصيغة من معاملة “كلا” و” كلتا” معاملة المثنى عند إضافتها للاسم الظاهر، لا هي بخطأ ولا سهو ولا “ما يحزنون” ؛ بل هي لغة صحيحة من لغات العرب القديمة كما تثبته النصوص التالية: التركيز على ما ذكر في الخط العريض
ورد في كتاب همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (1/ 151)
“[مَبْحَث كلا وكلتا]
وَمِنْهَا مَا لَا زِيَادَة فِيهِ وَهُوَ كلا وكلتا بِشَرْط أَن يضافا إِلَى مُضْمر نَحْو {إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا} الْإِسْرَاء 23 وَتقول رَأَيْت كليهمَا وكلتيهما فَإِن أضيفا إِلَى مظهر أجريا بِالْألف فِي الْأَحْوَال كلهَا هَذِه اللُّغَة الْمَشْهُورَة وَبَعض الْعَرَب يجريهما مَعَ الظَّاهِر مجراهما مَعَ الْمُضمر فِي الْإِعْرَاب بالحرفين وَعَزاهَا الْفراء إِلَى كنَانَة وَبَعْضهمْ يجريهما مَعَهُمَا بِالْألف مُطلقًا وَمَا ذَكرْنَاهُ من أَنَّهُمَا بِمَعْنى الْمثنى وَلَفْظهمَا مُفْرد هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين….” (إ.ه)
وورد في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين (2/ 359) ما يلي:
“– مسألة: [“كلا” و”كلتا” مثنيان لفظًا ومعنًى، أو معنًى فقط؟]
ذهب الكوفيون إلى أن “كلا، وكلتا” فيهما تثنية لفظية ومعنوية، وأصل كلا “كل” فخفّفت اللام، وزيدت الألف للتثنية، وزيدت التاء في “كلتا” للتأنيث، والألف فيهما كالألف في “الزيدان”، والعمران” ولزم حذف نون التثنية منهما للزومهما الإضافة.
وذهب البصريون إلى أن فيهما إفراًدا لفظيًّا وتثنية معنوية، والألف فيهما كالألف في “عصًا، ورحًا”.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنهما مثنَّيان لفظًا ومعنًى وأن الألف فيهما للتثنية النقل والقياس:
أما النقل فقد قال الشاعر:
في كِلْتَ رجليها سُلَامَى وَاحِدَهْ … كِلْتَاهُمَا مَقْرُونَةٌ بِزَائِدَهْ…
وأما القياس فقالوا: الدليل على أنها ألف التثنية أنها تنقلب إلى الياء في النصب والجر إذا أضيفتا إلى المضمر، وذلك نحو قولك: “رأيت الرجلين كليهما، ومررت بالرجلين كليهما، ورأيت المرأتين كلتيهما، ومررت بالمرأتين كلتيهما” ولو كانت الألف في آخرهما كالألف في آخر “عصًا، ورحًا” لم تنقلب كما لم تنقلب ألفهما نحو “رأيت عصاهما ورحاهما، ومررت بعصاهما ورحاهما” فلما انقلبت الألف فيهما انقلاب ألف “الزيدان، والعمران” دل على أن تثنيتهما لفظية ومعنوية.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن فيهما إفرادًا لفظيًّا وتثنية معنوية أن الضمير تارة يُرَدّ إليهما مفردًا حملًا على اللفظ، وتارة يردّ إليهما مثنى حملًا على المعنى.” (إ.ه)
وبناء على هذه النصوص يثبت ما يلي:
- أن معاملة “كلا” و”كلتا” معاملة المثنى لغة من لغات العرب وردت عن قبيلة كنانة وأقرّ بها الفرّاء.
- رأي الكوفويين أن ” كلا ” و”كلتا” مثنيان لفظا ومعنى، وليس فقط معنى، كما هو واضح من النقاش الطويل الذي دار بين المدرستين، ولم ننقل إلا جزءا يسيرا منه.
- وهنا نقول: إذا أقر الكوفيون بأن الكلمتين مثنيتان لفظا ومعنى، فما الحرج إذا في معاملتهما معاملة المثنى عند إضافتهما للاسم الظاهر، خاصة أنه قد وردت هذه اللغة عن العرب!؟؟ أقول لا مانع ولا حرج البتة في “” كلتي الكلمتين””!!!!!
- ثبت بناء على كل هذا أن معاملة “كلا وكلتا” معاملة المثنى مطلقا، وخروج “كلا وكلتا وجميع” عن التوكيد إعرابا، لوقوعها معمولة لبعض العوامل الأخرى، كلها لغات من لغات العرب الصحيحة رغم عدم شهرتها.
- وبذلك ثبتت صحة عبارات المسيح الموعود عليه السلام التي وردت فيها هذه اللغات.
- وثبتت معجزة المسيح الموعود مرة أخرى في تعلمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة.
وبعد هذا أذكّر مرة أخرى بما قلت وأقول، إنني على يقين أن أي غريب في ألفاظ المسيح الموعود عليه السلام، إذا لم يندرج تحت السهو في النقل والكتابة والغفلة، فلا بدّ أن نجد له تخريجا لغويا.
فيا أيها الأحمديون! آتوني غريب اللفظ من أقوال حضرته عليه السلام أخرجْه لكم، وإن طال الزمن، بعون الله فلا ناصر لنا إلا هو!!!!!!