المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..86
فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..1
جواز تذكير الفعل إذا فُصل بينه وبين الفاعل المؤنث
الاعتراض:
قدّم المعارضون ما يقارب المائتي خطأ لغوي مزعوم من كتابات المسيح الموعود عليه السلام، مدّعين أن حضرته عليه السلام قد أخطأ في مسألة التذكير والتأنيث فيها، ومن بين ما ادعوه في هذا الأمر الأمور التالية:
- هذه الأخطاء سببها العجمة عند المسيح الموعود عليه السلام
- حقيقة الأمر أن المسيح الموعود عليه السلام يترجم حرفيا من الأوردو إلى العربية، فلذلك يخطئ في التذكير والتأنيث للأسباب التالية:
- أولا: لأن بعض المذكّر في اللغة العربية هو مؤنث في الأوردو، والعكس أيضا صحيح.
- ثانيا: لأن تركيب الجملة في الأردو معاكس لما هو في العربية، والفعل في تذكيره وتأنيثها يتأثر بالمفعول به؛ فإذا كان مذكرا يذكَّر الفعل وإذا كان مؤنثا يؤنَّث الفعل، أو يتأثّر بالمضاف إليه في الجملة الظرفية (مثلا: فوق الشجرة، فإذا كانت الشجرة في الأوردو مذكرا فيذكّر الفعل)، أو بالاسم المجرور (مثلا: في السيارة، فإذا كانت كلمة سيارة في الأوردو مذكرة فيذكّر الفعل وإذا كانت مؤنث فيؤنث)، أو يتأثر بالمضاف الذي يقع بعد المضاف إليه في اللغة الأردية . فبناء على هذه الألفاظ إن كانت مذكرة ومؤنثة يذكر ويؤنث الفعل وليس كما هو بالعربية حيث يعتمد على الفاعل إن كان مذكرا ومؤنثا.
- قالوا بأن بعض هذه الأخطاء قد نجد لها تخريجات لغوية، ولكن إن حدث هذا فسيكون على سبيل الصدفة، وليس من منطلق معرفة المسيح الموعود عليه السلام بهذه القواعد التي تبيح ذلك.
- وفي بعض هذه الأخطاء أطلق المعارضون تحديا حيث قالوا:: لا نبحث هنا في الصحة والخطأ نحويا، بل قضيتنا هي الأبلغ والأجمل والأولى، فنتحدى الأحمديين أن يعلنوا أنّ عبارات الميرزا هي البليغة، لا ما نقول ونصحّح.
الرد:
المتبَع والرائج في الكتابات اليومية في عصرنا هذا هو تذكير الفعل إذا كان الفاعل مذكرا وتأنيثه إذا كان الفاعل مؤنثا. وما هذا إلا تسهيل وتيسير للغة واتباع نظام واحد موحّد يسهل على الجميع اتباعه.
إلا أن اللغة العربية وقواعدها التي لا تنتهي، لا تقف عند هذه البساطة؛ بل تبيح الكثير الذي لا يندرج تحت هذه القاعدة البسيطة.
وبما أن هذه القواعد متعددة سوف نذكر كل واحدة منها على حدى، لنرى أيّا من الأخطاء اللغوية المزعومة تندرج تحتها؛ حتى نثبت في نهاية الأمر أن كل ما يزعمه المعارضون بأنه أخطاء في التذكير والتأنيث بفعل العجمة عند المسيح الموعود عليه السلام ، كلها تندرج تحت القواعد العربية الواسعة، وأنها لا عجمة ولا تأثير للغة الأردية فيها.
وقبل الحديث عن القاعدة الأولى التي نريد عرضها لا بدّ أن ننوه إلى بعض المصطلحات النحوية في تعريف المؤنث.
فهنالك عدة أنواع للاسم المؤنث، ما يهمنا منها في هذا البحث نوعان؛ وهما: المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي. وفي تعريفها يقول النحو الوافي ما يلي:
- المؤنث الحقيقي: وهو الذي يلد، ويتناسل، ولو كان تناسله من طريق البيض والتفريخ؛ ….
- المؤنث المجازي: وهو الذي لا يلد ولا يتناسل؛ سواء أكان لفظه مختوما بعلامة تأنيث ظاهرة؛ كورقة، وسفينة … ، أم مقدرة؛ مثل: دار، وشمس.
…”{ النحو الوافي (4/ 587)}
وفي هذه المسألة المتعلقة بتذكير وتأنيث الفعل وتعلقه بالفاعل جاء في كتاب الحمل على المعنى في العربية للدكتور علي عبد الله العنبكي ما يلي:
” المؤنث الحقيقي: وهو ما له مذكر من جنسه من الانسان أو الحيوان ويكون إطلاق التأنيث عليه حقيقة، وتلحق فعله تاء التأنيث لتفصل بين معنيين: معنى التذكير ومعنى التأنيث؛ بخلاف المجازي فإنه لا يحتاج إلى علامة التأنيث ، لأنه مؤنث في اللفظ ولا معنى تحته للتانيث إذ ليس له مذكر يقابله ليُفصَل بينهما بعلامة.
أما إذا فصل بين الفعل والمؤنث بفاصل، فيجوز حذف التاء والأجود إثباتها، فنقول في الحذف: حضر اليوم امرأةٌ، وذلك لأن الحاجز صار عوضا عن تاء التأنيث المحذوفة أو (( لأن الفاصل سدّ مسدّ علم التأنيث مع الاعتماد على دلالة الفاعل على التأنيث)).
وكلما طال الكلام، قوي حذف العلامة وكلما قرب، قوي إثباتها فقولنا: حضر القاضيَ اليومَ امرأةٌ. حذف التاء فيه أحسن من إثباتها.
وعلل ابن فلاح إسقاط التاء بثلاثة أوجه:
- أن الفصل صار كالعوض عن تاء التأنيث فقام مقامها
- أن الفاعل كالجزء وإذا وقع الفصل بطلت الجزئية.
- أن الفاعل لما بعد ضعفت العناية به.
المؤنث المجازي: ويسمى المؤنث غير الحقيقي وهو ما ليس له ذكَر من جنسه سواء أكانت فيه علامة تأنيث أم لم تكن. ويطلق عليه أيضا (اللفظي) ويراد به ما يقابل التأنيث المعنوي أي أنه مؤنث من اللفظ والاصطلاح ولا معنى تحته للتأنيث.
ويجوز في الفعل الذي يتقدمه التذكير والتأنيث: فالتأنيث للفظ، والتذكير للرد إلى الأصل وهو التذكير والحمل على المعنى وذلك لأن المؤنث المجازي بمعنى اسم مذكر فيُحمَل عليه في التذكير ولكن إثبات العلامة أحسن من سقوطها احتراما للفظ، لأن العرب وضعت الكلمة على التأنيث.
أما إذا فُصل بين الفعل وفاعله بفاصل فيجوز حذف التاء وإثباتها ولكن حذفها أحسن قال ابن فلاح (( فإن فصل بين الفعل والفاعل ازداد الحذف حسنا)). ويرى الرضي أن ترك العلامة أحسن إظهارا لفضل الحقيقي على غيره سواء كان الفصل بإلا أو غيرها.” { الحمل على المعنى في العربية 174-176}
وأما عن الفاصل بين الفعل والفاعل فيقول النحو الوافي في نفس هذا الصدد ما يلي:
” سواء أكان الفاصل ضميرًا كالذي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} … أم غير ضمير كالأمثلة التي ستجيء.” النحو الوافي (2/ 79)
إذن، فوفق ما جاء في كتاب الحمل على المعنى وكتاب النحو الوافي نركّز على القاعدة التالية :
- جواز تذكير الفعل وتأنيثه إذا فَصل بين الفعل والفاعل فاصل مثل الضمير أو غيره، وذلك بغض النظر عن كون الفاعل مؤنثا حقيقيا أو مجازيا.
- إثبات التاء (تأنيث الفعل) بوجود الفاصل، أجود وأحسن من حذفها (تذكير الفعل) مع المؤنث الحقيقي
- حذف التاء (تذكير الفعل) بوجود الفصل أحسن وأجود من إثباتها (تأنيث الفعل) مع المؤنث المجازي
- كلما طال الفصل زاد حذف تاء التأنيث (تذكير الفعل) حسنا مع المؤنث المجازي والحقيقي.
وهنا أقول، وفق البندين الأخيرين المنبثقين من أقوال ابن فلاح والرضي الواردة في الاقتباس أعلاه؛ يتحطم التحدي الذي أطلقه المعارضون، إذ هذا يثبت أن ما ذهب إليه المسيح الموعود عليه السلام كما سنرى لهو الأجود والأحسن والأفصح والأبلغ في العديد من المواضع التي اعتبرها المعارضون أقل فصاحة وجودة. وما يؤكد أن هذا الذي ذهب إليه المسيح الموعود على درجة عالية من البلاغة وروده في القرآن الكريم في الآية الكريمة (إذا جاءك المؤمنات)؛ وهنا يتحطم التحدي الذي أطلقه المعارضون على صخرة الآيات القرآنية الكريمة والبليغة.
والآن نعرض الفقرات التي تندرج تحت هذه القاعدة، من جواز تذكير الفعل مع المؤنث -حقيقيا كان أو مجازيا- لورود فاصل بين الفعل والفاعل. وهو ما يثبت أن كل هذه الفقرات لهي لغة عربية صحيحة وفصيحة ولا تأثير للعجمة فيها.
ولا بدّ أن ننوه إلى أن هذه الفقرات، قد تندرج تحت قواعد أخرى تبيح تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث، والتي سوف نتطرق أليها في المقالات التالية، بمعنى أن الفقرة الواحدة قد نجد لها أكثر من توجيه وأكثر من قاعدة واحدة ثتبت صحتها.
**********************************************************************************
الفقرات:
في كل الفقرات التالية جاء الفاعل مؤنثا مجازيا مفصولا عن الفاعل بفاصل، فلذلك جاء الفعل مذكرا على سبيل الجائز الأحسن والأجود، على رأي وشهادة ابن فلاح والرضيّ. وضعْنا الفعل والفاعل والفاصل بينهما بين الأقواس المزدوجة، ثم ذكرنا بعد كل جملة ما هو الفاصل الذي جعل تذكير الفعل جائزا وأجود وأفصح.
- بل(( يجب لإتمامه حياةُ ))كفّار بني إسرائيل كلهم من أول الزمان إلى يوم القيامة، ومع ذلك يجب حياة المسيح إلى يوم الدين. حمامة البشرى (2/ 69). الفاصل: شبه الجملة (لإتمامه)
- يأتيك نصرتي (التذكرة، ص 399). الفاصل: الضمير المتصل الكاف
- ولا يختلبْكم حياةُ الدنيا وخضراؤها. (دافع الوساوس) الفاصل: الضمير الكاف والميم للجمع
- ولا تعجَب من أخبار ((ذُكر فيها قصة)) حياة المسيح. (سر الخلافة). الفاصل: شبه الجملة (فيه)
- أما ((يكفي لك حياة الشهداء)) بنص كتاب حضرة الكبرياء. (سر الخلافة). الفاصل: شبه الجملة (لك)
- ((ويكون لهم حياةٌ ))من إبارته. (نور الحق). الفاصل: شبه الجملة (لهم)
- ((ونُفخ فيه روحُ الحياة)) في الجمعة بعد العصر. (كرامات الصادقين). الفاصل: شبه الجملة (فيه)
- ومُوتوا ((ليُرَدَّ إليكم الحياةُ)) أيها الأحباب. (الخطبة الإلهامية) الفاصل: شبه الجملة (إليكم)
- ومَن آثر الموت ((لربّه يُرَدّ إليه الحياة)). (تذكرة الشهادتين) الفاصل: شبه الجملة (إليه)
- كما ((يدل على ذلك الفقرة الثامنة)) من هذا الإصحاح نفسه. (منن الرحمن) . الفاصل شبه الجملة (على ذلك)
- فهذه مصيبة عظيمة على الإسلام، وداهية ((يرتعد منه روح الكرام)) (حمامة البشرى، ص 77). الفاصل: شبه الجملة (منه)
- واعلموا أن الله يعلم ما تكتمون وما تقولون، ولا ((يخفى عليه خافية)). (حمامة البشرى). الفاصل: شبه الجملة (عليه)
- وأبطرَهم كثرتُهم. (حمامة البشرى). الفاصل: الضمير المتصل الهاء وميم الجمع
- ولا ((يجوز عليهم مشقة)) السفر وتعبُ طيّ المراحل (حمامة البشرى، ص 128). الفاصل: شبه الجملة (عليهم)
- (( فيشهد عليه نفسه)) أنه أنفدَ عمره في الرياء (لجة النور). الفاصل: شبه الجملة (عليه)
- فأولُ أرضٍ ((غُرِسَ فيه شجرة ))ربوبية المسيح هي مدينة دمشق (حمامة البشرى، ص 76). الفاصل: شبه الجملة (فيه)
- فأين ((حصل له الحياة ))الحقيقي؟ (حمامة البشرى، ص 188).
الفاصل: شبه الجملة (له)
ووفق كل هذا يثبت أنه لا تأثير للعجمة في أي من هذه العبارات؛ بل هي لغة عربية فصيحة بليغة على درجة عالية من الفصاحة والبلاغة؛ تندرج تحت إحدى القواعد النحوية المعروفة والتي يقر بها النحاة عن بكرة أبيهم.