المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية – الجزء الحادي عشر
كان بمعنى صار..
لقد ذكرنا في المقالات السابقة أن “كان” عند اللغويين وكبار النحويين تأتي بخمسة أحوال: ناقصة، تامة، زائدة، بمعنى صار، وشأنية.
فأقرّت المراجع اللغوية كما أسلفنا أن أحد معاني “كان” هو “صار”؛ حيث جاء في هذا الصدد ما يلي:
جاء في كتاب المفصل في صنعة الإعراب:
“وجوه كان:…وقيل في قوله:
بنيهاء قفر والمطي كأنها … قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
أن كان فيه بمعنى صار.” (إ.ه)
جاء في كتاب أسرار العربية لابن الناظم ما يلي:
“والوجه الخامس: أن تكون (كان) بمعنى صار؛ قال الله تعالى: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} 4، {فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} 5؛ أي: صار، وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} 6 أي: صار، وقال الشاعر: [الطويل]
بتيهاءَ قَفْرٍ والمطيُّ كَأَنَّهَا … قطا الْحَزْن قَدْ كانت فراخًا بُيُوضُها
أي: صارت فراخًا بيوضها.
وفي الهامش: وجه الاستشهاد: مجيء “كان” بمعنى “صار” وقد جاءت بمعنى صار في القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} س: 3 “آل عمران، ن: 110، مد”.. (إ.ه)
وجاء في كتاب اللمحة في شرح الملحة ما يلي عن أحوال “كان”:
“والّتي بمعنى (صار) ، كقول الشّاعر:
ثُمَّ كَانُوا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَـ … ـفَّ فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ” (إ.ه)
وقد وردت “كان” بهذا المعنى في كتابات المسيح الموعود عليه السلام، بما قد يظنها القارئ لأول وهلة عبثية لا فائدة من ذكرها، ومثال على ذلك ما جاء في أقواله عليه السلام التالية:
- فإن معنى الآية في هذه الصورة يكون هكذا: يا عيسى إني قابض روحك وتارك جسدك على الأرض. (حمامة البشرى)
- وقد وضح لهم بصدق العلامات أنني من الله رب السماوات، فما كان أمرهم إلا الفحش والإيذاء والشتم والازدراء، وقد رأوا من ربي آيات وأنواع تأييدات.. ( حقيقة المهدي)
- وقد حان أن يكون رجالكم كقَسْورة، ونساؤكم كلبوة، وأبناؤكم كأشبال، وأعداؤكم كسِخال، فاتقوا الله وعليه توكّلوا إن كنتم مؤمنين. (ترغيب المؤمنين في إعلاء كلمة الدين)
وواضح أن من المعاني التي قد تُحمل عليها “كان/يكون” في هذه الفقرات هو “صار/ يصير”، وذلك وفق سياق الحديث الذي جاءت به هذه الفقرات. هذا رغم أنه من الممكن حملها على أوجه أخرى لكان كالناقصة مثلا.
ومن الممكن أن نمثّل بفقرات أخرى غير هذه المذكورة أعلاه والتي من الممكن حمل (كان/ يكون) فيها بنفس هذا المعنى ل (صار/ يصير).
وعلى أي حال فإن “كان/يكون” في هذه الفقرات ليست كلمة عابثة لا فائدة منها، بل هي لغة من اللغات التي تقرّ بها المراجع النحوية، وهي الأخرى تدل على إلمام المسيح الموعود بأدق دقائق اللغة العربية ومعانيها، كغيرها من الفقرات التي جاءت بها كلمة “كان/ يكون” في كتابات حضرته عليه السلام.
فكان بمعناها هذا “صار” لهي لغة من لغات العرب وتحقيق ومظهر آخر للإعجاز اللغوي في كلام المسيح الموعود العربي؛ وما هي إلا تأكيد واضح على صدق حضرته عليه السلام، حيث قال إن الله منحه معجزة القدرة على الإنشاء باللغة العربية، وما هذه المقدرة على الإنشاء إلا مقدرة على استعمال الألفاظ والمعاني بطرق شتى ومختلفة، لا تخرج عن إطارها اللغوي الصحيح معنى ونحوًا، وهو ما يتجلى باستعمالات “كان” بأساليب ومعان مختلفة في لغة حضرته عليه السلام.