المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..151
لغة الوحي ولغات العرب وآراء النحاة..
إذا كان تكلم الله بالعبرية والفارسية والإنجليزية فأي عجب أن يتكلم بلغات العرب على اختلافها ..
خلال توجيهاتنا للغة المسيح الموعود عليه السلام، اعتمدنا على بعض اللغات التي تحدّثت بها القبائل العربية المختلفة، كمثل اللغات التالية:
- لغة أكلوني البراغيث، وهي لغة ثابتة عن بعض القبائل العربية مثل طيء وأزد شنوءة وبلحارث بن كعب؛ ويقرّ بصحة هذه اللغة ثلة من النحاة والأئمة ومن بينهم ابن مالك، والسهيلي في (الجنى الداني). فهم يقرّون بشيوعها وكثرتها في فصيح الكلام، كالحديث الشريف، وورودها على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وورود ما يماثلها في القرآن الكريم.
- لغة إهمال ليس في الاستثناء المفرَّغ (غير التام)، وهي لغة لقبيلة تميم.
- تأنيث وتذكير اسم الجنس الجمعي ؛ وقد نُسبت لغة التأنيث إلى أهل الحجاز ولغة التذكير إلى تميم وأهل نجد.
- اعتبار ليس حرفا مهملا غير عامل كما نقله سيبويه عن قوم من العرب.
- إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون في جميع حالات إعرابه، على لغة للعرب وقوم من النحاة.
- معاملة كلا وكلتا كالمثنى عند إضافتها للاسم الظاهر، وذلك برفعها بالألف ونصبها وجرها بالياء. وهي لغة لقبيلة كنانة يقرّ بها الفرّاء،
- إجراء الفعل المضارع المعتل مجرى الصحيح السالم، في إثبات حرف العلة في الجزم والاكتفاء بحذف الحركة المقدرة؛ على لغة للعرب.
- لغة للعرب تُثبت نون الأفعال الخمسة في حالة الجزم، يقرّ بها ابن جني وابن مالك.
- لغة للعرب تجيز إضافة العقود من الأعداد إلى تمييزها، أقر بها الكسائي
- تنوين النصب على لغة قبيلة ربيعة
وغيرها من اللغات الأخرى التي نقلناها واعتمدنا عليها. وقد يتساءل البعض هل هذه اللغات من اللغات التي يجوز الاستدلال بها أم لا؟
وعلى هذا السؤال يردّ ابن جني بقوله: “وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغةٍ من “لغات العرب” مصيب غير مخطئ, وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه.” [الخصائص (2/ 14)]
ويؤكد ابن جني قوله هذا في المحتسب حيث جاء:
“ ليس ينبغي أن يُطْلَق على شيء له وجه في العربية قائم -وإن كان غيره أقوى منه- أنه غلط ” [المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (1/ 236)]
ويؤيده أبو حيان حيث يقول: وإذا كان لغة لقبيلة قِيسَ عليه.(التذييل والتكميل في شرح التسهيل، 28/2)
إذن، فالإقرار هو أن كل ما نقل من كلام العرب الفصحاء وما نقله النحاة من اللغات العربية ، سواء الشاذ منها أو المشهور يصح القياس عليه، واستعماله لا يُعد خطأ. وكل هذه اللغات التي لجأنا إليها هي مما نقلتها لنا الكتب العربية واستشهد بها النحاة أنفسهم؛ الأمر الذي يؤكد صحة منهجنا في الاستشهاد بهذه اللغات على صحة لغة المسيح الموعود عليه السلام.
وهنا لا بدّ لنا من الإشارة إلى أن لغات القبائل العربية كانت المصدر الثاني الذي اعتمد عليه النحاة في استقرائهم للغة العربية الفصحى بعد القرآن الكريم. وقد اعتمدوا بالذات على القبائل الموغلة في البداوية التي لم تتأثر لغتها بلغة الأقوام المحيطة بها، لذلك فقد قسّم النحاة هذه القبائل إلى قبائل يؤخذ منها اللغة وقبائل لا تؤخذ منها اللغة، كما يفصله كتاب أصول النحو لجامعة المدينة حيث جاء فيه:
“ القبائل التي يُحتج بكلامها، وهي: قيس، وتميم، وأسد، ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين؛ فهؤلاء هم الذين عنهم نُقلت اللغة العربية، وبهم اقتضي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب، والذي يجمع من بين هذه القبائل هو توغُّلها في البداوة، وبُعدها عن الاختلاط بغيرها من الأمم، واتصالها بالأعاجم، كما يجمع بينها قُربها من قريش؛ لأن قريشًا -كما علمنا- أفصح العرب، وأجودهم انتقادًا للأفصح من الألفاظ.
وقد ذهب ابن خلدون إلى أن مقياس الفصاحة هو القرب أو البعد من قريش فقال في مقدمته: “كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية وأصلحها؛ لبعدها عن بلاد العجم من جميع جهاتهم، ثم من اكتنفهم من ثقيف، وهذيل، وخزاعة، وبني كنانة، وغطفان، وبني سعد، وبني تميم. وأما من بَعُد عنهم من ربيعة، ولخم، وجذامة، وغسان، وإياد، وقضاعة، وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة؛ فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الأعاجم، أي: بسبب مخالطة الأعاجم، وعلى نسبة بُعدهم من قريش كان الاحتجاج بلغاتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية” انتهى[.” أصول النحو 1 – جامعة المدينة (ص: 84)]
وبناء عليه فإن من قبائل العرب من أُخذ منها بشكل واضح لكونها من القبائل التي لم تتأثر بلغة الشعوب المجاورة، وأما القبائل الأخرى التي لم يؤخذ عنها اللغة، فإننا لا يمكننا الحكم على كل لغتها بأنها ليست من الفصيح الذي يؤخذ به، فإن عزوف النحاة الأوائل عن الأخذ منها كان نوعا من الحيطة والحذر وليس إقرارا منهم بأن كل لغة هذه القبائل باطلة وليست من اللغة العربية الفصيحة، أو أن كل لغتها تشوبها شائبة العجمة.
لذلك هناك رأي يقول بأن ترك هذه القبائل في عملية استقراء اللغة فيه الكثير من إهمال اللغة حيث جاء:
“ وقد اعتمد النحاة في جمع المدة اللغوية على تسجيل بعض الظواهر التي لفتت نظرهم عند بعض القبائل، وأهملوا لغات القبائل الأخرى التي أصبح البون بينها وبين اللغة الفصحى شاسعا، ولم يهتموا إلا باللهجات التي تقترب في خصائصها من العربية الفصحى متمثلة بلهجة الحجاز وتميم وهذيل وطيء، وعلى النحاة الأخذ بلغات العرب جميعها، لأنها من أصل واحد ، وشابهتها في النشأة ،وتدرجت معها حتى نهاية عصر الجاهلية، فليس هناك لهجة أفضل من الأخرى ، وبأيهما اقتدينا اهتدينا“. [ نظرية النحو العربي ومناهج الدرس اللغوي الحديث، ص 26]
وهناك من الباحثين من يشهد على أنه حتى اللغات التي لم تُعز إلى قبائلها، لهي من اللغات الفصيحة، ويشهد على أنّ لغة القبائل التي لم تُؤخذ منها اللغة فيها من الفصاحة ومن اللغات الفصيحة ما لا يمكن إهماله .
ففي هذا الشأن جاء في كتاب “اللغات العربية في تفسير البحر المحيط: “ولقد أظهرت لنا الروايات المتناثرة في بطون كتب اللغة والأدب والتاريخ والنحو بعض إشارات على لغات كثيرة أهمل عزوها إلى قبائلها . هذه اللغات لا نشكّ بأنها تساعدنا في دراسة لغات العرب لأنها روايات مأخوذة عن فصحاء العرب الذين لم تفسد ألسنتهم بمخالطتهم غير العرب من الأمم وهم كثير …. ” [ اللغات العربية في تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي / دينا محمد الحارثي، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى ص16]
ويتابع نفس المصدر بعد نقله عن الفارابي أسماء القبائل التي نقل عنها والتي لم ينقل عنها اللغة ويقول: ومن النصّ السابق نستدل على تشعب القبائل العربية وكثرتها مما سبب في تعدد لغاتها، وأؤيد ما رآه الدكتور الجندي والدكتور صبحي عبد الحميد في معارضة النحاة في الاحتجاج بلغات القبائل التي رأوا الأخذ عنهم. لأنهم إنما منعهم من الأخذ من غيرهم ما رأوه من فساد ألسنتهم فشكوا في فصاحتها. وهذا لا يعني أن لغاتهم فقدت بعض الصفات التي تربطها بأخواتها من لغات القبائل الأخرى المعتد بها فكان عليهم أن يأخذوا عن الجميع ثم يقارنوا بين تلك اللغات ولغات القبائل المعتد بها ويقيسوا على فصاحة لغة قبائل قلب الجزيرة..” [ اللغات العربية في تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي / دينا محمد الحارثي، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى ص17-18]
ومن هنا فأننا إن كنا ذهبنا في بعض الأحيان إلى الاستشهاد بلغة قبيلة لم تُدرج بين القبائل التي تُؤخذ عنها اللغة، أو بلغة لم تعزَ إلى قبيلة معينة؛ فإن هذا لا يحتمل القدح في منهجنا،أولا: لأنه ليس كل لغات هذه القبائل غير مقبولة، وثانية: لأن النحاة أنفسهم أخذوا بها، فنحن في نهاية الأمر قد نقلنا واستشهدنا بما استشهد به النحاة، فإذا كان النحاة قد استقرَوا الفصيح من اللغة، من الشاذ والمطرد، من هذه القبائل ونقلوه لنا، فلا شك أن ما نقلوه من اللغات واستشهدوا به لهو من اللغات التي يعتبرونها مأخوذ بها؛ بغض النظر إلى أي قبيلة تُعزى هذه اللغة، إن كانت لقبيلة صُنفت من القبائل التي تؤخذ منها اللغة أو لا.
فاللغات التي لجأنا إليها في توجيهاتنا كانت مندرجة في جلّها ومعظمها تحت لغة القبائل المأخوذ عنها، ولغات أخرى لم يكن قد صُرّح إلى أي قبيلة تُعزى هذه اللغة؛ ولكن بما أن النحاة أنفسهم قد استقروها ونقلوها واستشهدوا بها، فلا شك أنها من اللغات العربية التي يُعتد بها وإن كانت لغة غير مشهورة.
وقد ذهب البعض في تفسير قول ابن جني الآنف الذكر إلى أنه يعني القياس على لغة القبائل التي يُعتد بها فقط، حيث جاء:
“وقد أفرد ابن جني في كتابه (الخصائص) بابًا عنوانه: اختلاف اللغات وكلها حجة، وعليه عوَّل السيوطي في موضعين من كتابه (الاقتراح) أولهما هنا، والآخر في الكتاب السادس من (الاقتراح) المسألة الثانية، والمراد باللغات لغات القبائل المأخوذ عنها والمعتدّ بفصاحتها.” [ أصول النحو 1 – جامعة المدينة (ص: 99)]
وهذا رأي المؤلف، وهو صحيح مع الأخذ بعين الاعتبار أن في لغات القبائل غير المأخوذ عنها ما هو عربي فصيح يعتدّ به وهو كثير في لغتها، وكذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستقراء حتى من القبائل المأخوذ عنها كان ناقصا، وهناك من اللغات العربية الفصيحة لم تصلنا عنها أيضا. فكل ما نقل من لغات العرب الصحيحة، يُعتد به ويمكن القياس عليه وفق قول ابن جني؛ وذلك بغض النظر عن أي قبيلة نقل.
ولذا فالتفسير الصحيح لقول ابن جني :
“وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغةٍ من “لغات العرب” مصيب غير مخطئ, وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه.” [الخصائص (2/ 14)]
هو أنه ينطبق على كل لغة عربية صحيحة، سواء ما يعزى للقبائل المأخوذ عنها أو تلك التي صُنفت بأنها لا تؤخذ عنها اللغة، أو تلك اللغات التي نقلها لنا النحاة ولم يعزوها إلى قبيلة معينة؛ وذلك لما فصّلناه أعلاه من أن ليس كل لغات هذه القبائل مردود، ولأن النحاة أنفسهم أخذوا بهذه اللغة ونقلوها إلينا واستشهدوا بها باعتبارها لغة عربية صحيحة.
ومن هنا فإننا نرى بأن توجيهاتنا تنقسم إلى ما يلي:
- ما يندرج تحت لغات القبائل المأخوذ عنها وهو جلّ ومعظم توجيهاتنا.
- جزء يسير جدا ونسبته صفرية، لربما لغة أو اثنتين يندرج تحت لغة قبائل لم تُذكر أو قبيلة أدرجت تحت القبائل التي لا يؤخذ عنها اللغة.
ولكن كل هذه اللغات يندرج تحت ما أقره ونقله النحاة بأنفسهم واستشهدوا به على اعتباره لغة عربية صحيحة لقوم من العرب، أو لغة عربية قديمة جدا لم تنقل الكتب العربية لنا شواهد لها.
وطالما تذكّرنا أن الاستقراء في اللغة ناقص، وجب علينا عدم الطعن في مثل هذه اللغات مهما كان شذوذها.
كذلك فإننا لا بد في لغة المسيح الموعود عليه السلام، الأخذ بعين الاعتبار أن هذه اللغة مصدرها الوحي الإلهي وتأييده للمسيح الموعود عليه السلام، والله تعالى أعلم من أي نحويّ في مدى صحة هذه اللغات ومدى شيوعها. فاعتبارات النحاة وتقسيماتهم لا يمكن تقييد الوحي الإلهي بها. فإنْ قرر الله تعالى أن يخصّ مسيح آخر الزمان بأربعين ألفا من اللغات العربية الصحيحة، فهذه اللغات قد تندرج تحت اللغات المشهورة وغير المشهورة، وقد تندرج تحت لغة القبائل التي صنّفها النحاة من القبائل الفصيحة التي يُعتد بها أو القبائل التي لا يُعتد بلغتها، لأن هذه القبائل الأخيرة الكثير من كلامها ولغاتها صحيحة فصيحة والحكم عليها بيد الله وحده، وليس أحد مخولا للحكم عليها بشكل قطعي بالشذوذ أو العجمة أو الخطأ.
فالله تعالى في وحيه لأنبيائه وأصفيائه، ليس مقيدا بآراء النحاة ولا بعلمهم واستقرائهم الناقص ، ولا بما صنّفوه أنه من الشاذّ أو المشهور أو المقيس. فطالما كانت لغة عربية صحيحة جاز أن يشملها الوحي الإلهي وقد يتكلم بها النبي، خاصة إذا كان قرار الله تعالى المسبق أن يخصّ هذا النبي بخاصية التحدث بمثل هذه اللغات.
والمسيح الموعود عليه السلام قد أوحي إليه بلغات مختلفة منها الإنجليزية والعبرية، وقد أقرّ المسيح الموعود ومن قبله سيد الخلق محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى أوحى بلغات مختلفة لأنبيائه المختلفين على مرّ العصور ، فالله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (8)} (الرعد 8) وقال كذلك: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } (غافر 79) وقال أيضا {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ} (إِبراهيم 5) فلا شك أن هؤلاء الأنبياء المختلفين قد أوحي أليهم بلغاتهم الخاصة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا يقول المسيح الموعود عليه السلام:
“ذات مرة سُئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الأنبياء في بلاد أخرى فقال ما مفاده بأنه قد خلا أنبياء الله في كل بلد وقال: “كان في الهند نبي أسود اللون اسمه كاهنا … أي “كنهيّا” الذي يُسمَّى “كرشنا”. وسُئل – صلى الله عليه وسلم – أيضا: هل كلّم الله تعالى في اللغة الفارسية أيضا في وقت من الأوقات؟ فقال ما مفاده: نعم، لقد نزل كلام الله بالفارسية أيضا، وقال في تلك اللغة: “ايں مشت خاك را گر نه بخشم چه كنم“. [ينبوع المعرفة (الخزائن الروحانية مجلد 23) ]
فالوحي الذي يتنزل بكل هذه اللغات هل هو مقيد بلهجة أو لغة عربية معينة، أو هل هو مقيّد بتصنيفات النحاة أنفسهم، وهل وجب على الله تعالى قبل أن يوحي بهذه اللغات أن يستأذن النحاة أنفسهم أو أن يستشير من يظنون أنهم حماة اللغة العربية لانتقاء اللغة التي يتنزل بها الوحي، أو أن يستأذن منهم ما يمكن القياس عليه من لغات العرب وما لا يمكن القياس عليه؟!
تفكروا في كل هذا يا أولي الألباب، لتتيقنوا من صحة كل اللغات التي وجّهنا إليها كلام المسيح الموعود عليه السلام!