المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..205

حين يؤيد المسيحُ الموعودُ عليه السلام المبرّدَ ويخالف سيبويهَ في كلمة (ضخيم)

الاعتراض:

يدّعي المعارضون خطأ المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التالية، باستعماله الكلمات (ضخيم) و (وَسِم)، ووفق زعمهم لا بدّ أن تكون (ضَخْم) و (وسيم). ومفهوم زعمهم أن هذه الكلمات خاطئة وكأنها ليست من اللغة العربية الصحيحة والفصيحة. والفقرات التي يعترضون عليها هي:

1: فإن كنت في شك فارجع إلى القاموس وتاج العروس والصحاح وكتاب ضخيم المسمى لسان العرب. (نور الحق)

2: وتفصيل ذلك أن شابًّا صالحا وَسِمًا جاءني من بلاد الشام (نور الحق)

الردّ:

ردَدنا على هذا الاعتراض ردّا مفصلا في المقال السابق (مظاهر الإعجاز 204 على الرابط التالي: جواز القياس في صوغ الصفة المشبهة على وزن فعيل وفعِل). فأثبتنا فيه صحّة القياس في الصفة المشبهة على وزن فعيل وصحة وفصاحة كلمة: (ضخيم)، وقد دحض وفنّد النحو الوافي الرأي المانع للقياس في مثل هذه الصّيغ.

ولكن من الإثباتات الأخرى التي وجدناها على صحّة كلمة (ضخيم) هو ورودها عن كبار النحاة مثل أبو العباس المبرِّد المتوفى سنة 286 هـ ، وأبو السعيد السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه نقلا عن المبرِّد، وووردها في العديد من المصادر الأخرى مثل “معجم اللغة العربية المعاصرة” وغيرها، فقد جاء في هذا ما يلي:

1: ” كما قالوا: وسيم؛ لأنه نحوه في المعنى، وقالوا: نضر، كما قالوا: حسن، إلا أن هذا مسكن الأوسط، وقالوا: ضخم، ولم يقولوا: ضخيم، كما قالوا: عظيم “، وقد حكى أبو العباس المبرد ضخيم.” [شرح كتاب سيبويه (4/ 417)]

ونقل هذا ابن سيده في المخصص حيث قال:

2:  “وَقَالُوا ضَخْم وَلم يَقُولُوا ضَخيم كَمَا قَالُوا عَظيم وَقد حكى أَبُو الْعَبَّاس المبرِّد رَحمَه الله ضَخيم” [المخصص (4/ 291)]

كل هذا على الرغم من تصريح سيبويه في كتابه أنه لم يسمع عن العرب كلمة ضخيم، حيث قال :

وقالوا: ضخمٌ ولم يقولوا: ضخيمٌ كما قالوا: عظيمٌ.” [الكتاب لسيبويه (4/ 29)]

فكما نرى بأن المبرد يخالف سيبويه، فيقبل كلمة (ضخيم) رغم أن سيبويه يقول بأنها لم تسمع من العرب. وبناء على رأي سيبويه فقد خطأت بعض المصادر والآراء هذه الكلمة فجاء:

“ويقولون: رجلٌ (ضَخيمٌ)، وامرأةٌ (ضَخيمَةٌ). والصوابُ: رجلٌ ضَخْمٌ، وامرأةٌ ضخْمَةٌ. ولم يأتِ منه (فَعِيلٌ) ولا (فَعِيلَةٌ).” [المدخل إلى تقويم اللسان (ص: 450)]

ولكننا أثبتنا في المقال السابق وفق تصريح النحو الوافي، أنه رغم عدم السماع عن العرب، فإن القياس يجيز هذه الكلمة على وزن فعيل، ولسنا بحاجة للتقيّد بالسماع فقط. وإثبتنا بذلك بطلان الرأي القائل بالخطأ فيها.

ومن المصادر الأخرى التي تؤيد أبا العباس المبرد وتأخذ بصحة كلمة (ضخيم) هي التالية:

من المعاجم العربية:

3: “ضخيم [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ضخُمَ.” [معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1351)]

4: “ورَجُلٌ بطينٌ: ضَخْمُ «79» البَطْن،

وفي الهامش:

في الأصول: ضخيم.”  [العين (7/ 441)]

ومن المصادر الأخرى:

5: “قَوْله أعظم اجرا من الْمُؤمن الخ أَي لِأَن اخْتِلَاط النَّاس يُؤْذِي بِهِ بِالْحَاء شَتَّى من الايذاء ويصبر بالالام أَو التكاليف فِي الْوَاقِع فبسبب هَذَا الصَّبْر والتحمل يُؤَدِّي الى ذَلِك الْأجر الْعَظِيم وَالْجَزَاء الضخيم ومضمون ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن ثَبت فِي حَقه (إنْجَاح)” [شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره (ص: 292)]

6: [جلعب] فيه: كان رجلاً “جلعابا” أي طويلاً، وقيل: هو ضخيم جسيم” [مجمع بحار الأنوار (1/ 375)]

7: “وحكى أبو زيد: ” رجل عُظَام ” و ” جُسَام ” و ” ضُخَام ” و ” طُوَال “، ولم يقل في ضُخَام ضَخِيم، إنما هو ضَخْم، ولكن الأصل فيه ضخيم” [أدب الكاتب = أدب الكتاب لابن قتيبة (ص: 547)]

8: بعد أَن كملت مُقَدّمَة فِي مُجَلد ضخيم فِي سنة ثَلَاث عشرَة وثمان وَمِائَة. [الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص: 187)]

9: “والمعذرة على تشويه من رفعوه بخاتمهم الضخيم في بعض الصفحات”  [أرشيف منتدى الألوكة – 4 (ص: 0)]

10: ” عليك مخلّد ملك ضخيم … وعزّ في السّعادة والقبول” [نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار (2/ 184)]

11: “: فهّ كهّ: والفه: العيي؛ وأما الكه فلعله مذكر «كهة» بمعنى الثقيل الضخيم.”  في الهامش من  [معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (1/ 10)]

12: والساج: الطيلسان الاخضر أو الضخيم الغليظ أو الاسود. [تاريخ دمشق لابن عساكر (47/ 504) في الهامش]

13:  ثم خرج عليه الشيعة وقتلوه غيلة، وله تاريخ رشيدي كتاب ضخيم في التاريخ بالفارسي [نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (4/ 334)]

ومن الأدلة الأخرى والتي من شأنها ان تبين خطأ سيبويه وصحة ما ذهب إليه المبرد، هو ورود هذه الكلمة (ضخيم) كاسم أو كنية لشخص منذ زمن الفتنة في خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وعليه فإن سماع هذه الكلمة يعود إلى عصور الاحتجاج اللغوي على النقيض مما ذكره سيبويه، وذلك لمن أراد أن يقيد نفسه بهذه العصور ليعثر على الفصيح فيها ومنها فقط. فقد جاء ذكر اسم هذا الشخص (ضخيم) على أنه قاتل أحد مفتعلي الفتنة زمن سيدنا عثمان ويُدعى حكيم بن جبلة.  وفي هذا جاء:

” ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة: ألا من كان فيكم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة، فليأتنا بهم” فجيء بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا، فما أفلت منهم إلا حرقوص بن زهير السعدي من بني تميم “الطبري 180: 5”. روى عامر بن حفص عن أشياخه قال: ضرب عنق حكيم بن جبلة رجل من الحدان، يقال له ضخيم، فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه “الطبري 182”  [العواصم من القواصم ط دار الجيل (ص: 125)]

وجاء في تاريخ الطبري:

“ضرب عنق حكيم بن جبلة رجل من الحدان يقال لَهُ ضخيم،” [تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 474)]

وقد ذكرت هذه الحادثة العديد من المصادر التاريخية، وذكرت اسم أو كنية هذا الشخص.

ومن كل هذا نرى، أنه وإن كانت هناك بعض الآراء التي لا تجيز كلمة ضخيم وقد أثبتنا خطأ هذه الأراء، فإن ما يشهد على صحة كلمة ضخيم :

1: ورودها عن العرب من عصور الاحتجاج اللغوي

2: ورودها عن كبار النحاة كأبي العباس المبرد

3: ذكر وتجويز بعض المعاجم العربية لها

4: ورودها في العديد من المصادر العربية الأخرى.

5: صحتها وفصاحتها قياسا على وزن فعيل في الصفة المشبهة

ومن هنا يثبت صحة وفصاحة استعمال المسيح الموعود عليه السلام لهذه الكلمة، وثيبت من جديد جهل المعارضين بدقائق اللغة العربية.