المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..218

نظرة ثاقبة في التضمين وعلاقته بأصل اللغة

الاعتراض:

اتّهم المعارضون سيدنا أحمد عليه السلام بالخلط بين الفعل اللازم والمتعدي والخطأ فيهما، حيث عدّى حضرته الفعل اللازم وألزم المتعدي خطأ -وفق زعمهم-، وذلك في الكثير من الفقرات تزيد عن الأربعين فقرة، ومنها بعض إلهامات حضرته عليه السلام، كالإلهامات التالية:

_ “يا داود ((عامِلْ بالناس)) رفقًا وإحسانًا.

_ “عَسَى رَبُّكُمْ أنْ ((يَرْحَمْ عَلَيْكُمْ))

وادّعى المعارضون أن مردّ كل هذه الأخطاء، هو العجمة التي تؤثر على لغة المسيح الموعود العربية .

الردّ:

سبق ورددنا على هذا الاعتراض بالتفصيل في مقالات سابقة، وبيّنا أن كل هذه الفقرات تتوجَّه على ما يُسمى بأسلوب التضمين، والذي هو أحد الأساليب لتعدية الفعل وإلزامه. (يُنظر: مظاهر الإعجاز 26 و28 على الروابط التالية:

https://wp.me/pcWhoQ-3uW

https://wp.me/pcWhoQ-3wm

ورغم الشرح المفصّل في تلك المقالات إلا أنه قد بقيت بعض الجوانب التي لا بدّ من تبيينها في موضوع التضمين، سنقوم في هذا المقال بتبيينها وشرحها، حتى يكون الموضوع محاط من جميع جوانبه، وليردّ على أي تساؤل قد ينشأ فبي هذا الموضوع.

نبيّن من جديد معنى التضمين وشروطه بناء على القرار الذي خلص إليه مجمع اللغة العربية المصري، كما نقله النحو الوافي حيث جاء:

“القرار: التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم”.

ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة:

الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين.

الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.

الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي.

ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي”.  [النحو الوافي (2/ 594)]

 

ومن أهم الأمور التي نريد أن نؤكد علها بناء على هذا القرار أن التضمين قياسيّ، بمعنى أنه ليس مقصورا على ما سمع منه عن العرب فقط، فمن الممكن التعامل مع أي فعل وفق هذا المبدأ بناء على الشروط .

والأمر الثاني الذي لا بدّ من تبيينه، أن الشرط الأساسي للتضمين هو تحقّق المناسبة بين الفعلين، وعنها يقول النحو الوافي نقلا عن بحث مجمع اللغة ما يلي:

“ويؤخذ من هذا أنه لا بدّ من المناسبة، وإنما يعرف المناسبة أهل العربية الذين لهم دراية بالعربية وأسرارها.” [النحو الوافي (2/ 566)]

وقد عبر عنها الدكتور علي عبد الله العنبكي في كتابه “الحمل على المعنى في العربية” حيث قال عن التضمين:

” وذكروا أن ضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام لهما” [ الحمل على المعنى ص 338]

وهذه المناسبة قد تكون على نواح وطرق مختلفة منها:

1: علاقة سبب ونتيجة، كما في:

“قوله: “أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين”: ظاهر في أن الكلمة تستعمل في حقيقتها ومجازها، ألا ترى أن الفعل من قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم} ضمن معنى: يمتنعون من نسائهم بالحلف، وليس حقيقة الإيلاء إلا الحلف، فاستعماله في الامتناع من وطء المرأة إنما هو بطريق المجاز، من باب إطلاق السبب على المسبب [النحو الوافي (2/ 567)، نقلا عن بحث المجمع]

ومن الممكن أن يكون الفعل المذكور هو السبب والمحذوف هو النتيجة كما في المثال المذكور أو بالعكس، كما يظهر من الأمثلة الأخرى. مثلا: “فشمرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم”، والتشمير لا يتعدى بإلى، فيحمل على أنه قد ضمن شمر معنى: “الميل” الذي هو سبب التشمير عن ساق الجد..

2: أو الاشتراك في معنى واحد عام أو تقارب في المعنى، وهذا ما بيّنه الدسوقي في تعليقه على تعريف ابن هشام للتضمين حيث قال:

“قال الدسوقي: قوله يشربون لفظًا معنى لفظ، هذا ظاهر في تغاير المعنيين، فلا يشمل نحو: “وقد أحسن بي”، أي: لطف، فإن اللطف والإحسان واحد. فالأولى أن التضمين إلحاق مادة بأخرى لتضمنها معناها ولو في الجملة، أعني باتحاد أو تناسب”  [النحو الوافي (2/ 567)]

فعلاقة الفعلين قد تكون اتحاد بالمعنى، كما في (أحسنَ) و(لطَف).

3:  أو أن تكون علاقة حالية وذلك بأن يكون الفعل المذكور أو المحذوف حالا من الآخر، كما ورد في بحث مجمع اللغة الذي نقله النحو الوافي كما يلي:

“وفائدة التضمين هي أن تؤدي كلمة مؤدي كلمتين، فالكلمتان مقصودتان معًا قصدًا وتبعًا، فتارة يجعل المذكور أصلًا والمحذوف حالًا، كما قيل في قوله تعالى: {َلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} كأنه قيل: ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم، وتارة بالعكس، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ، أي: يعترفون به مؤمنين.” [النحو الوافي (2/ 565)]

أو كما في الأمثلة التالية:

_ “{وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك، مجاوزتين إلى غيرهم، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} ، أي: ولا تضموها آكلين لها؟” [النحو الوافي(2/ 567) ]

_ ” فعلى مذهب السعد يقال: ولا تأكلوا أموالهم ضاميها إلى أموالكم، وعلى مذهب الزمخشري نقول: ولا تضموها إليها آكلين”  [النحو الوافي (2/ 568)]

_ “فقولنا: أحمد إليك فلانًا، معناه: أحمده منهيًا إليك حمده. ويقلب كفيه على كذا: أي نادمًا على كذا، فمعنى الفعل المتروك وهو المضمن معتبر على أنه قيد لمعنى الفعل المذكور” [النحو الوافي (2/ 567)]

_ “أن تؤمن بالقضاء. . .”، فالمعنى: أن تؤمن معترضًا بالقضاء؛” [النحو الوافي (2/ 573)]

“يؤمنون بالغيب” تقديره: معترفين بالغيب.”  (يؤمنون معترفين بالغيب) [النحو الوافي (2/ 580)]

_ “فأماته الله مائة عام”؛ لأن التقدير: ألبثه الله مائة عام مماتًا” [النحو الوافي (2/ 573)]

4: أن تكون علاقة عطف فعل على آخر ، كما في:

“وبهذا يظهر أنه من قال: لا تنحصر طرق التضمين فيما قال، وأن منها العطف، نحو: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ، أي: الرفث والإفضاء إلى نساءكم، فقد غفل عن الباعث على هذا القول، على أنه لم يدع أحد الحصر،..”  [النحو الوافي (2/ 571)، نقلا عن بحث المجمع اللغوي]

5: أن تكون علاقة فعل ومفعول كما في:

“ومن العجيب أن بعضهم بعد ذكر كلام السعد والسيد قال: إنه لا ينحصر فيما قال السيد بل له طرق أخرى منها: أن يكون مفعولًا، كما في قولهم: أحمد إليك الله، أي: أنهى حمده إليك. [النحو الوافي (2/ 572)]  ووفق هذا يكون الفعل المذكور بمثابة مفعول للفعل المحذوف.

وأما الأمر الثالث الذي من المهم التأكيد عليه، هو وجوب وجود القرينة لملاحظة الفعل الثاني. ومن المهم أن نبين أن هذه القرينة متحققة عمليا بالتعدية نفسها على غير المألوف في الفعل المذكور. ففي تعدية اللازم تضمينا تكون القرينة التعدية بنفسها، وفي إلزام المتعدي تضمينا تكون القرينة حرف الجر الذي يؤتى به مع الفعل المذكور على غير المألوف.

وخير ما يلخص ويشرح لنا هذه الجوانب أو بعضها أو غيرها، البحث الذي قام به الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين عضو مجمع اللغة المصري فقد جاء فيه:

 

“للتضمين غرض هو الإيجاز. وللتضمين قرينة، هي تعدي الفعل بالحرف وهو يتعدى بنفسه، أو تعديته بنفسه وهو يتعدي بالحرف، وللتضمين شرط هو وجود مناسبة بين الفعلين. وكثرة وروده في الكلام المنثور والمنظوم تدل على أنه أصبح من الطرق المفتوحة في وجه كل ناطق بالعربية، متى حافظ على شرطه؛ وهو؛ مراعاة المناسبة.

فإذا لم توجد بين الفعلين العلاقة المعتبرة في صحة المجاز كان التضمين باطلًا. فإذا وجدت العلاقة بين الفعلين ولم يلاحظها المتكلم، بل استعمل فعل: “أذاع” مثلًا متعديًا بحرف الباء على ظنّ أنه يتعدى بهذا الحرف لم يكن كلامه من قبيل التضمين، بل كان كلامه غير صحيح عربية.

فالكلام الذي يشتمل على فعل عدي بحرف وهو يتعدى بنفسه، أو عدي بحرف وهو يتعدى بغيره، يأتي على وجهين:

الوجه الأول: ألا يكون هناك فعل يناسب الفعل المنطوق به، حتى تخرج الجملة على طريقة التضمين، ومثل هذا نصفه بالخطأ، والخروج عن العربية، ولو صدر من العارف بفنون البيان.

الوجه الثاني: أن يكون هناك فعل يصح أن يقصد المتكلم لمعناه مع معنى الفعل الملفوظ، وبه يستقيم النظم، وهذا إن صدر ممن شأنه العلم بوضع الألفاظ العربية، ومعرفة طرق استعمالها حمل على وجه التضمين الصحيح، كما قال سعد الدين التفتازاني: “فشمرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم”، والتشمير لا يتعدى بإلى، فيحمل على أنه قد ضمن شمر معنى: “الميل” الذي هو سبب التشمير عن ساق الجد.

فإن صدر مثل هذا من عامي أو شبيه بعامي، أي: ممن يدلك حاله على أنه لم يبين كلامه على مراعاة فعل آخر مناسب للفعل الملفوظ، كان لك أن تحكم عليه بالخطأ، فلا جناح عليك أن تحكم على قول العامة مثلًا أرجو الله قضاء حاجتي، باللحن والخروج عن قانون اللغة الفصحى؛ لأن فعل الرجاء لا يتعدى إلى مفعولين، وليس لك أن تخرجه على باب التضمين، كأن تجعل “أرجو” مشربًا معنى “أسأل” بناء على أن بين الرجاء، والسؤال علاقة السببية والمسببة، فإن هذا الوجه لم ينظر إليه أولئك الذين استعملوا فعل “أرجو” متعديًا إلى المفعولين.

ومن هنا نعلم أن من يخطئ العامة في أفعال متعدية بنفسها، وهم يعدونها بالحروف، مصيب في تخطئته، إذ لم يقصدوا لإشراب هذه الأفعال معاني أفعال أخرى تناسبها، حتى يخرج كلامهم على باب التضمين.

وليس معنى هذا أن التضمين سائغ للعارف بطرق البيان دون غيره، وإنما أريد أن العارف بوجوه استعمال الألفاظ، لا نبادر إلى تخطئته، متى وجدنا لكلامه مخرجًا من التضمين الصحيح، أما غيره كالتلاميذ، ومن يتعاطى الكتابة من غير أن يستوفي وسائلها، فإن قام الشاهد على أنه نحا نحو التضمين، كما إذا اعترضت عليه في استعمال الفعل المتعدي بنفسه متعديًا بحرف، فأجاب بأنه قصد التضمين وبيّن الوجه، فوجدته قد أصاب الرمية؛ فقد اعتصم منك بهذا الجواب المقبول، ولم يبق لاعتراضك عليه من سبيل.

وإن قام شاهد على أن المتكلم لم يقصد التضمين، وإنما تكلم على جهالة بوجه استعمال الفعل، كان قضاؤك عليه بالخطأ قضاء لا مردّ له، فمصحح ما يكتبه التلاميذ ونحوهم، يجب عليه أن يرد الأفعال إلى أصولها، ولا يتخذ من التضمين وجهًا لترك العبارة بحالها، والكاتب لا يعرف هذا الوجه، أو لم يلاحظه عند الاستعمال.

فللتضمين صلة بقواعد الإعراب من جهة تعدي الفعل بنفسه أو تعديه بالحرف، وصلة بعلم البيان من جهة التصريف في معنى الفعل، وعدم الوقوف به عند حد ما وضع له، ومن هذه الناحية لم يكن كبقية قواعد علم النحو، قد يستوي في العمل بها خاصة الناس وعامتهم.” [النحو الوافي (2/ 586- 584) ]

ومن الأمور المهمة المترشحة عن بحث الشيخ الخضر ما يلي:

_ أن التضمين لا بدّ من قبوله ممن يتكلم به قصدا، سواء كان من البلغاء العارفين بطرق البيان  أو من غيرهم. وقد علق الأستاذ عباس حسن في الهامش معترضا على استثناء العوام من التحدث بالتضمين في هذا البحث، وذلك لكونهم أنهم قد يكونون مقلدين للّغويين بقصد أو بغير قصد، والمهم عنده هو صحّة اللفظ أو خطؤه . (يُنظر : النحو الوافي 2/ 585)

_ أن العالم المتبحر الذي عرف ببلاغته وفصاحته لا يمكن أن نبادر إلى تخطئته إذا وجدنا أن التضمين هو أحد الوجوه التي يخرَّج عليها كلامه. وهذا الأمر أو هذه القاعدة لا بدّ ان يتنبه لها المعارضون، فهي تنسف كل اعتراضاتهم التي أدلوا بها في هذا الموضوع، حيث ثبت عن المسيح الموعود عليه السلام  بلاغته وفصاحته وامتلاكه لناصية اللغة، وعليه فما دمنا قد أثبتنا أن التضمين هو التخريج الذي توجَّه إليه الفقرات المعترَض عليها، فلم يعد هناك أي مكان للاعتراض .

ولنا هنا أن نذكر بأن الشرط الثالث الذي تحدث عنه قرار المجمع، وهو موافقة الذوق العربي، لهو في الحقيقة شرط فيه نظر وضبابية لا يمكن التخلص منها، وقد دار جدل بين أعضاء المجمع على هذا الذوق العربي، فما هي يا ترى حدود هذا الذوق، وهل للذوق العربي توحيد وتأطير، وهل للأذواق أن تتشابه وتتفق، أم أن الغالب فيها الاختلاف؟ ولذا فقد كان من بين أعضاء المجمع من اقترح أن يتوافق التضمين مع الذوق البلاغي، وهنالك من بينهم من اعترض على مسألة الذوق البلاغي هذه أيضا. ولذا فنخلص من هذا الجدل أن الشرطين الأساسيين للتضمين هما القرينة والمناسبة.

وقد نشر الأستاذ عباس حسن في نهاية الجزء الثاني من النحو الوافي البحث الكامل عن التضمين، والذي قام به مجمع اللغة العربية، وكذلك النقاشات التي دارت فيه، ثم القرار الذي خلص إليه المجمع، فبالإمكان الاطّلاع على كل هذا البحث من أجل الاستفاضة في الفهم والبحث.

وبناء على طرق التضمين المختلفة والمناسَبة بين الفعلين، سنوجه فقرات المسيح الموعود عليه السلام، بناء على تقدير الأفعال المضمَّنة، التي ذهبنا إليها في المقال الأصلي (مظاهر الإعجاز 26) . هذا لنؤكد تحقق الشرطين الأساسيين للتضمين في هذه الفقرات، وهذين الشرطين هما أولا: تحقق المناسبة، والثاني هو القرينة. وقد ذكرنا أن القرينة اللفظية متحققة بالتعدية نفسها على غير المألوف، فبقي أن نبيّن المناسبة وطرقها المختلفة وكيفية انطباقها على هذه الفقرات.

الفعل عامل:

  • “يا داود عامِلْ بالناس رفقًا وإحسانًا.( التذكرة)

_ تلطف أو تعطف بالناس رفقا وإحسانا. فالتلطف هو معاملة ،أو سبب لها

_ تعطف بالناس معاملا إياهم رفقا وإحسانا / عامل الناس متعطفا بهم

_ عامل وتلطف بالناس. 

  • لا يفكّرون في فعل الله وفيما عامل بعبده. ؟ (الاستفتاء)

التضمين: كالفقرة الأولى.

  • وإنّهم آلوا أن لا يعاملوا به إلا ظلمًا وزُورا. (الاستفتاء)

_ ينزلوا به / ينشغلوا به .. (فالإنزال والانشغال معاملة أو مسبب أو نتيجة لها)

  • أتجوّز عقولكم أن تلك المعاملات كلّها (يعامل الله برجل) يعلم أنه يفتري عليه، ويكذب أمام عينيه؟ (الاستفتاء)

_ تلك المعاملات كلها يخصّ/ يُلصق الله برجل . (وهي على معنى المعاملة أو سبب لها، أو من نتائجها)

_ يعامل الله متعطفا برجل

  • ألا يرون الآيات من ربي، أو رأوا كمثله ((معاملة الله برجل)) افترى؟ ( الاستفتاء)

_ تلطُّف الله برجل. (على معنى المعاملة أو السببية)

_ تعطُّف الله برجل معاملا إياه/ معاملة الله رجلا متعطفا به / معاملة الله متعطفا برجل

_ معاملة وتلطف الله برجل

 

الفعل رحم:

  • “عَسَى رَبُّكُمْ أنْ ((يَرْحَمْ عَلَيْكُمْ)) وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنَا، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ

حَصِيرًا.” {الحاشية الثالثة على الحاشية رقم 11 ، االبراهين الأحمدية}

يتعطف عليكم ( على نفس المعنى أو السببية)

يتعطف عليكم راحما / يرحم متعطفا عليكم

يرحم ويتعطف عليكم

ينزل عليكم رحمته  (على جعل الفعل المذكر مفعولا به)

  • “عسى ربّكم أن ((يرحم عليكم)) ، وإن عدتم عُدْنا، وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا.” (التذكرة )
  • ربِّ ((ارْحمْ على)) الذين يلعنون عليّ. (دافع الوساوس)

    تعطّف على … (على نفس المعنى أو السببية)

                تعطف عليهم راحما / ارحم متعطفا على ..

                 ارحم وتعطف على..

                 انزل رحمتك على ..   ( على جعل المذكور مفعولا للمحذوف)

 

  • ولم يبق فيهم من يتعاشر بالمعروف، ((ويرحم على الضعيف)) المؤوف.( التبليغ)
  • قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبِبْكم الله ويغفِرْ لكم ذنوبكم ((ويرحَمْ عليكم)) وهو أرحم الراحمين.” ( التبليغ)
  • ورأيت أنه يحبّني ويصدّقني، ((ويرحم عليّ))، ويشير إلي أن عُكّازته معي وهو من الناصرين. ( التبليغ)
  • وكن معه حيثما كان، ((وارحم عليه)) في الدنيا والآخرة، وأنت أرحم الراحمين. آمين ثم آمين. ( التبليغ)
  • خاطبني بنهجٍ كأنه يشير إلى ((الرُحم عليهم)) في الأيام الآتية (مكتوب احمد )
  • وكان الجزاء في كل هذه الأمور القتل والنهب، وإن خُفِّف فتقطيع الأيدي والأرجل، وإن ((رُحِمَ عليه)) فالحبس الشديد( التبليغ)

وقد أورد الدكتور علي عبد الله العنبكي تضمينا مشابها على الفعل رحم حيث أورد بيت الشعر التالي:

” وقال خلف بن خليفة:

فما حيلتي إن تكُ لكِ رحمة         عليّ ولا لي عنك صبر فأصبرُ

ضمّن الرحمة معنى التعطف فأدخل (على) عليها.” [ الحمل على المعنى في العربية ص 342- 343]

 

الفعل ناضل:

  • “ولكم أن تقولوا إنّ هذا إنشاء الشاميين، ولا قِبَل لنا بالشاميين، أو تقولوا إن هذا من علماء آخرين، ولا طاقة لنا بهم إنهم من الأدباء الكاملين، أو تقولوا إنه من المولوي الحكيم نور الدين، فما لنا أن ((نناضل بهذا الفاضل)) الأجلّ، إنّا من الجاهلين الأميين.” (مكتوب احمد )

 

_ ننشغل/ نلهو بهذا الفاضل . (على معنى المناضلة أو السببية والنتيجة)

_ ننشغل بهذا الفاضل مناضلين / نناضل منشغلين بهذا الفاضل

_ نناضل وننشغل بهذا الفاضل

_ نضيّع نضالنا بهذا الفاضل .. (على المفعول)

الفعل وَعَد:

  • وقد ((وعد الله للذين)) تُوُفّوا مسلمين أنهم لا يُردّون إلى الدنيا (التبليغ) أكد أقر
  • فهذا يُخالف نص القرآن الكريم لأن القرآن، كما ذكرت آنفا، قد وعد لمتّبعي عيسى ابن مريم – عليه السلام – وعدًا مؤكّدًا بالدوام وقال (حمامة البشرى)
  • فانظر كيف وعد الله للكافرين لعنة أبدية، حمامة البشرى (2/ 82)
  • فقد وعد الله لهم وقال: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، حمامة البشرى (2/ 137)
  • أن الله قد وعد في هذه الآيات للمسلمين والمسلمات (سر الخلافة)

كتب للذين توفوا   (على نفس المعنى او السببية)

كتب الله للذين توفوا واعدا / وعد الله كاتبا للذين…

وعد وكتب للذين

أكد / كتب وعده للذين (على المفعولية)

 

الفعل كَلَّم:

  • وكلّمني كما كلّم برسله الكرام. (الاستفتاء)

تلطف برسله الكرام  (على المعنى أو السببية)

تلطف برسله مكلما / كلم متلطفا برسله

كلم وتلطف برسله الكرام

بلّغ كلامه برسله الكرام   (على المفعولية)

  • فيكلم بعضهم بالبعض كأنه لا حجاب بينهم وكأنهم متقاربون.(التبليغ)

جمع / زوّج بعضهم بالبعض

جمع بعضهم بالبعض مكلمين إياهم / فيكلم جمعا بعضهم بالبعض

فيكلم ويجمع بعضهم بالبعض

 

الفعل سجد:

الفعل سجد فعل لازم وحقه أن يتعدى بحرف جر، فنقول أُسجد لي، إلا أن المسيح الموعود عليه السلام عدّاه بنفسه، وقال “اسجدني”، كما في الفقرة التالية:

  • وقال اسجدني، أعطيك دولة عظمى (نور الحق).

اعبدني/ عظّمني /أطعني أعطيك دولة عظمى   (على المعنى والسببية)

اعبدني ساجدا …/اسجد معظما عابدا إياي

اسجد واعبدني

 

الفعل أنكر:

  • ولعنةُ الله على مَن أنكر بإعجاز القرآن وجوهرِ حُسامه. (الهدى والتبصرة لمن يرى)

جحد/ استهزأ بإعجاز القرآن  (على المعنى والسببية)

جحد بإعجاز القرآن منكرا / أنكر جاحدا بإعجاز القرآن

أنكر وجحد/ واستهزأ  بإعجاز القرآن

 

الفعل أحاط:

  • أأنتم تحيطون أسراره أو تجادلونه معترضين؟ (مكتوب احمد)
  • ولله دقائق في أسراره، واستعارات في أخباره، أأنتم تحيطونها أو تنكرون كالمستعجبين؟ (مكتوب احمد)

تعلمون أسراره (على المعنى والسببية)

تعلمون أسراره محيطين بها

 

الفعل أمر:

  • وأمَر الله تعالى لجبرائيل أن يُوحي إليهم كلهم في آن واحد. (حمامة البشرى)

أوحى الله تعالى لجبريل  (على المعنى والسببية)

أوحى الله تعالى لجبريل آمرا / أمر الله تعالى موحيا لجبريل

أمر وأوحى الله لجبريل

أوحى / أوصل لجبريل أمره  (على المفعولية)

 

الأفعال تجنّبَ واجتَنَبَ:

  • وأمتنَ أسبابِ العافية كفُّ اللسان والتجنب من السبّ والغيبة، والاجتناب من أكل لحم الإخوة. (سر الخلافة )

الابتعاد من السب / والابتعاد من أكل اللحوم      (على المعنى والسببية)

والتجنب مبتعدا من السب../ والاجتناب مبتعدا من أكل..

التجنب والابتعاد من السب../ والاجتناب والابتعاد من أكل ..

 

على اعتبار أن هذه الأفعال لا يصح تعديتها بالحرف (من) رغم أنه من الممكن حسب رأيي؛ فلنا أن نقول أنّ فيها تضمين لمعنى الفعل “ابتعد”، الذي يتعدى بالحرف (من) فعوملت معاملته وعديت بالحرف (من)، لتشمل معنى الابتعاد أيضا.

 

الفعل جادَلَ:

  • “وإني أَعزِمُ عليكم بالله الرحمن، أن تَذَرُوني (مجادِلاً بأعداء) المصطفى والفرقان، وتُمِدُّوني بكَفِّ اللسان. (دافع الوساوس)

تذروني منشغلا بأعداء المصطفى   (على المعنى والسببية)

تذروني مجادلا ومنشغلا بأعداء المصطفى

 

الفعل أجاب:

  • ويعلمون أن هذا القول قول يجيب به عيسى بحضرة العزّة يوم القيامة. (الاستفتاء).

 

قيل بأن النص الصحيح لا بد أن يكون: يجيب به عيسى حضرةَ العزة. بإسقاط حرف (الباء) قبل (حضرة). والحق أنه لا خطأ ولا تضمين في هذا، بل قول سديد وصحيح، فمعنى (بحضرة العزة) أي بقرب الله تعالى، كما في لسان العرب: ويقال: إِنه لَيَعْرِفُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ ومَنْ بِعَقْوَتِه. الأَزهري: الحَضْرَةُ قُرْبُ الشيء، تقول: كنتُ بِحَضْرَةِ الدار.

 

 

الفعل سألَ:

  • وإن كنتَ تحسبني كاذبا فأَرِ الخلْق سرّي، واكشِفْ ستري، ((واسئلْ من أهل)) هذه القرية، لعلك تُنصَر من العدا. (الاستفتاء)

اطلب من أهل هذه القرية   (على المعنى والسببية)

اسأل أهل القرية طالبا منهم / اطلب من أهل هذه القرية سائلا اياهم/ اسئل طالبا من أهل القرية  

أطلب من أهل القرية سؤلك    (على المفعولية)

 

  • وإن ظهر صدقي فما أسأل أجرًا منك. (التبليغ )

 

الفعل اقتدى:

  • فإنّا أُمِرنا أن ((نقتدي الأنبياء)) كلهم ونطلب من الله كمالاتهم. (حمامة البشرى)

نتبع الأنبياء   (على المعنى والسببية)

نتبع الأنبياء مقتدين

 

  • ثم بعد وفاتهما قفوتُ أثرهما واقتديتُ سِيَرَهما (نور الحق )

 

 

الفعل كَرِه:

  • وأما كراهتنا من بعض معجزات المسيح فأمرٌ حق، (حمامة البشرى)

تنفرنا من بعض معجزات  (على المعنى والسببية)

تنفرنا من بعض ..كارهين / كراهتنا متنفرين من بعض

كراهتنا وتنفرنا من بعض

 

  • بل كنت أحبّ أن أعيش مكتومًا كأهل القبور، فأخرجني ربي على كراهتي من الخروج (الاستفتاء)
  • فأخرجني الله من حجرتي، وعَرّفني في النَّاس، وأنا كارهٌ من شهرتي، (الاستفتاء)
  • وهو يطوف بين الركن والمقام، فيبايعونه وهو كارهٌ من بيعة الأنام. (نور الحق)

 

الفعل لعن:

  • رَبِّ ارْحَمْ على الذين يلعَنون عليّ. (دافع الوساوس)

يجورون علي  (على المعنى والسببية)

يجورون علي لاعنين إياي / يلعنون جائرين علي

 

الفعل اعترف:

  • فهذا هو السبب الذي ألجأنا إلى اعتراف وفاة المسيح. (تحفة بغداد)

تأكيد وفاة المسيح (على المعنى والسببية)

تأكيد وفاة المسيح معترفين بها

اعتراف وتأكيد وفاة المسيح

 

وبعد كل هذا يثبت أن كل هذه الفقرات المعترض عليها في كلام المسيح الموعود عليه السلام تسير وفق قواعد التضمين وشروطه، التي ذكرناها مما يؤكد صحة توجيهنا لها على التضمين.

 

توجيه هذه الفقرات على التعدية واللزوم في أصل اللغة:

 

ومن الآراء الجديرة بالذكر في هذا الموضوع هو ما ذهب إليه الأستاذ عباس حسن في تعقيبه على بحث وقرار مجمع اللغة العربية ، حيث يرى بأن التضمين ليس من الأمور التي يمكن إثباتها بشكل قطعي، وأن هذه الأفعال التي وردت على غير المألوف في تعديتها ولزومها، ولجأ النحاة إلى القول بأنها على هذه الحال تضمينا، من الممكن أن تكون في أصلها جاءت بهذه الصورة من التعدية واللزوم.

وبناء عليه فإن صحّ رأي عباس حسن هذا، فكل هذه الأفعال التي قيل بوجود التضمين فيها وأنه هو أساس تعديتها ولزومها، ومنها الأفعال التي جاءت في فقرات المسيح الموعود عليه السلام أعلاه، فمن الممكن أن تكون قد جاءت هكذا في أصل اللغة على لسان العرب الفصحاء تارة متعدية بنفسها وتارة لازمة أي متعدية بحرف الجر، سواء إن كانت سُمعت بهذه الصورة في اللغة التي وصلتنا أو لم تسمع عن العرب وكانت في عداد حصة اللغة التي لم تصل إلينا .

وليس من البعيد أن تكون كل هذه التضمينات التي وردت في كلام المسيح الموعود عليه السلام، هي من قبيل التضمينات التي سُمعت عن العرب، غير أننا لا يمكننا التحقق من ذلك لأن تضمينات العرب كثيرة جدا ولم يقم أحد بإحصائها وجمعها، ويدل على ذلك تصريح ابن جني الوارد في بحث مجمع اللغة حيث جاء:

” قال ابن جني: لو جمعت تضمينات العرب ملأت مجلدات، “ [النحو الوافي (2/ 581)]

 

وقوله أيضا:

وقد ذكر ابن جني في الخصائص أنه لو نُقل ما جمع من التضمين عن العرب لبلغ مئين أوراقًا. [النحو الوافي (2/ 583)]

 

وبناء عليه فلو أخذنا بالتضمين على أنه أحد الوسائل لتعدية وإلزام الأفعال، فليس من البعيد أن تكون تضمينات المسيح الموعود عليه السلام هي من بين التضمينات التي لم تجمع من أقوال العرب، فقد تكون سماعية يتعذر الوصول إليها لأنها لم تجمع. وقد تكون تضمينات قياسية بناء على كثرة التضمين في كلام العرب واتساع بابه وهو ما يجعله قياسيا.

كما أنه ليس من البعيد ان تكون هذه الأفعال التي استعملها المسيح الموعود عليه السلام بصورها غير المألوفة في التعدية واللزوم ، هي هكذا في صلب اللغة وواردة في تضمينات العرب السماعية التي لم تجمع ولم تصل إلينا.

فإن أخذنا بالتضمين وصحته قلنا بأن عبارات المسيح الموعود عليه السلام تخرّج على التضمين في التعدية واللزوم. وإن قلنا بأن أصل التضمينات هو ورود هذه الأفعال متعدية ولازمة في نفس الوقت في أصل اللغة ، تكون عبارات المسيح الموعود عليه السلام أيضا متعدية ولازمة في أصل اللغة كما هي في عباراته عليه السلام. وهذه الأفعال قد تكون مما سمع عن العرب ولم يجمع او مما لم يسمع وضاع مع نصيب اللغة الضائعة.