المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..190
نكتة الإكثار من الاسم الموصول والركاكة فيه
الاعتراض:
يتهم المعارضون المسيح الموعود عليه السلام بأنه يُكثر من استعمال الاسم الموصول في اللغة العربية مثل: (الذي) و(التي)، وذلك تأثرا باللغة الأردية، لأنه حسب زعمهم يكثر استعمال هذه الأسماء الموصولة في اللغة الأردية.
ثم يدعي هؤلاء الواهمون بأن كثرة استعمال حضرته للاسم الموصول في لغته العربية هو مظهر من مظاهر العجمة ورالكاكة في لغته عليه السلام. وقد ساق هؤلاء عشرين فقرة من كلام المسيح الموعود عليه السلام مدّعين الركاكة فيها لورود الاسم الموصول فيها بما يرونه ليس لائقا وليس فصيحا لغة.
الرد:
لدحض هذا الاعتراض قمت أولا بإجارء الإحصاء التالي، لمعرفة نسبة ورورد الاسم الموصول في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية، ومقارنتها مع نسبة ورود الاسم الموصول في القرآن الكريم والذي هو أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة، وإليكم النتائج.
نسبة الاسم الموصول في القرآن الكريم:
عدد كلمات القرآن الكريم هي 77439
عدد المرات التي وردت فيها الأسماء الموصولة ( الذي، التي، الذين ) في القرآن الكريم 1368.
نسبة هذه الأسماء من القرآن الكريم: 1.7%
نسبة الاسم الموصول في كتابات المسيح الموعود عليه السلام العربية
عدد الكلمات في كتب المسيح الموعود عليه السلام العربية هو 396996 أي تقريبا 400000 كلمة.
عدد المرات التي وردت فيها الاسماء الموصولة مجتمعة هو 1603.
لذا فنسبة هذه الكلمات الموصولة في لغته عليه السلام 0.4% .
وعليه يتضح أن القرآن الكريم يرد فيه الاسم الموصول أربعة أضعاف ما هو في كتب المسيح الموعود عليه السلام العربية. فتسقط دفعة واحدة تهمة العجمة والركاكة المبنية على كثرة استعمال الاسم الموصول في لغة المسيح الموعود عليه السلام. وبناء على هذا ووفق معايير المعترضين يكون القرآن الكريم والعياذ بالله قمة في الركاكة وقلة الفصاحة، وهل يقول بذلك عاقل؟
من هنا يتبين أن معايير الفصاحة التي يبني عليها المعارضون اعتراضاتهم ما هي إلا أوهام باطلة، لا أصل لها في علم البلاغة، وتعيب كل حامل شهادة في اللغة إن تحدث فيها.
وأما بالنسبة لاستعمال الصيغ الخاصة “الذي يوجد” و” التي توجد” و “الذي يوجد فيه” فيكفينا أن نقول أن الاعتراض على استعمالها، إنما هو عبث في اللغة، لأن هذه الصيغ لا يستغني عنها أي كاتب فصيح وبليغ، وأما ادعاء كثرتها في لغة المسيح الموعود عليه السلام فهو محض كذب، إذ عددها في لغة المسيح الموعود 32 مرة، ونسبتها صفرية 0.008% في كتاباته عليه السلام، هذا على فرض أنها صيغ وتراكيب ركيكة، وهي ليست كذلك بتاتا.
فهذه التراكيب في الحقيقة من صميم اللغة العربية، تعج فيها الكتابات والمراجع العربية، سواء اللغوية والنحوية وغيرها. ولتأكيد وهم المعترضين في أنها تعابير وتراكيب ركيكة، سنمثل لها من الكتب العربية والأدب العربي، لنبيّن أنه وفق معايير المعترضين لن يسلم حتى أكابر اللغة والدين والفقه والتفسير من الركاكة والعجمة، فهي تراكيب فاشية في كتب تفسير القرآن والحديث .
الفقرات وأمثالها من الأدب العربي:
1:فلو كانت هذه الأمور وغيرها التي يوجد ذكرها في القرآن والأحاديث … (حمامة البشرى)
2:ويقول إن عيسى هو الروح الذي يوجد ذكره في جميع مقامات القرآن. (نور الحق)
3:وكيف لا نكرَه أمورا لا توجد حِلّتَها في شريعتنا؟ (حمامة البشرى)
4:بل الأمر البديل الذي يوجد نظائره في كلماتِ بلغاء لسان العرب. (نور الحق)
5: وهي من المراهم المشهورة المقبولة، ويوجد ذكرها في كتب زهاء ألف من هذه الصناعة (مواهب الرحمن، ص 63).
هذه الجمل الخمس نظيرها من الأدب العربي ما يلي:
أ: شرح الموطأ – عبد الكريم الخضير (2/ 32، بترقيم الشاملة آليا)
والإغماء الذي يوجد نظيره في النوم يلحق بالنوم،
ب: إظهار الحق (1/ 149)
الذي يوجد ذكره قليلاً في هذا الباب”
ج: علم فهرسة الحديث (ص: 91)
أوردنا الحديث واتبعناه بالمكان الذي يوجد فيه لفظه
د: شرح التلويح على التوضيح (2/ 150)
وَالثَّانِي مَرْدُودٌ وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ
ه: تفسير المنار (10/ 256) لمحمد رشيد رضا
وَتَوَافُقُ اللُّغَاتِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُوجَدُ مَعَانِيهَا عِنْدَ الْأُمَمِ النَّاطِقَةِ بِهَا شَائِعٌ مَعْرُوفٌ
و: التفسير المنير للزحيلي (6/ 180)
والمتاع الذي يوجد صاحبه عنده.
ز: مجموع الفتاوى (12/ 65)
يَتَكَلَّمُونَ بِالْأَسْمَاءِ وَالْحُرُوفِ الَّتِي يُوجَدُ نَظِيرُهَا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى
ح: مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية – رشيد رضا (3/ 53)
وهم إنما يتكلمون بالأسماء والحروف التي يوجد نظيرها في كلام الله تعالى
فقرات أخرى من كلام المسيح الموعود عليه السلام:
6:فَلا تَغْفَلُوا عَنْ هذا الْمَقَامِ يَا كَافَّةَ الْبَرَايَا، وَلا عَنِ السِّرِّ الَّذِي يُوجَدُ في الضَّحَايَا. (الخطبة الإلهامية)
7:العلوم التي توجد في مفردات اللسان العربية، تشهد بالشهادة الجليّة، أنها ليست فِعْلَ أحدٍ من البريّة. (منن الرحمن)
الجملتان الأخيرتان مثيلها من الأدب العربي ما يلي:
أ: تفسير الشعراوي (2/ 1189)
فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين:
ب: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 403)
والمراد من المقاصد والمعاني: ما يشمل المقاصد التي تعينها القرائن اللفظية التي
توجد في عقد،
ج:الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري (ص: 600)
وللمعادن التي توجد في الأرض.
د:شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (1/ 478)
مثلًا إن كان مفهوم البياض هو اللون المفرق للبصر مع الخصوصية التى توجد فى الثلج
فقرات اخرى:
يدعي المعترض أن كل الجمل التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام جاءت فيها الكلمات (الذي يوجد) و ( التي توجد) – جاءت زائدة لا حاجة لها ومن الأفضل والأفصح حذفها.
8:اختلف أهل التفسير في مرجع ضمير {بِهِ}، فقال بعضهم إن هذا الضمير الذي يوجد في آية {لَيُؤْمِننَّ بِهِ} راجع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم. (حمامة)
9:والطيور التي توجد في هذا العالم تنحصر في القسمين. (نور الحق)
10:وأما لفظ التوفي الذي يوجد في القرآن. (نور الحق)
11:ولكي تنطوي -كونها لغة إلهامية- على جميع البركات التي توجد في الأشياء التي تخرج من يد الله المباركة. (منن الرحمن)
12:وأما الاختلافات التي توجد في هذه الأحاديث فلا يخفى على مهرة الفن تفصيلها. (حمامة البشرى)
13:الإمام البخاري … عجِز عن رفع التناقض الذي يوجد في أحاديث صحيحة حتى تُوُفِّيَ. (حمامة البشرى)
14:ألا يعلمون أن لفظ التوفّي الذي يوجد في القرآن قد استعمله الله للموتى. (حمامة البشرى)
15:لأن المواعيد التي ذُكرتْ في هذه الآية بالترتيب قد وقعت وتمت كلها على ترتيبها الذي يوجد في تلك الآية. (حمامة البشرى)
16:نرى أشياء أخرى التي توجد في هذه الدنيا. (حمامة البشرى)
أسوق لكم عبارات مشابهة من المراجع العربية والتي بسهولة يمكن الادعاء فيها بزيادة العبارات (التي توجد) و(الذي يوجد)، ومن الممكن حذفها منها والادعاء بأن حذفها أفصح وهي كما يلي:
أ: أوضح التفاسير (1/ 413)
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} هي واحدة الحيوانات الصغيرة التي توجد بالمني
ممكن ان تقرأ: هي واحدة الحيوانات الصغيرة بالمني
ب: الموسوعة القرآنية (2/ 345)
أن الذى ينقسم عليه الخطاب من البسيط والاختصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التى توجد فى كلامهم موجودة فى القرآن
ممكن أن تقرأ: ونحو ذلك من الوجوه في كلامهم …..
ج: تفسير الشعراوي (2/ 1189)
فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين:
ممكن أن تقرأ : فالأرزاق في الكون تنقسم …
د: تفسير الشعراوي (2/ 1268)
لأن علمه مقصور على المرئيات التي توجد في عصره وغير معاصر للأشياء التي تحدث بعد عصره،
ممكن أن تقرأ : لأن علمه مقصور على المرئيات في عصره ..
ه: تفسير الشعراوي (3/ 1442)
أنه لا بد وقد رأى أن الألوان المتعددة من الرزق التي توجد عند مريم ليست في بيئته، أو ليست في أوانها؛
ممكن أن تقرأ: أن الألوان المتعددة من الرزق عند مريم
وهكذا بقية الجمل التالية ممكن أن تحذف منها الكلمات (الذي يوجد) و( التي توجد)
و: تفسير الشعراوي (5/ 2749)
لأن الغبار الذي يوجد في الجو يمشي في خط مستقيم،
ز: تفسير الشعراوي (8/ 5009)
فقد تكون الصورة مقبولة شكلاً، لكن العقيدة التي توجد في قلوب تلك الأجساد قذرة ونجسة،
ح: تفسير الشعراوي (10/ 6314)
فضلاً عن أن العذاب الذي يوجد في دنيا الأغيار هو عذاب يجري في ظل المظنة بأنه سينقضي،
ط: تفسير الشعراوي (5/ 2853)
إنّ العبث الذي يوجد في العالم سببه أن الناس قد استقبلوا خلق الله لهم،
عبارة أخرى من كلام المسيح الموعود عليه السلام:
17:والسرّ في عظمةِ مركّبات العربية، أنها رُكّبت من المفردات المباركة، التي توجد فيها غزارةُ المادّة والنظامُ الكامل. (منن الرحمن)
البديل: ركّبت من المفرداتِ المباركةِ غزيرةِ المادّةِ وكاملةِ النظام.
مثيل هذه العبارة من الأدب العربي:
أ: الرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء السادس) (ص: 4)
وقد ذكرنا في أول كل رسالة، المصادر التي توجد فيها تلك الرسالة،
ب: إظهار الحق (1/ 71)
وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات”
ج: إظهار الحق (3/ 906)
لأن الموضع الذي يوجد فيه أحكام الدين المسيحي وعقائده
د: تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (10/ 379)
إذ ذلك اليوم هو الذي يوجد فيه الجمع
ه: تفسير المنار (7/ 96)
الْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمَاءُ الْكَثِيرُ الْمُسْتَبْحِرُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ السَّمَكُ
و: تفسير المراغي (7/ 30)
والبحر: المراد به الماء الكثير الذي يوجد فيه السمك كالأنهار
النتيجة:
وبعد كل هذا، فهل أصبح أصحاب الكتب والمصنفات والموسوعات هذه أعاجم في نظر المعترضين!؟ فلو اعتمدنا على معايير المعارضين في الفصاحة والبلاغة لما بقي فصيحا من أدباء العرب، ولاضطررنا لضرب كل هؤلاء الجهابذة في اللغة والأدب بالركاكة والعجمة وقلة الفصاحة، مثل : ابن تيمية، ورشيد رضا، الشعراوي، الماتريدي، والشيخ عبد الوهاب، سواء هم أو محققي كتبهم. وورود مثل هذه التراكيب عن أدباء العرب المشهود لهم بفصاحتهم وبلاغتهم يدحض اعتراض المعترضين وينسفه من جذوره، ويؤكد صحة وفصاحة جمل المسيح الموعود عليه السلام وأنه لا يمكن أن يعترض عليها إلا جاهل أو حاقد.
ومما يؤكد وهم المعترضين في مسألة الفصاحة والركاكة وفساد معاييرهم فيها، أن ما يعتبرونه هم بأنفسهم ركيكا وارد في القرآن الكريم، وسنظل نذكرهم بلغة أكلوني البراغيث التي يصنفونها على أنها ركيكة أو ليست فصيحة، وهي واردة في القرآن الكريم أكثر من مرة؛ فبغض النظر عن اسمها أو تأويلاتها المختلفة، فما يهمنا أن التركيب وارد في القرآن الكريم ويصنّف عند المعترضين بأنه ليس فصيحا أو أقل فصاحة. ومن هنا فوفق معايير المعترض الفاسدة لا يسلم القرآن الكريم من الركاكة وقلة الفصاحة أيضا. فهل هذا يعوَّل على مستواه الفكري والعلمي والنقدي؟
إن مدار كلام العرب هو على الفائدة، ومتى تحققت الفائدة كان التركيب سليما صحيحا لا يمكن القدح فيه، هكذا تقر المراجع اللغوية. والفصيح البليغ لا يقتصر كلامه على أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة، فقد يشمل كلامه ما هو أقل فصاحة فأقل فصاحة، ويجيز لنفسه استعمال التعابير الأقل رواجا كنوع من التفنن في اللغة، ولكنه يبقى في عداد الفصيح.
وبهذا نكون قد نسفنا كل اعتراضات العجمة التي يدعيها المعارضون في استعمال الاسم الموصول في لغة المسيح الموعود عليه السلام. فهي ليست مظاهر عجمة وركاكة، بل مظاهر إعجاز وبلاغة وإلمام في اللغة العربية ودقائقها وامتلاك ناصيتها.