المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 56
نكتة رفع اسم إنّ..1
الاعتراض :
قيل بأن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ برفعه لاسم (إنّ) المذكور بين الاقواس المزدوجة في الفقرات التالية:
- وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن ((مالِكٌ)) الذي كان أحد من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد، ص 9).
- فمن العجب أن علماء الإسلام اعترفوا بأن ((اليهودُ الموعودون)) في آخر الزمان ليسوا يهودا في الحقيقة (الخطبة الإلهامية، ص 4).
- وأن لكل إنسان ((لسانٌ)) وأذنين، و((أنف)) وعينين (حمامة البشرى، ص 87).
- مع أن فيه ((قطاعُ الطريق)) وسباعٌ وأفاعي وآفاتٌ أخرى (حمامة البشرى، ص 5).
- ألا تعلمون أن ((هذان)) نقيضان فكيف يجتمعان في وقت واحد أيها الغافلون؟ (التبليغ)
- وقد سخّر الشمس والقمر والنجوم للناس، وأشار إلى أن ((كلٌّ)) منها خُلق لمصالح العباد. (حمامة البشرى)
- أفأنت تشهد أن ((الدارقطني)) وجميعُ روايات هذا الحديث وناقِلوه في كتبهم وخالِطوه في الأحاديث من أوّل الزمان إلى هذا الأوان كانوا من المفسدين الفاسقين. (نور الحق)
الردّ:
التوجيه الأول على إضمار وحذف ضمير الشأن:
لا خطأ واقع في أيّ من العبارات المشار إليها والمعترض عليها في الفقرات أعلاه!!
إذ إن جميع هذه الفقرات تُخرّج وتُوجّه وفق توجيه نحوي معروف، وهو إضمار ضمير الشأن بعد النواسخ وبالذات بعد إن وأخواتها ليكون هذا الضمير في محل نصب اسمها؛ ويبقى المبتدأ والخبر اللذان دخل عليهما الناسخ مرفوعين والجملة منهما في محل رفع خبر الناسخ (إنّ).
وهذا ما ذكرناه مرارا عن ضمير الشأن في المقالات السابقة ونعيد تفصيله هنا مختصرا.
جاء في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع في تعريف ضمير الشأن ما يلي:
“ضمير الشَّأْن فَإِن مفسره الْجُمْلَة بعده قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ ضمير غَائِب يَأْتِي صدر الْجُمْلَة الخبرية دَالا على قصد الْمُتَكَلّم استعظام السَّامع حَدِيثه وتسميه البصريون ضمير الشَّأْن والْحَدِيث إِذا كَانَ مذكرا وَضمير الْقِصَّة إِذا كَانَ مؤنثا…. وَسَماهُ الْكُوفِيُّونَ ضمير الْمَجْهُول… …. ويبرز مَنْصُوبًا فِي بَابي إِن وَظن نَحْو {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} الْجِنّ 19 وَقَوله (عَلمْتُه الحقَّ لَا يَخْفى على أحَدِ … ) ويستكن فِي بَاب كَانَ وَكَاد نَحْو (إِذا متُّ كَانَ الناسُ صنفان شامِتٌ … وآخرُ مُثْن بِالَّذِي كنتُ أصْنَعُ)” (إ.ه) { همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (1/ 272)}
وجاء في شرح الكافية الشافية لابن مالك في فصل ضمير الشأن:
“: قد يقصد المتكلم تعظيم مضمون كلامه قبل النطق به، فيقدم ضميرًا كضمير غائب يسمى ضمير الشأن، ويعمل فيه الابتداء، أو أحد نواسخه، وهي “كان” و”إن” و”ظن” أو إحدى أخواتهن. ويجعل الجملة بعده متممة لمقتضى العامل
نحو: “هو الله أحد” في أحد الوجهين. و”كان الله أحد”. و”إنه الله أحد”. و”علمته الله أحد”.
فموضع الضمير في المثال الأول رفع بالابتداء. وفي الثاني رفع بـ”كان” إلا أنه استتر كما يستتر الفاعل إذا كان ضمير غائب. وموضعه في الثالث والرابع نصب بـ”إن” و”علمت”.
وموضع الجملة في الأول، والثالث: رفع. وفي الثاني والرابع: نصب.
ويجوز حذفه مع “إن” وأخواتها، ولا يخص ذلك بالضرورة وعليه يحمل قوله، عليه السلام: “إنّ من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون”.
التقدير: إنه من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون. وأنشد سيبويه:
ولكن من لا يلق أمرًا ينوبه بعدته ينزل به وهو أعزل” (إ.ه) { شرح الكافية الشافية 234-236}
وجاء في حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 396) عن جواز بل وكثرة حذف ضمير الشأن ما يلي:
“ـ. وحذف أحدهما لقرينة جائز على قلة إلا الاسم الذي هو ضمير الشأن فإن حذفه كثير وعليه خرّج المصنف حديث: “إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون“.
وحاصل كلام الهمع وابن مالك في شرح الكافية وكلام الصبان في حاشيته:
- لضمير الشان أسماء مختلفة: الشأن، القصة، الحديث، المجهول.
- يؤتى به لاستعظام الحديث وتفسره الجملة التي بعده
- هو اسم يحكم عليه بالإعراب وفق العامل الذي يسبقه
- يبرز هذا الضمير في باب إن وظن وأخواتهن أي عندما يكون منصوبا، ويستكن في باب كان وكاد أي عندما يكون مرفوعا.
- جواز حذف ضمير الشأن بل هذا الحذف كثير ، ويجوز هذا في باب إن وأخواتها
وما يهمنا في كل هذا هو شهادة ابن مالك والصبان على أن حذف ضمير الشأن في باب إن وأخواتها جائز بل وحذفه عامة كثير. إذ استشهد هؤلاء بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم حذف فيه ضمير الشأن هذا بعد (إنّ) وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
“إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون“.
وبناء على هذا التوجيه يكون تقدير عبارات المسيح الموعود عليه السلام كما يلي:
1- وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن ((مالِكٌ)) الذي كان …
التقدير: أنه مالكٌ الذي كان .. الهاء:ضمير الشأن اسم إن في محل نصب. مالك: مبتدأ مرفوع؛ والجملة بعد (إنه) في محل رفع خبر إن.
2- بأن ((اليهودُ الموعودون)) في آخر الزمان ليسوا يهودا في الحقيقة
التقدير: بأنه اليهودُ الموعودون… الهاء: اسم إن منصوب، اليهودُ : مبتدأ مرفوع، والجملة بعد (إنه) في محل رفع خبر إن.
3- وأن لكل إنسان ((لسانٌ)) وأذنين، و((أنف)) وعينين
التقدير: وأنه لكل إنسانٍ لسانٌ وأذنين، وأنه لكل إنسانٍ أنفٌ وعينين. الهاء: اسم أن المنصوب. لكل إنسان: خبر مقدم ، لسانٌ: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر أن. أذنين: إما منصوبة بفعل مقدّر على الاختصاص بتقدير (أخصّ أذنين)، وإما معطوفة على المعنى أو على التوهم، أي بتوهم القاعدة الأصلية التي توجب نصب كلمة لسان. (يُنظر مقال نكات العطف عند المسيح الموعود، المظاهر الإعجازية 12 )
4- مع أن فيه ((قطاعُ الطريق)) وسباعٌ وأفاعي وآفاتٌ أخرى
التقدير: مع أنه فيه قطاعُ الطريق. الاعراب كسابقتها. قُطاعُ: مبتدأ مؤخر فيه:خبر مقدم والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر (أنّ). وباقي الكلمات المعطوفة أيضا مرفوعة. أفاعي: اسم منقوص مرفوع بالفتحة المقدرة على الياء وقد أثبتت الياء على لغة للعرب تثبت ياء المنقوص في جميع حالاته، الرفع والجر والنصب. (يُنظر مقال المظاهر الغعجازية 9)
5- : ألا تعلمون أن ((هذان)) نقيضان .
التقدير: أنه هذان نقيضان. هذان: مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى، نقيضان: خبره؛ والجملة منهما في محل رفع خبر (أنّ) والهاء ضمير الشأن في محل نصب اسم (أنّ).
6- وأشار إلى أن ((كلٌّ)) منها خُلق لمصالح العباد.
التقدير: أنه كلٌّ منهما خلق … الهاء :ضمير الشأن في محل نصب اسم أن، كلٌ :مبندأ مرفوع خبره الجملة (خُلق ..) والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر (أن).
7- : أفأنت تشهد أن ((الدارقطني)) وجميعُ روايات هذا الحديث وناقِلوه في كتبهم وخالِطوه في الأحاديث من أوّل الزمان إلى هذا الأوان كانوا من المفسدين الفاسقين.
التقدير: أنه الدارقطني وجميعُ .. الهاء: اسم أنّ منصوب: الدار قطني مبتدأ مرفوع خبره الخملة (كانوا من …)، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر (أنّ).
وبهذا تثبت صحة عبارات المسيح الموعود عليه السلام كلها التي اعترض عليها وقيل أن حضرته عليه السلام قد رفع اسم أن فيها، فلا خطأ ولا سهو واقع فيها البتة.