المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..49
(ملحوظة: من يشق عليه قراءة المقال كله بإمكانه بعد المقدمة الانتقال مباشرة للنتيجة والتلخيص)
سلسلة مقالات الـ” ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت في ما ظُن أنه رفع خبر كان..
نكتة رفع خبر كان وأخواتها ..2
كان الشأنية وأخواتها
الاعتراض:
زُعم أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في العديد من المواضع برفع خبر كان وأخواتها، وحقه أن ينتصب؛ كما هو وارد في الفقرات والعبارات التالية بين الأقواس المزدوجة:
- وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن مالِك الذي كان ((أحد )) من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد)
- فالآية تدل على أنه علم للساعة من وجه كان ((حاصل)) له بالفعل (حمامة البشرى).
- دقّت المباحث الدينية في هذا الزمان، وصارت معضلاتها ((شيء)) لا تفتح أبوابها من دون الرحمان (الهدى والتبصرة)
- وكان هذا ((وعد)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن (الخطبة الإلهامية).
- وكان هذا ((وعد )) من الله القهار (سر الخلافة).
- كان هذا ((يومٌ)) بعدَ يوم العيد (نجم الهدى).
- وكان ذلك ((وعدٌ)) من الله المنّان (لجة النور).
- وكان وقتي هذا ((وقت ))كانت العيون فيها مُدّتْ إلى السماوات مِن شدّة الكربة (نجم الهدى).
- فإن الله الذي هو قيّوم الأشياء، وبه بقاء الأرض والسماء، كيف يمكن أن يكون ((أحدٌ)) من الموجودات. (مكتوب أحمد).
- إن الصدّيق والفاروق كانا ((أميرا)) ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا (سر الخلافة)
- هذا ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، وما كان ((حديث)) يُفترى (الخطبة الإلهامية)
- وكان الميّت حيّاً ما دام عيسى ((قائم)) عليه أو قاعداً (حمامة البشرى)
- وكانوا عند الحرب لمواضعهم ((ملازمون)). (نجم الهدى).
الردّ:
التوجيه النحوي الأول لهذه اللغة
المقدمة:
لقد أثبتنا في المقال الفائت ورود مثل هذه اللغة، الواردة عند المسيح الموعود عليه السلام، في النصوص القديمة مثل الحديث الشريف على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة رضي الله عنها، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ وذلك في صحيح البخاري ثاني الكتب بعد القرآن الكريم؛ وكذلك ورودها عن الإمام الشافعي الحجة؛ مما يؤكد ويشهد على صحة هذه اللغة وفصاحتها ويبكّت كل من تسول له نفسه أن يطعن فيها.
وأما الآن فلا بد أن نبيّن التخريجات أو التوجيهات النحوية لهذه اللغة. وأوّل هذه التوجيهات هو حمل (كان وأخواتها) فيها على أنها شأنية، بمعنى أنه قد أُضمر فيها ضمير الشأن ( والذي يسمى أيضا ضمير المجهول عند الكوفيين، أو ضمير الحديث، أو ضمير القصة للمؤنث) والذي يُعتبر اسما لها مرفوعا، فيبقى المبتدأ والخبر في الجمل التي تدخل عليها هذه النواسخ مرفوعين، على أن تكون الجمل الاسمية منهما في محل نصب خبر النواسخ.
*****************************************************
البحث والتفصيل:
لقد ذكرنا في المقالات السابقة أنّ كان عند اللغويين وكبار النحويين تأتي بخمسة أحوال: ناقصة، تامة، زائدة، بمعنى صار، وشأنية. وقد وجّهنا الكثير من عبارات المسيح الموعود عليه السلام وفق هذه الأنواع المختلفة لـــ (كان)، سوى كان الشأنية. وقد ذكرنا من بين ما ذكرناه في تلك المقالات أن بعض العبارات والفقرات قد تحتمل أكثر من توجيه لمعاني وأنواع (كان)، إذ قد تُعد فيها (كان) تامة أو زائدة أو ناقصة أو شأنية في نفس الوقت. (راجع المظاهر الإعجازية 2 و 3)
أما تفصيل الأمر بالنسبة لكان الشأنية فهو كما يلي:
جاء في كتاب همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي ما يلي:
“كَانَ وَأَخَوَاتهَا
نواسخ الِابْتِدَاء الأول كَانَ وَأصْبح وأضحى وَأمسى وظل وَبَات وَصَارَ وَلَيْسَ مُطلقًا ودام بعد مَا الظَّرْفِيَّة …وَيرْفَع الْمُبْتَدَأ خلافًا للكوفية وَيُسمى اسْمهَا وفاعلا … وَينصب الْخَبَر وَيُسمى خَبَرهَا ومفعولها … ويُرفعان بعْدهَا بإضمار الشَّأْن وَثَالِثهَا إِلْغَاء … وَجوز الْجُمْهُور رفع الاسمين بعد كَانَ وَأنْكرهُ الْفراء ورُد بِالسَّمَاعِ قَالَ 347 (إِذا مُتّ كَانَ النَّاس صِنْفان شامِتٌ … وَآخر مُثْن بِالَّذِي كنتُ أصْنَعُ)
وَقَالَ 348 -(وَليْس مِنْهَا شِفَاءُ الدَّاء مَبْذُولُ … )
ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَوْجِيه ذَلِك فالجمهور على أَن فِي كَانَ ضمير الشَّأْن اسْمهَا وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَوضِع نصب على الْخَبَر وَنقل عَن الْكسَائي أَن كَانَ ملغاة وَلَا عمل لَهَا وَوَافَقَهُ ابْن الطراوة …” { همع الهوامع 208-410}
وجاء في كتاب اللمع لابن جنّي:
“إِضْمَار اسْم كَانَ
وَقد يضمر فِيهَا اسْمهَا وَهُوَ ضمير الشَّأْن والْحَدِيث فَتَقَع الْجمل بعْدهَا أَخْبَارًا عَنْهَا تَقول كَانَ زيد قَائِم أَي كَانَ الشَّأْن والْحَدِيث زيد قَائِم قَالَ الشَّاعِر
(إِذا مت كَانَ الناسُ نِصْفَانِ شامتٌ … وَآخر مثنٍ بِالَّذِي كنت أصنع) // الطَّوِيل
أَي كَانَ الشَّأْن والْحَدِيث النَّاس نِصْفَانِ“{ اللمع في العربية لابن جني (ص: 37)}
فحاصل كلام الهمع واللمع:
- تجويز الجمهور لرفع الاسمين ( المبتدأ والخبر) بعد كان وأخواتها على إضمار ضمير الشأن فيها.
- عند الكسائي وابن الطراوة تُعد كان في مثل هذه الأحوال ملغاة لا عمل لها، وهو ما يتوافق مع ما أثبتناه في مقالات سابقة عن كون كان زائدة. ( أنظر مقال المظاهر الإعجازية 2 عن كان الزائدة)
وعن ضمير الشأن نذكّر بهذا التفصيل:
جاء في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (1/ 272) في تعريف ضمير الشأن ما يلي:
“ضمير الشَّأْن فَإِن مفسره الْجُمْلَة بعده قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ ضمير غَائِب يَأْتِي صدر الْجُمْلَة الخبرية دَالا على قصد الْمُتَكَلّم استعظام السَّامع حَدِيثه وتسميه البصريون ضمير الشَّأْن والْحَدِيث إِذا كَانَ مذكرا وَضمير الْقِصَّة إِذا كَانَ مؤنثا…. وَسَماهُ الْكُوفِيُّونَ ضمير الْمَجْهُول لِأَنَّهُ لَا يدْرِي عِنْدهم مَا يعود عَلَيْهِ وَلَا خلاف فِي أَنه اسْم يحكم على مَوْضِعه بالإعراب على حسب الْعَامِل إِلَّا مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الطراوة من زَعمه أَنه حرف فَإِنَّهُ إِذا دخل على إِن كفها عَن الْعَمَل كَمَا يكفها مَا وَكَذَا إِذا دخل على الْأَفْعَال الناسخة كفها وتلغى كَمَا يلغى بَاب ظن وَمَال أَبُو حَيَّان إِلَى مُوَافَقَته وَشرط الْجُمْلَة الْمُفَسّر بهَا ضمير الشَّأْن أَن تكون خبرية فَلَا يُفَسر بالإنشائية وَلَا الطلبية وَأَن يُصَرح بجزأيها فَلَا يجوز حذف جُزْء مِنْهَا …. وَزَعَمُوا أَيْضا أَنه يجوز حذف جُزْء الْجُمْلَة فَيُقَال إِنَّه ضرب وَإنَّهُ قَامَ …. ويبرز مَنْصُوبًا فِي بَابي إِن وَظن نَحْو {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} الْجِنّ 19 وَقَوله 187 –
(عَلمْتُه الحقَّ لَا يَخْفى على أحَدِ … ) ويستكن فِي بَاب كَانَ وَكَاد نَحْو 188 –
(إِذا متُّ كَانَ الناسُ صنفان شامِتٌ … وآخرُ مُثْن بِالَّذِي كنتُ أصْنَعُ)” (إ.ه){همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (1/ 272)}
فحاصل كلام الهمع:
- لضمير الشان أسماء مختلفة: الشأن، القصة، الحديث، المجهول.
- يُؤتى به لاستعظام الحديث، وتُفسّره الجملة التي بعده
- هو اسم يُحكم عليه بالإعراب وفق العامل الذي يسبقه
- عند البعض كابن الطراوة وأبي حيان هو حرف يكفّ إن وأخواتها والنواسخ الفعلية عن العمل
- عند البعض يجوز حذف أحد جزأي الجملة المفسرة، وعند الآخرين لا بدّ أن يصرح بجزأيها ولا يمكن حذف أحدهما
- يبرز هذا الضمير في باب إن وظن وأخواتهن أي عندما يكون منصوبا، ويستكن في باب كان وكاد أي عندما يكون مرفوعا.
**********************************************
النتيجة والتلخيص:
ووفق كل ما تقدم نخلص إلى ما يلي:
- تجويز الجمهور لرفع الاسمين ( المبتدأ والخبر) بعد كان وأخواتها على إضمار ضمير الشأن فيها واعتباره اسمها والجمل بعده في محل نصب خبرها.
- عند الكسائي وابن الطراوة تُعد كان في مثل هذه الأحوال ملغاة لا عمل لها، وهو ما يتوافق مع ما أثبتناه في مقالات سابقة عن كون كان زائدة. ( أنظر مقال المظاهر الإعجازية 2 عن كان الزائدة)
- لضمير الشان أسماء مختلفة: الشأن، القصة، الحديث، المجهول.
- يؤتى به لاستعظام الحديث وتفسره الجملة التي بعده
- هو اسم يُحكم عليه بالإعراب وفق العامل الذي يسبقه
- عند البعض كابن الطراوة وأبي حيان هو حرف يكف إن وأخواتها والنواسخ الفعلية عن العمل
- عند البعض يجوز حذف أحد جزأي الجملة المفسرة وعند الآخرين لا بد أن يصرح بجزأيها ولا يمكن حذف أحدهما
- يبرز هذا الضمير في باب إن وظن وأخواتهن أي عندما يكون منصوبا، ويستكن (يُضمر/ يُقدّر/ يُحذف) في باب كان وكاد أي عندما يكون مرفوعا.
****************************************************
انطباق هذا التوجيه على كلام المسيح الموعود والأمثلة التي سقناها في المقال السابق:
ما جاء في رسالة الإمام الشافعي حيث قال:
- فكان ما سَمَّى حَلالاً ((حَلالٌ))، وما سمى حراماً ((حرامٌ)) {الرسالة للشافعي (1/ 202)}
يؤكد محقق الرسالة في هامش نفس الصفحة صحة رفع كلمة ((حلال)) و((حرام))، رغم أن حقها النصب على اعتبار أنها خبر كان، ويؤكد ذلك وفق تخريجات مختلفة؛ إحداها إضمار ضمير الشأن في كان واعتباره اسمها؛ على أن تكون الجمل (ما سمى حلالا حلالٌ) و (ما سمى حراما حرام) المكونة من مبتدأ وخبر، في محل نصب خبر كان؛ وبذلك تكون كلمة (حلالٌ) و (حرامٌ) خبرا مرفوعا للمبتدأ (ما). فيكون تقدير الجملة كما يلي:
فكان ( الشأن) ما سَمَّى حَلالاً حَلالٌ، و كان الشأن ما سمى حراماً حرامٌ.
وأما بالنسبة لعبارات المسيح الموعود المُعترض عليها، فنرى أن هذا التوجيه ينطبق تماما على الفقرات التالية من كلامه عليه السلام:
3- دقّت المباحث الدينية في هذا الزمان، وصارت معضلاتها ((شيء)) لا تفتح أبوابها من دون الرحمان (الهدى والتبصرة)
على تقدير: وصارت القصة معضلاتُها شيئٌ..
الاعراب: ضمير الشأن أو القصة في محل رفع اسم صارت؛ معضلاتُها: مبتدأ .. شيئٌ: خبر المبتدأ .. والجملة” معضلاتها شيئ : في محل نصب خبر صارت.
4- وكان هذا ((وعد)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن (الخطبة الإلهامية).
التقدير: وكان الشأن هذا وعدٌ من الله.
الاعراب: ضمير الشأن في محل رفع اسم كان.هذا: مبتدأ .. وعدٌ: خبر المبتدأ . والجملة “هذا وعدٌ ..”: في محل نصب خبر كان.
5- وكان هذا ((وعد )) من الله القهار (سر الخلافة).
التقدير: وكان الشأن هذا وعدٌ من الله.
الاعراب كالجملة السابقة.
6- كان هذا ((يومٌ)) بعدَ يوم العيد (نجم الهدى)
التقدير: كان الشأن هذا يومٌ بعد..
الاعراب كسابقتها.
7- وكان ذلك ((وعدٌ)) من الله المنّان (لجة النور).
التقدير: وكان الشأن ذلك وعدٌ. الاعراب: ضمير الشأن اسم كان مرفوع. ذلك: مبتدأ. وعدٌ: خبر المبتدا مرفوع. والجملة “ذلك وعدٌ” في محل نصب خبر كان.
8- وكان وقتي هذا ((وقتٌ ))كانت العيون فيها مُدّتْ إلى السماوات مِن شدّة الكربة (نجم الهدى)
التقدير: وكان الشأن وقتي هذا وقتٌ كانت العيون فيها مدت …
الاعراب: ضمير الشأن اسم كان في محل رفع. وقتي: مبتدأ. وقتٌ: خبر . والجملة: وقتي هذا وقتٌ..: في محل نصب خبر كان .
12- وكان الميّت حيّاً ما دام عيسى ((قائم)) عليه أو قاعداً (حمامة البشرى)
كما رأينا فإن الهمع يصنف (ما دام) من أخوات (كان) ويسري عليها نفس القواعد النحوية.
التقدير: ما دام الشأن عيسى قائم عليه (اي: على الميت) أو قاعدا.
الاعراب: ضمير الشأن اسم ما دام في محل رفع. عيسى: مبتدأ . قائم: خبر المبتدأ مرفوع. الجملة (عيسى قائم عليه..) في محل نصب خبر (ما دام). أو: حرف عطف. قاعدا: معطوفة على المعنى. حيث إن المسيح الموعود أجرى الجملة الأولى (ما دام عيسى قائم) على القاعدة التي بيّناها من إضمار ضمير الشأن، ولكنه عندما عطف عليها (قاعدا) عطف على المعنى الأصلي والجملة الأصلية ووفق القاعدة الأصلية كما يلي: (ما دام عيسى قائما عليه) فعطف على المعنى. (وقد سبق وأفردنا لهذا النوع من العطف الوارد في لغة المسيح الموعود عليه السلام مقالا خاصا وهو المظاهر الإعجازية 12 بعنوان: من أجمل المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود وهي نكات العطف؛ يُرجى الرجوع إلى ذلك المقال). عدا عن ان هذا العطف ممكن ان يوجه وفق توجيه آخر وهو نصب قاعدا بفعل محذوف تقديره ( أخص، أقصد، أعني).
إذًا، نرى أن كل الفقرات هذه تنطبق تمام الإنطباق على هذا التوجيه من إضمار ضمير الشأن في كان وأخواتها مع بقاء الأسماء بعدها مرفوعة.
وأما الفقرات الأخرى فبالرغم أن لها توجيهات أخرى قد تكون أرجح من هذا التوجيه، إلا أنه ليس من المسبعد أن تندرج هي الأخرى وفق منظار معين أيضا تحت إضمار ضمير الشأن، كما يلي:
10- إن الصدّيق والفاروق كانا ((أميرا)) ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا (سر الخلافة)
13- وكانوا عند الحرب لمواضعهم ((ملازمون)). (نجم الهدى)
فهاتان الفقراتان لهما توجيه نوحي آخر سوف نفرد له مقالا خاصا!!
إلا إنه ورغم ذلك أقول من الممكن، وليس من المستبعد حملها على إضمار ضمير الشأن في كان أيضا، على اعتبار أن أصل الجمل كما يلي:
- إن الصديق والفاروق هما أميرا ركب علوا لله..
- هم عند الحرب لمواضعهم ملازمون.
وعند دخول كان عليها كان لا بدّ من استبدال ضمائر الرفع المنفصلة (هما) و(هم) بضمائر رفع متصلة ( ألف الاثنين) و (واو الجماعة) لمناسبة الفعل . فيكون تقدير الجمل كما يلي:
- إن الصديق والفاروق كان الشأن هما أميرا ركب علوا لله…
- كان الشأن هم عند الحرب لمواضعهم ملازمون.
وبذلك تكون الكلمات (أميرا) و (ملازمون) أخبارا مرفوعة للمبتدأ الذي سبقها وهي الكلمات ( هما) و(هم)، على أن تكون الجمل المكونة من المبتدأ والخبر (هما أميرا..) و (هم ..ملازمون) في محل نصب خبر كان، وضمير الشأن اسم كان المرفوع.
وما تنفرد به كل الفقرات التي أدرجناها تحت هذا التوجيه النحوي، من إضمار ضمير الشأن، هو أن الجمل المفسِّرة لضمير الشأن فيها هي جمل كاملة لم يُجتزأ منها أحد جزأيها، كما هو الشرط والرأي الراجح في قاعدة إضمار ضمير الشأن وفق ما بيّناه؛ حيث إن في هذه الجمل المفسرة ذُكر المبتدأ والخبر معا ولم يحذف أيٌّ منهما.
وأما إذا أخذنا بالرأي الأقل رجحانا في مسألة ضمير الشأن، والذي يجيز حذف طرفي الجملة المفسرة لضمير الشأن؛ فإنه بناء على هذا الرأي من الممكن توجيه الفقرات المتبقية تحت نفس هذا المبدأ من إضمار ضمير الشأن في كان، وهي الفقرات التالية:
1- وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن مالِك الذي كان ((أحد)) من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد)
على تقدير: أن مالك الذي كان الشأن هو أحدٌ من الأئمة..
وذلك بإضمار ضمير الشأن في كان على أنه اسمها المرفوع؛ وحذف أحد طرفي الجملة المفسرة وهو المبتدأ (هو). فتكون (أحدٌ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو).والجملة من المبتدأ المقدر والخبر في محل نصب خبر كان.
2- فالآية تدل على أنه علم للساعة من وجه كان ((حاصل)) له بالفعل (حمامة البشرى)
على تقدير: من وجه كان الشأن هو حاصل له بالفعل.
وذلك بإضمار ضمير الشأن في كان على أنه اسمها المرفوع، وحذف أحد طرفي الجملة المفسرة له وهو المبتدأ (هو)، فتكون الكلمة (حاصلٌ) خبرا لهذا المبتدا المحذوف، والجملة من المبتدأ المقدر وخبره في محل نصب خبر كان.
كما ومن الممكن أن تقع هذه الجملة تحت توجيه آخر وهو أن تعتبر (كان) فيها زائدة مهملة لا عمل لها فيما بعدها؛ فيكون تحريك الجملة كما يلي: من وجهٍ كان حاصلٍ له بالفعل؛ وذلك بخفض (حاصلٍ) على اعتباره نعت لـ (وجهٍ). ( راجع مقال المظاهر الإعجازية 2 عن كان الزائدة المهملة)
9- فإن الله الذي هو قيّوم الأشياء، وبه بقاء الأرض والسماء، كيف يمكن أن يكون ((أحدٌ)) من الموجودات. (مكتوب أحمد)
على تقدير: كيف يمكن أن يكون الشأن هو أحدٌ من الموجودات.
وذلك بإضمار ضمير الشان في يكون على أنه اسمها المرفوع، وحذف أحد شطري الجملة المفسرة له وهو المبتدأ ( هو) ليكون (أحدٌ) خبر هذا المبتدأ المحذوف، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر (يكون).
11- هذا ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، وما كان ((حديث)) يُفترى (الخطبة الإلهامية)
لقد سبق وأسهبنا الحديث عن تخريج هذه الفقرة من كلام المسيح الموعود عليه السلام وفق التوجيه الأرجح وهو أن تكون (كان) فيها تامة، و(حديث) فاعل مرفوع؛ مع تقدير جملة محذوفة مفسرة بعد كلمة يُفترى تقديرها: ( فيما سبق ذكرهم في كل هذا/ في الحديث السابق ..) { راجع المقالات المظاهر الإعجازية 3 و33 و34 عن كان التامة}
إلا أنه بالتأمل فيها من جديد لا أستبعد أن تُوجه أيضا وفق توجيه أقل قوة ورجحانا بكون كان فيها شأنية، وعلى إضمار ضمير الشأن فيها وحذف أحد طرفي الجملة المفسرة له- وفق الرأي الأقل قبولية – وهو المبتدأ.
فيكون التقدير : وما كان الشأن (هذا / ما سبق ذكره) حديثٌ يفترى .
فحديث خبر مرفوع للمبتدا المحذوف (هذا/ ما سبق ذكره)، والجملة من المبتدا المقدر والخبر في محل نصب خبر كان ، بكون ضمير الشأن اسمها المرفوع.
وبذلك نكون قد وجّهنا جميع فقرات المسيح الموعود عليه السلام التي ظُن فيها رفع خبر كان وأخواتها، وفق توجيه أول، وهو بإضمار ضمير الشأن في كان. وإذا رجعنا إلى سياق هذه الفقرات نرى أن فيها كلها كان الحديث عن أمور عظيمة الشأن- وكلام مسيح الزمان كله عظيم الشأن- فكان لا بدّ فيها أن يأتي المسيح الموعود عليه السلام بضمير الشأن لكي يستعظم السامع الحديث؛ كما هو الهدف من ضمير الشأن هذا. ووفق كل هذا تثبت صحة كل هذه الجمل والعبارات من منظار معين ووفق توجيه وتخريج أوّل.
غير أنه من المهم أن أنوّه إلى أننا سوف نبين في المقالات التالية توجيهات أخرى قد تكون أقوى من هذا التوجيه بما يخص الفقرات الست الأخيرة 1 و2و9 و10 و11و13. (يُتبع)