المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..279

نكنة الخلط بين الضمائر

الاعتراض:

يدّعي المعترض أن المسيح الموعود عليه السلام، وقع في خطأ الخلط بين الضمائر في بعض الجمل، نوردها فيما يلي مع تصحيحاته المزعومة، وهي كالتالي وفق ما قال:

 

” الميرزا حين يفقد السيطرة على الضمائر

يقول:

1: ويعطى لهم نصيب من صرافة العصمة والحكمة، ويسقون من كأس مزاجها من تسنيم، ويزكّون بجلال الله وسلطانه، وبحفظهم يُحفظون (التبليغ، ص 57). الصحيح: وبحفظه يُحفظون.

2: أنسيتم ما جاء الناموس به … أتَوانَون في أمر الدين، وأَخْلَدْتم إلى الدنيا مُجِدّين؟ (مكتوب أحمد، ص 29). الصحيح: أتوانَيْتُم.

3: وعليهما أن يحلفوا إظهاراً لصدق المقال (إتمام الحجة، باقة، ص 53). الصحيح: يحلفا.

4: وجنّتُهم ونارهم معهم حيثما كانوا، ولا تفارقانهما في آن (حمامة البشرى، ص 108). الصحيح: تفارقانهم.

5: ثم بعد ذلك أُلقيَ في رُوعي أن أؤلّف لهم كُتبًا … وأُعلِّمهم كلّ ما عُلّمتُ … وأُعثِرَ عليهم ممّا رزقني ربي من آيات ظاهرة. (لجة النور، ص 3). الصحيح: وأُعْثِرَهم على ما رزقني ربي.

أُعْثِرُ فعل مضارع، والماضي: أَعْثَرَ .. فالمفعول به هو الناس .. أي الضمير “هم” في أُعْثِرهم. لكنّ الميرزا لم يبيّن ما هو المفعول به، وجعل الناس شيئا يُعْثَر عليه! وهو معنى غير مقصود.

6: ألا تعلم أنهم كانوا أهل اللسان، وقد غُذُّوا بلبان البيان، وكان يُصبون القلوب بأفانين العبارات (نور الحق، ص 90). الصحيح: كانوا.

7: والذين من القسّيسين يدعون إلى الإنجيل وتعاليمه الباطلة المحرفة، فهم لا يظلموننا بأيدينا، ولا يرفعون السيف علينا.(حمامة البشرى، ص80) . الصحيح: بأيديهم.

8: فإذا كان الأمر كذلك فوجب أن تكون الحكومة والقوة متداولة بين هذين القومين إلى الدوام ومخصوصة بها، (حمامة البشرى، ص 38). الصحيح: بهما أي بالقومين. ولكنه أعاد الضمير إلى الحكومة. (إ، هـ) النقل من المعترض.

الرد:

نعيد كتابة هذه الجمل مع توجيهاتنا لها:

1: ويزكّون بجلال الله وسلطانه، وبحفظهم يُحفظون.

التوجيه الأول: ضمير (هم) في (بحفظهم) لا يعود إلى الله تعالى كما يظن المعترض، بل يعود إلى كلمتي الجلال والسلطان؛ فعاد إليهما بالجمع رغم كونهما مثنى، وذلك من منطلق حمل المثنى على معنى الجمع ومعاملته كمثله؛  كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } (الأنبياء 79). (يُنظر مظاهر الإعجاز 21) على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-3p6

التوجيه الثاني: ضمير (هم) يعود غلى الله تعالى، وهو من منطلق حمل المفرد على معنى الجمع بالذات للتعظيم، كما أقر بذلك سيبويه حيث جاء: وَعَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْجَمْعِ التَّثْنِيَةُ، حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَأَنَّهُمَا لِشَرَفِهِمَا عِنْدَ اللَّهِ، عَامَلَهُمَا فِي الْخِطَابِ مُعَامَلَةَ الْجَمْعِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَنْ يُعَامَلَ بِهِ الْوَاحِدُ لِشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ. ( إ.ه){ البحر المحيط في التفسير (8/ 144-145)} (ينظر مظاهر الإعجاز 20 و21) على الروابط التالية:

https://wp.me/pcWhoQ-3p3

https://wp.me/pcWhoQ-3p6

 

2: أنسيتم ما جاء الناموس به … أتَوانَون في أمر الدين، وأَخْلَدْتم إلى الدنيا مُجِدّين؟

التوجيه: الفعل (أتوانون) ليس هو بصيغة الماضي كما يظن المعترض، بل هو بصيغة المضارع وأصله (أتتوانون) من الفعل (توانى) الماضي. وهذا الفعل عند لحوق تاء المضارَعة فيه، يصبح (تتوانى/ تتوانون). وفي هذه الحالة يجوز حذف إحدى التاءين للتخفيف، فيصبح (توانون/ أتوانون). ولهذا أفردنا مقالا خاصا متعلقا بالفعل (تعاصوا)، يمكن الرجوع إليه، فكل ما ذكر فيه صحيح أيضا بالنسبة للفعل (توانون). (يُنظر : مظاهر الإعجاز 196 على الرابط التالي:

https://wp.me/pcWhoQ-5f9 )

وعلى ما يبدو ان ما أوقع المعترض في هذا الاعتراضن بالإضافة إلى جهله بأصل الفعل، هو ظنه أن عطف الماضي على المضارع غير جائز ؛ إلا أن هذا جائز أيضا عند اتحادهما في الزمن أو من قبيل عطف الجمل وهو ما نراه منطبقا في هذه الجملة. ولكل هذا أفردنا مقالات خاصة يمكن الرجوع إليها . (يُنظر : مظاهر الإعجاز 228 و229) على الروابط التالية: https://wp.me/pcWhoQ-5lV

https://wp.me/pcWhoQ-5m0

3: وعليهما أن يحلفوا إظهاراً لصدق المقال.

التوجيه: هذا على حمل المثنى على معنى الجمع ومعاملته كجمع، إما على اعتبار ان المثنى في أصله جمع وإما للتعظيم. ولهذا أفردنا مقالا خاصا يمكن الرجوع إليه. وذلك كما يقول الله تعالى : {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } (الأنبياء 79) (ينظر مظاهر الإعجاز 21) على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-3p6

4: وجنّتُهم ونارهم معهم حيثما كانوا، ولا تفارقانهما في آن.

التوجيه: من منطلق حمل الجمع على معنى المثنى، في اعتباره كل واحد من هذين الجمعين صنفا؛ فاعتبرهما صنفين. كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْناهما} (الأنبياء 31)، حيث جعلهما صنفين وعاد إليها بالمثنى. وهنا جعل كلا من أهل الصلاح وأهل المعصية المذكورين في بداية السياق، جعل كل واحد منهم صنفا وجمعا وعاد إليهم بالمثنى على اعتبار الصنفين أو الجمعين بقوله (تفارقانهما). (يُنظر: مظاهر الإعجاز 20) على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-3p3

5: ثم بعد ذلك أُلقيَ في رُوعي أن أؤلّف لهم كُتبًا … وأُعلِّمهم كلّ ما عُلّمتُ .. وأُعثِرَ عليهم ممّا رزقني ربي من آيات ظاهرة. (لجة النور، ص 3).

لهذه الجملة أفردنا مقالا خاصا يُرجى الرجوع إليه . (يُنظر: مظاهر الإعجاز 212) على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-5iE

6: ألا تعلم أنهم كانوا أهل اللسان، وقد غُذُّوا بلبان البيان، وكان يُصبون القلوب بأفانين العبارات (نور الحق، ص 90).

التوجيه : على حذف اسم كان للعلم به . (يُنظر: مظاهر الإعجاز 24) على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-3rR

7: والذين من القسّيسين يدعون إلى الإنجيل وتعاليمه الباطلة المحرفة، فهم لا يظلموننا بأيدينا، ولا يرفعون السيف علينا، ولا يقتلون لمذهبهم قومنا، ولا يسْبون ذرارينا، ولا ينهبون أموالنا..

التوجيه: القصد من قوله عليه السلام (لا يظلموننا بأيدينا)، أي لا يظلموننا في أيدينا،  فلا يصبون ظلمهم على أيدينا بالتكبيل والضرب والتقييدن. وقد جاءت كلمة (أيدينا) للدلالة على الجسد والظلم الجسدي، وهو من قبيل الخاص الدال على العام، أو الجزء الدال على الكل، وهذا يكثر في الشعر، ولا سيما في سَعة الكلام حيث يكون الكلام مسجوعا، كما هو هنا.

ووقوع الخاص دالا على العام أو الجزء دالا على الكل، هو من قبيل المجاز المرسل في البلاغة. والمجاو المرسل هو المجاز الذي فيه العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي ليس في المشابهة، بل بينهما صلة أو علاقة أخرى كعلاقة الجزئية هذه، كما في قوله تعالى : {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} (التوبة 108) أي لا تصلي فيه أبدا. فقد عبّر عن الصلاة بالقيام، لأن القيام جزء من الصلاة. (يُنظر البلاغة العربية مقدمات وتطبيقات ص271-273)

 

8: فإذا كان الأمر كذلك فوجب أن تكون الحكومة والقوة متداولة بين هذين القومين إلى الدوام ومخصوصة بها.

التوجيه: هذا من قبيل حمل المثنى على معنى الجمع، فهو عليه السلام يتحدث عن قومي المسلمين والنصارى، فحمل القومين على أنهما أقوام فعاد إليها بضمير الهاء كأنه قال : مخصوصة بهذه الاقوام. أو قد يكون حملها على معنى الجماعة من المسلمين والنصارى. كأنه قال: مخصوصة بهذه الجماعة.

ومن هنا، يثبت ان لا خلط ولا خطا ولا عجمة في كل أقوال المسيح الموعود عليه السلام هذه، بل كلها ن صلب الفصاحة والبلاغة العربية.