# المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..203

يا لَلعجب كم مرّة هرأ المعترض في اسم المرّة..!

جهل المعترض وخلطه بين اسم المرة والمفعول المطلق..

الاعتراض:

خلال اعتراض المعترض على كلام المسيح الموعود عليه السلام في اشتقاقه اسم المرة من الفعل (جهِل)، واستعمال حضرته عليه السلام للكلمات (جهْلة/ جهَلات) قال المعترض ما يلي:

“اسم المرة يُشتَقّ على وزن فَعْلَة من الثلاثي، ويؤتى به لبيانِ عدَدِ مرات حدوث الفعل، لذا لا بدّ من ذكر هذا العدد، إلا أن يكون مرةً واحدةً، فلا يُشترط أن تذكر كلمة “واحدة” إنْ كان الفعل ثلاثيا. أما إذا جمعناها فلا بدّ من ذكر العدد أو من ذكر وصفٍ له، إلا إذا دلّ السياق عليه، فنقول: ضربتُه ضربات كثيرة أو ضربات موجعة عديدة. ولا يصحّ أن نقول: ضربته ضربات، إلا أن يكون السياق يبيّن أنها كثيرة أو موجعة أو ما شابه. أما من دون ذلك فلا يصحّ، لأنها لا تعبّر عما وُضعَت من أجله. فإذا كان المقصود التأكيد فيقال: ضربتُه ضربا، فالمصدر هو الذي يفيد توكيد الفعل، ويُعرب مفعولا مطلقا.”

وخلاصة كلام المعترض أنه عند استعمال اسم المرة بصيغة الجمع لا بدّ من ذكر العدد أو وصف أو أن يدل السياق على هذه الأمور.

وكل مبتغى المعترض في أقواله هذه أن يقول بأن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ في الفقرات التالية، لأنه لم يُردف كلمة جهلات بوصف معيّن أو عدد معين، والفقرات هي:

1: وأهلكوا كثيرًا من الناس بتلبيساتهم، وجمحوا في جهلاتهم. (التبليغ، ص 3)

2: كذلك سدَروا في غَلَواتهم، وجمحوا في جهلاتهم. (التبليغ، ص 131)

3: وكان يجمَح في جهلاته ويسدَر في الغلواء. (كرامات الصادقين، ص 86)

4: يا أيها العادون في جهلاتهم. (نور الحق)

5: وتجد فعلهم ملوّثًا بالإفراط والتفريط من الجهلات. (مواهب الرحمن، ص 66)

6: كأنهم أُرضعوا بها من ثدي الأمهات، أو وُلدوا فطرةً على هذه الجهلات. (مواهب الرحمن، ص 72)

7: إن الأخبار الغيبية لا يخلو أكثرها من الاستعارات، والإصرار على ظواهرها مع مخالفة العقل ومخالفة سنة الله في أنبيائه من قبيل الضلالة والجهلات. (مواهب الرحمن، ص 74)

 

الرد:

يا للعجب! من هذا المعترض وأمثاله الذين يحمّلون أنفسهم شهادات في اللغة وهم لا يفقهون منها شيئا. فكيف يمكن لمن يحمّل نفسه ماجستير لغة عربية ويمثّل على الناس بأنه دكتور فيها، أن يهرُؤ هذا الهراء ويهذي هذا الهذيان اللغوي!؟  فلا أدري من أين له هذا الهراء كله، ومن أين جاء به، إذ يشترط ذكر العدد أو أي وصف مع صيغة الجمع لاسم المرة، فهذا الشرط لم يقل به أيٌّ من النحاة في هذا الباب، ولم يشترط أحد منهم هذه الشروط.

إنما كل ما اشترطوه أنه عندما يكون المصدر الأصلي للفعل على نفس صيغة اسم المرة أي على وزن (فَعْلة) من الثلاثي، مثل: (نظْرة)، أو منتهيا بالتاء في غير الثلاثي، مثل: (استقام / استقامة) فحينها فقط، لا بدّ من ذكر العدد أو الوصف للدلالة على أنّ القصد من استعمال المصدر الأصلي هو بيان المرة، وهذا ما يؤكّده النحو الوافي بقوله:

“فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: “فَعلة”: نحو: نظرة. هفوة. رأفة. صيحة … لم تدل بنفسها في هذه الصورة على المرة، ووجب زيادة لفظ آخر معها ليدل على “المرة” أو قيام قرينة أخرى تدل عليها. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا. فنقول مثلًا: ربما تنفع النظرة الواحدة في ردع المسيء. قد تعقب الهفوة الواحدة عواقب خطيرة. إن رأفة واحدة بضعيف قد تضمه إلى أعوانك المخلصين. أهلك الله بعض الغابرين بصيحة لم تتكرر …

فإن كان مصدر الفعل غير الثلاثي مشتملًا في أصله على تاء التأنيث؛ فإنه لا يصح للدلالة المباشرة على المرة، ويجب زيادة لفظ آخر معه، أو قيام قرينة تدل عليها. نحو: “استعانة” تقول: استعانة واحدة بأريحي قد تمنع خطرًا داهِمًا. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا؛ كالمثال السالف” [النحو الوافي( 3/ 227-228)]

فهذا هو الشرط لا غيره!

فما المانع من القول : “المدير مشغول في جَلَساته” دون وصف هذه الجلسات بالقلة أو الكثرة أو أي وصف آخر. وعليه أودّ بهذا المثال أن أمثّل لفقرات المسيح الموعود عليه السلام بفقرات مشابهة، لأدلّ على أنه لا شرط لذكر أي وصف فيها، وإليكم التمثيل:

1: وجمحوا في جهلاتهم. (التبليغ، ص 3)

التمثيل: وزادوا في جلَساتهم.

2: وجمحوا في جهلاتهم. (التبليغ، ص 131)

التمثيل: وزادوا في جلساتهم.

3: وكان يجمَح في جهلاته. (كرامات الصادقين، ص 86)

التمثيل: وكان يكتب ويقرأ في جَلَساته.

4: يا أيها العادون في جهلاتهم. (نور الحق)

التمثيل: يا أيها المسرفون في جَلَساتهم / يا أيها الآثمون بإقامة جلَساتكم

5: وتجد فعلهم ملوّثًا بالإفراط والتفريط من الجهلات. (مواهب الرحمن، ص 66)

التمثيل: وتراهم متعبون في الجَلَسات.

6: أو وُلدوا فطرةً على هذه الجهلات. (مواهب الرحمن، ص 72)

التتمثيل: تعوّدوا على مثل هذه الجلسات.

7: والإصرار على ظواهرها .. من قبيل الضلالة والجهلات. (مواهب الرحمن، ص 74)

التمثيل: هذا الضلال بسبب هذه الجلَسات.

فكما نرى لم نضطر في أي من التمثيلات التي ذكرناها، لذكر أي عدد أو أي وصف لكلمة (جلسات). وإن قال المعترض بأن الوصف مفهوم من السياق فنقول: هذا أيضا ينطبق على فقرات المسيح الموعود عليه السلام كما قلنا في المقال الأصلي، بأن سياق هذه الفقرات لا يخلو من القرائن الدالة على أن هذه الجهلات كثيرة أو جامحة وما شابه، غير أننا لسنا ملزمين للّجوء إلى كل هذا، لأنه لا شرط لوجود مثل هذه القرائن مع صيغة الجمع في باب اسم المرة.

كل هذا الكلام صحيح في باب اسم المرة، غير أن المعترض في هرائه وتدليسه أو قل جهله باللغة، يخلط بين باب اسم المرة وباب المفعول المطلق، فأورد أمثلة حسب زعمه يمنع فيها جمع اسم المرة كالقول: ضربته ضربات، فضربات هذه تندرج تحت باب المفعول المطلق لأنها من نفس لفظ الفعل (ضربت). وهذا لا يمكن أن يمثل حُجة لنقض كلام المسيح الموعود عليه السلام الوارد في الفقرات المعترض عليها، وذلك لأنها لا تندرج تحت باب المفعول المطلق.

ولكن دعونا نفجأ المعترض الذي يجهل أساسيات اللغة العربية، أنه حتى في باب المفعول المطلق يجوز القول: “ضربته ضربات”، حتى لو كان القصد من المصدر (ضربات) هو مجرد التوكيد المحض دون بيان العدد أو النوع وذلك لسببين :

1: أن المفعول المطلق الذي يراد منه مجرد التوكيد المحض يجوز تثنيته وجمعه إن كان مختوما بالتاء.وهذا في الحقيقة ما ينطبق على المصدر (اسم المرة) جهلة/جهلات، إن جاءت في باب المفعول المطلق وسبقها الفعل (جهل)؛ فيجوز القول: جهِل جَهَلات.

2:  أن المفعول المطلق الذي يُراد منه التوكيد المحض إذا لم يكن مختوما بالتاء فيُمنع تثنيته وجمعه على الرأي الشائع، كما يصرح به النحو الوافي؛ وهذا يعني أن هناك رأيا آخر – غير الرأي الشائع- والذي يجيز تثنية وجمع هذا المصدر (المفعول المطلق).

وعليه فإن القول: “ضربته ضربات” و”جهِل جَهَلات” صحيح على كلا الاعتبارين، على الرأي الشائع وغير الشائع.

وهذا هو نصّ النحو الوافي في هذا الأمر:

1- إذا كان المصدر مؤكدًا لعامله المذكور في الجملة تأكيدًا محضًا، فإنه لا يرفع فاعلًا، ولا ينصب مفعولًا به – إلا إن كان مؤكدًا نائبا عن فعله المحذوف.

كما لا يجوز -في الرأي الشائع- تثنيته، ولا جمعه، ما دام المراد منه في كل حالة هو المعنى المجرد، دون تقييده بشيء يزيد عليه، “أي: ما دام المصدر مبهمًا”؛ فلا يقال: صفحت عن المخطئ صفحين، ولا وعدتك وعودًا، إلا إن كان المصدر المبهم مختومًا بالتاء؛ مثل التلاوة؛ فيقال: التلاوتان، والتلاوات.

وسبب امتناع التثنية والجمع أن المصدر المؤكد به معنى الجنس لا الأفراد؛ فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في المفرد، والتثنية، والجمع؛ لأن دلالته تتضمنها: ومثل المصدر المؤكد ما ينوب عنه.” [النحو الوافي (2/ 211)]

أما إن كان المصدر مبينا للنوع أو العدد فيجوز جمعه، غير انه في هذه الحالة لا بد من ذكر العدد أو الوصف لتمييزه من المصدر المؤكد تأكيدا محضا. غير أن هذا لا يعنينا حاليا لأنه لا ينطبق على عبارات المسيح الموعود عليه السلام، ولكن لا نرى ضيرا في ذكر ما ذكره النحو الوافي فيه، حيث قال:

 

“- أما المصدر المبين للنوع – إذا اختلفت أنواعه – أو المبين للعدد، فيجوز تثنيتهما وجمعهما جمعًا مناسبًا … ؛ فمثال تثنية الأول وجمعه: سلكت مع الناس سلوكَي العاقل؛ الشدة حينًا، والملاينة حينًا آخر – سرت سير الخلفاء الراشدين؛ أي: سلكت مع الناس نوعين من السلوك، وسرت معهم أنواعًا من السير، “وليس المراد ببيان عدد مرات السلوك، وأنه كان مرتين، ولا بيان مرات السير، وأنه كان متعددًا، وإنما المراد بيان اختلاف الأنواع في كل حالة، بغير نظر للعدد. ومثال الثاني: خطوت في الحديقة عشر خطوات، ودرت في جوانبها أربع دورات.” [النحو الوافي (2/ 212)]

وبناء على كل هذا، فكيفما تصرف الحال وتغير مع كلمة (جهلات) الواردة في كلام المسيح الموعود في الفقرات أعلاه، وسواء جاءت من باب (اسم المرة) أو من باب (المفعول المطلق)، فإنها صحيحة فصيحة دون الحاجة لذكر أي وصف لها ولا أي عدد.

ولكنا نرى جليا أن المعترض يخلط بين باب اسم المرة، الذي لا مانع فيه من جمع اسم المرة ولا ضرورة فيه لذكر العدد لا في الإفراد ولا الجمع إن لم يتحد لفظ المصدر واسم المرة، وبين باب المفعول المطلق الذي يستلزم -احيانا- التمييز بين المصدر المحض والمصدر المبيّن للعدد أو النوع بذكر العدد أو الوصف. فالجمل التي نحن في صدد الحديث عنها من كلام المسيح الموعود عليه السلام لا تندرج تحت موضوع المفعول المطلق ، وإن اندرجت فهي تصح كذلك كما بيّنا.

ويثبت من كل هذا علاوة على صحة وفصاحة المسيح الموعود عليه السلام، مدى الجهل والجهلات التي يغرق فيها المعترض في اللغة العربية.