الاعتراض:

يعترض المعارضون على قول المسيح الموعود عليه السلام التالي:

 “لقد كشف الله عليّ أن كلّ من بلغتْه دعوتي ولم يصدّقني فليس بمسلم”. (التذكرة)

ويعترضون بذلك على الأقوال المشابهة للمصلح الموعود رضي الله عنه، والتي يكفر فيها من لم يؤمن بالمسيح الموعود عليه السلام.

ويقول المعارضون بأن هذا مخالف لما تروّجه الحماعة الآن، في أنها تقول بعدم كفر باقي المسلمين عير الأحمديين.

الردّ:

 باختصار وتبسيطا للموضوع أقول: لا بدّ من التفريق بين نوعين من الكفر:

  1.  الكافر من حيث التعريف والانتماء للإسلام، وهو ما لا يترتب عليه عقاب وجزاء في هذه الدنيا، وفيه الكفر يقابل الإسلام تعريفا لا حقيقة فقط، وهو كفر مخرج من الملة، يستلزم تصريح المرء نفسه بكفره وتركه الإسلام، أو أن يحكم به النبي التشريعي.
  2. الكافر في نظر الله تعالى، وهو ما يترتب عليه عقاب في الآخرة، إن شاء الله معاقبة هؤلاء الكفار كلٌّ وفق ظروفه، وهو الكفر الذي يقابل الإيمان والإسلام الحقيقي المبني على الإيمان والعمل الصالح، ولا يُخرج المرء من الملة، بمعنى انه لا يُخرج المرء من انتسابه للإسلام . فمن نصفه بهذا الكفر ، ممكن أن نقول عنه أنه كافر وليس مسلما -جوهرا وحقيقة- ولكنه من حيث الانتماء والتعريف يبقى مسلما. كما في قوله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام. وقوله صلى الله عليه وسلم: من كفّر مسلما فقد كفر ، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من ينصر ظالما ويحميه فهو خارج عن الإسلام”. وقوله صلى الله عليه وسلم : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة.

فمرتكب الكبائر من نصرة الظالم وحمايته وتكفير المسلمين الآخرين وترك الصلاة، فهو كافر خارج من الإسلام الحقيقي، رغم بقائه مسلما تعرفا وانتماء لتلفظه بالإسلام والشهادتين.

 فعندما يقول المسيح الموعود عليه السلام، إن الذي تبلغه دعوته ولا يؤمن به فهو ليس مسلما، فهو يعني من ذلك: الكفر في نظر الله تعالى، وأنه ليس مسلما حقيقيا وجوهريا، وعقابه على الله بسبب اقترافه هذه الكبيرة والجرم، ولا سلطة لنا نحن عليه، بل لا بدّ لنا وفق الانتماء الديني اعتباره مسلما، ولا يحق لنا إدراجه في الكفر وإخراجه من الإسلام إذا ما أحصينا مثلا عدد المسلمين. لأنه وفق التعريف الانتمائي للأديان يبقى مسلما طالما هو يقول عن نفسه مسلما.

وهذا شبيه بمرتكب الكبائر الأخرى، كالزنا والقتل والفواحش الأخرى وترك الصلاة، فهذا الشخص كافر غير مسلم في نظر الله، وعقابه على الله. ولكن إذا أحصينا عدد المسلمين فلا بد من اعتباره مسلما طالما هو يعرّف نفسه بأنه مسلم. وإلا فلا بدّ لنا أن نعلن بأن 80% من المسلمين اليوم كفار وليسوا مسلمين لاقترافهم هذه الآثام.

وهذا ينطبق على الأحمدي أيضا، وليس فقط على المسلم. فالأحمدي مرتكب الكبائر في نظر الله هو كافر، ولكن نحن لا صلاحية لنا للقول بأنه ليس أحمديا ولا مسلما، بل لا نزال نعده أحمديا ومسلما طالما هو يتلفظ بالإسلام والأحمدية. كل هذا نابع من تعليم الرسول ص عند الإحصاء: أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام.!

ففي كل موضع قال فيه المسيح الموعود عليه السلام أو المصلح الموعود ر ضي الله عنه بكفر المسلمين غير الأحمديين وانهم خارج الإسلام او غيرمسلمين، إنما القصد منه هو الكفر في نظر الله تعالى ، والخروج من جوهر الإسلام الحقيقي والإسلام بحقيقته المبنية على الإيمان والعمل الصالح، ومع ذلك فهم يبقون مسلمين انتماء وتعريفا.

وهذا الكفر لا يترتب عليه عقاب في هذه الدنيا، وسببه بسيط، وهو أنهم يجحدون بنبيّ من أنبياء الله، وهل من كبيرة أكبر من هذه الكبيرة !؟ وإذا على هذا الجرم لا يدان المرء فعلى ماذا يدان!؟ وإن لم يكن هذا الكفر فما الكفر إذن!؟

 وإن لم يكن هذا كفرا ، فاليهود والنصارى وكل من هو غير مسلم لا يحق لنا القول بحقه إنه كافر، بل من حقّهم أن يجحدوا بالإسلام ونبي الاسلام ويبقون من الناجين من عقاب الله!؟ فهل يستقيم هذا مع قول الله تعالى : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } (آل عمران 86) وقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } (المائدة 18)!؟ فلو أردنا إحصاء المؤمنين بالله وبوجوده، تحتّم علينا إدراج المسيحيين أيضا لمجرد إيمانهم بالله ووجوده وأنهم يقرون بذلك، هذا رغم أنهم في نظر الله كفار كما تنصّ عليه الآية.

فالمسلم الجاحد بالمسيح الموعود ع والمنكر له هو في نظر الله كافر وعقابه على الله تعالى، ولكن رغم ذلك فهؤلاء المسلمون يبقون مسلمين من حيث التعريف والانتماء ولا يخرجون من الملة، ولا يحق لنا إخراجهم من حظيرة الإسلام، لأن العقاب والثواب في مسألة الإيمان هي بيد الله وحده!

وأما القول لماذا يكون نظرنا وقولنا مخالفا لنظرة الله في هذه المسألة؟

فهذا اعتراض ينمّ عن عدم فهم القضية من أساسها! فما شرحناه أعلاه لا خلاف فيه بين ما يقره الله سبحانه وتعالى وما نقوله نحن. فالمسألة نابعة من تعاليم الله ورسوله، والتي منها نفهم بأن الله ورسوله يقولون لنا ويعلموننا وجوب التفريق بين الكفر والكفر، فهناك كفر في التعريف والانتماء، ويصرح به المرء من تلقاء نفسه ويخرجه من الملة ولا يترتب عليه عقاب دنيوي، كأن يعلن أحد ارتداده عن الإسلام، وذلك من منطلق ” لا إكراه في الدين” ؛ وهناك الكفر الذي يقره الله سبحانه وتعالى حسب أعمال وسريرة كل إنسان وينال العقاب به في الآخرة ، والذي لا يوجبنا إخراج صاحبه تعريفا من الملة.

فهذه التعاليم الدينية تفهمنا بأن الله تعالى يقول ان هناك كفر مخرج من الملة، وهناك كفر يترتب على اعمال الإنسان وهو بيدي في مسألة العقاب والثواب ، إلا أنكم ملزمون باعتبار صاحبه من المسلمين. فالتعاليم عي تعاليم الله عز وجل.

وبتتبع أقوال المسيح الموعود عليه السلام والمصلح الموعود رضي الله عنه في مسألة التكفير، نرى أنها تنطبق انطباقا تاما على ما نقوله، وما ذهبنا إليه من التفسير. كما نرى التطابق والتلاؤم التام بين أقولهم. ولا اختلاف بينها وما تروجه الجماعة من عدم تكفير المسلمين. وهذا ما سنبينه في المقالات التالية. (يتبع)