بسم الله الرحمن الرحيم

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

الإخوة والاخوات الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد أن كنّا قد نسفنا كلّ الاعتراضات حول مسألة الأعداد في الجماعة الإسلامية الأحمدية على بكرة أبيها، من خلال الرّدود التصويرية المسجلة، مرفقة بمقالات توضيحية لدحض الاعتراضات على هذه الحلقات؛ نبدأ من اليوم بعرض سلسلة من الحلقات التصويرية، للردّ على الاعتراضات التي يُدلي بها معارضو الجماعة الإسلامية الأحمدية، حول موضوع نبوّة المسيح الموعود والمهدي المعهود سيدنا أحمد عليه السلام.

سوف نقوم من خلال هذه السلسة، بشرح وتفصيل مسألة نبوّة المسيح الموعود عليه السلام تفصيلا وإجمالا، لنقوم من خلالها بعرض كلّ الاعتراضات في هذا الصدّد والردّ عليها بشكل تفصيلي ونسفها على بكرة أبيها وأبي أبيها، كما إننا سنقف عند كل النّصوص التي يُدلي بها المعارضون لدعم اعتراضاتهم، لنبيّن حقيقتها ومفهومها الحقيقيّ والصحيح.


رد اعتراضات النبوة – الحلقة الأولى

حقيقة نبوّة سيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود (عليه السلام)

ملخص الاعتراضات التي يُدلي بها المعارضون في مسألة نبوّة سيدنا أحمد عليه السلام هو كما يلي:

1- إن حضرته عليه السلام لم يدّع النبوة أو لم يدّع النبوة الحقيقية قطّ، بل أكّد على وجوب الأيمان به كمجدِّد أو وليٍّ أو محدَّث فقط وليس أكثر من ذلك، أو على أن نبوته نبوة ناقصة وليست كاملة أو حقيقية.

2- إن حضرته عليه السلام كان يدّعي النبوة أحيانا وينفيها أحيانا أخرى كنوع من التزييف والتمويه والعياذ بالله، وهذا اعتبره المعارضون قولٌ غير ثابت في النبوة.

3- إن حضرته عليه السلام كان يؤمن بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء قاطبة، ولن يأتي بعده نبي آخر؛ فالنبوة قد انقطعت بجميع أشكالها بعده، وهكذا فسّر حضرته عليه السلام آية” خاتم النبيين” وحديث “لا نبي بعدي” ، وهذا يؤكد أنه عليه السلام لم يدّع النبوة قطّ.

4- وقد اعتمد المعترضون لإثبات هذه الأمور على العديد من النصوص، التي وردت فيها عبارات فهموا أنها تؤدي إلى هذا الفهم، منها:

بأنني لم أقصد من كلمة “نبي” نبوة حقيقية قط بل المراد هو المحدَّثية فقط.

والأسلوب الآخر هو أن يستبدلوا بكلمة “نبي” كلمة “المحدَّث” في كل مكان، وأن يعتبروا كلمة “نبي” مشطوبة.

فليتذكر طالب العدل أن هذا العبد المتواضع لم يدَّعِ الرسالة والنبوة قط بالمعنى الحقيقي

والحقيقة الأصلية التي أعلنُها على الملأ أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، ولن يأتي بعده أيُّ نبيّ لا قديم ولا جديد

“أنا أيضا لا أدّعي النبوة بل أدّعي الولاية والمجددية

ردا على هذه الاعتراضات نقول -ما يلي:

1- إدّعاء حضرته عليه السلام النبوة، مرجعه أنه سُمي نبيا ورسولا في الوحي النازل عليه منذ البداية، ولم يتغير هذا الوحي بل بقي ثابتا طوال فترة دعوته.مثال ذلك:

  • جاء نبي في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه
  •  لَا تَخَفْ إِنِّي لَايَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ

ولكنه كان يرى أن هذه التسمية لا تعدو كونها تسمية لغوية مجازية يذكرها الوحي – كما درجت عادة الوحي عموما على استخدام المجازات والاستعارات- ولا علاقة لها بالنبوة الحقيقية التي كان يراها أنها النبوة التشريعية أو المستقلة، فكان حضرته عليه السلام يصرف أي معنى للنبوة الحقيقية إلى المجاز، ولا يقبل أن يُدعى نبيا بهذا المعنى مطلقا. كان حضرته يرى في بادئ الأمر أن المفهوم الحقيقي للنبوة هو المفهوم الإسلامي التقليدي الذي يستلزم الإتيان بشريعة جديدة أو الاستقلال بالنبوة، وفهم حضرته أن نبوته لا تندرج تحت هذا المفهوم بل هي نبوة وفق المفهوم اللغوي لكلمة نبي (صيغة مبالغة لمن يتلقى أو ينبئ بأنباء الغيب بالبشاراة والإنذارات بكثافة كبيرة ويسمّيه الله نبيا).

2- فأوّلَ حضرته هذه النبوة وهذا المفهوم اللغوي للنبوة أنها تنطبق على التحديث لأنها المرتبة التي تلي النبوة، حيث إن المحدَّث هو نبي بالقوة أو نبي بنبوة ناقصة (أي فيه مواصفات النبوة ومزاياها وقدراتها ولكنه ليس نبيا على الحقيقة، لأنه لا تشريع ولا استقلال بعد النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ووفق هذا الفهم صنّف نفسه بين المحدَّثين واعتبر أن نبوته ناقصة كنبوة المحدَّثين.

3- لأجل ذلك، كان يرى حضرته عليه السلام، أن نبوته هي نبوة الإظهار على الغيب وليست نبوة التشريع والاستقلال (أي كان يراها نبوة وفق المعنى اللغوي للنبوة)، وبما أنه كان يرى تعريف النبوة الحقيقية يوجب التشريع أو الاستقلال، كان حضرته عليه السلام في عباراته الأولية ينفي عن نفسه النبوة الحقيقية وفقا لهذا التعريف (وهي أن يكون نبيا بشريعة جديدة أو نبيا مستقلا، أي يتلقى النبوة مباشرة من الله عز وجل وله سلطة على الشريعة السابقة، بحيث يمكن أن يُؤمر ببعض التغييرات والتعديلات فيها) ولكنّه لم ينفِ عن نفسه قطّ أنه نبي من منطلق إظهاره على الغيب بكثرة ..

4- ولأن حضرته اعتبر نبوته نبوة التحديث الناقصة، صنف نفسه في بادئ الأمر بين المحدَّثين والأولياء والمجدِّدين (فكل هؤلاء يجمعهم قاسم مشترك وهو التحديث الذي هو نبوة ناقصة) على اعتبار أنهم أنبياء بنبوة ناقصة، ومؤولا نبوته أنها تنطبق على هذا النوع من النبوة، ولكنه لم ينكر أبدا أنه سُمِّي نبيا من منطلق إظهاره على الغيب بكثرة. .

كان كل هذا بناء على التأويل الأوليّ، أن النبوة الحقيقية هي وفق المفهوم الإسلامي الرائج الذي يعني نبوة التشريع أو النبوة المستقلة.

5- إلا أنه فيما بعد في سنة 1901 م، أظهر الله تعالى له بالوحي المتواتر عليه، أن التعريف الحقيقي للنبوة ليس هو المفهوم الإسلامي الرائج الذي يستلزم الإتيان بشريعة جديدة أو أن يكون النبي مستقلا، بل هو التعريف اللغوي للنبوة الذي يعني كثرة الإظهار على الغيب بالبشارات والإنذارات (والذي هو التعريف القرآني في الحقيقة)، والذي هو ذاته الذي تندرج تحته نبوته عليه السلام، وقد رأى حضرته بإمعان النظر في الآيات القرآنية أن القرآن الكريم يؤيد هذا المعنى وفق الآيات : {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن 27-28) والآية : {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } (الأَنعام 49) وبناء على هذا الفهم الجديد والتأويل الجديد أقر بأن نبوته نبوة حقيقية، وبين حضرته ذلك في منشور “إزالة خطأ” وقال بأن نبوته حقيقية وإن كانت لا زالت غير تشريعية وغير مستقلة، ونالها بالفناء في حبّ النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته. ونسَخ حضرته في “إزالة خطأ” اعتقاده السابق، – بأن التعريف اللغوي للنبي ينطبق على نبوة المحدَّثين، وأن نبوته نبوة التحديث الناقصة، بل أقرّ بنبوته الكاملة الحقيقية، وأعلن ذلك في منشور ” إزالة خطأ” سنة 1901 وأكدّ على هذا المفهوم في كتاب ” حقيقة الوحي” فيما بعد.

6- حيث قال في “إزالة خطأ” : “إذا كان الذي يتلقى أخبار الغيب من الله تعالى لا يسمى نبيًّا فبالله أَخبِروني بأي اسم يجب أن يُدعى؟ فلو قلتم يجب أن يسمّى “محدَّثًا” لقلتُ لم يرد في أي قاموس أن التحديث يعني الإظهار على الغيب، ولكن النبوة تعني الإظهار على الغيب.

فوفق هذا النص بيّن حضرته النقاط التالية: 

  • المعنى الحقيقي للنبوة هو الإظهار على الغيب ؛ حيث قال” النبوة تعني الإظهار على الغيب” ؛ “النبوة” ب “أل الجنسية” التي تبيّن الحقيقة، أي بيّن حقيقة النبوة وما هي النبوة الحقيقية.
  •  هذا المعنى الحقيقي ينطبق على نبوته هو عليه السلام .
  • هذا المعنى الحقيقي اللغوي للنبوة، لا ينطبق على نبوة التحديث الناقصة وعلى والمحدثين مثلما كان يعتقد سابقا.
  • لم يعد يعتبر نفسه محدَّثا كباقي المحدثين مثلما كان يعتقد سابقا، بل نبيا لا يشاركه بقية المحدَّثين هذا اللقب.
  • بما أنه فصَل نفسه عن باقي المحدَّثين الذين هم نبوتهم ناقصة، وأقرّ بنبوته فهذا دليل آخر على إقراره بكمال نبوته.

7- وبذلك يكون حضرته عليه السلام، قد نسخ كل العبارات السابقة التي قال فيها أنه فقط محدَّث وولي ومجدِّد ونفى فيها عن نفسه النبوة، رغم أنه حتى في تلك العبارات لم ينف عن نفسه النبوة كلية، لأنه عندما يقول عن نفسه أنه محدَّث فهو يؤمن أن المحدث نبي بنبوة ناقصة، ولكن بتغيّر فهمه للموضوع عرف أن نبوته ليست هذه النبوة الناقصة بل النبوة الحقيقية.

8- وقد وضّح حضرته هذا الأمر في ” إزالة خطأ” مرة أخرى حيث قال: “حيثما أنكرت نبوتي ورسالتي فبمعنى أنني لست حامل شرع مستقل، كما أنني لست بنبي مستقل؛ ولكن حيث إني قد تلقيت علمَ الغيب من الله تعالى بواسطة رسولي المقتدى صلى الله عليه وسلم، مستفيضًا بفيوضه الباطنة، ونائلا اسمَه؛ فإنني رسول ونبي، ولكن بدون أي شرع جديد. ولم أنكر أنّي نبيّ من هذا المنطلق قط، بل إن الله تعالى قد ناداني نبيًّا ورسولًا بهذا المعنى نفسه. لذلك لا أنكر الآن أيضا أنّي نبيّ ورسول بهذا المفهوم” (إزالة خطأ)

وبهذا يكون قد وضّح كل العبارات التي قال فيها أنه لا يدّعي النبوة ولا يقول بوحي النبوة، أن القصد منها نبوة التشريع والإستقلال، أما النبوة الظلية فلم ينكرها قطّ.

ويجدر هنا القول أن نسخه لاعتقاده السابق لا يعني أن كلامه السابق قد أصبح باطلا ولغوا ولا قيمة له ولا بدّ من إزالته، بل يعني أن مفهوم كلامه قد تغير جزئيا فيما يتعلق بتعريف النبوة الحقيقية لا أكثر، وبقي كل ما قاله وأوضحه صحيحا وعاملا. فنفيه للتشريع والاستقلال بقي عاملا من قبل ومن بعد، ولكن ما تغير فقط هو هل التشريع والاستقلال هو حقيقة النبوة أم أن حقيقة النبوة هي الإظهار على الغيب بالتبشير والإنذار الذي أثبته من أول يوم عن نبوته ولم ينفه مطلقا من قبل أو من بعد؟ فما أكّده لاحقا هو المعنى الثاني، والذي هو التعريف القرآني.

9- وبما أننا أثبتنا أن حضرته لم ينكر قطّ أنه نبيٌّ بمعنى الإظهار على الغيب بالبشارات والإنذارات طيلة فترة بعثته منذ تأليف البراهين الأحمدية، يَبطُل الادعاء بأن حضرته كان يؤمن بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء كلية، بل كان حضرته عليه السلام يؤمن أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء المشرعين والمستقلين، وأما النبوة الظلية فهي مستمرة.

إجمال القضية: الوحي كان ثابتا، قوله عليه السلام إنه نبي لكثرة إظهاره على الغيب كان ثابتا، قوله إنه ليس نبيا بشرع جديد ولا مستقلا كان ثابتا، أما التغيّر ففي تأويل النبوة الحقيقية من التشريع والاستقلال إلى الإظهار على الغيب، فأقرّ بأنه نبي حقيقي وليس مجرد محدَّث أو وليّ أو مجدِّد بنبوة ناقصة. وما ذلك إلا اتباعا للوحي النازل عليه ، وتوخيا للحذر في فهمه وتأويله كما هي سنّة الأنبياء أصلا.

هذه حلقة إجمالية للموضوع ، أجبنا بها على 99% من الاعتراضات في هذا الموضوع، فكل النصوص والعبارات التي يوردها المعترضون إذا رُدّت إلى هذه الحلقة يتبين الإجابة عليها بسهولة. وهنالك 1% من الاعتراضات سنخوض فيها في الحلقات التفصيلية التي سنعرض فيها نصوصا أخرى واضحة جدا تؤكد على ما نقوله.ِ

One Comment on “رد اعتراضات النبوة – حقيقة نبوة سيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود ؏”

  1. جزاكم الله خير الجزاء على هذا البيان الواضح والذي يطلبه البعض لتوضيح الاعتراض الوارد.

Comments are closed.