التيسير والتحرير في أقوال التكفير ..2

هل زيّفت الجماعة في إلهام التكفير؟

الاعتراض: يقول المعارضون إن الجماعة الأحمدية زيّفت في إلهام المسيح الموعود عليه السلام التالي:

يقول المعارضون إن الجماعة الأحمدية زيّفت في إلهام المسيح الموعود عليه السلام التالي:

لقد كشف الله عليّ أن كلّ من بلغتْه دعوتي ولم يصدّقني فليس بمسلم، وهو مؤاخَذ عند الله تعالى“. (التذكرة العربية، ص 662)

إذ قد حذفَتْه من الطبعة الإنجليزية، وغيَّرت في نصّه في الطبعة العربية الورقيّة لكتاب التذكرة، فأصبح النصّ: لقد كشف الله عليّ أن كلّ من بلغتْه دعوتي ولم يصدّقني فهو عرضة للمؤاخذة عند الله تعالى، وإنْ كان من المسلمين. (الطبعة العربية الأولى للتذكرة، عام 2013)

الردّ:

أولا، لا بدّ من التأكيد على أن الجماعة، والأساتذة الكرام العاملين فيها على نشر الكتب والمنشورات المختلفة، يتحرَّون الصدق والحقيقة دائما، في نشر أي شيء.

إلا أنه من الطبيعي ان يعترض هؤلاء بعض الإشكالات في العمل، التي تستدعي أن يجتهد الناشر فيها، وفق علمه ومعرفته، ويحاول مطابقتها لكلام المسيح الموعود عليه السلام وفكر الجماعة المعروف؛ فيجتهد الناشر قدر استطاعته محاولا التوفيق، وفي اجتهاده قد يصيب وقد يخطئ، وإن أخطأ فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُتّهم بالتحريف والتزييف؛ وذلك ببساطة لأن:”الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى” وتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم يقول”التمس لأخيك عذرا” والتعليم القرآني يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (الحجرات 13).

أما المعترض الذي فَسَق عن أمر ربه، وابتعد عن كل هذه التعاليم الإسلامية، واتبع سوء الظن مقودا بالحقد والبغض، فقد اعترف أنه خلال كل سنوات عمله في الجماعة، والتي تناوح الخمس عشرة سنة، لم يطلب منه أي مسؤول أو أي عامل في الجماعة أن يقوم بأي تزييف. وهذا لوحده دليل كاف عليه يبكته بأنّ كل ادعاءاته واتهاماته بالتزييف ما هي إلا كذب وافتراء من ناحيته، ودليل على ان ما يعتبره تزييفا ما هو إلا اجتهاد خاطئ ليس أكثر من ذلك. والمجتهد ينال حسنة وإن أخطأ، كما هو معلوم من تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم.

كذلك، فقد أقرّ هذا المعترض الحقود، أنه عندما نبّه الجماعة على هذا التغيير في نصّ الإلهام، قامت الجماعة مباشرة بتصحيحه في النسخة الإلكترونية. ولو كانت هناك نيّة لإخفاء الحقائق والتزييف، لقال له المسؤولون بأننا مضطرون إلى هذا التزييف ولا بدّ من إبقائه. ولكن لم يحدث شيئ من كل هذا؟

إذا، لا تزييف حاصل قطّ، بل اجتهاد معرّض للخطأ والصواب وهو أمر طبيعي مقبول شرعا، ويحدث في الكثير من المنشورات، والكتب القديمة التي يتم طباعتها من جديد بعد دراسة المحققين لها.

فلو فتحتم رسالة الشافعي تجدون لها عدة طباعات، والمحققون قاموا بتغيير لبعض ما فيها من أمور لغوية ظنّا منهم أنها أخطاء لغوية ونحوية؛ حتى جاء المحقق الكبير أحمد شاكر وأعاد هذه التغييرات إلى أصلها، لأنه رأى بأن الأصل له وجوه في اللغة العربية ولا يمكن اعتباره خطأ.

ولكن رغم ذلك، فلا أحد يقول أن التغييرات التي أجراها المحققون الآخرون وتغييرهم في النص الأصلي يُعتبر تزييفا، بل هو اجتهاد هدفه محاولة تصحيح ما يُظن أنه سهو أو خطأ مطبعي.

أما السبب في تغيير صيغة الإلهام أو حذفه من التذكرة الإنكليزية، فهو كما يلي:

1: لانه ببساطة التبس مفهوم هذا الإلهام على الناشر، لعلمه أننا لا نكفر إخوتنا المسلمين، فكان لا بد له أن يجتهد ليوفّق بين الإلهام وأقوال المسيح الموعود الأخرى، فيبدو أنه لم يُوفق للفهم الصحيح؛ فمرة قام بحذفه، ومرة أخرى غير النصّ حتى يتلاءم مع المفهوم المعروف.

ولكن بالرغم من ذلك، فحتى تغيير النص هذا ووضعه بصيغة: “لقد كشف الله عليّ أن كلّ من بلغتْه دعوتي ولم يصدّقني فهو عرضة للمؤاخذة عند الله تعالى، وإنْ كان من المسلمين.” فإنه لا يغيّر في مفهوم النص الأصلي، بل يبقى عليه، وذلك لأن مفهوم النصّين معا هو كما أسلفنا في المقال السابق من توضيح لمعنى الكفر، وهو كما يلي:

أن الذي تصله دعوة المسيح الموعود عليه السلام فإنه كافر في نظر الله تعالى خارج عن جوهر الإسلام الحقيقي أي أنه ليس مسلما – حقيقة- ويصبح عرضىة للمؤاخذة والعقاب من الله تعالى، هذا رغم بقائه مسلما من حيث التعريف والانتماء إلى الإسلام

وهذا المفهوم ينطبق على النصّ الأصلي وكذلك على النص المعدَّل، فالمحصلة أنه لم يحدث تزييف في المعنى.

2: إن من الأسباب التي سمحت للناشر حذف هذا النص أو تغييره، أو التي أدت إلى أن يشكّ في مصداقيته، هو أن أصل هذا النص، هو من كتاب لأحد معارضي المسيح الموعود عليه السلام، وهو الدكتور عبد الحكيم المرتد عن الجماعة؛ لذلك يحق للناشر أن يشك في مصداقية هذا النصّ خاصة إذا التبس مع فهمه للموضوع ؛ إذ ليس من الغريب أن يقوم هذا المعارض بالتلاعب بصيغة النصّ عمدا أو سهوا، مما يؤدي إلى نقل غير دقيق للنصّ.

وكل هذه أسباب معقولة لأن يشك الناشر بهذه النصّ ويحاول ملاءمته للفكر المعروف، وهذا لا يَخرج عن إطار الاجتهاد ولا يجعل منه تزييفا.

وأما رأيي الشخصي في الموضوع، فهو أنه وفقا لما بيّناه في المقال السابق عن مفهوم الكفر والتكفير، وبعد الرجوع إلى أقوال المسيح الموعود عليه السلام والمصلح الموعود رضي الله عنه في هذا الشأن، فعلى افتراض أنه لم يحدث أي سهو أو تعمّد للتغيير في صيغة النص الأصلي من قبل الدكتور عبد الحكيم، فإنني لا أرى إشكالا فيه، بل أراه موافقا مع المفهوم الذي بيّناه للتكفير، والذي يبطبق على كل أقوال المسيح الموعود عليه السلام والمصلح الموعود رضي الله عنه في هذا الصدد.

فقلنا في المقال الفائت شرحا لمعنى الكفر والتكفير ما يلي:

لا بدّ من التفريق بين نوعين من الكفر:

1: الكافر من حيث التعريف والانتماء للإسلام، وهو ما لا يترتب عليه عقاب وجزاء في هذه الدنيا، وفيه الكفر يقابل الإسلام تعريفا لا حقيقة فقط، وهو كفر مخرج من الملة، يستلزم تصريح المرء نفسه بكفره وتركه الإسلام، أو أن يحكم به النبي التشريعي.

2: الكافر في نظر الله تعالى، وهو ما يترتب عليه عقاب في الآخرة، إن شاء الله معاقبة هؤلاء الكفار كلٌّ وفق ظروفه، وهو الكفر الذي يقابل الإيمان والإسلام الحقيقي المبني على الإيمان والعمل الصالح، ولا يُخرج المرء من الملة، بمعنى انه لا يُخرج المرء من انتسابه للإسلام . فمن نصفه بهذا الكفر، ممكن أن نقول عنه أنه كافر وليس مسلما -جوهرا وحقيقة- ولكنه من حيث الانتماء والتعريف يبقى مسلما. كما في قوله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام. وقوله صلى الله عليه وسلم: من كفّر مسلما فقد كفر، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من ينصر ظالما ويحميه فهو خارج عن الإسلام”. وقوله صلى الله عليه وسلم : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة.

فمرتكب الكبائر من نصرة الظالم وحمايته وتكفير المسلمين الآخرين وترك الصلاة، فهو كافر خارج من الإسلام الحقيقي، رغم بقائه مسلما تعرفا وانتماء لتلفظه بالإسلام والشهادتين.

وبالنظر إلى هذه المعاني، المنبثقة من والمنطبقة على أقوال المسيح الموعود عليه السلام وابنه المصلح الموعود رضي الله عنه، فإنه في الحقيقة لا خطأ ولا إشكال ولا خلاف واقع في هذا الإلهام، فيكون معنى الإلهام: “لقد كشف الله عليّ أن كلّ من بلغتْه دعوتي ولم يصدّقني فليس بمسلم، وهو مؤاخَذ عند الله تعالى“. (التذكرة العربية، ص 662)

أن كل من تصله دعوة المسيح الموعود عليه السلام فإنه ليس مسلما -حقيقيا- أي كافر في نظر الله تعالى، خارج عن جوهر الإسلام الحقيقي، وهو عرضىة للمؤاخذة والعقاب من الله تعالى، هذا رغم بقائه مسلما من حيث الانتماء إلى الإسلام”

وأقول: إن كل نصوص المسيح الموعود عليه السلام والمصلح الموعود رضي الله عنه في هذا الصدد، تتلاءم مع هذا الفهم لهذا الإلهام بنصه الأصلي، دون تغيير أو تعديل؛ ولا إشكال في إدراجه في التذكرة كما نشره الدكتور عبد الحكيم . وعلى هذا النصّ يمكن تحرير النشر والتذكرة مستقبلا.