المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية..165
الفصاحة في لغة المسيح الموعود عليه السلام..12
النقصان والخرافة في كتب النحو وأصوله..
12: مما تطرق إليه عباس حسن في نقده لأصول النحو ، هو موضوع العلل في النحو والذي لم يتوان عباس حسن من نعته بأنه لا يقل عن الأوهام والخرافات والهذر واللفظ الأجوف والمزاح أو التعليل الذي لا سند له في الحق والواقع، وهو مضيعة للوقت ليس إلا، ولم يتوان عن وصفه بأنه آفة من آفات النحو وشر من شروره وشائبة من شوائبه يجب القضاء عليه دون تردد ولا تريث.
وذلك في الحديث عن أصل الكلمات وعلل تركيبها كالقول بأن أصل “لات” هو تركيب من لا النافية وزيدت عليه التاء، أو أن أصلها “ليس” بقلب بعض الحروف ، وكل تركيب له علله وأسبابه ” الوهمية”. إنما نذكر كل هذا لندلل بدليل آخر على أن أقوال النحاة، ليست هي بقرآن منزل ولا إله مقدس معبود؛ فلا شك أنها قابلة للطعن والنقد والنقض والإهمال والرد في العديد من المواضيع.
كذلك مما عرض له عباس حسن هو داء ” قلة التجميع وسوء التوزيع” في مواضيع النحو العربي، والتي من مظاهرها أن العديد من المسائل النحوية والدقائق واللطائف المتعلقة بها نجدها مبعثرة في كتب التفسير والبلاغة ومعاجم اللغة ، ولا أثر لها في كتب النحو نفسها أو أن أثرها قليل، مما تدعو الحاجة إلى تجميعها وتوزيعها تحت الأبواب الملائمة لها، حيث يقول عباس حسن في هذا:
“ومن العجب أنك قد ترى مسائل نحوية جليلة، مفرقة في كتب التفسير؛ كالذي نراه في تفسير الزمخشري والفخر الرازي، والبيضاوي؛ ففيهما بعض اللطائف والدقائق التي لا وجود لها في كتب النحو أحياناً، أو التي يغر الاهتداء اليها في كتب النحو الخاصة أحيانا أخرى، وترى مسائل أخرى لكهذه في كتب البلاغة؛ كالذي نشهده في حواشي السيد أو في كتب اللغة وخصائصها، كالتحف والطرائف الجليلة المنثورة في كتاب المخصص لابن سيده والتي تجمع كثير منها في أجزائه الأخيرة، وكالذي في معاحم اللغة وكتب الاصول وغيرها … وقد يكون السبب في ذلك أن مؤلفي هذه الكتب لم يكونوا أئمة متخصصين في الفرع الذي الفّوا فيه كتبهم وحده، وإنما كانوا أئمة فيه وفي النحو معاً؛ فهذا الزمخشري إمام، مفسر لغوي، نحوي، بلاغي، لا يكاد يتخلف في فرع من هذه، أو يقصر؛ فكفايته فيها سواء وبراعته كاملة. وكذلك الرازي، ومثلهما السعد وإن غلبت عليه الشهرة البلاغية. وكذلك أبو حيان، وابن مضاء، وابن جنى والرضّى، والبيضاوى والشهاب… ومن هنا كانت الحاجة مُلحّة في جمع هذا الشتات كله، ثم غربلته بتؤدة، وأناة ومهارة، ثم وضعه مواضعه الأصلية من أبواب النحو وفصوله ثم إخراج موسوعة نحوية حديثة…” [ إ.هـ]
وما هذا إلا إثبات على أن النحاة لم يجمعوا كل دقائق اللغة والنحو في كتبهم، مما قد يكون له تأثيره على قراراتهم في قبول أو عدم قبول بعض اللغات والتراكيب اللغوية ورميها بالشذوذ والضعف دون أن يكون لذلك سبب سوى عدم جمعهم كل هذه الأمور.
فكيف لنا والحال هذه الاعتماد على تصنيفاتهم للفصيح والقليل والشاذ، فيما يتعلق بهذه اللغات دون الكشف عن حقيقتها من الكتب الأخرى كالبلاغة والمعاجم!؟
وهذا من شأنه أن يفسر تناقض النحاة في مثل هذه الأمور، وذهاب بعضهم إلى القول بصحة وفصاحة العديد من اللغات النحوية وتراكيبها على عكس النحاة الآخرين. فهذا ما يفسر ذهاب ابن مالك في كتابه “شواهد التوضيح” إلى معارضة النحاة والحكم بفصاحة الكثير مما لم يعتبره النحاة الأوائل فصيحا، كما من شأنه أن يفسر تجويز بعض النحاة الاستشهاد بالقراءات القرآنية بما فيها الشاذ من القراءات كابن مالك وأبي حيان ، وكذلك تجويز بعضهم الاستشهاد بالحديث الشريف مطلقا على عكس النحاة الأوائل ؛ فما كل هذه الاختلافات إلا لأن النحاة المتأخرين تنبهوا إلى غفلة النحاة الأوائل عن الكثير من اللغات والتراكيب الصحيحة التي لا يمكن أن يُغض النظر عنها.
وهذا بحد ذاته يثبت فصاحة لغات، المسيح الموعود عليه السلام التي وجّهناها على لغات العرب المختلفة، ويثبت قوله عليه السلام بأن هؤلاء النحاة ليسوا معصومين عن الخطأ، وأنهم لم يقوموا بإتمام مهمة تقعيد اللغة إلى النهاية.