شبهة طاعة الحكومة

يستشهد خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية بالنص المترجم من قبلهم:

إن مذهبي وعقيدتي التي أكررها أن الإسلام جزءان :الجزء الأول : إطاعة الله،والجزء الثاني : إطاعة الحكومة التي بسطت الأمن وآوتنا في ظلها من الظالمين وهي الحكومة البريطانية .” (روحاني خزائن المجلد 6 شهادة القرآن الصفحة : 380)

النص غير دقيق والترجمة الدقيقة هي:

يسأل بعض الحمقى وقليلو الفهم: هل يجوز الجهاد ضد هذه الحكومة أم لا؟ فليكن واضحا أن سؤالهم هذا ينمّ عن حمق شديد، وإلا ما معنى الجهاد ضدّ مَن شكره على مننه فرض وواجب؟ أقول صدقا وحقا بأن خيانة المحسن شيمة شخص وقح وذي طوية سيئة. فمذهبي الذي أؤكد عليه مرارا وتكرارا هو أن الإسلام جزءان. أولا: طاعة الله وثانيا طاعة السلطنة التي أقامت الأمن وهيّأت لنا تحت ظلها ملاذا من أيدي الظالمين، وتلك السلطنة هي الحكومة البريطانية. صحيح أننا نختلف مع الأقوام الأوروبية في الدين، ولا نبيح بحق الله تعالى أمورا يبيحونها، ولكن لا علاقة لتلك الأمور الدينية مع العلاقة بين الرعية والحكومة. إن الله تعالى يعلّمنا بصراحة تامة أن تشكروا وتطيعوا الملك الذي تعيشون في ظله بأمن وسلام.” (شهادة القرآن الخزائن الروحانية ص 394) (يمكن تحميل الكتاب من هنا)

الحقيقة أن كتاب شهادة القرآن ألفه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام للرد على الاسئلة حول المسيح وطاعة الحكومة والجهاد فأجاب عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بوضوح أن القتال ورفع السيف بوجه حكومة محسنة لا تأمر بما يخالف كتاب الله ﷻ ورسوله ﷺ يعد فساداً في الأرض وذلك يتفق مع القرآن الكريم والسنّة كما سيتبين إنْ شاءَ الله. فاقتطاع النصوص على نسق ويل للمصلين منهج خاطيء يستخدمه أعداء الإسلام للطعن في الدين  شخص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ومن شابه الأعداء فقد سبق عَلَيْهِ القول ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عن عبد اللّه بن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.” (رواه أبو داود)

وفي الحديث الآخر عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “اسمعوا وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة.” (رواه البخاري)

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: “أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدوع الأطراف.” (رواه مسلم)

وعن عوف بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، فقلنا : يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك ؟ قال : لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة .” (شرح العقيدة الطحاوية،  وجوب طاعة ولي الأمر إلا في معصية)

كذلك ورد في نفس المصدر لشرح العقيدة الطحاوية:

فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، فتأمل قوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] – كيف قال : وأطيعوا الرسول، ولم يقل : [ ص: 543 ] وأطيعوا أولي الأمر منكم ؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله . وأعاد الفعل مع الرسول لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله . 

وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل . قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ الشورى : 30 ] . وقال تعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم [ آل عمران : 165 ] وقال تعالى : ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك [ النساء : 79 ] . وقال تعالى : وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [ الأنعام : 129 ] . فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم . 

وعن مالك بن دينار : أنه جاء في بعض كتب الله : أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، [ ص: 544 ] ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم .” أهـ

وهذا الذي قصده المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن الإسلام في جزئين طاعة الله تعالى ورسوله وطاعة غير مستقلة بل تابعة وهي طاعة الحكومة والأمارة لدرء المفاسد خصوصاً إذا لم تأمر الحكومة بمخالفة أوامر الله تعالى. وهذا كما تبين آنفا وفق كتاب الله تعالى القرآن وسنة نبيه العدنان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

في هذا السياق أفتى كبار علماء الهند من السلفية وغيرهم من أهل الحديث على وجوب طاعة الحكومة البريطانية وعدم الجهاد ضدها ومنهم زعيم أهل الحديث محمد حسين البطالوي، وفي ذلك شهادات تاريخية عديدة ذكر منها مقال في الصحافة العربية أيضا من هذا الرابط.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد

One Comment on “شبهة طاعة الحكومة والرد من القرآن والسنة”

Comments are closed.