في عام 1900 تلقى المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وحيا بالأردية قال حوله:
“لقد تلقيت اليوم قبل قليل إلهامًا عجيبًا لم أفهمه. تلقيت أولاً الوحي التالي
تائي آئي
[ومعناه حرفيا: جاءت زوجة العم الأكبر
وهذا لأنهم في الأردية يدعون العم الذي يكون أكبر من الوالد “تاو” أو “تايا” وزوجته “تائي” بينما العم الذي يكون أصغر من الوالد يسمونه “چاچا” أو “چچا” و زوجته “چاچي” أو “چچي” .. ويكتبونها بجيم تحتها ثلاث نقاط وتلفظ عندهم “تش”]
ثم قال حضرته معلقا على هذا الوحي:
مع أنه ليست لي أية زوجة عم لا مِن قريب ولا من بعيد. أجلْ، هناك زوجة عم لأولادنا، ولكنها تعادينا. ثم تلقيت الوحي التالي:
تار آئی
أي: جاءت البرقية.“
وقد دُوِّن هذا الوحي وهذا الشرح في مخطوطة البشرى لسراج الحق النعماني المدونة في عام 1901، في الصفحة 113 في الحاشية، ومنها نقل إلى التذكرة تحت عام 1900 الذي هو عام تلقي هذا الإلهام.
وفي عام 1916، بايعت السيدة “حرمت بي بي”، زوجة الأخ الأكبر للمسيح الموعود مرزا غلام قادر، والتي تدعى “تائي” من أبناء المسيح الموعود، وورد هذا النبأ في جريدة الفضل (انظر الصورة أدناه) وما جاء في الخبر معربا ما يلي:
“بركات الخلافة
السيدة تائي المحترمة، زوجة المرحوم ميرزا غلام أحمد قادر، الأخ الكبير للمسيح الموعود عليه السلام، والتي هي أكبر أفراد هذه العائلة سنا، وتحظى بتأثير وهيبة مميزين على أقاربها، قد بايعت بإصرار وبإخلاص كبيرين على يد سيدنا محمود الخليفة الثاني وانضمت إلى الجماعة الأحمدية.
قد لا يستطيع فهم أهمية هذه البيعة مَن لا يعرفون الأوضاع المحلية والعائلية ومن لم يعيشوا هنا منذ الزمن الأول حين كانت المعارضة على أوجها حين سُدّت الطريق إلى البئر في وجه المسيح الموعود ومُنع من أخذ الماء. لقد أرى الله آية جليلة على قدرته في تأييد من جعله خليفته، والتي هي حجة قاطعة على منكري النبوة والخلافة، وهي موجبة لزيادة إيماننا، فالحمد لله على ذلك.”
(الفضل 4 آذار 1916)
ويبدو أنه إلى ذلك الحين لم يلتفت أحد إلى هذه النبوءة وأن هذه البيعة مصداق لها، إلى أن ذكر الخليفة الثاني رضي الله عنه هذا الوحي وما تضمَّنه من نبوءات وتحققها في خطبة الجمعة التي تلت يوم وفاتها (إذ توفيت في 30/11/1927) فقال:
“كان هذا الوحي يحتوي في الواقع على ثلاثة أنباء: أوّلها أن أحد أولاد المسيح الموعود عليه السلام سيكون خليفة، وثانيها أن زوجة أخيه عليه السلام ستنضم إلى جماعته في عهد ذلك الخليفة، وثالثها أن زوجة العم هذه ستعيش… حتى يأتي زمن هذا الخليفة من أولاده عليه الصلاة والسلام وتبايع على يده.”
(خطبة الجمعة 2/12/1927، جريدة الفضل، مجلد 15، عدد 47، يوم 9/12/1927)
وقد دفنت في مقبرة بهشتي ومرفق صورة لشاهد قبرها هناك.
==============================
والواقع أن هذا الإلهام الذي نزل على المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، رغم قصره، كان كالبرقية كما ورد في الوحي الذي يليه، وكان يتضمن كثيرا من المعاني والعبر التي نذكر منها:
1- ما ذكره الخليفة الثاني رضي الله عنه في خطبته، من أن هذا يعني أن أحد أبناء المسيح الموعود سيكون خليفة، وستبايع زوجة عمه في عهد خلافته وليس قبلها ولا بعدها، وهذا يعني أنها ستعيش طويلا إلى تلك المدة. وهذا يتضمن صدق خلافة هذا الابن وحقيتها.
2- الإلهام يصفها بـ “تائي” وهذا يدل على أنها قطعا زوجة العم الأكبر وفقا للأردية، وقد ذهب وهل المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إليها منذ البداية، ولكنه لم يفهم الإلهام ولم يعرف كيف سيتحقق لأنها كانت تعادي حضرته بشدة وتقف على رأس معارضيه.
3- كانت هذه السيدة بمنزلة زعيمة الشرِّ والمعارضة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وكانت تسيء معاملته بشدة وترسل لها بقايا الطعام رغم أنه كان شريك أخيه في الأملاك وكان يمكن أن يقسمها ويعيش في سعة. وكان هذا مرجعه أن العائلة كانت ترى أن المسيح الموعود بمسلكه ودفاعه عن الإسلام كان خارج الزمان والمكان، ويسيء لهذه العائلة التي تحظى بمقام عظيم في الهند بسبب مسكنته ودروشته، بينما كانت قد انتشرت في الهند صرعة أن العائلات الكبيرة تتبرأ من الدين الذي تراه مرتبطا بالتخلف والرجعية والجهل وأن هذه علامة العظمة ومواكبة العصر. وكانت لها كلمة مسموعة بين الأقارب كونها الأكبر سنا. وقد كانت على رأس المعارضين في نبوءة أحمد بيك الشهيرة بنبوءة “محمدي بيغم” التي أصلها وأساسها معاداة الأقارب للدين وإلحادهم. وقد شجعت زواج الفتاة الذي كان بمنزلة تحدٍ للوعيد الإلهي. فبيعتها تعني إقرارها بهزيمة الأقارب في هذه النبوءة وفي تحققها وفقا للشروط التي ذكرها حضرته.
4- سبقت بيعتها بيعة مرزا سلطان أحمد بسنوات طويلة، وهو الذي كان بمنزلة الابن بالنسبة لها وكان ارتباطه بها من أسباب عدم بيعته، ثم لحق بها بقية الأقارب مثل والدة محمدي بيغم وابنها وأحفادها، حتى لم يبق من العائلة أحد اليوم ليس مبايعا أو مصدقا للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وذلك مصداقا للنبأ: “ينقطع آباؤك ويُبدأُ منك” والذي نزل أول مرة عام 1883 ثم تكرر بعد ذلك سبع مرات في سنوات لاحقة.
5- من سنة الأنبياء أن يتعرضوا لمعارضة الأقارب بادئ الأمر، وأن ينعتهم الأقارب بأبشع وأشنع التهم والافتراءات، ولكن تكون النهاية إما أن يفنى هؤلاء الأقارب أو أن يعترفوا بخطئهم في نهاية المطاف فيؤمنوا. وهذا ما حدث بدقة مع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، إذ لم يمحق الله المعارضين منهم فحسب، بل جعل منهم بقية أيضا يؤمنون بحضرته. وهذا كله دليل على أن مواقفهم وأقوالهم من قبل كلها باطلة باعترافهم عمليا.
6- إيمان هذه السيدة بعد وفاة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وفي زمن خلافة ابنه دليل على أن هذه السيدة والأقارب كانوا يزدادون إيمانا ويقينا يوما بعد يوم أن حضرته كان صادقا، وأن الوعود الإلهية بحقه قد تحققت. علما أن هذه السيدة كانت تبغض الخليفة الثاني وهو صغير، وكانت كلما تلقاه تقول: “فرخ الغراب يشبه أباه“، وكان لا يفهم مقصودها بسبب حداثة سنه، فبيعتها على يده يزيد من قوة وأهمية هذا الحدث.
7- كان يمكن أن يذكر الخليفة الثاني أن هذه البيعة مصداق لوحي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام “تائي آئي” عند البيعة التي تمت عام 1916 وقبل أحد عشر عاما من وفاتها، والموثَّقة في جريدة الفضل كما ذكرنا. ولكن يبدو أن الأمر لم يخطر بباله إلى يوم وفاتها. مع أن الوحي قد نزل عام 1900 ووثِّق في عام 1901 كما بينَّا أعلاه، ولكنه لم يقم بذلك. ولعل هذا لكي تشهد الجماعة ليس على مجرد أنها بايعت وفقا للنبأ بل على تقدُّمها في الإخلاص إلى يوم وفاتها ودخولها نظام الوصية مما جعلها تدفن في مقبرة بهشتي، بحيث يصبح مجيئها قد تحقق بكل عزم وتصميم وقوة.
===========================
وأخيرا، فإن حياة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كانت حافلة بنبوءات من هذا القبيل، وهذه هي سنة الأنبياء التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى:
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } (التكوير 25)
أي هو ليس بخيلا في الإخبار عن الغيب، بل يخبر عن الغيب بكثرة، لذلك هذا الإخبار -ولو كان في أمور قد تبدو صغيرة وتفصيلية- يشكل دليلا على صدقه وعلى أن الأنباء الكبيرة التي ستحدث في وقتها جديرة بالتصديق. وقد بيَّن المسيح الموعود عليه الصلاة السلام العديد من هذه النبوءات في كتبه كمثل “حقيقة الوحي” و “نزول المسيح” و “ترياق القلوب” و “التحفة الغرولوية” وغيرها وذكر عددا هائلا من الشهود التي شهدوا عليها، بل منهم من أرسلوا شهادات خطية موثقة.
وإضافة إلى كثرة النبوءات الكبيرة والصغيرة إلا أن شهادة الله تعالى الفعلية إنما هي الدليل الأكبر على صدق حضرته، فقد عصمه من القتل أو الهلاك بخلاف سنة الله مع المتقولين الكاذبين – وكان قد وعده بهذا من قبل كما بينَّا في مقالات سابقة – وحقق غاياته وأقام جماعته ونشرها في العالم، وقطع وتين معارضيه وجعلهم أحاديث ومزَّقهم كل ممزق. والحمد لله رب العالمين.