كيف التزوير .. والكتب كلها في متناول اليد؟!!
إن أهم ما أدلى به المعترض في إعلان ارتداده عن الجماعة الإسلامية الأحمدية، لهو اتهامها بالتزوير والتلبيس على الناس، بأخذها ونشرها تفاسير لم يقل بها مؤسس الجماعة سيدنا أحمد عليه السلام المسيح الموعود والمهدي المعهود الحكم العدل. ويدعونا المعترض في إعلانه المطالبة بترجمة، أو التسريع بترجمة كل كتابات المسيح الموعود حتى يتّضح الأمر جليا.
إن ما يقصده المعترض في كلامه، هو أخْذ الجماعة بتفاسير المصلح الموعود رضي الله عنه، وتركها تفاسير المسيح الموعود عليه السلام نفسه، وكأن تضاربا واضحا يبدو بينها، لا يمكن الاطّلاع عليه إلا بانتهاء الترجمة كلها. وهو بقوله هذا يومئ للمشاهد أن الجماعة تروّج لتفاسير وتخفي تفاسير أخرى بهدف إخفاء التناقض الظاهر فيها، وإلا فما معنى التزوير والتلبيس في كلامه؟
أقول: يا للعجب! كيف يمكن أن تزل قدم بعد ثبوتها- إن كانت قد ثبتت أصلا- لأمر في غاية التفاهة كهذا الذي يدلي به!؟ فهل المسألة متعلقة بالترجمة، بدايتها ونهايتها؟ فالكتب كلها موجودة وبلغاتها المختلفة منذ ألّفها مؤسس الجماعة عليه السلام، وهي في متناول يد الجميع، ولم تقم الجماعة بإخفاء أيّ منها، ولو كانت هنالك نية للتزوير والتلبيس والتمويه لأمر المصلح الموعود رضي الله عنه، واضعُ التفسير الكبير، بإخفاء تلك الكتابات والتفاسير التي جاء بها المسيح الموعود نفسه؛ ولا شك أن المصلح الموعود رضي الله عنه، على علم واسع ودراية كبيرة واطّلاع مستفيض وإدراك وفهم عميق بكل ما كتبه المسيح الموعود عليه السلام، ولم يكن بحاجة إلى المعترض لينبهه إلى ما فيها وما يبدو من تناقضه معها، إلا أنه ورغم ذلك كتب ما كتبه وجاء لنا بتفسير كامل متكامل للقرآن الكريم، وهو – المصلح الموعود – يثق وثوقا كاملا بعدم تناقضه مع سيده، ووضَع هذه التفاسير غيرَ آبه بأي معترض لأنه لا تناقض ولا تزوير ولا تلبيس، أصلا، في هذه التفاسير.
إن ما يراه المعترض تناقضا في عينيه، لهو في أعيننا تطوير وإنماء للفكرة والبذرة الأصلية، وأخْذ بالآيات القرآنية بأبعادها المختلفة، حرفا وتأويلا، فهكذا هو تطوّر الجماعات الربانية، وهكذا هو تطوّر الفكر الديني. يقول المسيح الموعود عليه السلام : “ما جئت إلا لزرع البَذْرة، وقد زُرعتْ هذه البَذْرة بيدي، والآن سوف تنمو وتزدهر، ولن يقدر أحد على أن يعرقل طريقها.” (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية مجلد 20، ص 66 – 67)
وعليه، فرغم أن المسيح الموعود عليه السلام قد فسر لنا الكثير من الآيات القرآنية، إلا أنه لم يأت بتفسير كامل للقرآن الكريم، ولم يخُض في تفسير كل آية بأبعادها ومفاهيمها وبطونها وتأويلاتها المختلفة، فلم يكلّف نفسه عناء الخوض في التفسير المستفيض لكل آية، وذلك لأسباب مختلفة كعدم توفر الوقت لذلك، أو مخاطبته الشخص وإفحامه بما يؤمن به الشخص نفسه، فأورد الأيات بفهمها الدارج. وقد شاءت الحكمة الإلاهية أن يقوم الخلفاء من بعده بهذه المهمة العظيمة، تطويرا وإنماء وتفصيلا وإسهابا في الشرح والتأويل، دون إهمال الأصل الذي جاء به المؤسس عليه السلام ودون إخفائه.
خلاصة الكلام، نقول للمعترض، هل سمعت خلال سنوات خدمتك الجماعة -عن قرب-، أن الجماعة أخفت أي كتاب أو تفسير أو منشور لمؤسسها؟ وبما أن المعترض لن يقدر أن يقدم لنا مثالا واحدا كهذا، نقول له: طالما لم تقم الجماعة بهذا، لا مجال، بل من الظلم الكبير اتهامها بالتزوير والتلبيس.
ثم ما من الجدير ذكره، أنه لو كان في نيّة الجماعة أو الخلافة أي نوع من التستر والتغطية والتلبيس والتزوير، خوفا من ظهور هذه الاختلافات والتناقضات، لما أقدمت الجماعة أصلا على ترجمة هذه الكتب إلى اللغة العربية، بل لأبقت هذه الشبهات طيّ الكتمان، عن أعيننا، نحن العرب الأحمديين “السفهاء”، لنبقى على ما نحن عليه من سفاهة وجهل وخداع وتمويه وتلبيس. إلا ان وثوق الجماعة من فكرها وإيمانها وتفاسيرها ومتانة تماسك هذه التفاسير وترابطها وتعاضدها مع بعضها، لم يعِق الجماعة للحظة واحدة من الإقدام على مثل هذه الترجمة، وذلك ليطّلع الإخوة العرب من أحمديين وغير أحمديين على ما بها من كنوز عظيمة تنير القلب وتثبت الأيمان وترسخ العقيدة الأحمدية في نفوسهم.
يبدو أن المعترض خلال إعلانه وكأنه اكتشف حياة جديدة، ولكن ليس على المريخ بل على الأرض ذاتها، أو أنه كولومبوس اكتشف امريكا ولكن سنة 2016م، فهو يقدم نفسه وكأنه كتشف لقُراء العربية أمرا خطيرا في غاية الأهمية،كاكتشاف حياة على المريخ واكتشاف أمريكا، إلا انه بالنسبة لي لم يكتشف شيئا جديدا، فكتب المسيح الموعود التي هي قيد الترجمة موجودة منذ تأليفها، وقد قرأها أفراد الجماعة من الناطقين بالأردية خلال أكثر من قرن من الزمان. ولعل المعترض يظن أن العرب وحدهم من يستطيع القراءة والفهم والتحليل وإخراج التناقضات، لذا لا بد من الترجمة وإنهائها ليتّضح التزييف والتلبيس، فما بال الأخوة الأحمديين العلماء الأفذاذ الناطقين بالأردية الذين قرأوا هذه الكتابات قبله بعشرات السنين ولم يجدوا لبسا ولا تزويرا ولا تحريفا فيها؟ ألهذا الحد يصل بك الاستهتار بعقول هؤلاء!؟ أو لعلك تظن أنك العربي الوحيد الذي يقرأ ويحلل ويفهم ويدرك، وهنا نقول: لقد قرأنا ولا نزال نقرأ ولكن لا نرى ما تراه.
إن مسألة الأيمان ليست بالقراءة والترجمة والتسريع بها والذكاء الخارق لاستنباط الإشكالات والتناقضات، إنما هي مسألة انشراح صدر وفق ما يصرّح به الله عز وجل: { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } (الأَنعام 126) فنحن لسنا بحاجة إلى الترجمة بعدما تثبتنا في الإيمان، مما وصلنا من المحكمات اللاتي هن أمّ الإيمان، أما الأخر المتشابهات – عندك- فنعِدك أننا سنظل نقرأها ونؤمن بها فكلّ من عند ربنا.