يقول ﷻ:

﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

﴿قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ

إذا كان للساخر عذراً في الضحك من وحي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فللنصراني والملحد العذر أيضا في الضحك من باب الإنصاف كلما مر بالوحي التالي “الم عسق ص المر طه حم ق المَص كهيعص” وغيرها من عبارات الوحي القرآني التي لم يتفق المسلمون على معناها إلى اليوم. لا بد أن في هذه العبارات القرآنية معانٍ عظيمة وحقائق باهرة سواء أحطنا بها أم لم نحط ما دام القرآن الكريم قد ثبت في قلوبنا وأيقنا أنه كلام الله ﷻ. وبهذه العين ينظر المؤمن بالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلى وحي حضرته ما دام صدق حضرته عَلَيهِ السَلام قد ثبت يقيناً في قلب المؤمن. أما الذي يسخر ويضحك فهذا فوق كونه علامة على قلة الأدب والأسوة السيئة والدعوة للسخرية من القرآن الكريم هو دليل دامغ على أن الساخر لم يؤمن يوماً بصدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. لن ندخل في تفسير هذه العبارات المقطعة لأن الخليفة الثاني للمسيح رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قد فسرها بكل روعة وبيّن معانيها بما لا نظير له، ولكن موضوعنا هو الوحي وأسلوب التعامل معه.

عند النظر إلى وحي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في العبرية مثلاً نجد بأن هذا الوحي الذي نصه بالعبرية “هوشعنا نعسا” يتضمن في كلمته الأولى “هـو-شـيعا-نـا” التي تعني: آه يـا رب خلّـص، أو: آه يـــا رب أنقـــذ. وهذا دعاء لله ﷻ، وقد بشّر باستجابته في الكلمة الثانية: نعـــسا، أي استُجيب أو أُنفذ. ويشرح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه هذه الكلمات، حيث قال ما تعريبه من اللغة الأردية:

… إن هــاتين كلمتــان عبرانيتــان، ذُكــر فيهمــا نبــأ بأســلوب الــدعاء، ثم ُكــشِف عليّ أن الــدعاء سوف يُستجاب. وقد بُشِّرتُ بهذا النبأ أنني سوف أمـّر بفـترة مـن المتاعـب بـسبب انفـرادي وخلـوتي وعـزلتي، وسـوف تـزول تلـك المتاعـب. وقـد تحقـق ذلـك النبـأ بعـد 25 عامـا، وحاليـا لم تبــق لي أي مشكلة أو صعوبة من تلك المتاعب“. (البراهين الأحمدية:ج5، ص80)

ولنقرأ ما جاء في قاموس الكتاب المقدس:

يشبه اللفظ العربي في اللفظ اليوناني للكلمة العبرية “هوشعنا” ωσαννά الواردة في مزمور 118: 25 ومعناها “خلّص“. وقد هتف الجمهور بهذه الكلمة تحية ليسوع المسيح عند دخوله الانتصاري إلى أورشليم يوم أحد الشعانين أو أحد السعف. وقد وردت هذه الكلمة بمفردها مرتين (مزمور 11: 9 ويوحنا 12: 13) ووردت مرتين وجاء بعدها “لابن داود” (متى 21: 9 و15) ووردت مرتين أيضًا وجاء بعدها “في الأعالي (متى 12: 9 ومرقس 11: 10).

ويقول التلمود أن مزمور 118: 25 الذي يشمل هذه الكلمة كان ينطلق من أفواه الشعب ضمن هتافهم وهم يهزون الأغصان في أيديهم أثناء عيد المظال. وقد ورد بعد هذه الكلمة في الأناجيل اقتباس من مزمور 118: 26 وكان هذا اللفظ في المبدأ صلاة، وقد أصبح يستعمل فيما بعد كتعبير عن الفرح أو للترحيب بقادم. معنى أوصنا في الأعالي.. مبارك الآتي باسم الرب: المعروف بأن المسيح هو من نسل داود، لذلك يُشار إليه ابن داود. وأما معنى كلمة أوصنا في الأعالي فهو: “لتصرخ الملائكة في العلاء منادية لله، خلّصنا الآن”. وهي دعوة شعب متضايق يطلب من ملكه أو إلهه أن يهرع إلى خلاصه.

ومعنى كلمة أوصنا بحد ذاتها هو خلصنا الآن، وهي مُقتبسة من المزمور 118: “آه يا رب خلص، آه يا رب أنقذ” (مزمور 118:25). أما معنى بقية التحية، “مبارك الآتي باسم الرب” فهي أيضًا اقتباس من المزمور 118 “مبارك الرب الذي يأتي إلى أورشليم” (مزمور 118:26).” (قاموس الكتاب المقدس، دائرة المعارف الكتابية المسيحية، شرح كلمة أُصَنَّا أوصنّا هوشعنا)

لا شـك أن هـذا النبـأ يـدل علـى صـدق المـسيح الموعـود عَلَيهِ السَلام، إذ إن حضرته لم يكن يعـرف اللغة العبرية مطلقاً ناهيك عن البحث في الأصل اليوناني كما تقدم، ولكن الله تعالى استخدمها لتكون بشارةً وتأييداً وتشبيهاً بين حضرته وبين المسيح الناصري عَلَيْهِمْ السَلام، وقد كتبها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كما تلقاها من عند الله ﷻ ؁ 1883م، ثم تبّين فيما بعد أنها تتضمن نبأ غيبيا، وتحقق هذا النبأ بعد مرور 25 عاماً عندما ألف حضرته الجزء الخامس من البراهين الأحمدية.

أما الاعتراض بأن هذه المتاعب هي شخصية لا أهمية لها بالنسبة للمؤمنين فهو اعتراض على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي قال تعالى له في الوحي {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}، فهل هذه أمور شخصية لا قيمة لها ولا أدنى أهمية عند المؤمنين ؟ أم هي دليل على نصر الله تعالى وتأييده للنبي ﷺ وإزالة الأحمال والتعب عن كاهله ﷺ بما يفيد الدعوة ولا يترك أثراً فيها ولا ثغرة !

الواقع أن الساخر من كلام الأنبياء وغيرهم لا يمكن أن يُقدِّم للناس أسوة صالحة بل هو أقرب للإلحاد منه إلى الإسلام والأدب بوجه عام. لهذا ينبغي أن نلتزم الخلق القويم عند التعامل مع رموز الآخرين وإلا فسوف نكون باباً للسخرية من الدين وعذراً لكل طاعن في كلام خير المرسلين سيّدنا محمد صَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَيهِ واله الطيبين الطاهرين.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد