المعترض:
قال محمود في سياق تبيان أهمية الخلافة التي في ذهنه:
“إن إقامة الصلاة حقًّا محال بدون نظام الخلافة، لأن أهمّ الصلوات هي صلاة الجمعة التي تكون فيها الخطبة التي يُذكَّر فيها الناس بمصالح الأمة وضروراتها. فلولا نظام الخلافة الآن فكيف يطلع أهل القرى الصغيرة النائية على ما يجري في الصين واليابان، وكيف يعرفون ما هي التضحيات التي يطالبهم الإسلام بها؟ إذا كان للمسلمين جميعا مركز وخليفة واجب الطاعة، فإنه سيتلقى التقارير من شتى أنحاء العالم حول ما يتم هناك من أعمال ونشاطات لنشر الإسلام، فيخبر الناس بأن الإسلام اليوم بحاجة إلى كذا وكذا من التضحيات والخدمات… فالجمعة التي هي أهمّ الصلوات لا يتمّ أداؤها على أحسن وجه إلا بإقامة نظام الخلافة بين المسلمين. ولما كانت جماعتنا تتمتع بنظام الخلافة فتجدون أن خطبي كلها تكون بفضل الله تعالى بحسب مقتضيات الظروف والمستجدّات دائمًا، وهناك غير الأحمديين الذين يتأثرون من خطبي بفضل الله تعالى لدرجة أنهم يقولون إن خطبك تبدو لنا إلهامية. (الخلافة الراشدة)
تعليقنا على هذا الهراء:
إن الفيسبوك أفضل من خلافتك من هذه الناحية. وإن أكذب مراسل في الـ BBC أصدق من أصدق مبلّغ من مبلّغيك أصحاب الـ 81 مليون بيعة في سنة واحدة!
ثم إنّ خليفتكم الحالي يكرر خطبك التي مضى عليها قرن من الزمان، ولا يكاد يسمع بها أحد. وتكاد تكون هي هي في كل مرة.
ثم إنّ أيّ خطيب يمكنه أن يتحدث عن المستجدّات، فهذا عصر الفضائيات والمراسلين. ثم إنّ خطبة الجمعة لا يلزم أن تكون تلخيصا للأخبار، فمن أراد معرفة ما يجري في هذا العالم فلا أظنه ينتظرها.
أما الآية الكريمة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} التي زعم محمود أنها تتحدث عن الخلافة الوهمية، فإنّ موضوعها هو أنها تَعِدُ المسلمين المستضعفين أنهم سيكونون خلفاء الأرض.. أي لهم سلطة حقيقية عليها وممكّنين فيها ويمكَّن دينُهم فيها، ولن يتعرّض لخطر الزوال، وسيسود الأمن والسلام وسينتهي الخوف، بحيث يعبدون الله بحرية.
الرد:
لعل المعترض فهم بأن عبارة المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ “إن إقامة الصلاة حقًّا محال بدون نظام الخلافة” فهمها على ظاهرها أي أنه لا يجوز أن يصلّي المسلم غير الأحمدي المنضوي تحت الخلافة ! وهذا الفهم ليس بمستغرب إذا صدر من المعترض الذي فهم أموراً مثيلة فيما سبق. أما الفهم الصحيح فهو أن الصَلاة بمفهومها الكامل أي التي ينال فيها المُصلي أجر الصَلاة جماعة وراء إمام للمسلمين فكيف بالإمام إذا كان خليفة ! ولنأخذ قول سلف الأمة في هذا الموضوع:
ذَكَرَ الإمام الذهبي رحمه الله في “السير” حديثاً للنبي ﷺ فقال:
“أخبرنا عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن عذير الدمشقي مرات، أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي، سنة تسع وست مئة، وأنا في الرابعة، أخبرنا علي بن المسلم الفقيه، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن صدقة، حدثنا عثمان بن خرزاذ، حدثنا المشرف بن أبان، حدثنا عمرو بن جرير، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير موضع في المسجد خلف الامام.”” (سير أعلام النبلاء ١٣/٣٨١)
وقد أورد الإمام السيوطي هذا الحديث في “الكبير” بلفظ:
“خير بقعة في المسجد خلف الامام، وإن الرحمة إذا انزلت بدأت بالامام، ثم الذين خلفه، ثم يمنة، ثم يسرة ثم يتغاص المسجد بأهله.” (“الجامع الكبير” ص ٥١٧)
أما قول المعترض “إن الفيسبوك أفضل من خلافتك من هذه الناحية” فهو يعني ببساطة أن كل خطب المسلمين في هذه الناحية التي سنتحدث عنها لا خير فيها بل حوارات الفيسبوك أفضل منها.
ويشرح المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في نفس النص حيث يقول رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“إذا كان للمسلمين جميعا مركز وخليفة واجب الطاعة، فإنه سيتلقى التقارير من شتى أنحاء العالم حول ما يتم هناك من أعمال ونشاطات لنشر الإسلام، فيخبر الناس بأن الإسلام اليوم بحاجة إلى كذا وكذا من التضحيات والخدمات.” أهـ
أي أن نظام الخلافة من مزاياه أن كل تقرير حول نشاط الجماعة في بلد حول العالم يصل إلى الخليفة عبر رؤساء الجماعات في البلاد المختلفة فيقوم الخليفة بجمعها وتبليغها إلى المصلّين وهكذا يكون الجميع على اطِّلاع كامل بما تقوم به الجماعة حول العالم. أما المعترض فيرى أن النقاش والحوار على الشبكات الاجتماعية يُغني عن حضور خطبة الجمعة في المسجد إذا كانت تشتمل الأخبار العالمية للجماعة -على فرض انتماء المعترض لجماعة تنشط حول العالم، ولنا أن نسأل؛ كيف يمكن للمعترض (المنتمي لجماعة ما) أن يطّلع على نشاط جماعته حول العالم بشكل رسمي ودقيق إذا لم يكن يرغب بالاستماع إلى خطبة إمام جماعته ؟ هذا محال لأن المعترض سوف يدور في مواقع التواصل بين الإشاعات والتقارير المتسرعة ويمكن أن يحصل على الأخبار ولكن ليس التقارير الرسمية الدقيقة والمعتمَدة عند جماعته حيث تنتشر الشائعات بكثرة على شبكات الإنترنت ولا يؤخذ الخبر إلا من مصدر موثوق أو صحيفة/مجلة رسمية تراجعها جهات رسمية قبل النشر Peer Reviewed.
أما قول المعترض “ثم إنّ خليفتكم الحالي يكرر خطبك التي مضى عليها قرن من الزمان، ولا يكاد يسمع بها أحد. وتكاد تكون هي هي في كل مرة.” فهو قول متناقض، فكيف تكون الخطبة “مكررة” وفي نفس الوقت “ولا يكاد يسمع بها أحد” ؟ أما الجواب عموماً فهو على فرض التكرار فعلاً وهو ليس بصحيح إلا ما استدعى تكراره لمناسبة أو موعظة فهو من باب الذكرى حيث يقول تعالى:
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ – الذاريات ٥٦
يقول ابن عاشور في تفسيره للآية:
“وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ … وليكون الاستمرار على التذكير زيادة في إقامة الحجة على المعرضين ، ولئلا يزدادوا طغياناً فيقولوا : ها نحن أولاء قد أفحمناه فكُفّ عما يقوله . … واقتصر في تعليل الأمر بالتذكير على علة واحدة وهي انتفاع المؤمنين بالتذكير لأن فائدة ذلك محققة ، ولإِظهار العناية بالمؤمنين في المقام الذي أُظهرت فيه قلة الاكتراث بالكافرين قال تعالى : { فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى } [ الأعلى : 9 11 ] . … والنفع الحاصل من الذكرى هو رسوخ العلم بإعادة التذكير لما سمعوه واستفادة علم جديد فيما لم يسمعوه أو غفلوا عنه ، ولظهور حجة المؤمنين على الكافرين يوماً فيوماً ويتكرر عجز المشركين عن المعارضة ووفرة الكلام المعجز .” (تفسير “التحرير والتنوير” لابن عاشور)
بل إنَّ التذكير هي مهمة النبي ﷺ حيث أن من صفاته ﷺ (المُذَكِّر) كما في قوله تعالى:
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ – الغاشية
ويقول ابن عاشور في التفسير:
“… رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّوَامِ عَلَى تَذْكِيرِهِمْ.” (نفس المصدر)
فالمداومة على التذكير صفة ربّانيّة تنفع المؤمنين حصراً وليس المعترضين !
أما قول المعترض بأن الخلافة هي أن يعبد الناس ربهم أحراراً في سلام تحت سلطة حقيقية فلا يمكن تحقيق ذلك بداهة بدون أن يكون على رأس المسلمين إمام يستكمل دور النبي في تعليمهم وتزكيتهم ولمّ شملهم وتوحيد كلمتهم والنهوض بهم لخدمة الخَلْق. كيف سيعيش الناس بأمان وسلام وحرية وهم يرفضون الوحدة ويسعون للتفرق والتشتت ؟ لقد ثبت أن مثال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وخلفائه رضوان الله عليهم في قيادة الأمة وتوحيدها على قلب رجل واحد هو المثال الصحيح الناجح والضامن للتزكية والرقي الاجتماعي والحريّة الدينيّة لأن المؤسسة المادية والروحية يجب أن يكون لها رأس يدير شؤونها ويقودها ولا توجد مؤسسة يديرها ملايين الناس بلا مرجعية ثابتة ثم يهنأ الجميع ويقبلون برأي بعضهم البعض ويتحملون النتائج ويتفقون تلقائيا ! هذا الكلام أنّى أتيته وجدته يخالف العقل والمنطق.
يقول تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ – النور ٥٦
ولنأخذ قول القرطبي في تفسير الآية أعلاه:
“نزلت في أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ؛ قاله مالك. … قال الضحاك في كتاب النقاش : هذه تتضمن خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ؛ لأنهم أهل الإيمان وعملوا الصالحات . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون . وإلى هذا القول ذهب ابن العربي في أحكامه ، واختاره وقال : قال علماؤنا هذه الآية دليل على خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم.” (تفسير القرطبي)
وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن الخلافة سوف تعود في آخر الزمان كما في الحديث الذي رواه أبو داود في مسنده حيث قال:
“حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْوَاسِطِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ، فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ، أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ؟ وَكَانَ حُذَيْفَةُ قَاعِدًا مَعَ بَشِيرٍ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ، فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» ، ثُمَّ سَكَتَ.” (رواه أبو دَاوُدَ)
فالخلافة بخليفة وليس بشتات وفرقة واختلاف.
أما أن يرى المعترض الخلافة أنها أي حكومة عادلة ولا أهمية للدين في قيامها فهو مساواة لخلافة الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين بأي حكومة غربية في هذا الزمان. ومع أن الحكومات الغربية عادلة مع رعيتها ألا إنَّ الخلافة الروحانية هي الأهم لأنها تهتم بالتزكية والنهوض الأخلاقي المتصل بالله تبارك وتعالى وليس مجرد قوانين وعقوبات قابلة للتعديل والتغيير والتبديل. والخلاصة أن الإلحاد الذي يدعو إليه المعترض بصورة غير مباشرة لا يمكنه الحلول محل الدين لأن الدين هو روح العدل والدافع الأكبر لرقي الأخلاق والنهوض بالبلاد وأداء حقوق العباد حتى في غياب القوانين المادية.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ