توكيد النكرة بين المنع المطلق والجواز المطلق والحمل على غير التوكيد
إن من غريب اللفظ الوارد في كتابات سيدنا أحمد عليه السلام المسيح الموعود والمهدي المعهود، هو ما جاء في الفقرات التالية في الخط العريض:
- وإذا غلب المسيح فاختتم عند ذلك محارباتٍ كلها التي كانت جارية بين العساكر الرحمانية والعساكر الشيطانية. (الخطبة الإلهامية)
- رؤوفٌ رحيمٌ كهفُ أممٍ جميعها. (كرامات الصادقين)
- وكان قوله خيرا من أقوال كلها. (حمامة البشرى)
- قد سمع مني هذا الكشف بمقام “هوشياربور” قبل موت “أحمد”، بل قبل إشاعة واقعاتٍ كلّها، رجلٌ مِن وُلْدِ شيخ صالح غزنوي. (مكتوب أحمد)
وتكمُن الغرابة في هذه العبارات في إلحاق النكرة بتوكيد لها، بإحدى ألفاظ التوكيد المعنوي مثل ” كل” و ” جميع”، رغم أنه وفق القواعد العربية المعروفة والدارجة لا يمكن توكيد النكرة. لأنها شائعة ليس لها عين ثابتة كالمعرفة؛ ولا فائدة ترتجى من توكيدها وفق زعم أغلبية النحاة.
فهل وقع المسيح الموعود عليه السلام في خطأ في هذه العبارات يا ترى!؟ وهل كان سبب هذا الخطأ هو العجمة وتأثر حضرته باللغة الفارسية والأردية!؟
إحصاء هذه التعابير:
في عملية إحصائية لورود مثل هذه الألفاظ في كتابات سيدنا أحمد عليه السلام العربية نجد مايلي:
- وردت كلمة “محاربات” نكرة بشكلها الصحيح ثلاث مرات، غير تلك الفقرة التي تبدو غريبة والمذكورة أعلاه من الخطبة الإلهامية. ووردت معرفة بشكلها الصحيح ست مرات، أربع منها في نفس الكتاب ” الخطبة الإلهامية” الذي وردت فيه الفقرة المشبوهة.
- وردت كلمة “أقوال” نكرة بشكلها الصحيح ما يقارب 43 مرة، 8 مرات منها في نفس الكتاب التي وردت فيه الفقرة الغريبة أعلاه من كتاب “حمامة البشرى”. وقد وردت معرفة بشكلها الصحيح 28 مرة، ثلاث منها في نفس الكتاب “حمامة البشرى” الذي حوى الفقرة الغريبة أعلاه.
- وردت كلمة “أمم” نكرة بشكلها الصحيح 18 مرة، 3 منها في نفس كتاب كرامات الصادقين الذي وردت فيه العبارة الغريبة. ووردت معرفة بشكلها الصحيح ما يزيد عن 40 مرة، واحدة منها في نفس “كتاب كرامات الصادقين” مع الفقرة المشبوهة.
- وردت كلمة “واقعات” نكرة بشكلها الصحيح 10 مرات، واحدة منها في نفس كتاب ” مكتوب أحمد” الذي وردت فيه الفقرة الغريبة، ووردت معرفة في 18 مرة، واحدة منها في نفس كتاب “مكتوب أحمد” مع الفقرة المشبوهة.
ونذكّر هنا بما قاله المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد:
- “إن الذي يؤلّف كتبًا ضخمة بالعربية أو الفارسية فليس بمستبعَد أن يصدر عنه- طبقًا للمقولة الشهيرة “قلّما سَلِمَ مِكثارٌ” – خطأٌ ما من الأخطاء الصرفية والنحوية، ثم ينفلت هذا الخطأ من نظره فلا يتم تداركُه. كما يمكن تمامًا أن يرتكب الناسخ خطأً من عنده، فلا ينتبه له المؤلف بسبب الذهول البشري“. (كرامات الصادقين، ص 5)
- “إن كتبي مبرَّأة مما زعمتَ، ومنزّهة عما ظننت، إلا سهو الكاتبين، أو زيغ القلم بتغافُل مني لا كجهل الجاهلين.” (مكتوب احمد )
- “ولكن الحق أنه لا يمكن أن يُعزى إلينا من الأغلاط الصرفية والنحوية إلا ما لم يرِد صحيحُه في موضع آخر من كتبنا. أما إذا وردت كلمة أو تعبير ما في مكان ما خطأً على طريق الصدفة بينما تكون تلك الكلمة نفسها قد وردت في عشرات الأماكن الأخرى بصورتها الصحيحة .. فلا مناص لهم – لو كان فيهم شيء من الإيمان والإنصاف – إلا أن يعزوا ذلك الخطأ إلى سهو الناسخ بدلاً من أن يعتبروه غلطًا منا. ولو أنهم أخذوا بعين الاعتبار العجلةَ التي ألّفنا فيها هذه الكتب لاعترفوا باقترافهم ظلمًا عظيمًا، ولعدُّوها تأليفاتٍ خارقةً للعادة. (التبليغ / مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية مجلد 5)
وبناء على أقوال حضرته عليه السلام هذه، والإحصائيات التي قدّمناها نخلص إلى ما يلي:
- لا يمكن للعبارات الغريبة التي ذكرناها أعلاه أن تعد خطأ ناتجا عن جهل المسيح الموعود عليه السلام بها وبالصيغة الصحيحة التي لا بدّ أن ترد وفقها؛ لأنها واردة عشرات المرات الأخرى في كتاباته بصيغها الصحيحة من حيث التعريف والتنكير.
- لا يمكن أن يكون للعجمة أي تأثير أو للأردية والفارسية أي ضغط في هذه الكتابات؛ بحيث يكتبها حضرته متعمدا بصيغتها الأعجمية الخاطئة، وهو موقنٌ بأن هذه هي الصيغة العربية الصححية لها؛ إذ أنّى للعجمة أن تؤثر في موضع واحد ولا تؤثر في عشرات المواضع الأخرى!؟ وأنى لها أن تؤثر في موضع واحد ولا تؤثر في مواضع قريبة منه في نفس الكتاب وتبعد عنها أسطر محدودة أو دقائق محدودة من الإلقاء الإرتجالي كما في الخطبة الإلهامية!؟
- فبناء على كل هذا نخلص إلى أن أقصى ما يمكن أن يذهب إليه “مسيئ الظن” -ولا أقول “محسن الظن” لما سوف أبيّنه في مقال لاحق-، هو أن يعزو الغرابة في هذه الألفاظ – إن صحّ كونها خاطئة- إلى السهو في النقل أو النسخ أو السماع من الناسخ، أو الغفلة من الكاتب. وهذا كله لا يمكن اعتباره خطا نابعا عن جهل الكاتب.