لقد أوردنا مرار وتكرارا مقولة الإمام الشافعي رحمه الله “بأن اللغة العربية لا يحيط بها إلا نبيّ“. كما أوردنا ما قاله المسيح الموعود عليه السلام بأن قواعد اللغة بحر لا شاطئ له.
وقلنا بأن إحاطة المسيح الموعود بأدق دقائق اللغة العربية، كما في اعتباره “شبه الجملة (إقرأ الموضوع من هنا)” مبتدأً في بعض التراكيب على خلاف الرأي الرائج اليوم، دليل على انطباق مقولة الإمام الشافعي عليه، مما يثبت نبوّته عليه السلام.
ومن مظاهر إحاطته عليه السلام بأدق دقائق اللغة العربية، وامتلاكه لناصية اللغة، هو إحاطته بالتراكيب والصيغ التي تزاد فيها ” كان” للدلالة على الزمن الماضي، رغم عدم رواج هذه التراكيب في عصرنا الحاضر، ورغم إهمال هذه الصيغ وهذه اللغة العربية في لغتنا المعاصرة؛ لدرجة أن كبار المختصين في اللغة قد يجهلون هذا النوع من التراكيب.
ومن بين هذه الصيغ والتراكيب ما جاء في قوله عليه السلام:
– ولم يزل “كان” أبي مشغوف الخدمات حتى شاخ. (نور الحق)
– فالملخص أن أبي لم يزل “كان” شائِمَ برقِ الدولة. . (نور الحق)
وقد تشتبه هذه التراكيب على البعض، ويُظن بأنها خاطئة، وأنه لا مكان لاستعمال “كان” في هذه التراكيب وفق لغتنا العربية الفصحى الرائجة في هذا العصر.
غير أنه عند البحث في أمهات الكتب والمصادر العربية، نجد لهذا الاستعمال أصلا في اللغة العربية. نسوق لكم لإثبات ذلك ما ورد في كتاب “ضرائر الشعر” عن زيادة “كان” في الكلام شعرا ونثرا. حيث جاء:
“ومنها ( أي ضرائر الشعر): زيادة (كان) للدلالة على الزمان الماضي، نحو قول الفرزدق:
في لجةٍ غمرت أباك بُحُورها … في الجاهلية – كان – والإسلام
وقول الآخر، أنشده الفارسي:
في غرف الجنة العليا التي وجبت … لهم هناك بسعي – كان – مشكورِ
يريد: بسعي مشكور، وقول الآخر، أنشده الفراء:
سراة بني أبي بكر تساموا … على – كان – المسومةِ العرابِ
وقول غيلان بن حريث:
إلى كناس – كان – مُستعيدهِ
يريد: إلى كناس مستعيده، وقول امرئ القيس، في الصحيح من القولين:
أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا … بكاء على عمرو وما كان أصبرا
يريد: وما أصبر، أي: وما أصبرها.
وقد تزاد في سعة الكلام، ومنه قول قيس بن غالب البدري: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من عبس، لم يوجد – كان – مثلهم. يريد: لم يوجد مثلهم، إلا أن ذلك لا يحسن إلا في الشعر.
وإنما أوردت زيادتها في (فعل)، دون زيادة الجملة، لأنها في حال زيادتها غير مسندة إلى شئ. وسبب ذلك أنها لما زيدت للدلالة على الزمان الماضي، فقيل: زيد – كان قائم، أشبهت (أمس) من قولك: زيد -أمس – قائم، فحكم لها بحكم (أمس)، فلم تسند إلى شئ، كما أن (أمس) كذلك. ونظير ذلك استعمالهم (قلما)، وهي في الأصل غير مسندة إلى فاعل، لما كانت في معنى ما لا يسند إليه، وهو حرف النفي، ألا ترى أنك تقول: قلما يقوم زيد، إذا أردت ذلك المعنى.
ولا يزاد شئ من أخواتها، إلا أن يسمع من ذلك شئ، فيحفظ ولا يقاس عليه لشذوذه، نحو ما حكاه أبو الحسن من قولهم: ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفاها، يعنون الدنيا، أي: ما أبردها في الصباح، وما أدفاها في المساء (ضرائر الشعر 77- 79) (إ،ه).
- نرى مما تقدم إمكانية زيادة “كان” في تضاغيف الكلام بهدف الدلالة على الزمن الماضي.
- كما نرى ونلحظ أن هذه الزيادة لا تؤثر على الإعراب في الجملة، فلا تأثير إعرابي لهذه الزيادة في الصيغ المحتوية عليها.
- رغم أن هذه الزيادة واردة خاصة في الشعر للضرورة، إلا أنها كذلك واردة نثرا، حيث تزاد نثرا في سعة الكلام، كما في المثال الذي سيق:”لم يوجد – كان – مثلهم“؛ وهو شبيه جدا لصيغة “لم يزل كان” التي استعملها المسيح الموعود عليه السلام.
- ومن هنا فإن هذه الصيغة “لم يزل كان” تفيد الدمج بين الاستمرارية التي في “لم يزل” والزمن الماضي في “كان” لتكون المحصلة الاستمرارية الماضية والمنقطعة لا المتصلة بالزمن الحاضر.
- نعم، إن هذه اللغة وهذه الصيغة هي لغة قديمة متروكة وغير رائجة وشاذة! ولكنها تبقى رغم أنف المنكرين لغة عربية من لغات العرب!!!!
ومن هنا نقول إن إحاطة المسيح الموعود بهذه الدقائق اللغوية، التي يجهلها حتى متخصصو اللغة في يومنا هذا، دليل على امتلاكه لناصية اللغة، وأنه عليه السلام لم يتأتّى له كل هذا الإلمام إلا بتعليم الوحي الربانيّ له.
وثبت من كل هذا، أن “كان” الزائدة، لهي لغة من أربعين ألفا من اللغات العربية التي تعلمها المسيح الموعود عليه السلام من الله تعالى في ليلة واحدة، وثبتت معجزة المسيح الموعود مرة أخرى في تعلمه للغة العربية، وثبتت مرة أخرى نبوّة المسيح الموعود وفق مقولة الإمام الشافعي بأن اللغة العربية لا يحيط بها إلا نبيّ! وخاب الأعداء والطاعنون.