من الأقوال المأثورة عن العربية وسعتها قيل:
قال الشافعي: لغة العرب أوسع من أن يحاط بها، ولا نعلمه يحيط بلغة العرب إلا نبي.
وقال أبو عمرو: من توسع في كلام العرب لم يكد يخطئ أحدا.
وقال الكسائي: على ما سمعت من العرب، لا أحد يخطئ إلا قليل.
هذا ما قاله أئمة اللغة الذين قضوا أعمارهم في خدمة العربية والتدبر فيها محاولين سبر أغوارها، وهذه أقوال خبراء كانت دوما نبراسا لكل دارسي اللغة ليدركوا أن غور العربية عميق، فيجب أن يتوسعوا ولا يتسرعوا.
لذا، فالتسرع بالادعاء أن هنالك خطأ لغويا هنا وخطأ لغويا هناك هو فعل متوسطي الثقافة وما دون، الذين يعرفون القواعد الأساسية ويجهلون قواعد ليست مألوفة لعموم الناس. وقد يكون مقبولا الحكم على كلام عموم الناس بالخطأ دون أخذ الحيطة الكاملة أحيانا، ولكن النظر في نصوص هي قمة البلاغة والفصاحة بهذه الطريقة لا يجلب إلا الخزي لصاحبه.
ومما رأينا من هذا التسرع ما قام به بعض المسيحيين من الاعتراض على القرآن الكريم مدعين أنه يحتوي أخطاء لغوية! وغفل هؤلاء أن هذه القواعد لم تأت إلا من استقراء كلام العرب، كما أن القرآن الكريم نزل في العرب الفصحاء البلغاء في زمن أوج اللغة العربية، ولم يعترض أحد على لغة القرآن بل رأوه معجزة بيانية بلاغية لا بد أن تخلب لب من يستمع إليه سواء آمن به أم لم يؤمن.
هؤلاء لو كان عندهم علم كافٍ باللغة العربية لأدركوا أن اعتراضاتهم كلها تغطيها قواعد اللغة التي يجهلونها. ولكنهم لم يتورعوا عن هذا الاعتراض السخيف الذي مرجعه الحقد والضغينة تجاه الإسلام. فالذي يسيطر عليه الحقد والضغينة لا يمكن أن تصفو رؤيته، وسيأتي دوما بأمور تكون سببا لخزيه هو لا غيره.
وهكذا، واتِّباعا لسنة هؤلاء المعترضين من أعداء الإسلام، يخرج علينا الآن بعض المتسرعين من المعترضين مدعين أن هنالك أخطاء لغوية في كلام المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام! والواقع أن هذا مرجعه جهلهم هم، بل إن بعض ما يظنونه صحيحا ويحكمون به على كلام المسيح الموعود هو خاطئ أصلا. ومنهم من عندما بينَّا أن هذه ليست أخطاء بل هي صحيحة لغويا، وبينَّا مرجعها اللغوي، رأيتهم يماحكون ويتمسكون بموقفهم من أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام لم يقل ذلك لمعرفته أن هذا صحيح لغويا، بل مرجع ذلك عدم علمه!! فمن أين لهم أن يعلموا هذا؟ ألا يدل ذلك على أنهم مماحكون لا يستحيون من إصرارهم على الخطأ والتمسك به؟ ألا يدل ذلك على أن الضغينة والحقد قد أعمت أبصارهم وبصائرهم وأن هذه ليست سوى مبررات لتبرير موقفهم وليست إشكالات واجهتهم؟
العالم باللغة لا يكاد يخطِّئ أحدا، والمتسرع إنما يكشف عن جهله هو. أما الحاقد فلن يتورع عن انتقاد القرآن والتشكيك في فصاحته وبلاغته. ولا قيمة لهذه الأقوال السخيفة.
ومن الطبيعي أن الذي لا يؤمن بصدق المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام سيدعي أن كلامه ليس فصيحا ولا بليغا وأنه يحتوي أخطاء متنوعة حسب ظنه، ولن يصلح موقفه حتى لو تبين له أن كلامه هو الخاطئ، لأن الأساس هو أنه لا يؤمن به، ويحاول أن يبحث عن نقائص مزعومة فيه، فهذا الشخص أصلا لا يصلح حتى للنظر في هذه القضايا، لأنه مجروح وليس عدلا، فكيف إن كان مجروحا بالكذب والنفاق الثابت عليه؟ هل شخص كهذا يصلح حكَما أصلا؟