المعترض:
يقول محمود خليفة الأحمدية الثاني بأن الخلافة لا تكون إلا عند صلاح الناس بينما لا تكون النبوة إلا عند فساد الناس ! هذه إساءة للصحابة وتطرح إشكالاً كبيراً وسؤالاً لا جواب له وهو: لماذا إذن لا تعتبر معاوية ويزيد من الخلفاء والفساد ليس فيهما بل في الأمة ؟ لقد كان الخليفة الثاني محمود يريد تدمير وتحطيم الجماعة الأحمدية ولذلك عارضه أكثر الأحمديين الكبار وكانوا يطلقون عليه الولد وما إلى ذلك. أما السؤال هذا فهو يطرح نفسه بسبب هذا التحريف والتزييف الأخطر على الإطلاق !
الرد:
الجواب هو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في حديث سفينة:
“الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا عضوضا” (حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في “المسند”، والحاكم في “المستدرك”، وأبو يعلى في ”المسند”، وابن حبان في “الصحيح”، والترمذي في “السنن”، ومعنى هذا الحديث بينه الحافظ في الفتح فقال: “أراد بالخلافة: خلافة النبوة، وأما معاوية ومن بعده فعلى طريقة الملوك، ولو سموا خلفاء. وبالله التوفيق. وصلَّى الله على نبينا مُحَمَّد، وآله وصحبه وسلم.”)
قال سفينة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“أمسك خلافة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (سنتين)، وخلافة عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (عشر سنين)، وخلافة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (اثني عشر سنة)، وخلافة على رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (ست سنين).”
ولهذا قال معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بعد انقضاء الثلاثين سنة:
“أنا أول الملوك” (من رسالة أبي زيد القيرواني ج١ ص٩٦، ج٢)
يقول ابن تيمية مثبتاً ومصححاً هذا الحديث في “مسودته” -ق ٨١ / ٢ – ٨٤ / ٢- المحفوظة في المكتبة الظاهرية بخطه يقول في مطلعها:
“وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام ابن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله ﷺ، رواه أهل السنن كأبي داود وغيره، واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد، واستدل به على من توقف في خلافة علي من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد: “من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله“. ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه بين الفقهاء، وعلماء السنة…. ووفاة النبي ﷺ كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية، وإلى عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله ﷺ الحسن بن على السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام واحد وأربعين في شهر جمادى الآخرة، وسمي عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول الملوك، وفي الحديث الذي رواه مسلم: “سيكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض.” أهـ
فالخلافة إذاً حدّدها النبي ﷺ بثلاثين سنة فقط، وقد اعترف بذلك سيدنا معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بنفسه كما في الحديث السالف.
أما من أقوال أهل العلم فلنأخذ عينة كما يلي:
قال ابن تيمية رحمه الله:
“لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى من بعده.” (الفتاوى ٤/٤٧)
وقال أيضا:
“واتفق العلماء أن معاوية أفضل ملوك هذه الامة، فان الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو اول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة.” أهـ
قال الذهبي:
“معاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم.”
قال ابن كثير في ترجمة معاوية:
“واجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين .. فلم يزل مستقلاً بالامر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كات فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو.” (البداية والنهاية ٨/١٢٢)
قال ابن العز الحنفي:
“وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين.” (شرح العقيدة الطحاوية)
أما عن حلول الخلافة في زمن صلاح الناس بعكس النبوة التي تكون عند فسادهم فهو أمر مجمع عليه عند المفسرين كابن كثير الذي قال في تفسير آية الاستخلاف {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ما يلي:
“هذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلن بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنة، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها. وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية -وهو المقوقس- وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة، الذي تملك بعد أصحمة، رحمه الله وأكرمه.” (تفسير ابن كثير)
بينما يقول تعالى عن النبوة بأنها تأتي بعد بلوغ الفساد مراحل خطيرة { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} و {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}. أي لا بعثة لنبي إلى قرية إلا وأهلها ظالمون.
فهذه أساسيات لا يجهلها أحد.
الإساءة إلى الصحابة
أما الإساءة إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فهو ادعاء لا قيمة له بدون دليل، وحيث أن لدينا أدلة من الكثرة ما لا مجال فيه لحصرها جميعاً في هذا المقام على إثبات صدق وعظمة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من كتابات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام والمُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فقد سقطت هذه الشبهة لعدم توفر الدليل المعاكس.
لقد ثبت من استقراء اعتراضات الخصوم على مر تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية بأن المدخل إلى الطعن بالجماعة لا يتم عادة إلا عبر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ومن ثم الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد أي المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هذا دليل أن حضرته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو صمام الأمان الذي لا مجال للدخول والتوغل إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية إلا عبره، وهيهات فقد ارتطم كل معارض سابقاً بصخرة المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وشج رأسه وخاب أمله.
أما اعتراض أكثر الجماعة على حضرته ونعته بالولد ونحو ذلك فهو أيضاً من أوهام المعترض حيث أن المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ التف حوله أغلب الأحمديين ولم يترك الجماعة إلا القلة فقط ممن بايع الخلافة ثم نقض بيعته، والدليل ماثل أمام الجميع، فليبحث كل قاريء عن الأحمديين اللاهوريين اليوم وليقارنهم بالأحمديين الذين يتبعون المُصْلِح المَوْعود الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أما صفة الولد فهي في ذهن المعترض ومن ارتد عن الجماعة الإسلامية الأحمدية فقط، وهو يشبه أسلوب إبليس الذي رأى نفسه أحق وأولى من آدم بالخلافة لاعتبارات قشرية لا قيمة لها واعتبره مجرد طين لا خير فيه، والمعارض يقول قولاً مشابهاً جداً، فسبحٰن من جعل قلوب المرتدين شَبَه بعضٍ وهم من الداخل شتى.
أما ادعاء تدمير الخليفة الثاني للجماعة وتحطيمها فهو قول لا يستحق التوقف بل نختتم به هذا الرد العاجل بفضل الله ﷻ.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ