المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية.. 13
نكتة اللازم والمتعدي في فِعليْ “رأى” و”نظر” والخلط بينهما عُجمةً
يقول المسيح الموعود عليه السلام: “ومن آياته أنه علّمني لسانا عربية، وأعطاني نكاتا أدبية، وفضّلني على العالمين المعاصرين.” (مكتوب أحمد) ومن هذه النكات الأدبية ما قيل عنه وظُن أنه خلط بين فعلي رأى ونظر معنى ونحوا.
فقد ورد في كتابات المسيح الموعود عليه السلام الصيغة التالية “رأى إلى” في العديد من الفقرات التي سنذكرها لاحقا. وقد اتُهم المسيح الموعود عليه السلام ممن يجهلون اللغة العربية ودقائقها بأنه أخطأ في هذه الصيغة، من عدة نواح.
فمن ناحية لا يمكن استعمال الفعل “رأى” مع حرف الجر “إلى”، لأن الفعل “رأى” متعدٍ ولا يحتاج إلى حرف الجر هذا. ومن ناحية أخرى ظُن أن المسيح الموعود في استعماله لهذه الصيغة يخلط بين الفعل “رأى” والفعل “نظر” اللازم والذي يحتاج إلى الحرف “إلى” ، فقيل إن حضرته يخلط بين هذه الفعلين ويجعل ما هو لازم منهما متعدٍّ وبالعكس.
وقيل، ما مفهومه، أن سبب هذا الخطأ والخلط هو العجمة والتأثر بالاستعمال للفعل المرادف لـ “رأى” باللغة الأردية والذي يُستعمل في تلك اللغة بالمعنيين “رأى” و”نظر”.
وقيل ما مفهومه، إن المسيح الموعود عليه السلام لم يكن يقرأ القرآن الكريم، حيث ورد الفعل “نظر” و”رأى” في العديد من الآيات القرآنية، والتي من خلالها يمكن معرفة الصيغ الصحيحة لاستعمالها.
الرد:
لقد وردت هذه الصيغة في كتابات المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التالية:
- أفأنتم تعجَبون، وإلى الزمان وضرورته لا تلتفتون؟ ألا ترون إلى زمانٍ احتاج إلى الربّ الفعّال؟ (الخطبة الإلهامية).
- والمصيبة الثانية ظاهرة لا حاجة لها إلى البيان. ألا ترون إلى الفرقان وتعليم الرحمن. (التبليغ).
- ألا يرون إلى الشمس التي تجري من المشرق إلى المغرب؟ (كرامات الصادقين).
- ألا ترون إلى لوعةِ كرب المحبين؟ (نور الحق).
- ألا ترون إلى شؤوننا المتنزلة، وأيّامنا المُدبِرة، ومصائبنا اللاحقة؟ (نور الحق).
- ألا ترون إلى ما تنزل من السماء؟ (حجة الله)
- ألا ترون إلى تشابهٍ في أمر استخلافٍ أتى واستخلاف خلا؟ وإن في ذلك لآية لمن تيقَّظ وأرَّق الكَرى. ألا ترون إلى زمنٍ بُعثتُ فيه (الخطبة الإلهامية).
- ألا ترون إلى أرضكم كيف ينقُصها الله من أطرافها (الخطبة الإلهامية).
- لا يرون هؤلاء إلى نظامِ حكّام الدولة البرِطانية (لجة النور).
- ألا ترون إلى المسلمين كيف أخلدوا إلى الأهواء الأرضية؟ (مواهب الرحمن).
- ألا ترون إلى الطُرق كيف كُشفتْ؟ وإلى الوابورة كيف أُجريتْ؟ وإلى العِشار كيف عُطّلتْ؟ (الخطبة الإلهامية)
وكما هو واضح فإن معظمها جاءت بصيغة ” ألا يرون/ ترون إلى” وهي في الحقيقة صيغة وتركيب عربي فصيح وبليغ، يستعمل بالأخص للتعجيب أو التعجّب. ويكفي لنعرف من الذي لا يقرأ القرآن بالفعل، أهو المسيح الموعود عليه السلام أم معارضوه، أن نقول بأن هذه الصيغة واردة في القرآن الكريم خمسة عشر مرة في الآيات التالية :
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} (البقرة 244)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} (البقرة 247)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } (البقرة 259)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} (آل عمران 24)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ } (النساء 45)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} (النساء 50)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ} (النساء 52)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا} (النساء 61)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} (النساء 78)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا } (إِبراهيم 29)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (الفرقان 46)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} (غافر 70)
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} (المجادلة 9)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (المجادلة 15)
- { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا } (الحشر 12)
فمن الذي لا يقرأ القرآن إذا!؟؟؟
فكما نرى فإن كل هذه الآيات جاءت بنفس هذه الصيغة ” ألم تر إلى” أي على سبيل التعجّب أو التعجيب، كما أقرّ به الطبري، حيث جاء في تفسير الطبري للآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} ما يلي:
“وهذا تعجيب من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، من الذي حاج إبراهيم في ربه. ولذلك أدخلت”إلى” في قوله: “ألم تر إلى الذي حاج“، وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله، قالوا:”ما ترى إلى هذا”؟! والمعنى: هل رأيت مثل هذا، أو كهذا؟!.{تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (5/ 430)}
وأقرّ بذلك أيضا الفرّاء، حيث جاء في كتاب “معاني القرآن للفراء” ما يلي:
“وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ … (258)
وإدخال العرب (إلى) فِي هذا الموضع على جهة التعجب كما تقول للرجل:
أما ترى إلى هذا! والمعنى- والله أعلم-: هَلْ رَأَيْت مثل هذا أو رَأَيْت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ فكأنه قال: هَلْ رَأَيْت كمثل الَّذِي حاج إِبْرَاهِيم فِي ربه «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» وهذا فِي جهته بمنزلة ما أخبرتك به فِي مالك وما منعك.” {معاني القرآن للفراء (1/ 170)}
فثبت من كل هذا أن صيغة “ترى إلى” لهي لغة قرآنية في قمة الفصاحة والبلاغة، جاءت كأسلوب للتعجب.
وبالرغم من أنه لا حاجة لنا لغير القرآن الكريم لإثبات صحة هذه الصيغة، إلا أنه من الضروري أن نذكر بأن هذه الصيغة واردة أيضا في أمهات المصادر النحوية واللغوية مئات وآلاف المرات، وليس فقط على سبيل التعجب، بل كتعبير عادي، وإليكم أمثلة لها من كتب أئمة النحو والبلاغة، مثل سيبويه والمبرد وابن جني.
في الكتاب لسيبويه:
- ألا ترى إلى كثرة ما يعمل في الاسم وقلة هذا.
- ألا ترى إلى عرفاتٍ مصروفةً في كتاب الله عز وجلَّ وهي معرفةٌ
- ألا ترى إلى عرفاتٍ مصروفةً في كتاب الله عز وجلَّ وهي معرفةٌ
في المقتضب للمبرّد:
- أَلا ترى إِلى قَوْلك أُوقِنَ وبُوطِرَ من البيطرة لأَنَّا
- أَلا ترى إِلَى قَول الله عز وَجل {إِذا السَّمَاء انفطرت}
وفي كتاب الخصائص لابن جني وردت الصيغة “ترى إلى” وحدها، ودون تصريف الفعل “رأى” مع الضمائر الأخرى، ما يقارب 150 مرة، وليس فقط بصيغة التعجب، منها:
- ألا ترى إلى إنشاد أبي زيد فيه
- وقد ترى إلى كثرة اللثغة في الراء في الكلام, وكذلك الطاء, والتاء: هما أقوى من الدال؛ وذاك لأن
- فقد ترى إلى توافي هذه الأشياء وتباين شعاعها وكونها عائدة إلى موضع واحد,
- فقد ترى إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظًا من إعراب ما فوقه فصار
- فقد ترى إلى ما فيه من الفصول التي لا وجه “لها ولا لشيء منها
- فقد ترى إلى سعة طريق اللفظ وضيق طريق المعنى.
- فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء التأنيث.
- فقد ترى إلى ترامي هذه الأصول والميل بمعانيها إلى موضع واحد.
- وقد ترى إلى أكثر استعمال المنفصل موضع المتصل, وقلة استعمال المتصل موضع المنفصل
- فقد ترى إلى تعويض علم الجمع من ياءي الإضافة والجميع زائد.
إذن، ثبت من كل هذا أن صيغة “ترى إلى” لهي لغة عربية قرآنية بليغة وفصيحة، واردة في أمهات المصادر العربية، وواردة عن العرب، حيث تستعمل على الأخص بصورة “ألم تر إلى” أو “ألا ترى إلى” على سبيل التعجب والتعجيب.
وثبت بذلك أنها لغة من لغات العرب، جاءت في كتابات المسيح الموعود كمظهر آخر للإعجاز اللغوي في لغة حضرته عليه السلام العربية، وجاءت كدليل آخر على صدق حضرته وصدق دعواه وتحقيقا آخر لمعجزة حضرته في تعلمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة.
فلم يحدث في هذه الصيغة أي خطأ لغويّ ولا نحويّ، ولم يخلط المسيح الموعود عليه السلام في هذه الصيغة بين فعلي رأى ونظر لا معنًى ولا نحوا، ولم يخلط في مسألة اللازم والمتعدي بينهما، ولا علاقة للّغة الأردية والتأثر بها، بهذه الصيغة واستعمالها البتة.
هل تريدون دليلا أوضح من هذا، على أن من يعترض على لغة المسيح الموعود عليه السلام يعيش في دنيا الأوهام والخيال والجهل المطبق!؟؟؟؟. وعلى هذا يقاس في سائر الاعتراضات.