سمو نفس المسيح الموعودؑ
المعترض: عملية الإسقاط النفسي عند الميرزا 3
الإسقاط النفسي هو أن يُسقط المرء عيوبه على الآخرين ليغطي على فشله.. أو أن ينسب إلى المحترمين أنهم اتُّهموا بالتهمة نفسها التي اتُّهم بها، ليقول إنه محترم.
الميرزا زعم أن “الأحاديث النبوية تقول بصراحة أن المسيح الموعود سيواجه التكفير حيث يعُدُّه علماء الزمن كافرا ويقولون: من أي نوع هذا المسيح؛ فقد استأصل ديننا”. (التحفة الغلروية)
أقول: ليس هنالك مثل هذه الأحاديث، لا تصريحا ولا تلميحا؛ فالمسيح عند السنة والشيعة وحسب ظاهر الروايات هو عيسى عليه السلام نفسه، فكيف يكفِّر الناس نبيا يرونه نازلا من السماء؟ ولماذا يخطر ببالهم أنه استأصل دينهم؟ وكيف تقول الروايات مثل ذلك؟ لكن الميرزا يريد أن يسوّق لنفسه بعمليات إسقاطه.
الرد: لنبحث إذا كان حقا لا يوجد أحاديث تذكر أن المسيح سيكفر من العلماء
لنرَ هل حقاً لا توجد أحاديث تشير ((لا تصريحا ولا تلميحا)) إلى أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سيكون مُكَفَّراً من قبل مشايخ آخر الزمان أم لا ! ولنبدأ بالأحاديث التالية:
-
عودة الإسلام غريباً في آخر الزمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.. فطوبى للغرباء..” (رواه مسلم وأحمد وابن ماجه)
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذات يوم ونحن عنده طوبى للغرباء قيل من الغرباء يا رسول الله قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم..” (رواه أحمد والطبراني)
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس..” (رواه الطبراني)
وعن بكر بن عمر المعافري قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى للغرباء الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك ويعملون بالسنة حين تطفأ..” (رواه ابن وضاح)
فالقلّة القليلة فقط في آخر الزمان سوف تتمسك بالإسلام والسنة. فماذا عن الأكثرية الباقين؟ هل هم مسلمون؟
-
الأكثرية مسلمون
عن ثوبان رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت.” (رواه أحمد وأبو داود)
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله..” (رواه الحاكم)
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “يأتي على الناس زمان يحجون ويصلون ويصومون وما فيهم مؤمن..” (رواه أبو شعيب)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي على الناس زمان يصلي في المسجد منهم ألف رجل أو زيادة لا يكون فيهم مؤمن..” (رواه الديلمي)
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يؤذن المؤذن ويقيم الصلاة قوم وما هم بمؤمنين..” (رواه الطبراني وأبو نعيم)
وعنه رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس زمان يقعدون في المسجد حلقاً حلقاً إنما همتهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة..” (رواه أبو نعيم)
وفي رواية لابن حبان بلفظ “سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة..” (رواه ابن حبان)
وعن عبدالله الديلمي قال: “تذهب السُّنة سُنة سُنة كما يذهب الحبل قوة قوة وآخر الدين الصلاة وليصلين قوم ولا خلاق لهم..” (رواه ابن وضاح)
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سيأتي زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه يتسمون به وهم من أبعد الناس منه الحديث..” (رواه الحاكم)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يوشك الإسلام أن يدرس فلا يبقى إلا اسمه.. ويدرس القرآن فلا يبقى إلا رسمه..” (رواه الديلمي)
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه يتسمون به وهم أبعد الناس عنه مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود..” (رواه الحاكم)
وعن علي رضي الله عنه قال:” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى علماؤهم شر من تحت أديم السماء من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود..” (رواه البيهقي)
إذن هُم مسلمون بل فقهاء وعلماء دين يحجّون ويُصلّون في المساجد بحشود كبيرة ويرفعون الأذان والإقامة وحلقات الذكر وغيرها ويصومون وهُم الأكثرية، ولكنهم كغثاء السيل ليس لهم من الإسلام إلا اسمه !
فمن هي هذه القلة المسلمة التي ستكون على الحق عندما يكون الأكثرية والسواد الأعظم من المسلمين منهمكين في الدنيا لا يحملون من الإسلام إلا الإسم والمظهر؟
-
هي الجماعة التي لها إمام واحد
عن حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: “كان الناسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الخيرِ، وكنتُ أسأَلُه عنِ الشرِّ، مَخافَةَ أن يُدرِكَني، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ، فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرٍّ؟ قال: نعمْ. قلتُ: وهل بعدَ ذلك الشرِّ من خيرٍ؟ قال: نعمْ، وفيه دَخَنٌ. قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَديِي، تَعرِفُ منهم وتُنكِرُ. قلتُ: فهل بعدَ ذلك الخيرِ من شرٍّ؟ قال: نعمْ، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ، مَن أجابهم إليها قَذَفوه فيها. قلتُ: يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا، قال هم من جِلدَتِنا، ويتكَلَّمونَ بألسِنَتِنا. قلتُ: فما تأمُرُني إن أدرَكني ذلك؟ قال: تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم. قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرةٍ، حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك.“. (صحيح البخاري)
إذن الأمر النبوي واضح وهو “فاعتزل تلك الفرق كلها إن لم تجد جماعة المسلمين وإمامهم” !
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.”. وفي بعض الروايات: هي الجماعة.” (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم)
عرفنا إلى الآن أن هنالك جماعة واحدة فقط ستكون هي الأقلية بين المسلمين في آخر الزمان بينما المسلمين الباقين الأكثر عدداً سيكونون غارقين في نار الفتن والابتعاد عن روح الدين لا يحملون من الإسلام إلا اسمه مع أنهم مسلمون يلتزمون الصلاة والفروض. فما هي هذه الجماعة الأقلية؟
-
جماعة الغرباء في آخر الزمان هي جماعة المسيح الموعود ؑ
هي الجماعة التي يباهي النبيُّ ﷺ بها الأمم ! الجماعة التي تتبع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في آخر الزمان كالتالي: “حدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْغُرَبَاءُ”. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: “الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ“. (رواه البخاري في تاريخه ونعيم ابن حماد في الفتن)
إذن تبيّن بكل وضوح مما سبق أن الغرباء القلة بين المسلمين في آخر الزمان الذين امتدحهم النبي ﷺ هم الجماعة التي تتبع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام !
بناء على مجموع الأحاديث يثبت أن الفقهاء والعلماء قادة المسلمين الأكثرية سيكفّرون المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بينما يؤمن به القلة أي الغرباء أي الجماعة أي جماعة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
لذلك يقول الشيخ الأكبر عند أهل السنة المتصوفة ابن عربي المعروف بكثرة الكشوف والتدبر في النصوص القرآنية والحديثية:
“وإذا خرج هذا الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة فإنهم لا تبقي لهم رياسة ولا تمييز عن العامة ولا يبقى لهم علم بحكم إلا قليل.” (الفتحات المكية ج 3، ص 678)
فإذا قيل: هذا المهدي وليس المسيح لأن المسيح الموعود هو عيسى نفسه وليس المهدي المسلم، نقول: “لا مهدي إلا عيسى” هو قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويمكن لمن يرغب قراءة الموضوع بالتفصيل (من هنا: ولا المهدي إلا عيسى) (وهنا: عقيدة الشاطبي هي أن لا مهدي إلا عيسى)
وأخيراً ثبت سمو نَفٓسِ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وصدق حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من خلال الأحاديث التي تصرّح بمجموعها بوضوح -وليس مجرد تلميح- أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سيكون هو المهدي وسيكفّره الفقهاء والمشايخ وأكثر المسلمين وتتبعه الجماعة القلة الغرباء كما ثبت بالمقابل فشل المعترض وإهانته لنفسه باستمرار، وهو دليل صدق آخر للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ