الاعتراض:
أليس من المعيب وغير اللائق أن يذكر مؤسس جماعتكم الحيض أو الطمث؟ وهل يليق ذلك بإلهام إلهي؟
الجواب:
في كل امرأة من النساء المكرمات جعل اللهُ تعالى بداية وبذرة الحياة البشرية لتُخلَق النفس وتعيش وتنشأ وتتربى لكي تستعد كإنسان كامل الخلقة للخلافة الإلهية، وهذا الشرف العظيم جعله الله تعالى للمرأة لتكون الأُم والتي من معانيها لغةً الأصل والمعاد. وقد وصفَ اللهُ ﷻ في القُرآن الكَرِيم ما تتعرض له المرأة طبيعياً من نزول الدم الشهري -ويسمى لغةً الطمث أو الحيض- وصفه اللهُ تعالى بالأذى لأنه دم فاسد يسبب للمرأة الألم والأذى الذي جعله سبباً لإعفاء المرأة من التكاليف الشرعية وكَتَبَ لها به الأجر العظيم والثواب الكريم، وكما هو معروف فهذا الدم قد يتحول إلى جنين في بطن الأُم تدبُّ فيه الروح والحياة ويعمر الأرض ويدخل في النبيين والصالحين، والعكس صحيح كذلك إِذْ قد يصبح هذا الدم مجرد فساد وأَذى. وهكذا فالطمث والحيض يعني الأذى ويقال مجازاً أيضاً بحق الرجال بمعنى الكذب حيث ورَدَ في الأثر:
“الكذبُ حيضُ الرجُل والاستغفارُ طهارتُه.” (مسند الإمام الديلمى عن سلمان، 3/315، رقم 4953)
وهكذا جاء الإلهام الذي تلقاه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام: “يريدون أن يروا طمثك“، أي أن أماني خصوم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كانت أن يتخلى عنه الله تعالى ويقطع نسله ويحرمه من الذرية فكأنهم بذلك يسيرون على خطى خصوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذين وصفوه بالأبتر، فجاء الرد الإلهي: “واللهُ يُرِيدُ أن يُريكَ إنعامَه“، أي أنهم يريدون بترك ولكن الله تعالى يريد أن يبارك نسلك بجعل دم عائلتك سبباً للنعمة بدل الأَذى، وهذا يذكرنا بالإلهام الآخر: “ترى نسلاً بعيداً“، وهو الذي تحقق بالفعل حينما أنجب عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام نسلاً مباركاً كان منهم إلى اليوم عظماء الشخصيات الخادمة للدين كالخلفاء والصالحين كانت حصيلته أدبيات وكتب عظيمة وقنوات إسلامية وإنجازات لا حصر لها للإسلام الكريم. فأنعم بذلك الإنعام !
ويشرح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ذلك في سياق الرد على أحد الخصوم وكان يُدعى “بابو إلهي بخش” الذي كان ينشر الأكاذيب ضد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ويسعى في الإساءات ضد حضرته، فقال عَلَيهِ السَلام:
“ورَدَ في كتابي ‘أربعين رقم 4’ عن بابو إلهي بخش إلهام نصه: ‘يريدون أن يروا طمثك، والله يُرِيدُ أن يُريك إنعامَه. الإنعامات المتواترة. أنت مني بمنزلة أولادي. والله ولِيُّك وربّك، فقلنا يا نار كوني بردا.‘ أي يريد بابو إلهي بخش أن يرى طمثك أو يطلع على عيب أو مثلبة، ولكن الله تعالى سيُريك إنعاماته المتتالية. ولا طمث لك، بل قد وُلِدَ ولَدٌ هو بمنزلة أبناء الله. بمعنى أن الحيض شيء قذر ولكن منه يتكوّن جسم الجنين. كذلك عندما يصبح الإنسان لله يتكوّن جسمه الروحاني من بين شوائب القذارة الطبيعية التي تشوب فطرته. فالطمث نفسه يصبح سبباً لرقي الإنسان. لذا فقد قالت الصوفية: لولا الإثم لما أحرز الإنسان أي تقدم. والأمر نفسه كان سبباً لتقدم آدم. ولهذا السبب ظلّ كُلُّ نَبِيٍّ عاكفاً على الاستغفار نظراً إلى التقصيرات الخفية، وهذا الخوف كان سبباً للترقيات دائماً. يقول اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾؛ ففي كل واحد من بني آدم توجد نجاسة الحيض نوعاً ما، ولكن الذي يتوب إلى الله تعالى بصدق القلب يكوِّن له الحيضُ نفسُه جسمَ طفلٍ طاهرٍ. وبناء على ذلك فإن الفانين في الله تعالى يُسمَّون أبناء الله، ولكنهم ليسوا أبناء الله حقيقةً لأن ذلك كُفر، فالله تعالى منزّهٌ عن أن يكون له أبناء. إنهم يُسمّون أبناء الله على سبيل الاستعارة لأنهم يذكرون الله تعالى دائماً بحماس القلب مثل الطفل الصغير؛ فقد أشار اللهُ تعالى في القرآن الكريم إلى هذه المرتبة فقال: ﴿فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾، ولهذا السبب ذُكر الله تعالى بكلمة “الأب” في كُتب جميع الأقوام. وهناك تشابهٌ بين الله تعالى والأُم أيضاً على سبيل الاستعارة؛ وهو كما أنَّ الأُم تربّي الجنين في بطنها، كذلك يتربّى عباد الله المحبوبون لديه في حضن حُبّه تعالى وينالون جسماً طاهراً بدلاً من الطبيعة السيئة. إذن، فالأولياء والصوفيون إنما يُسَمَّونَ أبناء الله على سبيل الاستعارة، إِذْ إنَّ اللهَ تعالى مُنَزّهٌ عن الأبناء ومِن صفاته أنه: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾.” (حقيقة الوحي)
وذكرَه عَلَيهِ السَلام أيضاً في موضع آخر كما يلي:
“وصلني كِتابُ “عصا موسى” لمؤلفه “إلهي بخش” المحاسب، وكان قد طعن فيه في أموري الشخصية جراء سوء الظن، كما هجم على بعض النبوءات الإلهية الصادقة والمقدسة متسرعاً دونما تدبّر. ولمّا وضعتُ ذلك الكتاب من يدي تلقيتُ بعده بقليل عن “منشي إلهي بخش” الوحي التالي: [يريدون أن يروا طمثك، والله يُرِيدُ أن يريك إنعامه. الإنعامات المتواترة. أنت مني بمنـزلة أولادي. والله وليُّك وربّك. فقلنا: يا نار كوني بردا. إنَّ الله مع الذين اتقوا والذين هم يُحسنون الحسنى.]، أي: أنَّ هؤلاء يتمنون أن يروا فيك دم الحيض، أي: أنهم يبحثون عن نجاسة وخبثٍ فيك، ويريد الله أن يُري إنعاماِته المتواترة عليك. وكيف تكون بينك وبين دم الحيض مماثلة، إذ لم يبق فيك منه شيء، بل قد تحوّل ذلك الدم غلاماً زكياً عبْر تغييرات طاهرة. والغلام الذي خُلق من ذلك الدم قد خُلق بيدي، ولهذا فأنت مني بمنـزلة الأولاد. بمعنى: أنه مما لا شك فيه أن جسم الولد يتكون من دم الحيض، لكنه لا يعتبر نجساً كدم الحيض، كذلك قد ارتقيتَ من الخبث الطبيعي المستلزم للبشرية والمشبه بدم الحيض، لذا فالبحث عن دم الحيض في هذا الغلام الزكي حماقة، إِذْ صار بيد الله غلاماً زكياً، وصار بمنـزلة الأولاد له سبحانه وتعالى، واللهُ وليُّك وربّك، ولذلك فإن بينك وبين الله مناسبة خاصة كالتي تكون بين الأب وولده. إنَّ النار التي أراد مؤلفُ كتاب ‘عصا موسى’ تأجيجها قد أطفأناها. إنَّ اللهَ مع الأتقياء الذين يقومون بالصالحات بمنتهى الحُسن والروعة ويراعون دقائق التقوى.” (الأربعين 4، الخزائن الروحانية، مجلد 17، ص 452، الحاشية)
وقال أيضاً عَلَيهِ السَلام:
“أُريتُ البارحة مشهد صدور كتاب “إلهي بخش” المحاسب، وتلقيتُ هذا الوحي … هذا الوحي يبيِّنُ جانباً علمياً وفلسفياً يدل عليه لفظ “الطمث” الوارد إزائه كلمة “أولادي”. فما هو المراد؟ المراد أنَّ هؤلاء يعدّونك شيئاً نجساً رديئاً، ولكنهم لا يعلمون “أنت مني بمنزلة أولادي”. باختصار، إنَّ هذا الوحي المبشِّر يبيِّنُ جلياً مصير المسيح الموعود الصادق إزاء مصير الشخص الذي ليس إلا فريسة الغيظ والغضب.” (الحَكَم، مجلد 4، عدد 44، يوم 1900/12/10. ملحوظة من حضرة مرزا بشير أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نقلاً من جريدة “الحَكَم” أنَّ المسيح الموعود ؑقال ذلك في صبيحة 1900/12/4)
إذن ليس عيباً ما ذكره اللهُ تعالى في كتابه العزيز وتناقله العلماء مجازاً في كتب الحديث للرجال بمعنى الكذب ولا يقول بأنه عيب لا يليق بأن يُذْكَر إلا الذي لم يقرأ القُرآن الكَرِيم ولم يفهم أن ما تقتضيه مصلحة الإنسان في دينه ومعاشه فليس من العيب خصوصاً إذا ورَدَ في القُرآن المَجِيد.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ