الإعتراض:

يقول المعترضون بخصوص نبوءات المسيح الموعود عليه السلام المتعلقة بنواب صدّيق حسن خان ما معناه: إنها نبوءات كاذبة، وكل القصة هي من اختراع الميرزا لتبرير دعوته، فالميرزا يعزو هذه القصة إلى نبوؤاته، والنواب لم يمزّق كتاب البراهين كما يدّعي سيدنا أحمد عليه السلام، ولم يتنبّأ حضرته عن تمزيق عِرض النواب ولم يتنبأ بعدها عن إنقاذ عرضه، ومن المستحيل أن يكون النواب قد كتب لحضرته بتواضع أن يدعو له بعد أن كان قد مزّق الكتاب، فكل القصة لا تنسجم مع بعضها البعض، إذ ليس صحيحا أن يكون سيدنا أحمد عليه السلام قد دعا عليه ثم دعا له بعد ذلك. فالقصة هي تزييف حيث إن النبوءات بشأن النواب غير مذكورة في البراهين.

الردّ:

نبدأ بعرض هذه القصة وفق ما قاله سيدنا أحمد عليه السلام بهذا الخصوص:

ومن الآيات التي ظهرت في تأييدي آية تتعلق بنواب صديق حسن خان الوزير في ولاية بهوبال. وبيانها أنه كتب في بعض كتبه أن السلاطين من الأديان الأخرى سوف يُقَدّمون أسرى أمام الإمام المهدي بعد بعثته. وقال أيضا في معرض هذا البيان إنه لما كان الحكم في هذا البلد للبريطانيين لذا يبدو أن الحاكم المسيحي لهذا البلد سوف يقدَّم هكذا أمام الإمام المهدي. فكلماته هذه المكتوبة في كتابه والموجودة فيه إلى الآن اعتُبرت تمردا. لا شك أن هذا كان خطأ منه لأنه لا تثبت صحة أي حديث عن المهدي السفاح.“( حقيقة الوحي 1907)

وقال أيضا في نفس الكتاب: “لما كانت في قلب نواب صديق حسن خان مادة الوهابية الجافة، خوَّف الأمم الأخرى من سيف المهدي فقط، فأُخذ وجُرِّدَ من لقب “نواب”. فكتب إليَّ بكثير من التواضع أن أدعو له، فوجدته جديرا بالرحم ودعوت له. فخاطبني الله وقال: أُنقِذ عِرضه من العتاب. فأخبرته بذلك برسالةٍ، كما أطلعت كثيرين آخرين أيضا كانوا حينذاك من المعارضين بمن فيهم الحافظ محمد يوسف المراقب في قسم الأنهار والمتقاعد حاليا والساكن في أمْرِتْسَر، والمولوي محمد حسين البطالوي. ثم بعد فترة صدر حكم من قبل الحكومة بإبقاء لقب “نواب” لصديق حسن خان. كأنه قد فُهم من كلامه أن كل ما قاله كان ناتجا عن فكرة دينية قديمة راسخة في ذهنه ولم يكن ينوي التمرد.” ( حقيقة الوحي )

وكتب حضرته عليه السلام في الحاشية تعليقا على ما ذكره آنفا ما يلي:

الابتلاء الذي ابتُلي به نواب صديق حسن خان كان أيضا نتيجة نبوءتي المذكورة في البراهين الأحمدية، إذ سبق له أن أعاد كتابي البراهين الأحمدية بعد تمزيقه، فدعوت أن يُمَزَّق عِرضُه، وهذا ما كان. (انظر: كتاب البراهين الأحمدية) منه.

أما ما جاء في البراهين الأحمدية بالنسبة لهذه القصة فهو كما يلي:

قبل مدة كتبتُ -من أجل دعم كتاب “البراهين الأحمدية”- إلى أحد النوّاب، وهو رجل تقيّ وورع جدا ومتصف بالفضائل العلمية ومطلع جيدا على ما قال الله والرسول؛ فلو قال في الجواب بأن الكتاب لا يحتل مستوى رفيعا حتى يُدعم لما تأسفت. لكنه قال في الجواب بدايةً بأنه سوف يشتري 15 أو 20 نسخة حتما. ثم ذكَّرته مرة أخرى فجاء الجواب منه: إن شراء الكتب المحتوية على مباحث دينية ودعمها ينافي سياسة الحكومة الإنجليزية، لذا يجب ألا تتوقع من الولاية شراء الكتاب. فنحن أيضا لا نعدّ النواب محط أملنا قطعا، بل إن محط أملنا هو الله تعالى وحده وهو يكفينا.” (البراهين الأحمدية الجزء الثالث 1882)

يعتمد المعترضون في اتهاماتهم على كون القصة لم تذكر بكاملها في البراهين الأحمدية، والنبوءات المتعلقة بالنواب صديق حسن خان وهي “مزق الله عرضه” و “أنقذ عرضه من العتاب” لم تُذكر في البراهين سنة 1882 رغم أن سيدنا أحمد عليه السلام قد قال : “الابتلاء الذي ابتُلي به نواب صديق حسن خان كان أيضا نتيجة نبوءتي المذكورة في البراهين الأحمدية” بل جاء ذكر هذه النبوءات فقط في كتاب حقيقة الوحي الذي نشر في سنة 1907 أي بعد 25 سنة من القضية نفسها. ومن هذا المنطلق يشكك المعترضون في أغلب تفاصيل هذه القصة ويقولون أنها اختراع من سيدنا أحمد عليه السلام لتبرير دعوته.

صحيح أن دعاء سيدنا أحمد عليه السلام “مزق الله عرضه” أو (بترجمة أدقّ “مزق الله عزته”) وكذلك الإلهام ” أنقذ الله عرضه/ عزته من العتاب”، لم تذكر في البراهين، إلا أن النبوءة قد ذكرت بالإجمال في كتاب البراهين حيث جاء فيه استمرارا للنصّ المذكور أعلاه ما يلي:”وأدعو الله تعالى أن ترضى الحكومة الإنجليزية عن النواب المحترم كثيرا، ولكن أقول بكل أدب إن مثل هذه الأفكار تمثّل هجوا مليحا للحكومة، إذ ليس من مبادئ الحكومة الإنجليزية أن تمنع قوما من إثبات صدق دينهم أو تمنع أحدا من دعم الكتب الدينية، إلا إذا كان الموضوع مخلا بالأمن أو ينافي نظام الدولة، عندها ستتدخل الحكومة، وإلا فهي تسمح لكل قوم أن يستخدم الوسائل المشروعة لتقدم دينهم. فإن كان دينُ قومٍ صادقا في الحقيقة، وصدقه ثابت بأدلة كاملة ودامغة، فلماذا تسخط الحكومة العادلة لو نشر ذلك القوم أدلته الصادقة لإفادة خلق الله بصدق النيّة وكمال التواضع والانكسار؟ لا يدرك الأغنياء من المسلمين إلا قليل منهم أن من مقتضى مصلحة الحكومة العادلة أن تقيم الحرية بانشراح الصدر. ولقد رأيت بأم عيني عديدا من الإنجليز الفطنين وذوي الفطرة السليمة الذين لا يحبون سيرة النفاق والمداهنة، بل يحبذون التقوى وخشية الله والإخلاص. والحق أن البركة كلها في الإخلاص وخشية الله تعالى التي تؤثر حتما في الأصدقاء والأغيار في حين من الأحيان. ومَن رضي اللهُ به رضي به الخلق أيضا في نهاية المطاف.

وبإنعام النظر وإمعانه في هذا الاقتباس، نرى أنه يحوي تحذيرا واضحا للنواب صدّيق حسن خان، إذ نرى سيدنا أحمد عليه السلام يدعو الله تعالى أن ترضى الحكومة عن النواب صديق حسن خان، إلا أن حضرته عليه السلام يستدرك مباشرة عن هذا الدعاء ويقول: “ولكن أقول بكل أدب إن…..” ؛ إن أسلوب الاستدراك هذا يدلّ دلالة واضحة أن سيدنا أحمد عليه السلام لم يكن يتوقع أن ترضى الحكومة عن النواب صدّيق حسن خان وذلك للأسباب التي ذكرها مباشرة في نفس النصّ، حيث حذّر حضرتُه النوابَ من سياسة النفاق التي يتبعها تجاه الحكومة والمتمثلة بإيمانه بالفكر الوهابي الذي يقول بنزول مهديّ سفّاك للدماء سوف يَمثُل أمامه سلاطين الأممم الأخرى بما فيهم حكام الهند الإنجليز، كما حذّره من أن هذه الأفكار هي في الحقيقة تنافي نظام الدولة وسياسة الحكومة الإنجليزية وتُعتبر إخلالا بالنظام العام وتمردا على الحكومة، وحذّره كذلك من مغبة نشر هذه الأفكار والإيمان بها، بأنها قد تؤدي إلى تدخل الحكومة في نهاية الأمر. هذا هو المفهوم الإجمالي لما جاء في البراهين، وهذه هي النبوءة التي يحيل إليها سيدنا أحمد عليه السلام في حاشية كتاب “حقيقة الوحي” سنة 1907 وذلك بناء على دعائه الذي دعا به عند تلقّيه كتاب “البراهين” ممزقا من النواب وهو “مزّق الله عرضه/ عزّته) ؛ رغم أن حضرته عليه السلام لم يذكر هذا الدعاء في البراهين. فصَدَق حضرته عليه السلام حين أحال إلى البراهين في ذكر هذه النبوءة.

وأما تفاصيل القصة وبالأخصّ الدعاء والإلهام الواردين فيها، وإن لم تذكر كلها في البراهين إلا أننا يكفي أن نقول لإثبات صحتها أن حضرته عليه السلام عندما ذكرها في “حقيقة الوحي” أشهد على صحتها الكثير من معارضيه عليه السلام، منهم الحافظ محمد يوسف والمولوي محمد حسين البطالوي وقد كانا على قيد الحياة عندما ذكر حضرته عليه السلام تفاصيل القصة بما فيها الإلهام ” أنقذ عرضه/ عزته من العتاب” حيث قال حضرته في حقيقة الوحي: “فكتب (اي النواب صديق) إليَّ بكثير من التواضع أن أدعو له، فوجدته جديرا بالرحم ودعوت له فخاطبني الله وقال: أُنقِذ عِرضه من العتاب. فأخبرته بذلك برسالةٍ، كما أطلعت كثيرين آخرين أيضا كانوا حينذاك من المعارضين بمن فيهم الحافظ محمد يوسف المراقب في قسم الأنهار والمتقاعد حاليا والساكن في أمْرِتْسَر، والمولوي محمد حسين البطالوي.

إن تصريح حضرته عليه السلام بأنه قد أعلم الكثير من المعارضين وذكر إسمين منهم وهم لا يزالون على قيد الحياة في وقت هذا التصريح، لهو إثبات قطعيّ على صحة هذه القصة وصحة الإلهام و النبوءات التي أدلى بها حضرته؛ لأنه على افتراض كذب هذه القصة، لكان من السهل أن يقوم هؤلاء المعارضون بتكذيب حضرته، إلا أن أحدا منهم لم يقم بذلك، هذا ناهيك عن أن حضرته عليه السلام لن يجرؤ على ذكر أسمائهم لإلا يكشف هؤلاء هذا الكذب على افتراض وقوعه.

كما أن لهذه القصة شهادة أخرى للحافظ حامد علي أحد كبار صحابة المسيح الموعود عليه السلام، والذي يروي هذه القصة بنفسه كشاهد عيان عليها، – حيث كان حاضرا عند سيدنا أحمد عليه السلام عندما جاءه كتاب البراهين ممزقا- وذلك كما جاء في كتاب ” تاريخ الأحمدية” ويقول:

حين عاد الكتاب إلى حضرته عليه السلام ممزقا كان حضرته يتمشى في داره وحين رأى أن الكتاب قد مُزّق وأسيء له تغير وجهه واحمرّ غضبا، ولكنه ظلّ يتمشى ولم يقل شيئا ثم خرجت فجأة من فمه الكلمات التالية، “طيب! لترضي حكومتَك” ودعا حضرته بأن يُمزَّق عِرضُه“.

فهذه شهادة قطعية على صحة هذه القصة، وأن النواب قد أعاد كتاب البراهين ممزقا، ودعا سيدنا أحمد عليه بأن يمزقَ الله عِرضه؛ كل ذلك على النقيض مما يقوله المعترضون.

وقد يستغرب البعض من دعاء سيدنا أحمد عليه السلام “مزق الله عرضه” ويعتبره كالمعترضين بأنه ينم عن قسوة القلب، إلا أننا يجب أن نأخذ بالحسبان التصرف المشين الذي قام به هذا النواب على أمر يعدُه سيدنا أحمد عليه السلام أمرا دينيا بحتا قام به دفاعا عن حياض الإسلام وعن شرف هذا الدين ونبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا شكّ أنّ تمزيق هذا الكتاب أثار غيرة حضرته عليه السلام لما اعتبره اعتداء على شرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الدين الإسلامي نفسه؛ وليس بالبعيد أن تخرج كمثل هذه الأدعية ممن بعثهم الله تعالى أنبياء في هذه الدنيا و كانت غيرتهم على دين الله أعظم من غيرهم، كما دعا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن يمزق الله عرش كسرى نظرا لعدائه له صلى الله عليه وسلم.

وليس أعظم شهادة على صدق هذه النبوءة المذكورة في ” البراهين الأحمدية” من تحققها بشكل فعليّ وبالدقة التي صرح بها سيدنا أحمد عليه السلام، وتقبل الله تعالى دعاء حضرته عليه السلام بأن “يمزق الله عرض النواب” حيث جاء في كتاب “تاريخ الأحمدية”: لم يمض على هذا الحادث أكثر من سنتين أو ثلاث حيث رَفعت ضده (النواب) الحكومة نفسها التي (لنيل رضوانها كان قد أساء إلى البراهين الأحمدية) في 1886 بعض القضايا، واعتُقل كالمجرمين المحترفين متهَما بتهم خطيرة مثل سفك دماء الأبرياء في الولاية وتقديم المساعدة للمهدي السوداني وإثارة فتن التمرد في مختلف كتبه ضد الحكومة الإنجليزية. وشكلت الحكومة لجنة برئاسة السير ليبل غريفن لتقصي الحقائق، وبحسب التقرير المرفوع من قبل اللجنة سُحبت منه ألقاب الولاية وتعرَّض للإساءة والإهانة الكثيرة لدرجة ضغط طبقة من المسلمين على الحكومة أن لا تراعيه أيما مراعاة في القضية السياسية، وعقابا على هذه الجرائم يجب أن يعلق على الخشبة أو يرسل إلى معتقل “الماء الأسود”. كتب المولوي أبو سعيد محمد حسين البطالوي مقالا مفصلا دفاعا عن النواب المحترم في مجلته إشاعة السنة، والتمس من الحاكم دفرن والسير ليبل غريفن بمنتهى الأدب والتواضع أن يراجعوا القرار عن النواب المحترم ويعيدوا لقبه، وأكدّ لهم أن النواب من الناصحين الحقيقيين للحكومة. كان المولوي محمد حسين البطالوي يعدّ من المخلصين الأوفياء من القلب للحكومة، وكانت شهادته تعد قوية وذات وزن. إلا أن طلبه هذا لم يجد أي التفات عند الحكومة، فلم تحرك ساكنا.

وبهذه الصورة تحققت هذه النبوءة، والتي كانت بالفعل تمزيق شرف هذا النواب لأنه جُرّد من ألقابه واعتقل ورفعت ضده القضايا، أوليس في هذا كله إهانة له؛ بعد أن كان قد توظف في ولاية بهوبال وترقى تدريجيا حيث وصل إلى منصب الوزير والنائب،واقترن بوالية بهوبال شاهجهان بيغم في 1871 وأصبح فيما بعد واليا للولاية بشكل فعلي، وكانت الحكومة البريطانية أعطته ألقاب “نواب والا جاه” و”أمير الملك” و”معتمد المهام”. فبكونه قد وصل إلى كل هذه المناصب المرموقة ومُنح هذه الألقاب، فماذا أكبر إهانة له من ان يعتقل وترفع ضده القضايا ويجرد من القابه ومناصبه، أوليس هذا تمزيق عزته وعرضه.

وماذا للمعارضين الذين يشككون باستمرارية هذه القصة أن يقولوا، إذا قلنا لهم إنه نتيجة للخزي الذي وصل أليه هذا النواب تحققا لدعاء ونبوءة سيدنا أحمد عليه السلام فيه، قام المولوي محمد حسين البطالوي بنفسه بإرسل الحافظ محمد يوسف المحترم إلى سيدنا أحمد عليه السلام وحمَّله رسالة الشفاعة من عنده للدعاء ذاكرًا خدمات النواب. ثم إن الحافظ محمد يوسف وهو من معارضي سيدنا أحمد عليه السلام يروي بنفسه ما جرى بعد ذلك ويقول: “حين قدَّمت إلى حضرته عليه السلام طلب الدعاء (للنواب صديق) رفض حضرته أولا أن يدعو، ثم قال ذاكرًا ما حدث لكتابه البراهين أن النواب كان يريد أن يقدِّم رضوان الحكومة على رضا الله تعالى، فليُرضِ الحكومة الآن. فرغم ادعائه بالتوحيد خاف الحكومة الأرضية في قضية دينية مع أنها قد أعطت الحرية الدينية، وأطال حضرته عليه السلام الحديث حول هذا الموضوع. فلما كان حضرته لطيفا بي، لم أتركْه وظللت ألتمس منه، وقدمتُ الاعتذار من قبل النواب المحترم، فوعد حضرته أخيرًا بأنه سيدعو. وهذا ما كنت أبغيه، فقال عليه السلام: قد دعوت له، فليتبْ فالله تعالى تواب وسوف يرحمه وينجو من بطش الحكومة. ….ويتابع الحافظ محمد يوسف قوله : لقد رفعتُ الطلبَ إلى حضرته من قبل النواب المحترم بخصوص شراء البراهين الأحمدية فلم يقبله حضرته، وكررتُ الطلب ولم يقبل حضرته. ثم قال: لقد دعوت له رحمةً به وسوف ينجو بفضل الله من هذا العذاب، وفعْلي هذا نتيجة الشفقة. فالإنسان الذي أعاد لي الكتاب بهذه الإساءة، لا أريد أن أعطيه الكتاب بأي ثمن، فهذا مقتضى غيرتي وإيماني. عندما كنت حرضت هؤلاء على شراء الكتاب فإنما كان بحسب الإشارات الخفية من الله، ولطفًا بهم، لأنهم يكونون غافلين عن الدين. وإن مساعدتهم على نشر الكتاب ستكون كفارة عن ذنوبهم وأن الله سيوفِّقهم لحسنة أخرى. وإلا لم أعقد الأمل قط بأمثال هؤلاء، وإنما رجائي من الله، وهو الكافي. لقد ظل النواب المحترم يواجه القضية الخطيرة خمس سنين، وأخيرا أنقذه الله بحسب وعده من بطش الحكومة وأعيدت إليه ألقابُه أيضا، لكن المؤسف أنه رحل من هذا العالم قبل تلقّي بشارة الإعادة وفكّ الأسر.” ( “تاريخ الأحمدية” /نقلا عن كتاب “حياة أحمد” ليعقوب علي عرفاني والمنشور في 8-1931 )

فعلى النقيض مما يدّعيه المعارضون، رغم أن النواب صديق حسن خان قام بتمزيق الكتاب، إلا أنه نتيجة للخزي الذي لقيه عرف أن هذا عقاب من الله تعالى على ما فعله بكتاب البراهين، مما حدى به أن يبدي ندامته على فعلته هذه ويلتمس العفو والدعاء من سيدنا أحمد عليه السلام فدعا له بعد الإلحاح. وليس هذا فحسب، بل طلب أن يشتري كتاب البراهين مرة أخرى، إلا أن غيرة سيدنا أحمد لم تسمح له بأن يقبل هذا الطلب. وكل هذا بشهادة أحد معارضي سيدنا أحمد عليه السلام وهو الحافظ محمد يوسف الذي كان قد أُرسل بنفسه لطلب العفو والدعاء ويقص القصة بكلماته وشهادته عليها.

إن المعارضين الذين عميت قلوبهم و غابت عن عقولهم مصطلحات الندم والاستغفار لا يرون انسجاما في هذه القصة، ويرون من غير المعقول أن يكون النواب قد طلب الدعاء بعد تمزيق الكتاب، كما أن المعارضين بسبب حقدهم وبغضهم لم يروا مدى العفو والتسامح والذي أبداه سيدنا أحمد عليه السلام بقبوله أن يدعو للنواب صديق عندما التمس منه هذا الأمر، بل صبّوا جل غضبهم على الدعاء بتمزيق عرضه.

وإذا لم يكن خلق المسيح الموعود عليه السلام المتّسم بالعطف والرحم والتسامح كافيا للمعارضين لإقناعهم بسبب قيام حضرته عليه السلام بالدعاء للنواب أن يفرج الله كربه بعد أن كان قد دعا عليه أن يمزق عرضه، فنذكر لهم سببا آخر لقيام حضرته عليه السلام بالدعاء للنواب أن يفرج الله عنه، وهو تدخّل البانديت ليكرام الهندوسي في هذا الأمر، حيث كتب هذا الأخير إلى حضرته عليه السلام في مارس 1886 يقول له ما معناه: “إنك زعيم المقبولين وإن دعاءك قادر على إلغاء القدر المعلق … إن صدّيق حسن خان معزول وهو حزين جدًّا على القضايا المرفوعة ضده عن اختلاس المال وغيره عند الحكومة … وزوجته السيدة والية بهوبال تريد أن تفك أسره بتقديم ثلاثمائة ألف روبية، فالغ هذا القدر وارفعه عنه إذا كنت صادقا“. ولا شك أن ليكرام هذا قد كتب هذه الأمور طعنا وسخرية بسيدنا أحمد عليه السلام، ونظرا لمعارضته له وتكذيبه إياه، وبتدخله هذا لم يعد الأمر متعلقا بالنواب صديق حسن خان فقط، بل أيضا أصبح متعلقا بصدق سيدنا احمد عليه السلام؛ ولا شكّ أن تحدي البانديت ليكرام هذا لسيدنا أحمد عليه السلام كان أحد أهم الدوافع التي دفعت حضرته أن يقبل أن يدعو لنجاة النواب بعد الخزي الذي لحق به رغم أن حضرته عليه السلام كان قد دعا عليه في السابق. فقد تحولت القضية من عزة وشرف النواب صديق حسن خان إلى صدق دعوى المسيح الموعود عليه السلام وصدق الدين الإسلامي على أنه هو الدين الحي الذي يوصل أتباعه إلى قمة المراتب الروحانية من تكليم الله لعباده وقبوله أدعيتهم؛ وكل هذا يبين مدى الانسجام في هذه القصة كلها على النقيض مما يدّعيه المعارضون.

خلاصة القول:

  • لقد صدق المسيح المعود في إحالته إلى البراهين الأحمدية بأنها تحوي النبوءة بحق النواب صديق حسن خان. فالنبوءة قد ذكرت في البراهين بالإجمال دون ذكر الدعاء بتمزيق عرضه .
  • تمزيق الكتاب من قبل النواب، وحصول سيدنا أحمد عليه السلام على هذا الكتاب ممزقا، والدعاء”مزق الله عرضه” يشهد عليها الراوي الحافظ حامد علي من كبار صحابة المسيح الموعود.
  • الإلهام “أنقذ عرضه من العتاب” وإن كان قد ذكر متأخرا في كتاب حقيقة الوحي، إلا أن سيدنا أحمد عليه السلام أشهد على صدق هذا الإلهام بعض الأشخاص من معارضيه وفي حياتهم، بأنهم كانوا قد أُخبروا به في وقته، مثل الحافظ محمد يوسف والمولوي محمد حسين البطالوي ومعارضين آخرين.
  • القصة برمتها جاءة بعدة روايات كرواية الحافظ حامد علي و الحافظ محمد يوسف المعارض لسيدنا أحمد عليه السلام، وكل هذه شهادات قاطعة على صدق القصة وما تخللها من نبوءات وإلهامات وأدعية وانسجامها مع بعضها البعض.