الدلائل على أن آتهم خاف النبوءة وحلّت عليه المصائب الشديدة:

ينكر المعارضون أن يكون آتهم قد خاف النبوءة وعاد إلى الحق، وذلك لأنه نشر في الجرائد أنه لم يخف النبوءة وأنه بقي على عقيدته المسيحية؛ وبذلك يبطل تحقق النبوءة ويبطل إلهام المسيح الموعود عليه السلام ” اطّلع الله على همّه وغمّه” وفق زعمهم.

نسوق فيما يلي الإثباتات على أن آتهم قد خاف من النبوءة بالفعل، وارتدع وعاد إلى الحق بشكل جزئي، حيث استولت عظمة النبوءة وعظمة الإسلام على قلبه:

– إن أول مظاهر التوبة والرجوع قد ظهرت على آتهم فور سماعه النبوءة التي أدلى بها المسيح الموعود في نهاية المناظرة، وقد أكّد على ذلك أحد المؤرخين البريطانيين المحايدين إيان آدمسن في كتابه ” Mirza Gulam Ahmad of Qadian” حيث قال: “عندما سمع “آثم” بالنبوءة امتقع وجهُه، وعلى الطريقة الشرقية في بيان الإنكار التام: لَمَسَ أذنيه، وأخرج لسانه، وهَزَّ رأسه، وأعلن: تُبْت .. تبتُ. أنا لم أقصد أن أُبدي قلةَ الاحترام نحو محمد.”

وقد حدث هذا بعدما وجّه إليه المسيح الموعود الكلام مباشرة حيث قال:

والآن فإني أسأل عبد الله آتهم المحترم: إذا تحققت هذه الآية فهل تقبلها كنبوءة كاملة وكنبوءة من الله تعالى التي ظهرت بحسب رغبتك أم لا؟ ألا تكون حينئذ برهانا قويا على أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي وصفتَه في كتابك “اندرونه بائبل” بأنه الدجّال، إنما هو رسول صادق؟ (الحرب المقدسة، الخزائن الروحانية مجلد 6)

فإقرار المؤرخ البريطاني المحايد، لهو خير دليل على تصرّف آتهم هذا، وخير دليل على دحض ما يزعمه المعارضون، في تكذيبهم للوقوع هذه التصرفات من آتهم فور سماعه النبوءة.

– التغير الجذري الذي حدث في طبيعة حياة آتهم في مدة النبوءة لهو خير دليل على خوفه من النبوءة نفسها، فبعد أن كان كاتبا ومناظرا شهيرا وفعالا في مساندة العقيدة المسيحية ومهاجمة الإسلام ونبي الإسلام، صمتَ فجأة وامتنع عن كل هذه الأنشطة التي اعتاد عليها قبل النبوءة، وانسحب في صمت وعزلة نسبية، إلا أنه عاد إلى تجاسره بعد انقضاء مدة النبوءة أي الخمسة عشر شهرا.

فما سبب هذا الصمت وهذه العزلة الفجائية يا تُرى!؟ وكيف لها أن تتزامن وتتقيد مع موعد إعلان النبوءة صدفة!؟ ألم يكن “آتهم” ليمضي في الدعوة إلى النصرانية لو أنه اقتنع فعلا بعقائده الباطلة .. بصرف النظر عن نبوءة سيدنا أحمد ضده؟

– إن هذا التغير الجذري في تصرف آتهم ليس بالأمر السريّ الذي يصعب الاطّلاع عليه، بل كان أمرا علنيا واضحا، لا يمكن أن ينكره منصف، ولا يمكن أن يُفسَّر هذا التزامن بين النبوءة والتغيّر إلا بالخوف من النبوءة نفسها.

– اعتراف أحد خصوم سيدنا أحمد المتحمسين – المولوي ثناء الله الأمرتساري – أن عبد الله آثم كان خائفًا من الموت بسبب نبوءة سيدنا أحمد ضده، وأنه لجأ إلى كل وسيلة ممكنة للهرب بسبب هذا الخوف؛ حيث قال: لقد تراجع “عبد الله آثم” فعلا، وهذا كان المفهوم عمومًا (نبوءات يشكك بها المعارضون، نقلا عن كتاب إلهامات الميرزا ص22)

– اعتراف “آتهم” بنفسه بحالة الفزع والهوس التي أصابته، من خلال تصريح له في جريدة ” نور أفشان” المسيحية، وهذا ما نقله المسيح الموعود عليه السلام من هذه الجريدة حيث قال عليه السلام:”بل قد ورد تصريحه في السطر الأول من العمود الأول للصفحة رقم 12 من جريدة نور أفشان الصادرة في 14/ 9/1894م حيث قال فيه: كنت أظن أني سوف أُقتل. وقد ورد في العمود نفسه أنه بكى عندما تحدث عن هذه الأمور، وأفاد ببكائه أنه عاش ألمًا كبيرا.” ( أنوار الإسلام/ إعلان 20-9-1894)

– البطلان المنطقي والقانوني لتصريحات آتهم بأنه كان خائفا من القتل وليس من النبوءة، كأن يقوم المسيح الموعود وأتباعه بقتله. فهذا اتهام لا مبرر له، ولا شاهد عليه، ولا يمكن أن يدعمه أي قانون وأي محكمة لعدم توفر الشواهد عليه؛ إذ لم يُعرف عن الأحمديين وعن المسيح الموعود عليه السلام، قيامهم بمثل هذه الأعمال الإجرامية، فما كان قوله هذا إلا كتمانا للحق لتواطئه مع القسس المسيحيين، وعدم رغبته كشف الحقيقة في أنه خاف من النبوءة نفسها.(1)

– اتهام “آتهم” للمسيح الموعود عليه السلام بشتى التهم الباطلة، والتي إن دلّت على شيء فإنها تدل على حالة الهوس والجنون التي أصيب بها. حيث قال المسيح الموعود عليه السلام:

“كم من افتراءات كريهة وشنيعة اتخذها آتهم محب الباطل للتكتُّم على صدق النبوءة! وبأي تجاسر قدَّم الكذبَ الذي لا أصل له. لقد اتهمني آتهم الغبي عبثًا ومن دون أي سبب بأنني حاولت دسّ السم له! وافترى عليَّ بأني أطلقت في منزله ثعابين لقتله، وأني أرسلت بعض الشباب من جماعتي لاغتياله ثلاث مرات في ثلاث مدن مختلفة وكأنني سفّاك محترف، وأن عددًا من الركبان والمشاة اقتحموا بأمري منزلَه في لدهيانه وفيروز بور مسلحين بالسيوف والرماح. (عاقبة آتهم، الخزائن الروحانية مجلد 11)

– تضافر الأسباب التي تجعل من آتهم يخاف النبوءة وعواقبها. فمن بين هذه الأسباب هو تذكير المسيح الموعود عليه السلام له أثناء مناظرة الحرب المقدسة بنبوءته عليه السلام بحق أحمد بيك والد محمدي بيغم، والتي تحققت بكل جلال ورهبة بموت أحمد بيك بعد نصف سنة من تزويج ابنته، وقد نُشرت تفاصيل هذه النبوءة في مجلة ” نور أفشان” المسيحية، وكان آتهم مطلعا على تفاصيلها؛ فعندما صدرت النبوءة بحقه ذهل من هول النبوءة لاطّلاعه على تحقق نبوءة أحمد بيك. (2)

– من هذه الأسباب هو الاستعداد الأولي لدى عبد الله آتهم لقبول الحق عند إظهار آية تدل على صدق الإسلام، والذي أدلى به قبل مناظرة الحرب المقدسة؛ يقول المسيح الموعود في هذا الصدد: “ملحوظة: إن السيد عبد الله آتهم كان قد أخبرني في العقد الخطي -وهو مازال محفوظا عندنا- في أيام تحديد شروط المناظرة، أكد لنا فيه أنه بعد رؤية الآية سيصلح عقائده حتما أي سيقبل الإسلام، وهذه الرسالة أيضا تشهد على حالته الداخلية بحيث تفيد بأنه كان مستعدا سلفا لقبول الحق، .. منه ( حاشية إعلان 20-9-1894، مجموعة إعلانات، جلد 1) . (3)

غير أنه لم يكن يعلم أن النبوءة ستكون متعلقة به وبموته، فهذا الاستعداد يؤكد أنه عند سماعه النبوءة بهيبتها وجلالها قد أثرت فيه وعاد إلى الحق جزئيا.

– امتناع آتهم عن القَسَم المشفوع بعذاب الموت الذي طالبه به المسيح الموعود عليه السلام، والذي يصرّح من خلاله أنه لم يخف النبوءة.(سيأتي تفصيل هذا في الحلقة المقبلة)

فكل هذه الشواهد تثبت خوف آتهم من النبوءة وصدق إلهام المسيح الموعود عليه السلام ” اطلع الله على همه وغمه” .

بعض النصوص المتعلقة بالموضوع:

1- فنّد المسيح الموعود عليه السلام زعمه هذا بقوله: لم يستطع ( آتهم) أن يثبت أن خوفه ذلك كان من القتل فقط، إذ لم يُلقَ القبض على قاتل أثناء شنه الهجوم عليه، ولم يثبت أن هذا العبد المتواضع قد عُرِفَ عنه الإجرام والقتل في السابق مما زرع في قلبه هاجس الخوف من القل.” ( إعلان 27-10-1894، مجموعة إعلانات، جلد 1)

2- قال المسيح الموعود عليه السلام مبيّنا هذا الأمر: “إنه كان يعلم جيدا قبل إعلان هذه النبوءة ضده، أن النبوءة التي صدرت بموت أحمد بيك والتي نشرها رئيس تحرير “نور افشان”، وأشيعت عنها إعلانات كثيرة، قد تحققت بمنتهى الجلاء والوضوح. لعله يتذكر أنه أخبر بتحقق تلك النبوءة في أيام المناظرة بالذات برسالة، فاستولى على قلبه همُّ تلك النبوءة بشدة إذ كان قد لاحظ تحقق نبوءةٍ سلفًا كمثال، أما سيرتي كقاتل فلم يكن أي دليل عليها.

فهل كان عنده أي إثبات على أني أقتل مَن أنشر النبوءة بحقه؟ ثم هل يقبل حدس عاقل أن الأمر الذي كان عنده نموذجا ومثالا بيّنًا -بل كانت الجريدة المسيحية شاهدة عليه- لم تؤثر في قلبه ذلك الأمر المجرَّب أي تأثير واستولى عليه خوف القتل الذي لم يكن له أي مثال يصدقه ولا يوجد أي مبرر لهذا الزعم؟! فهل يمكن أن يثبت أحد أني ارتكبت قط تصرفا غاشما في حياتي؟! أو رُفعت ضدي قضية بأني أصبتُ أحدا بأدنى ضربة؟! فإذا كانت سيرتي السابقة لا تنمّ عن احتمال الشر، بينما كان احتمال تحقق النبوءة قويا في نظر آتهم لعدة أسباب منها أنه كان قد سمع مني تحقق نبوءتي بحق أحمد بيك .

وكان قد قرأ تفاصيل ذلك في إعلاناتي وفي جريدة “نور أفشان”. وليس ذلك فحسب بل كان مطلعا أيضا على الهيبة والشوكة والدعوى القوية التي صدرت بها النبوءة بحقه. فمن البديهي الآن أن كل هذه الأمور ثؤثر تأثيرا قويا في القلب الذي لاحظ النموذج حديثا، فلما كانت هذه الأسباب للخوف والفزع موجودة من ناحية وكان يُقر بلسانه من ناحية ثانية بأنه ظل يخاف حتما ميعاد النبوءة، أفلا يقع تحت طائلة المطالبة إلى الآن أن يُقنعنا بالحلف بأن الخوف -الذي كانت أسبابه ودوافعه ونماذجه موجودة أمام نظره- لم يستولِ على قلبه قط، بل قد خوّفته السيوف والخناجر التي لم يكن لها وجود أصلا؟! (إعلان 27-10-1894 ، مجموعة إعلانات، جلد 1)

3- النص الكامل لما قاله المسيح الموعود في هذا الصدد: “ملحوظة: إن السيد عبد الله آتهم كان قد أخبرني في العقد الخطي -وهو مازال محفوظا عندنا- في أيام تحديد شروط المناظرة، أكد لنا فيه أنه بعد رؤية الآية سيصلح عقائده حتما أي سيقبل الإسلام، وهذه الرسالة أيضا تشهد على حالته الداخلية بحيث تفيد بأنه كان مستعدا سلفا لقبول الحق، ثم حين نزل هذا الإلهام الفياض بالرعب في حقه وتحقق ضده، وكان قد تنبأ بموته الذي يشق بالطبع على كل واحد، إذ كل واحد من البشر يحب حياته القصيرة، وكان قد وعد باعتناقه الإسلام في وقت لم يكن يخطر بباله أن الآية المطلوبة ستتعلق بموته بشرط ألا يعود إلى الحق، وكان قد قرئ عليه ذلك الإلهام بمنتهى التأكيد والقوة وبكلمات جليلة، أفليس من المحتمل إذن أن يؤثر ذلك الخطاب القوي في القلب المستعد والنادم بشدة؟! وأنه حتما مال إلى إصلاح نفسه سرا بعد تأثره بذلك الإلهام المنذر؟! كما يشهد على ذلك تصرفاته الأخرى الناجمة عن منتهى الاضطراب والخوف؟! وهذه الرسالة تفيد أيضا أنه لم يكن مقتنعا أبدا بعقائد الثالوث ودم المسيح والكفارة، لأن الذي يقتنع بعقائده بصدق القلب لا يمكنه أبدا أن يصرح بأنه سيتخلى عن تلك العقائد بعد رؤية بعض الآيات، إن رسالته الخطية بيده موجودة عندنا، ويمكن أن يطلع عليها من كان يشك فيها. منه ( حاشية إعلان 20-9-1894، مجموعة إعلانات، جلد 1)