في آخر يوم من مناظرة الحرب المقدسة التي جرت بين المسيح الموعود عليه السلام كممثل عن الإسلام والمسلمين من جهة، والشيخ المتنصر القس عبد الله آتهم كممثل علن الديانة المسيحية والمسيحيين من جهة أخرى، والتي جرت أحداثها في مدينة أمرتسر في فترة 22-5-1893 حتى 5-6-1893؛ تلقى المسيح الموعود عليه السلام نبوءة من الله تعالى من أجل فصل الأمر بين الفريقين وليتبين أي الديانتين حق الإسلامية أم النصرانية، ومفاد هذه النبوءة يتبين من كلام المسيح الموعود التالي:

“وما كُشف عليّ هذه الليلة هو ما يلي: عندما دعوت الله تعالى بكل تضرع وابتهال، وسألته أن يحكم في هذا الأمر، وقلت إننا لسنا سوى عباد ضعفاء، وبدون حكمك لا نستطيع أن نحقق شيئا، أعطاني ربي هذه الآية بشارة منه، مؤدّاها أن الفريق الذي يختار الباطل عمدا في هذا النقاش من بين الفريقين ويترك الإله الحق ويؤلِّه الإنسان الضعيف، مصيره أنه سيُلقى في الهاوية خلال خمسة عشر شهرا، أي شهرا مقابل يوم من أيام المناظرة، وأنه سيلقى ذلا وهوانا كبيرين بشرط ألا يرجع إلى الحق. أما الذي على الحق، ويؤمن بالله الحق، فستظهر بذلك عزته وإكرامه. وحين تتحقق هذه النبوءة سوف يُبصَّر بعضُ العميان، وسيمشي بها بعض العرج وسيسمع بعض الصم بحسب ما أراد الله تعالى.” (الحرب المقدسة، الخزائن الروحانية مجلد 6)

لقد تلقى المسيح الموعود عليه السلام هذه النبوءة في 5-6- 1893، ليكون موعد انقضاء مدتها ( الخمسة عشر شهرا) في 5-9-1894؛ فلا بدّ أن تتحقق هذه النبوءة في هذه المدة، فكيف تحققت إذن؟
يحاول المعارضون منذ زمن سيدنا أحمد عليه السلام وحتى يومنا هذا التشكيك في تحقق هذه النبوءة، بإثارتهم اعتراضات عديدة حولها سنقوم بتفنيدها خلال هذه السلسلة؛ إذ مجمل ما يقولونه أن هذه النبوءة لم تتحقق لأن عبد الله آتهم لم يمت في هذه المدّة المعلنة بل مات في 27-7-1896.

للرد على ذلك نقول:

أولا لا بدّ من التذكير أن هذه النبوءة نبوءة مشروطة، أو قُل مكونة من جزأين أو وجهين كما يلي:

– إلقاء الفريق الخصم في الهاوية وتلقيه الذلّ والهوان خلال مدة 15 شهرا، من لا يرتدع منهم ويبقى متشبثا بعقائد التثليث وتأليه المسيح ابن مريم عليه السلام.

– شرط أن لا يعود هذا الشخص إلى الحق، أي أن الذي يرتدع ويعود إلى الحق فلن يصاب بهذا الأذى.

فكما يتضح جليا من هذه النبوءة أنها ليست متعلقة فقط بالقس عبد الله آتهم، بل هي تتحدث عن الفريق الخصم الذي كان قد مثل المسيحيين في هذه المناظرة، وقد ضمّ هذا الفريق بالإضافة إلى عبد الله آتهم غيرَه من القسس المساعدين والمنظمين والمشاركين في مناظرة الحرب المقدسة بطرق مختلفة كالتنظيم والتأييد والاقتراح؛ مثل الدكتور القس مارتن كلارك والذي كان مشرفا على البعثة الطبية في أمرتسر، والقس رايت الذي كان من زعمائهم؛ فالنبوءة لا بدّ أن تتحقق بهؤلاء أيضا ولا يمكن اقتصارها على عبد الله آتهم فقط.

كما أن مصير الفريق الخصم وفق هذه النبوءة لم يقتصر على الموت فقط، رغم كون الموت هو المفهوم الأساسي للنبوءة كما أكّد عليه المسيح الموعود عليه السلام، بل ما تؤكده النبوءة أن الفريق الخصم سيُلقى بالهاوية ويَلقى الذل والهوان، وعند النظر في كيفية تحقق النبوءة لا بدّ من النظر في كل هذه المصائر مجتمعة وليس فقط في الموت نفسه، كما لا بدّ من النظر في مصائر القسس الآخرين وليس فقط عبد الله آتهم.

وبتفحص الأمر بعين واعية نرى تحقق هذه النبوءة بشكل جليّ تام، بما لا يدع مجالا للشك، وذلك قبل الخوض في كيفية تحققها بموت عبد الله آتهم نفسه؛ إذ يكفي لكل عاقل منصف أن ينظر في الجزأ الأول من هذه النبوءة ليتأكد من صحة تحققها. فقد تحقق الجزأ الأول بما يلي:

  1. لقد أهلك الله – سبحانه وتعالى – القس “رايت” الذي كان زعيم هذه الجماعة في الحقيقة، وذلك نظرا لمكانته ومنصبه، وكان مبشر شرف في أمرتسر، فقد خلا من هذا العالم الفاني بموت مفاجئ في عز شبابه، وبموته المفاجئ أصاب الله الدكتورَ مارتن كلارك وجميع أصدقائه وأعزائه بصدمة شديدة، وألبسهم لباس الحداد. فقد سبَّب لهم موتُه المفاجئ حزنًا وألمًا لم يكن أقل من الهاوية بحال من الأحوال.
    إن كلمة أحد المبشرين التي ألقاها في حفل تأبينٍ أقيم في الكنيسة عند وفاة القس رايت تبين لنا اضطراب المسيحيين، ويتبين ذلك مما صدر من قلبه المفجوع الفزِع المغضوب عليه آنذاك، حيث صرَّح:
    هذه الليلةَ أصابتنا عصا غضب الله – سبحانه وتعالى – في غير وقت، وقتلَنا حسامُه الخفي في غفلة.
  2. القس فورمين، مات في لاهور.
  3. القس هاول والقس عبد الله، هما الآخران أُلقيَ بهما في هاوية الأمراض الشديدة الخطرة.
  4. الدكتور “يوحنا” من بلدة جنديالة، كان من أبرز المسيحيين، وقد أوكلت إليه مهمة كتابة الحوار في أيام الحوار، وقد مات في أثناء الميعاد.
  5. ثم أصابتْ ذلةٌ متناهية جميعَ القساوسة عامة والقس عماد الدين خاصة، إذ كان يلقب بلقب “المولوي” وكان يعترض على فصاحة القرآن الكريم وبلاغته، وذلك حين أبدَوا العجز عن إصدار كتيِّب مقابل كتاب “نور الحق” الذي كتبَه – عليه السلام – في أثناء ميعاد النبوءة، وأعلن بتقديم خمسة آلاف روبية لمن يأتي بكتاب مثلِه من المسيحيين، فكسبوا ألف لعنة بدلا من الفوز بجائزة خمسة آلاف روبية. (أنوار الإسلام: الخزائن الروحانية؛ مجلد 9)

وبهذا نرى كيفية تحقق الوجه الأول للنبوءة بشكل يقيني يقطع كل شكّ، ولا يمكن أن ينكر هذا التحقق إلا من أصرّ على العناد وكتمان الحق والكذب والتدليس والتمويه. وهنا نذكّر بما قاله المسيح الموعود عليه السلام: “فما مِن نبوءة من نبوءاتي إلا وتحقّقت أو تحقّق أحد جزءيها على الأقل.” (سفينة نوح)

وبناء على قول حضرته هذا، وبعد أن أثبتنا تحقق الجزء الأول من النبوءة، هل بقيت هنالك حاجة للخوض في تفاصيل تحقق الجزء الثاني منها، والمتعلق بعبد الله آتهم نفسه!!!؟؟؟؟

أقول: إن المؤمن الصادق الذي لا يبحث عن المماحكات يكتفي بهذا القدر، ليعلم أن هذه النبوءة تحققت، وتحقق معها صدق المسيح الموعود عليه السلام، وصدق الديانة الإسلامية وحقّيتها على باقي الأديان خاصة الديانة المسيحية، كما كان الهدف في مناظرة الحرب المقدسة!!!

ورغم ذلك، سنفصّل في الحلقات المقبلة كيفية تحقق الجزء الثاني لهذه النبوءة.


فيما يلي النصوص المتعلقة بالموضوع من كتابات سيدنا أحمد عليه السلام:
– ومما يجدر بالملاحظة هنا أن المراد من الفريق الخصم الذي وُعد بالهاوية أو الذلة، جماعةٌ لها علاقة بهذه المناظرة سواء كان المناظرُ نفسُه أو مساعدُه أو مؤيده أو منظم المناظرة. غير أن على رأسهم “عبد الله آتهم” لأنه هو الذي انتخبه النصارى ليمثِّلهم في هذه المناظرة، فظل يخاصم خمسةَ عشرَ يوما، أما الشركاء في هذه الكلمة في الحقيقة فكانوا مساعديه ومحرضيه وزعماءهم أيضا. لأن الفريق في العرف يضم جماعةَ الخصوم بما فيهم المساعدون أو مؤسس هذا العمل أو مقترحُه أو مؤيدوه، ولم يصرّح نصُّ النبوءة بأن “المراد من الفريق عبدُ الله آتهم حصرا”، إلا أن المعنى الذي فهمتُه للإلهام هو أن المراد من الهاوية- بحق الشخص الذي يناظرني شخصيًّا تأييدا للباطل- هو الموتُ، لكن الكلمة الواردة في الإلهام هي “الهاوية” فقط. وكان معه شرط أيضا بأن لا يرجع إلى الحق. ( أنوار الإسلام)

– إن كلمة أحد المبشرين التي ألقاها في حفل تأبين أقيم في الكنيسة عند وفاة القس رايت تبين لنا اضطراب المسيحيين وفزعهم، وما صدر من قلبه المفجوع الفزع المغضوب عليه آنذاك، حيث صرَّح: هذه الليلةَ أصابتنا عصا غضب الله – سبحانه وتعالى – في غير وقت وقتلَنا حسامُه الخفي في غفلة، فقط. كان رايت مبشر الشرف في أمرتسر، وقد مات القس فورمين في لاهور. منه (حاشية أنوار الإسلام )

– في بلدة جنديالة بالذات، حيث بدأت المناظرة، قد مات الدكتور يوحنا- الذي أوكلت إليه أثناء المناظرة مهمة كتابتها نظرا لكونه مسيحيا بارزاً- أثناء الميعاد تحقيقا لهذه الآية ذات الهيبة. منه (حاشية أنوار الإسلام )

– وهنا ينشأ التساؤل: ما الذي آل إليه مصير الأعضاء الخصوم الآخرين من المساعدين أو المؤيدين أو المدراء، هل قد تذوقوا شيئا من طعم الهاوية أم لا؟ فالجواب أنهم تذوقوه بالتأكيد وكل واحد منهم تذوقه كاملا أثناء الميعاد، فالقس رايت الذي كان زعيمهم، قد غادر هذا العالم في عز الشباب، أما السيد عبد الله آتهم فقد تعرض للمصائب ولعله لم يستطع حضور جنازته أيضا، وأصيب الدكتور مارتن كلارك بموته صدمة جرحتْه. أما المساعدون من الخصوم فأحدهم القس تامس هاول الذي جرّح حلقه مرارا بقراءة الكتب المحرفة وأغوى الناس فقد بُطش به بعد المناظرة عاجلا بحيث أصيب بمرض عضال كاد يقضي عليه. وكان منهم القس عبد الله الذي كان يقدّم آيات القرآن خلسة، وكان يقرأ بعض الكلمات العبرية المكسرة، فهو الآخر قد أصابه مرض أشرف به على الموت، ولا نعرف أشُفي منه أم خلا. أما القس عماد الدين فالتف حول رقبته حبل الذلة الطويلُ قوامه ألف لعنة إذ قد عجز عن الرد على “نور الحق” وشاركه في هذه اللعنات جميعَ إخوته الآخرين. أخبروني الآن مَن من أعضاء الفريق كله نجا من الهاوية؟ دُلُّوني على واحد منهم على الأقل. (إعلان 9-9-1894، مجموعة إعلانات، مجلد1 )

– فمن الجلي البدهي أن هذه المعركة التي أطلق عليها النصارى أنفسهم اسم “الحرب المقدسة” قد واجه النصارى عبدة الإنسان بأنفسهم فيها أربعة أوجه للهزيمة، لأن بعضهم مات وبعضهم أصيب بجروح أي بمرض عضال ونجا بالكاد بعد أن أشرف على الهلاك، وبعضهم صُفِّد بسلاسل اللعنة وبعضهم أنقذ نفسه باللجوء إلى راية الإسلام. فإنكار هذه الهزيمة الواضحة النكراء ليس حمقا فحسب بل من الإلحاد السافل والعناد. أما إذا كنت تريد أن تصف القساوسة المغلوبين المهانين غالبين دونما سبب فلا نستطيع أن نلجم لسانك، وإلا فالحق أنه قد انهمرت الذلة المتناهية على القساوسة بعد هذه النبوءة. فقد رُحِّل القس “رايت” في عز شبابه من هذا العالم في ميعاد النبوءة ليكون زينة لجهنم. وقد شوهد الصراخ والعويل الأليم عند موته وأقيم الحداد لدرجة قد اعترف النصارى بأنفسهم بأن الغضب نزل عليهم في غير وقته.

– ثم لاحظوا ذلة ثانية أصابت عماد الدين إذ ثبت أن ادعاءه المشيخة منذ خمسين سنة -الذي بناء على ذلك عُدّ تدخّله وأشياعه في تعاليم الإسلام جديرا بالاعتداد في نظر الجهلاء- كان مليئا برائحة الكذب الكريهة مثل رائحة النجاسة وانهار دفعة واحدة كالبنيان البالي، وأصاب حبل ألف لعنة رقاب جميع القساوسة للأبد الذين ادَّعوا علوّ كعبهم في اللغة العربية. فهل يمكن أن تخفى هذه الذلة بإخفاء أحد؟! أليست هذه ذلة أولى نالها القساوسة في الهند والبنجاب التي أشيعت بالنشرات المطبوعة في أوروبا وأميركا وجميع البلاد أَوَلَمْ يَثْبُتْ جهل هؤلاء القساوسة وكذبهم الذين كانوا يدعون المشيخة ولصقت بجبينهم للأبد وصمة عار لا تغسل إلى أبد الدهر؟ فهل لاحظتم مثال هذه الذلة في فريقنا أيضا بعد النبوءة؟ فنرجو أن تذكرها لنا بعد النطق بشهادتين لنسمع نحن أيضا. ولم تنته هذه الذلات والهوانات إلى هنا، فقد نشرنا إعلانا تلو إعلان حتى أعلنت بدفع ثلاثة آلاف روبية جائزة، ثم وفزع آتهم الشديد من الحلف، ألا يُثبت كل ذلك هيبةُ الإسلام وصدقه بداهةً؟ هل بقي أدنى شك في ظهور ذلة النصارى وكذبهم؟ (إعلان 5/ 10/1894م، مجموعة إعلانات، مجلد1)

– أيها العميان من قومنا وأشباه النصارى! ألم تدركوا من الذي حالفه الفتح؟ فهل تظهر في آتهم أمارات أهل الحق أم التي تتجلى من هذه الإعلانات المتتالية ذات الهيبة؟ فهل يتمتع أي كاذب بمثل هذه الاستقامة ما لم يكن الله معه؟ وإن قلتم: إن ما تقوله صحيح وصدق، لكن ما هي الآية التي ظهرت؟ فجوابه بأني كتبتُ مرارا ردّا على هذه الشبهة أن تأثيرات هذه النبوءة القويةَ حلّت بالخصوم حتما كآية، وواجهوا الوضع البائس ولاقوا الهزيمة والخيبة في الحرب المقدسة، فأصابهم ذلة ودمار بأنواعه الأربعة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأن الله – سبحانه وتعالى – يقول إنه لن يتوقف حتى يري يده القوية ويكشف على الجميع ذلة الفريق المنهزم غير أنه أخّر أجلَ آتهم وفق عادته وسنته الواردة في كتبه المقدسة، لأن هناك وعدا أزليا في كتب الله بخصوص المجرمين وما ينبغي إخلافه، وهو أنهم يُمهَلون قليلا عند إبدائهم الخوف، وحين يصرون مرة أخرى يُبطَش بهم. فكان لزاما على الله أن يراعي هذا الوعد الوارد في كتبه، لأنه لا يخلف المعياد. والتواريخ المحددة في النصوص الإلهامية فلا تتحقق أبدا خلافا لوعود وردت في سنة الله المذكورة في القرآن الكريم لأنه لا يمكن للإلهام أن يخالف الشروط المحددة في الوحي الإلهي.( إعلان 27-10-1894، مجموعة إعلانات، مجلد1 )