ملخص خطبة عيد الأضحى 31/7/2020

هنأ حضرته أفراد الجماعة بمناسبة عيد الأضحى المبارك أو ما يسمى بعيد القربان، وبين أنه ما زال المسلمون يحتفلون بهذا العيد منذ فجر الإسلام تخليدًا لذكرى ذلك القربان الذي قام به أب وابن قبل آلاف السنين. وقد سجل الله تعالى هذه الواقعة، وهكذا أقام معيارًا أبديًّا للتضحية والقربان، ثم أمر المؤمنَ بجعل هذا المعيار نصب عينيه دائما. إنه ليس بأمرٍ هيّنٍ أن يُرزَق شخص في شيخوخته ابنًا، وعندما يبلغ التسعين أو قريبا من ذلك، يأمره الله في المنام أن يذبح ابنه هذا، فيستعدّ لذبح ابنه الوحيد عملاً برؤياه حرفيا.

فبهذا الانقياد لرضا الله وأمره، تبوأ سيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه سيدنا اسماعيل مقام سام، وصار جواب الابن لأبيه حيث قال: يا أبتِ افعلْ ما تُؤْمَرْ ستجدني إن شاء الله من الصابرين، نموذجًا يحتذى به للذين يقدمون القرابين والتضحيات وتعليما للشباب الذين يؤمنون بالله إيمانا كاملا ويظلون جاهزين للقربان دائما.

لا بد أن يكون سيدنا ابراهيم عليه السلام قد تألم لابنه، ولكنه لم يبالِ بألمه وحبه لابنه، مؤْثرا رضا الله وحبه على كل شيء سواه. وهذا هو الأمر قد جعله مميزًا عن الآخرين، وهذه الميزة وهذا المعيار من الوفاء والحب والتضحية لله تعالى هي السبب وراء أن المسلمين عندما يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم فسوف يذكر إبراهيم أيضا إلى يوم القيامة حتما.

وكان في باله u أن التضحية بابنه ليست مِنّة منه، ولا هي منّة من ابنه، إذ استعد لتقديم التضحية في سبيل الله بل هي منة من الله تعالى على أنه اختاره وابنه لهذه التضحية. فاستحضر إبراهيم u عند تقديمه للتضحية فكرة جعلها تغزو ذهنه وتسيطر على مداركه أنه لا أهمية لتلك التضحية التي يقدمها، بل إنها منة خالصةٌ من الله تعالى إذ جعله أهلا لتقديمها.

إذًا، حين نتعهد نحن بأننا مستعدون لتقديم كل تضحية يجب أن نحاول لجعل الفكرة نفسها غالبة على أذهاننا أي أنه لا أهمية لتضحيتنا بل هي منة الله أن طلب منا التضحية، وسننال قربه I نتيجة لها.

إن استعداد إبراهيم u لإطلاق السكين على عنق ابنه كانت عاطفة عظيمة جدا وقد قدّرها الله تعالى وقبِلها، ثم قال لمنعه من إطلاق السكين على عنق ابنه عمليا: ]قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[، أي أننا نجزي المحسنين من عندنا، وذلك الجزاء هو أننا وهبنا لك ولابنك مكانة عليا من قربنا. ولكن لم تنته سلسلة التضحيات بعد هذا مقام القرب هذا، بل بدأت سلسلة جديدة لمزيد من التضحيات ليرى كلاهما بسبب تلك التضحية مزيدا من مشاهد قرب الله تعالى، وليس ليراها هما الاثنان فقط بل ضُمّت إلى هذه القائمة زوجة إبراهيم أي أُمّ إسماعيل عليهم السلام أيضا. وذلك ليكون مثالا للرجال أنه يجب ألا تقتصر الحسنات على أنفسهم فقط، بل يجب أن يُرى أثرها على زوجاتهم أيضا. هذه التضحية كانت مبنية على الهجر والانفصال والخوف بصورة دائمة. حيث انطلق إبراهيم مع السيدة هاجر وإسماعيل عليهم السلام ووصل إلى منطقة قفراء لا ماء فيها ولا كلأ، ولا طعام من أي نوع، فترك إبراهيم عليه السلام زوجته وابنه في ذلك المكان مع قِربة ماء وكيس من التمور فقط، وبما أن الله تعالى كان قد أمره بهذه التضحية لذلك كان يقوم بها ابتغاء مرضاة الله تعالى. فمشت السيدة هاجر عليها السلام وراء إبراهيم وسألته: إلى أين تنصرف بعد أن تتركنا ههنا؟

آلله أمرك بهذا؟ رفع سيدنا إبراهيم عليه السلام يده إلى السماء. فلما رأت السيدة هاجر هذه الإشارة قالت بكامل التوكل: “إذًا لن يضيّعنا”، فاذهب إلى حيث تشاء.

ويتضح من الأحداث اللاحقة أن الله تعالى فعل وفق المأمول منه، فلم يعصمهما الله تعالى من الضياع فقط بل أنشأ بواسطتهما قومًا بعث فيهم نبيًّا عظيم المرتبة مثل خاتم الأنبياء محمد المصطفى r الذي بعث للعالم كله، والذي هو الملك الروحاني للعالم كله، ولا يمكن الوصول إلى الله تعالى الآن إلا بوسيلته.

فإن هذا اليوم يذكرنا توكل هذه الأسرة بالله تعالى ومستوياتهم العليا للتضحية لوجه الله. وينبغي عند إحياء هذه الذكرى أن نتخذ وفاء إبراهيم وتضحيته مثالا نحتذي به، وينبغي أن نجعل تضحية السيدة هاجر هدفًا لنا. وينبغي أن تفكر كل سيدة ماذا ينبغي عليها من أجل تحقيق هذا المستوى من التضحية.

بلغ حضرته أن بعض السيدات قلن أنهن يلتزمن الصمت عند ترديد هذا الجزء من عهد لجنة إماء الله: “أكون مستعدة للتضحية بأولادي”، لأنهن غير مستعدات لذلك. لا يمكن أن يخطر بالبال مثل هذا التفكير إن كان توكل المرء على الله وهدفه نيل رضى الله وتكون لديه أمنية إحراز قرب الله فوق كل أمنية.

حين يسعى الإنسان للتقرب إلى الله فإن الله I لا يضيعه بل يكرمه، عندما سيرفع الرجال الأحمديون معاييرهم إلى معيار سيدنا إبراهيم u فسوف تنتقل تلك المعايير الروحانية إلى النساء والأولاد أيضا. فعندما يسعى كل رجل أن يتأسى بأسوة إبراهيم u ويسعى بذلك لرفع معيار وفائه، وعندما ستستعد كل سيدة للتأسي بأسوة السيدة هاجر، وسيستعد كلُّ شاب لاتخاذ فعل سيدنا إسماعيل أسوة له، فسوف ينزل عليكم غيث أفضال الله I وتحرزون إدراك القربان الحقيقي وقربِ الله نتيجة له وتتمتعون بقربه I أيضا.

الخادم البار للنبي r في هذا العصر الذي آمنا به لكي نساهم في النشأة الثانية للإسلام، خاطبه الله I في الوحي في عدة مواقع بإبراهيم. فإذا كنا قد آمنا بإبراهيم هذا لإحراز الرقي الروحاني وغلبة الإسلام في العالم، ورفْع لواء النبي r في العالم، فيجب على كلّ واحد منا أن يسعى ليكون إسماعيل وأن تكون كلُّ امرأةٍ هاجرَ. وإذا استعددنا لتقديم التضحيات من أجل الدين فسوف يفتح الله لنا سبلا جديدة كثيرة،  وسوف نساهم في تحقق الوعود التي قطعها الله I مع المحب المخلص للنبي r لرقي الإسلام. بدون التضحيات لن يحدث هذا الانقلاب على الواقفين الشباب أن يتقدموا ليكونوا دعاة ومبلغين، كما ينبغي أن يخدموا الجماعة في مجال الطب والهندسة أو في التدريس، ويقدموا التضحية، ويرفعوا معايير التضحيات، ولا يكتفوا بالاستمتاع بسماع القصص والوقائع القديمة فقط، فهي تُقرأ لكي نقتدي بها.

وحين نقوم بتضحية مشتركة نتمكن من تحقيق الهدف من بناء بيت الله وهو إقامة وحدانية الله التي من أجلها قدّم إبراهيم وهاجر وإسماعيل تضحيات وظهر بيتُ الله الأول كعلامة لوحدانية الله، وحينها سنتمكن من تحقيق الهدف من بعثة إبراهيم هذا الزمان والخادمِ الصادق للنبي r، وهو جمع العالم على دين واحد. ندعو الله تعالى أن يخلق فينا روح التضحية الحقيقية، وأن نكون ممن يقدّمون الدين على الدنيا دوما وأن يُرينا في عيد الأضحى القادم منازلَ جديدة من رقي الإسلام وأن نقدم تضحيات مقبولة تصلنا فيوضُها وبركاتها في الدنيا والآخرة. (آمين)

ثم وصى حضرته أيده الله تعالى بنصره العزيز بالدعاء لأولئك الأسرى الذين يواجهون صعوبات السجن والحبس من أجل الأحمدية فقط، ولأُسر الشهداء ، وواقفين الحياة والدعاة والدعاة المحليين أن يُوفوا بعهد الوقْف بروح التضحية، ثم للذين هم محاطون بمشاكل أن يرفع الله مشاكلهم ويزيل دواعي القلق عنهم. وللحماية من شر المشايخ النفعيين الذين أثاروا شرًّا في باكستان خاصةً وفي بعض البلاد الأفريقية أيضا. وادعوا لحماية الأبرياء من شر كل قوي شرير. وأن ندعو كثيرا لنكون محقّقين لهدف بعثة المسيح الموعود u، بأن ترفرف راية النبي r في العالم كله وأن يكون في الدنيا عمل. ينبغي أن ندعو عموماً أن نكون ورثة أفضال الله تعالى ورحمته جميعاً.