خطبة الجمعة   

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 22/06/2018

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

كان عمار بن ياسر ؓ من أوائل صحابة النبي ﷺ وأخلصهم، وكان والده “ياسر” ينحدر من قبيلة قحطان. كان موطنهم الأصلي هو اليمن. كان أبوه ياسر بن عامر قد قدم إلى مكة مع أخويه الحارث ومالك من اليمن يبحثون عن أخ لهم، فرجع أخواه الحارث ومالك، وأقام ياسر بمكة، وحالف أبا حذيفة‎ المخزومي، فزوَّجه أبو حذيفة بجاريته سمية، فولدت له عمارًا. لم يزل عمّار وأبوه وأمه مع أبي حُذيفة إلى أن مات أبو حذيفة وجاء الإسلام فأسلم ياسر وسُمية وعمّار وأخوه عبد الله بن ياسر.

يقول عمار بن ياسر ؓ: لقيت صهيب بن سنان ؓ على باب دار الأرقم، ورسول الله فيها، فقلت له: ماذا تريد؟ فأجابني: ماذا تريد أنت؟ قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول. قال: وأنا أريد ذلك. فدخلنا على رسول الله فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا من دار الأرقم، ونحن مستخفيان. فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلاً. وهناك رواية في صحيح البخاري أن عمار بن ياسر قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ.

يتحدث المصلح الموعود ؓ عن هؤلاء الصحابة الأوائل فيقول:

“لقد وفق الله تعالى لخدمة الإسلام أُناسًا كانوا مِن الأُسر العريقة، وأيضًا أناسًا كانوا من الفقراء البسطاء؛ فكان علي وحمزة وعمر وعثمان (ؓ) من أُسر عريقة جدًّا، بينما كان زيد وبلال وسمرة وخباب وصهيب وعامر وعمار وأبو فكيْهة (ؓ) مِن الطبقة الدنيا. إذًا، فقد اخْتِير خدام القرآن من كبار القوم ومن صغارهم أيضًا”.

وقال حضرته ؓ أيضا:

“وكانت سُميّة (رضي الله عنها) من الإماء المسلمات، وكان أبو جهل يؤذيها أذى شديدًا لترتد عن الإسلام، ولكنها ظلت متمسكة بإيمانها. فطعنها أبو جهل في فرجها وهو في ثورة الغضب، فاستُشهدت.

أما عمار، وكان ابنًا لسُميّة هذه (رضي الله عنهما) فكانوا يُلقونه على الرمال المحرقة ويعذبونه أشد التعذيب”.

عن عروة بن الزبير قال: كان عمّار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذّبون بمكة ليرجع عن دينه.

قال محمد بن عمر: والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة وليست لهم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم.

ويقول عمر بن الحكم: كان عمار بن ياسر، وصهيب وأبو فكيهة يعذّبون حتى لا يدرون ما يقولون والأعداء يضطرونهم إلى أن يقولوا ما هو ليس بحق.

وقال محمد بن كعب القرظي: أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجرّدًا في سراويل قال: فنظرت إلى ظهره فيه حبطٌ كثير، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة.

وقال عمرو بن ميمون: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، قال: فكان رسول الله ﷺ يمرّ به ويُمِرّ يده على رأسه فيقول: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا على عمّار كما كنت على إبراهيم.

ثم هناك رواية أخرى عن عثمان بن عفان قال: أقبلت مع رسول الله ﷺ آخذًا بيدي نتمشى بالبطحاء، حتى أتى على أبي عمار وأم عمار وعمار، وكانوا يعَذّبون، فقال أبو عمار: يا رسول الله الدهر هكذا؟ فقال له النبي ﷺ: اصبر ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلتَ، أي أن الله تعالى قد أخبر النبي ﷺ بأنه غفر لهم نتيجة تحملهم أوضاع العذاب التي كانوا يمرون بها.

وفي رواية: مرّ النبي ﷺ على آل عمار وهم يعَذَّبون فقال: اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. وفي رواية أنه ﷺ مرّ على آل ياسر.

روى عبد الله بن مسعود ؓ:  كان أول من أظهر إسلامه سبعة؛ رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله ﷺ فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه.

يمكن أن يكون قد حدث خطأ ما في العدد المذكور في بعض الروايات لأنه قد ورد قبل قليل أنه عند إسلام عمار كان 30 نفرًا قد قبل الإسلام. على أية حال، بحسب رواية عبد الله بن مسعود كان هذا هو عدد الذين قد أسلموا إلى ذلك الحين ولعلهم كانوا قد ظهروا للناس أكثر أو كانوا يواجهون التعذيب أكثر.

يقول عبد الله بن مسعود: وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالًا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَد. وقد قاسى عمار من العذاب أقساه، أخذوا يغطونه في الماء. أي يدخلون رأسه في الماء ويضربونه إلى جانب صنوف أخرى من التعذيب.

 هذا مَثله كمَثل تعذيب يعذبّ به الناسُ معارضيهم أو تعذّب بعض الحكومات أيضا المجرمين. على أية حال كان يعذَّب تعذيبا شديدا. وقد جاء في رواية: أتى عمار رسول الله ﷺ وهو يبكي… فجعل النبي ﷺ يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلتَ.

لقد ذكر مرزا بشير أحمد ؓ هذه الأحداث في كتابه: “سيرة خاتم النبيين” في ضوء الروايات بهذا الشأن فقال:كان بنو مخزوم يعذّبون عمارا وأباه ياسرا ووالدته سمية، التي كانت من قبل أمة لهم، تعذيبا ترتعد لهوله الفرائص. ذات مرة كانت فئة من هؤلاء المسلمين المخلصين معرَّضين لتعذيب جسدي ومرّ بهم النبي ﷺ صدفة فرآهم وقال: صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

مات ياسر ؓ نتيجة التعذيب، أما السيدة العجوز سمية فقد طعنها أبو جهل دون هوادة بحربة حتى نفذت من جسمها ووصلت إلى فرجها فلفظت هذه السيدة البريئة أنفاسها في الحال. وبعدها لم يبق على قيد الحياة إلا عمار ؓ، فعذبوه أيضا تعذيبا شديدا وآذوه إيذاء شديدا وقالوا له: سنظل نعذّبكم ما لم تكفر بمحمد (ﷺ) فتفوه عمار بعض الكلمات غير اللائقة مضطرا فتركوه. فجاء عمار إلى النبي ﷺ فورا وبدأ يبكي حتى أجهش بالبكاء، فسأله النبي ﷺ: ما يبكيك يا عمار؟ قال: يا رسول الله، قد آذاني الظالمون كثيرا حتى قلتُ بحقك كلمات غير مناسبة مضطرا. فقال ﷺ: كيف تجد قلبَك؟ قال: إن قلبي مؤمن كما كان وأحب الله ورسوله، فقال ﷺ: لا بأس إذًا، فقد غفر الله تقصيرك.

لقد أورد المسيح الموعود ؏ في كتابه “ينبوع المعرفة” بعض العبارات من كتاب ألفه هندوسي اسمه “بركاش ديو جي” حول سيرة النبي ﷺ، فنصح ؏ أفراد جماعته حينداك أن يشتروا هذا الكتاب ويقرأوه فهو تأليف شخص غير مسلم. ثم أورد بعض العبارات منه تلخيصا فقال: “كان (ﷺ) يتحمّل كيفما اتُّفِق له كل ما كان يُصَبّ عليه من المظالم ولكن قلبه كان ينخلع على مصائب أصحابه ويضطرب بشدة. كانت جبال المصائب تُصَبّ على المؤمنين المساكين. كان الكفار يذهبون بهم إلى الصحراء ويُلقونهم على رمال حارقة بعد أن ينـزعوا عنهم ملابسهم، وكانوا يضعون الحجارة على صدورهم فكانوا يضطربون في لهيب الحر حتى تخرج ألسنتهم من وطأة الثقل على صدروهم، وقد زهقت أرواح العديد منهم نتيجة هذا التعذيب. كان من هؤلاء المظلومين شخص اسمه عمار الذي يجب أن نسميه “حضرة عمار” لما أبداه من الصبر والجلَد على المظالم. كان الكفار يربطون يديه وقدميه ويلقونه على أرض ساخنة ذات حجارة ويأمرونه أن يشتم محمدا، وعومل أبوه العجوز أيضا المعاملة نفسها. إن زوجته المظلومة التي كان اسمها “سمية” لم تطق مشاهدة تلك المظالم وتفوهت بكلمات الاستغاثة، عندها نُزع اللباس عن جسم تلك السيدة المؤمنة والبريئة التي كان يُظلم زوجُها وابنها الشاب أمام عينيها، وأُوذيت بكل وقاحة إيذاء شديدا يخجل المرء من بيانه حتى لفظت تلك المؤمنة أنفاسها مضطربة اضطرابا شديدا نتيجة هذا التعذيب”.

هذا ملخصٌ أورده المسيح الموعود ؏ من كتاب هندوسي ألّفه حول سيرة النبي ﷺ وأصحابه.

قال: سفيان عن أبيه: أول من اتخذ في بيته مسجدا يصلى فيه عمار. ولما هاجر عمار بن ياسر من مكة إلى المدينة نزل على مبشر بن عبد المنذر. آخى رسول الله ﷺ بين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان. وأقْطع رسول الله ﷺ عمارَ بن ياسر موضع داره. قال عطاء بن رباح إن أبا سلمة وأمّ سلمة هاجرا إلى المدينة، ولما كان عمار حليفهما فذهب معهما. كان عمار بن ياسر أخا لأمّ سلمة من الرضاعة.

عن عكرمة أن عبد الله بن عباس قال له ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد الخدري واسمعا من حديثه، قال فانطلقنا فإذا هو في حائط له فلما رآنا أخذ رداءه فجاء فقعد فأنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد، قال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين قال فرآه رسول الله ﷺ فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال فجعل عمار يقول أعوذ بالرحمن من الفتن.

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما بنى رسول الله ﷺ مسجده جعل القوم يحملون وجعل النّبي ﷺ يحمل هو وعمار، فجعل عمار يرتجز ويقول: “نحن المسلمون نبتني المساجدا”. وجعل رسول الله ﷺ يقول: “المساجدا”.

كان سيدنا عمار مريضا قبل ذلك، قال البعض ليموتنَّ عمار اليوم، لأنه يعمل كثيرا، فهو عوفي من المرض حاليا ويعاني ضعفا شديدا، فعند سماع ذلك أسقط النبي ﷺ اللبنات من يد عمار وطلب منه أن يستريح، فكانوا لا يريدون حتى في الضعف الشديد أن يبقوا محرومين من الخدمة.

تقول السيدة أم سلمة، إن النبي ﷺ قال: إن عمارا سوف تقتله الفئة الباغية. لقد شارك سيدنا عمار بن ياسر النبيَّ ﷺ في غزوة بدر وأحد والخندق وسائر الغزوات، كما كان مشاركا في بيعة الرضوان، وهي البيعة التي أخذها النبي ﷺ من الصحابة عند الحديبية. فكان النبي ﷺ بعث سيدنا عثمان ؓ سفيرا له للتفاوض مع أهل مكة، فأمسكوه وشاع في المسلمين أن الكفار قتلوا سيدنا عثمان. فجمع النبي ﷺ المسلمين تحت شجرة السمر وقال لهم اليوم أريد أن آخذ منكم عهدا أنه لن يولي أحدكم دبره، وأنه سيخسر حياته ولن يبرح هذا المكان. يقال إن الصحابة عند سماع هذا الإعلان بدأوا يسارعون من أجل البيعة أو العهد. وأثناء البيعة وضع النبي ﷺ يده اليسرى على يمناه وقال هذه يد عثمان، لأنه لو كان هنا لما تأخر. باختصار تبين لاحقا أن الخبر كان زائفا، إذ عاد سيدنا عثمان ؓ، فحينئد كان المسلمون قد بايعوا النبيَّ ﷺ وعاهدوه أنهم سيموتون ولن يتخلفوا، وسوف يأخذون ثأر عثمان حتما. إذ قد قتلت قريش سفيرهم.

عن الحكم بن عتيبة قال: قدم رسول الله ﷺ المدينة أول ما قدمها وقت الضحى، فقال عمار بن ياسر: «ما لرسول الله ﷺ بد من أن نجعل له مكانا إذا استيقظ من قائلته، استظل فيه، وصلى فيه»، فجمع عمار حجارة فسوى مسجد قباء فهو أول مسجد بني، وعمار بناه.

عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تدبدب وهو يقاتل أشد القتال.

وعن طارق بن شهاب قال: قال رجل من بني تميم لعمار: أيها الأجدع. فقال عمار: خيرَ أُذُنَيَّ سبَبْتَ. أي الأذن التي قطعت أثناء القتال في سبيل الله، فأنت تطعنني فيها لكنها خير أذنيَّ.

عن خالد بن الوليد قال كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له في القول فانطلق عمار يشكوني إلى النبي ﷺ فجئته وهو يشكوني إلى النبي ﷺ، فجعلت أغلظ له، والنبي ﷺ ساكت لا يتكلم فبكى عمار وقال: يا رسول الله ألا تراه فرفع النبي ﷺ رأسه وقال من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله. فخرجتُ فما كان شيء أحب إلي من رضا عمار فلقيته واعتذرت إليه فرضي.

وتفصيل ذلك موجود في موضع آخر فعن الاشتر قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وكان عمار يرافقني فيها، فأصبنا أهل بيت قد كانوا وحدوا، فقال عمار: قد احتجز هؤلاء منا بتوحيدهم فلم ألتفت إلى قول عمار، وعاملتُهم معاملتي تجاه الآخرين، فقال لي عمار: أما أنا فسوف أخبر بذلك رسول الله ﷺ في اللقاء؟ ثم حين قابل عمار ؓ النبيَّ ﷺ أطلعه على ذلك كله، ولما رأى أن النبي ﷺ لم ينتصر مني أي لزم الصمت قام وعيناه تدمعان، فطلبني النبي ﷺ وقال: “يا خالد لا تسبَّ عمارا فإنه من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله ومن يسفِّه عمارا يسفِّهه الله”.

وعن عليٍّ ؓ قال: استأذن عمار على النبي ﷺ فقال: “ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب” هذا هو الشرف الذي أعطاه النبي ﷺ.

وعن عائشة رضي الله عنها أن عمارا ؓ كلما خُيِّر في أمرين اختار أكثرهما رشدا وهدى.

وعن عمرو بن شرحبيل ؓ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول إن عمارا مليء ايمانا إلى مشاشه.

أي هو غارق في الإيمان. وكان عمار ممن أعاذهم الله من الشيطان.

عن إبراهيم عن علقمة قال حين قدمت إلى الشام قال لي الناس كان أبو الدرداء يقول: أو لم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان على لسان النبي ﷺ قال يعني عمار.

لَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ فأخفى هذه المهمة مع أن الصحابة كانوا يُعدون لهذه المهمة ولكن لم يكن مُعلنًا أن الهدف هو مكة، ففي هذه المناسبة كَتَبَ أحد صحابةِ بدر حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ببساطته وسذاجتِه كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ وأرسله مع امرأة وافدة من مكة يُخْبِرُهُمْ بِما يتم من إعدادات للهجوم على مكة، وحين ذهبت تلك المرأة أخبر الله تعالى رسوله بذلك وحيا فبعث النبي ﷺ حضرة علي ؓ مع ثلاثة رجال من بينهم عمار بن ياسر ؓ لتعقّب تلك المرأة وأخذِ الكتاب منها. قال الخليفة الأول للمسيح الموعود ؓ في ذكر هذا الحادث: كانت امرأة تُدعى سارة وكانت تسكن في مكة وتعيش تحت رعاية بني هاشم، جاءت إلى المدينة في الأيام التي استعدّ فيها النبي ﷺ للخروج من أجل فتح مكة فسألها النبي ﷺ: هل فررت من مكة مسلمةً؟ فقالت: لا، لم آتِ مسلمةً بل إنني محتاجة ولأن أسرتك تراعيني دوما لذا أتيتُ إليك لأحصل على بعض المساعدة المالية، فأمر النبي ﷺ بعض الناس فأعطوها ملابس ونقودا وغيرها فرجعت إلى بلدها، وحين خرجت للعودة أعطاها حاطب، الذي كان من أصحاب بدر، عشرةَ دراهم وقال: أعطيك رسالة لتُبلغيها لأهل مكة، فقبِلت وأخذت الرسالة، وفي تلك الرسالة أخبر حاطب أهلَ مكة أن النبي ﷺ يريد الخروج على مكة فاحذروا، ولم تلبث تلك المرأة أن خرجت من المدينة حتى تلقى النبي ﷺ الخبر وحيا بأن المرأة ذهبت برسالة، فأمر عليا ؓ وعمارا ؓ مع بعض الأصحاب الآخرين ليأخذوا منها الرسالة، ويضربوها إن لم تعطها، فأدركوها وهي في طريقها فأنكرت وحلفت على أنه ليست لديها أية رسالة، فجرد علي ؓ سيفَه وقال: ما أُخبرنا كذبا لأن الخبر جاء بالوحي فلا بد أن تكون الرسالة معك، فَحَلّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا واسْتَخْرَجَتْ الرسالة مِنْهَا خوفا من السيف. وحين جاءت الرسالة وتبين أنها من حاطب دُعي حاطب وسأله النبي ﷺ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللهِ وَرَسُولِهِ مَا غَيّرْتُ وَلَا بَدّلْتُ، ولكن ذلك لأنه لا حامي وعائل لأقاربي في مكة فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي. فأراد عمر ؓ أن يقتله ولكن النبي ﷺ منعه من ذلك وقال: إن اللهَ أَبدى رضاه عن أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فكان هذا الخطأ بجهالة ولم يكن بنيّة الإساءة إلى المسلمين.

ولّى حضرة عمر ؓ عمارا بن ياسر ؓ على الكوفة، وبعث بكتاب إلى أهل الكوفة جاء فيه: “أما بعد، فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا، وابن مسعود معلمًا ووزيرًا، وقد جعلت ابن مسعود على بيت مالكم. وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ﷺ من أهل بدر، فاسمعوا لهما وأطيعوا، واقتدوا بهما. وقد آثرتكم بابن أم عبد الله بن مسعود على نفسي. وبعثت عثمان بن حنيف على السواد” (وهي منطقة في العراق سُمّيت بالسواد لخضرتها ونضرتها)، ثم عزل عمر ؓ عمار بن ياسر ؓ بسبب شكاوى أهل الكوفة. مرة سأل عمر ؓ فيما بعد عمارَ بن ياسر ؓ: هل ساءك عزلي إياك؟ فقال: ما دمت سألتَني فأقول: إنني كرهتُ يوم ولّيتني أيضا ولكن حين وُلّيتُ قبِلْتُ ذلك طاعةً وكرهتُ أيضا حين عزلتني. صحيح أنه كره ذلك ولكنه لم يَشْكُ بل أطاع طاعة كاملة حتى عند العزل ولم يقل شيئا، إلا حين سأله عمر ؓ بنفسه فبيّن ما كان في قلبه بصدق.

حين أثار المنافقون والطغاةُ الفتنةَ في المدينة ضد حضرة عثمان ؓ انخدع عمار بن ياسر ؓ أيضا ووقع في شراكهم بسبب بساطته ولكنه عمليا لم يشارك معهم في شيء. يقول المصلح الموعود ؓ عن ذلك:

“كان في المدينة ثلاثة أشخاص من أشياع المفسدين، أحدهم محمد بن أبي بكر الذي يقول عنه المؤرخون إن الناس كانوا يحترمونه نظرا إلى مكانة أبيه ؓ فكان يظن أن لشخصه أهمية، وإلا فما كانت له مكانة تُذكر في الدنيا كما لم يحظ بصحبة النبي ﷺ ولم يحصل بعد ذلك أيضا على تعليم الدين بصفة ملحوظة. وكان قد وُلد في أيام حجة الوداع وكان طفلا رضيعا عند وفاة النبي ﷺ. وكان قد بلغ من العمر أربع سنوات فقط حين توفِّي سيدنا أبو بكر ؓ فلم يقدَّر له أن ينال تربية على يد ذلك الإنسان العظيم.  والشخص الثاني هو محمد بن أبي حذيفة الذي لم يكن من الصحابة. قُتل أبوه يوم اليمامة، فتكفّل به عثمان ؓ فتربى عنده منذ صغره. وحين تولّى عثمان الخلافة طلب منه ابن أبي حذيفة منصبا ولكنه رفض ذلك. فاستأذنه ليخرج من المدينة فأذِن له فذهب محمد بن أبي حذيفة إلى مصر وشرع يحرض الناس على عثمان ؓ مع عبد الله بن سبأ وأشياعه. وحين خرج المصريون على المدينة رافقهم محمد بن أبي حذيفة إلى مكان ثم رجع فلم يكن موجودا في المدينة حين أثيرت الفتنة فيها. والشخص الثالث كان عمار بن ياسر الذي كان من الصحابة، والسبب في انخداعه بتحايل المفسدين كان عائدا إلى عدم إلمامه بأمور السياسة كما وضَّحَ المصلح الموعود ؓ.

لما بعثه سيدنا عثمان رضي الله عنه إلى مصر لفحص أحوال واليها ورفع تقريره عنه، استقبله عبد الله بن سبأ الذي سعى لإغرائه ضد والي مصر.  كان هذا الوالي في أيام كفره عدوًّا لدودا للرسول (صلى الله عليه وسلم) وكان قد أسلم بعد فتح مكة، ولذلك لم يلبث عمار أن وقع في فخ عبد الله بن سبأ وأصحابه (أي أن والي مصر كان معاديا للنبي صلى الله عليه وسلم في الماضي، لذلك لما تكلم عبد الله بن سبأ وأصحابه ضد هذا الوالي وضد سيدنا عثمان رضي الله عنه انخدع عمار بكلامهم وظن أن هذا الوالي ربما لم يدخل الإسلام بقلبه حتى اليوم وأنه يتصرف تصرفات خاطئة) على أية حال نجح معارضو الخلافة في جعل عمار يسيء الظن بوالي مصر ثم بسيدنا عثمان أيضا، ومع ذلك لم يشارك عمار رضي الله عنه في أيٍّ من أعمال التمرد ضد سيدنا عثمان. كان موجودا في المدينة عند هجوم أعداء الخلافة على المدينة لكنه ظل جالسا في بيته صامتا، ولم يشارك مع المتمردين في الفتنة، كما لم يتصدّ لهم أيضا. فتقصيره أنه لم يتصد للمتمردين ولم يمنعهم من الفساد رغم وجوده في المدينة، إلا أنه لم ينضم إليهم ولم يشارك معهم في أيٍّ من أعمال الفتنة، فهو بريء من هذه المفسدة تماما.

أما في عهد سيدنا علي فظل عمار مع علي (رضي الله عنهما)، وشارك معه في حرب الجمل وحرب صفين. روى أبو عبد الرحمن السلمي أن عمارًا كان مع علي رضي الله عنهما في معركة صفين. رأيت عمار بن ياسر حيثما توجه في المعركة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعونه، فكأنه عَلَمٌ لهم.

وروى  أبو عبد الرحمن عبد الله السلمي: رأيت عمار بن ياسر في معركة صفين (معركة صفين هي الحرب التي دارت بين سيدنا علي والأمير معاوية الذي كان والي الشام) وهو شيخ كبير، وكان حنطي اللون، وكان بيده رمح، وكانت يده ترتعش وهو يقول: والذي نفسي بيده لقد شاركت بهذا الرمح في ثلاث غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الحرب الرابعة، وأيم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمتُ أنا على الحق وأنهم على الباطل.

وروى أبو البخترى أن عمار بن ياسر قال يوم صفين ائتوني باللبن، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: “هذه آخر شربة تشربها من الدنيا” فأتي به فشربه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.

وفي رواية أنه لما أتي باللبن ضحك وقال لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذه آخر شربة تشربها من الدنيا”. فكان عمار مسرورا بأنه سيستشهد اليوم.

وقال عمار يوم صفين: الجنة تحت (السيوف) البارقة، الظمآن قد يرد الماء المأمور، وذا اليوم ألقى الأحبة، محمدا وحزبه.

وروى عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، أنه قال وهو يسير إلى صفين على شط الفرات: اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلتُ، ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن أوقد نارًا عظيمة فأقع فيها فعلتُ، اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلتُ، فإني لا أقاتل إِلا أريد وجهك، وأنا أرجو ألا تخيبني وأنا أريد وجهك.

وكان الذي قتل عمار بن ياسر أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه؛ فأقبلا يختصمان فيه، كلاهما يقول: أنا قتلتُه. (وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه قد انضم إلى حزب معاوية لسوء فهم حصل منه، ولكن كان فيه صلاحٌ ظَهَرَ في تلك المناسبة حيث قال: واللهِ، إنْ تختصمان إلا في النار. فسمعها منه معاوية؛ فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيتُ مثلما صنعتَ! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلَمه، ولوددتُ أني مِتُّ قبل هذا بعشرين سنة، أي لم أر هذه الأمور ولم نتحارب هكذا).

قُتل عمار رضي الله عنه بصفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنة سبع وثلاثين الهجرية وهو ابن ثلاث وتسعين سنة ودفن هناك. وفي راوية وهو ابن واحدة وتسعين.

وروى يحيى بن عابس أنه لما استشهد عمار بن ياسر قال ادفنوني في ثيابي هذه لأني سأطلب ثاري. فدفنه علي رضي الله عنه في ثيابه.

وروى أبو إسحاق: صلى علي (رضي الله عنه) على عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة، فوضع جثة عمار قريبًا منه وبعدها جثة هاشم، وكبّر عليهما ستًا أو سبعا.

فهؤلاء هم الصحابة الذين حاربوا دفاعا عن الحق وأزهقوا نفوسهم في سبيل الحق. رفع الله درجاتهم. آمين.  قد بقيت عندي واقعات وروايات أخرى عنهم وسوف أذكرها فيما بعد إن شاء الله.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز