خطبة الجمعة   

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 31/08/2018

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

كان عمير بن أبي وقاص صحابيا بدريا، واسم أبيه أبو وقاص مالك بن وُهيب،  وأخوه سعد بن أبي وقاص الزهري، وأمه حمنة بنت أبي سفيان، وكان من المسلمين الأوائل. واستشهد ببدر عام 2 من الهجرة. كان من قبيلة بني زهرة. شهد بدرا واستُشهد فيها. وقد آخى النبي ﷺ بينه وبين عمرو بن معاذ رضي الله عنهما. وعند البعض آخى ﷺ بين عمير بن أبي وقاص وخبيب بن عدي رضي الله عنهما.

يقول مرزا بشير أحمد ؓ في كتابه “سيرة خاتم النبيين” في بيان اشراكه في غزوة بدر واستشهاده: أمر النبي ﷺ بالنـزول على بُعد مسافة بسيطة بعد خروجه من المدينة وتفقد الجيش، وأعاد الأطفال الصغار الذين جاؤوا معه راغبين في صحبته. كان عمير، الأخ الأصغر لسعد بن أبي وقاص، أيضا صغير السن، فحين سمع أن الصغار أُمروا بالعودة اختبأ في الجيش حتى عُثر عليه واستصغره النبي ﷺ وأمره بالعودة، فبكى، فأجازه ﷺ نظرا إلى شوقه العارم.

وفي رواية عن سعد عن أبيه ما مفاده: رأيت أخي قبل أن يعرضنا رسول الله ﷺ عند المسير إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: أخاف أن يستصغرني رسول الله فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة! فمثُل أمام النبي ﷺ واستصغره وأمره بالعودة لصغر سنه فبكى عمير، فأجازه النبي ﷺ. كان سيفه طويلاً، كما جاء في رواية، فعقد عليه النبي ﷺ حمائل سيفه، وكان عمرُه حين قُتل في بدر ست عشرة سنة.

أقول: يبدو أن قامته في سن ست عشرة سنة كانت قصيرة. والمعلوم أن النبي ﷺ لم يأذن للأولاد الصغار بالاشتراك في الحرب حينذاك.

الصحابي الآخر الذي سأذكره اليوم هو قطبة بن عامر الأنصاري، ووالده عامر بن حديدة، وقد توفي في عهد عثمان ؓ. وأمه زينب بنت عمرو وزوجته أمّ عمرو، وكانت له منها بنت اسمها أمّ جميل. وشهد بيعة العقبة الأولى والثانية. كان قطبة بن عامر أحد الصحابة الستة من الأنصار أوائل المؤمنين في مكة إذ لم يؤمن قبلهم أحد من الأنصار.

لقد ذُكر حادث إيمانه في “سيرة خاتم النبيين” كما يلي: في شهر رجب سنة 11 من البعثة لقي وفدٌ من المدينة النبيَّ ﷺ في مكة، فسألهم عن نسبهم فقالوا: نحن من قبيلة الخزرج وجئنا من يثرب. فقال لهم النبي ﷺ بصوت ملؤه الحب واللطف: هل لكم أن تسمعوا مني شيئا؟ قالوا: بلى، فماذا تقول؟ فدعاهم النبي ﷺ إلى الإسلام، وتلا عليهم بعض الآيات من القرآن الكريم وأطلعهم على مهمته. فرأى بعضهم إلى بعض، وقالوا: هذا والله الذي تهددكم به يهود فلا يسبقونا إليه، وأسلموا جميعا. كانوا ستة نفر، وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة من بني النجار وكان أول المصدقين، وعوف بن الحارث من بني النجار،  قبيلة جد النبي ﷺ عبد المطلب من ناحية الأمّ. ورافع بن مالك من بني زريق. وقطبة بن عامر وكان من بني سلمة، وعقبة بن عامر من بني حرام، وجابر بن عبد الله بن رئاب الذي كان من بني عبيد. ثم انصرفوا وقالوا للنبي ﷺ عائدين إلى وطنهم ما مفاده: الحروب الأهلية قد أنهكتنا كثيرا، وفينا خلافات كثيرة، وسنبلغ إخواننا في يثرب دعوة الإسلام، لعل الله يجمع بيننا بواسطتك، فسنكون مستعدين لنصرتك. فذهبوا ولم يبق دار من دور يثرب إلا ذُكر فيها الإسلامُ بكثرة.

أقول: يُتَّهم الإسلام بأنه سبب الفُرقة، وأنه السبب وراء الخلافات. بينما الحق أن هؤلاء الناس قالوا بإمكانية زوال الفُرقة بواسطة الإسلام، وهذا ما حدث على صعيد الواقع، وصار هؤلاء القوم إخوة فيما بينهم. لقد قلتُ في الخطبة الماضية أيضا أن الأخوة الحاصلة بينهم كانت تؤلم الأعداء كثيرا فحاولوا خلق الفُرقة بين المسلمين ولكن بسبب قوة النبي ﷺ القدسية ونصحه المسلمين توطدت الأخوة بينهم من جديد.

كان قطبة رضي الله عنه يُعَدّ من الرماة المحنكين بين الصحابة. شهد بدرا وأُحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ، وكانت معه راية بني سلمة في غزوة الفتح، وجرح يوم أُحد تسعة جروح. ورمى يوم بدر حجرًا بين الصفين، وقال: لا أفر حتى يفر هذا الحجر. (هذا تعبير عن شجاعته الكبيرة) وقد اشترك أخوه يزيد بن عامر في بيعة العقبة مع سبعين نفرا من الأنصار. وشهد يزيد بدرا وأُحدا وكان أولاده في المدينة وبغداد أيضا. قال أبو حاتم أنّ قطبة بن عامر: توفي في عهد عمر ؓ، وقال ابن حبان أنه توفِّي في عهد عثمان رضي الله عنهما.

الصحابي الثالث الذي سأذكره هو شجاع بن وهب بن ربيعة، واستشهد يوم اليمامة. ويسمى شجاع بن أبي وهب أيضا. كانت قبيلته حليفة بني عبد شمس. كان شجاعٌ طويل القامة، نحيف الجسم كثيف الشعر. ويُعد من الصحابة العظام الذين لبّوا دعوة النبي ﷺ في أوائل أيام الإسلام. بعد ست سنين من البعثة هاجر إلى الحبشة بأمر النبي ﷺ في الهجرة الثانية. وعاد إلى مكة لما بلغهم أن أهل مكة أسلموا. وبعد فترة من الزمن حين أذن النبي ﷺ للصحابة بالهجرة إلى المدينة هاجر شجاع مع أخيه عقبة بن وهب تاركا أرض مكة. شهد المشاهد كلها مع رسول الله ﷺ، وآخى رسول الله بينه وبين ابن خولي (أوس بن خولي). واستُشهد يوم اليمامة عن عمر يربو على أربعين عاما.

بعد العودة من غزوة الحديبية بعث النبي ﷺ رسائل إلى معظم السلاطين يدعوهم إلى الإسلام. رُوي عن عبد الرحمن ؓ أن رسول الله ﷺ قام ذات يوم على المنبر خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه وتشهَّد، ثم قال: “أما بعد، فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى”. فقال المهاجرون: والله لا نختلف عليك في شيء، فمُرنا وابعثْنا. فبعث رسول الله ﷺ شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني الذي كان زعيم الغوطة (قرب دمشق) وبعث معه كتابا فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك”.

قال شجاع ؓ: فخرجتُ حتى انتهيت إلى بابه، فأقمتُ يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسولُ رسولِ الله  ﷺ إليه: فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا، وجعل حاجبه يسألني عن رسول الله ﷺ وما يدعو إليه، فكنت أحدثه فيرقّ حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبيّ بعينه فكنت أراه أي أظنه يخرج بالشام، فأراه قد خرج بأرض القرظ… فأنا أؤمن به وأصدقه، وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني. فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي، ويخبرني عن الحارث باليأس منه. ويقول: هو يخاف قيصر. فخرج الحارث يوما وجلس وعلى رأسه التاج وأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله ﷺ فقرأه، ثم رمى به، ثم قال: من ينـزع مني ملكي، أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته. عليّ بالناس. فلم يزل جالسا يُعرض عليه حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل، ثم قال لي: أخبر صاحبك بما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره الخبر (أي أنه أرسل إلى قيصر ملك الروم رسولا وكتب إليه الأحوال كلها بما فيها أن رسولا جاء إليه ودعاه إلى الإسلام) وصادف أن وصلت رسالة الحارث بن شمر إلى قيصر حين كان دحية الكلبي ؓ، مبعوث رسول الله ﷺ عنده. فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسِرْ إليه وَالْهَ عنه… فَلَمّا جَاءَهُ جَوَابُ كِتَابِهِ دَعَانِي فَقَالَ مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى صَاحِبِك؟

قلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهبا، ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة، وقال لي ذلك الحاجب: اقرأ على رسول الله ﷺ مني السلام وأخبره أني متبع دينه.

قال شجاع: فقدمت على النبي ﷺ فأخبرته بما كان من الحارث، قال بادَ: أي هلك ملكه، وأقرأته السلام من الحاجب وأخبرته بما قال، فقال رسول الله ﷺ صدق.

كل هذه التفاصيل واردة في السيرة الحلبية. لقد جمع حضرة مرزا بشير أحمد ؓ المعلومات من شتى الكتب حول هذا الموضوع فأذكر لكم ما زاده حضرته إذ كتب: الرسالة الدعوية الخامسة (فهناك لم يُذكر رقم الرسالة) كُتبتْ إلى الحارث بن أبي شمر والي غسان، كانت ولاية غسان متصلة بالعرب من الشمال، وكان زعيمها تابعا لقيصر، فلما وصل حضرة شجاع بن وهب إلى هناك كان الحارث مشغولا في الاستعداد للاحتفال بفتح قيصر الروم، فقبل لقاء حضرة شجاع بن وهب بالحارث التقى بحاجبه والمسؤول عن لقاء الحارث وكان رجلا طيبا، وحين سمع عن النبي ﷺ من لسان حضرة شجاع صدَّقه إجمالا. باختصار بعد انتظار بضعة أيام (تكرر بيان الواقعة نفسها) تسنى لشجاع بن وهب ؓ الوصول إلى بلاط رئيس غسان، فقدم إليه رسالة النبي ﷺ فرمى بها الحارثُ غاضبا بعد قراءتها، وليس ذلك فحسب بل قد أمر الجيش بالاستعداد للهجوم، (كما ذكر سابقا) وأرسل رسالة إلى قيصر أيضا وأخبره أنه يريد الهجوم، فنهاه قيصر عن ذلك وكتب إليه أن يقابله بإيلياء أي بيت المقدس، باختصار انتهت القضية هنا.

نقرأ في كتب الحديث والتاريخ أن الخوف ظل يسود المدينة متى يهاجم الغساسنةُ المسلمين، وهذا الخوف دام مدة طويلة، بسبب الرد الذي أبداه الحارث للصحابي.

في ربيع الأول من العام الثامن للهجرة تلقَّى النبي ﷺ الخبر أن بني عامر، وهم فرع هوازن، يستعدون للهجوم على المسلمين، فأمر النبي ﷺ حضرة شجاع أن يخرج برفقة 24 صحابيا لمقاومتهم. فكان بنو عامر مقيمين في الخيمة في مكان بين مكة والبصرة على مسافة خمس ليال من المدينة، فخرج حضرة شجاع مع الصحابة حيث كانوا يمشون ليلا ويتخفون نهارا، حتى باغتوا بني عامر صبيحة يوم. فذُعروا حين رأوا المسلمين قد وصلوا إليهم فجأة، ومع أنهم كانوا قد خرجوا بنية الهجوم بعد استعداد وكان معهم جيشٌ، لكنهم هربوا فزعين تاركين كل شيء خلفهم. فأمر حضرة شجاع المجاهدين بعدم ملاحقتهم، وأخذوا الغنائم من الإبل والغنم إلى المدينة بحسب العادة السائدة في ذلك العصر، ويمكن أن نقدِّر كثرة الغنائم حيث وجد كل مجاهد 15 جملا، إضافة إلى الأمتعة الأخرى إذ كان الأعداء قد أتوا بكل عدة، وكانوا مزوَّدين بكل ما يلزمهم.

الصحابي الآخر الذي سأذكره اليوم هو شماس بن عثمان، وقد مرَّ ذكرُه بإيجاز في إحدى الخطب الماضية. وأبوه عثمان بن الشريد وتوفي شماس في العام الثالث من الهجرة. اسمه عثمان ولقبه شماس واشتهر بهذا اللقب، وكان من بني مخزوم وكان من أوائل المسلمين.

لقد كتب ابن هشام عن سبب تسميته بشماس:

اسمه عثمان بن عثمان، وإنما سمي شماسا، لأن شماسا من الشمامسة- والشماس لقب يطلق على الخادم في الكنيسة عند النصارى- قدم مكة في الجاهلية وكان وسيما فعجب الناس من وسامته فقال عتبة بن ربيعة وكان خال عثمان: أنا آتيكم بشماس أحسن منه. فجاء بابن أخته عثمان فسمي شماسا.

ويُذكر سبب آخر لتسميته بشماس وهو بياض وجهه مع حمرة وكأنه يشبه الشمس. فاشتهر باسم شماس. كان حضرة شماس بن عثمان ووالدته حضرة صفية بنت ربيعة بن عبد شمس ممن شاركوا في الهجرة الثانية إلى الحبشة. وكانت والدة حضرة شماس أختَ سيدَي قريش عتبة وشيبة اللذين قُتلا في غزوة بدر. وبعد العودة من الحبشة هاجر حضرة شماس بن عثمان إلى المدينة، وأقام هناك عند حضرة مبشر بن عبد المنذر، يقول سعيد بن المسيب أن حضرة شماس بن عثمان أقام عند حضرة مبشر بن المنذر إلى أن استُشهد في غزوة أحد. لقد آخى النبي ﷺ بين شماس بن عثمان وحضرة حنظلة بن أبي عامر، كان اسمُ ابن حضرة شماس حضرةَ عبد الله، واسم زوجته أم حبيب بنت سعيد، وكانت من أولى المسلمات المهاجرات.

لقد شارك حضرة شماس بن عثمان في بدر وأُحد، وقد قاتل في أُحد بمنتهى الشجاعة، وقال النبي ﷺ إني لوجدت شماسا كجُنة.

وكان رسول الله ﷺ لا يرمي ببصره يمينا ولا شمالا يومئذ إلا رأى شماسا في ذلك الوجه يذب بسيفه عنه حتى غشي رسولَ الله ﷺ القومُ فترس بنفسه دونه حتى أُصيب فحُمل إلى المدينة وبه رمق فأدخل على عائشة فقالت أم سلمة: ابن عمي يدخل على غيرى فقال رسول الله ﷺ احملوه إلى أم سلمة فحمل إليها فلفظ أنفاسه عندها فأمر رسول الله ﷺ أن يُرد إلى أُحد فيدفن هنالك كما هو في ثيابه التى قُتل فيها بعد أن مكث يوما وليلة إلا أنه لم يأكل ولم يشرب. وكان عمره عند الشهادة 34 سنة.

ثم هناك صحابي آخر اسمه حضرة أبي عبس بن جبر بن عمرو، وتوفي في عام 34 عن عمر يناهز 70 سنة، كان اسمه عبد الرحمن ويكنى بأبي عبس، وكان من قبيلة بني حارثة من الأنصار، وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى، وسمّاه النبي ﷺ بعد إسلامه عبد الرحمن، وذلك لأن العزى اسم أحد الأوثان، ولقد شارك النبيَّ ﷺ بدرا وسائر الغزوات، وكان ممن قتلوا كعب بن الأشرف اليهودي، وكان النبي ﷺ قد آخى بين حضرة أبي عبس ؓ وحضرة أنيس. توفي في عام 34 عن عمر يناهز 70 سنة، كان كثيرٌ من أولاده في مكة، صلَّى جنازته سيدنا عثمان ؓ، ودُفن في جنة البقيع. هناك رواية عن حضرة أبي عبس بن جبر أنه كان يعرف كتابة اللغة العربية قبل الإسلام أيضا، مع أن معرفة الكتابة في العرب كانت نادرة. حين أسلم حضرة أبي عبس وحضرة أبي بردة بن نيار كسرَا كلاهما أوثان بني حارثة. وكان يرسله سيدُنا عمر وعثمان رضي الله عنهما لجمع الصدقات، أي كان مسؤولا عن الأموال. في زمن النبي ﷺ كان قد عشا بصره، فقال النبي ﷺ مسلِّما إياه العصا استنرْ بها، وكانت تلك العصا تنوِّر الطريق أمامه. يمكن أن يكون المراد منه أن يستخدم تلك العصا على شاكلة العميان ويستعين بها، ويمكن أن يصدر منها نور أيضا، وكان ضعيف البصر ويستخدمها لأن النور كان يخرج منها. إذ نجد في بعض الروايات أن نورا كان يخرج أحيانا من عِصيِّ بعض الصحابة أثناء سفرهم ليلا. وهناك رواية أن ثلاثة من صحابة المسيح الموعود ؏ كانوا يسافرون في ليل داجٍ فأراهم الله هذا المشهد أيضا حيث كان النور يتقدمهم.

يقول ابن أبي عبس ؓ أن أبا عبس ؓ كان يصلي خلف النبي ﷺ ثم كان يذهب إلى قبيلته بني حارثة. ذات مرة وأثناء عودته إلى بيته في ظلمة الليل وتحت هطول المطر أيضا، بدأ نورٌ يخرج من عصاه، وتنور الطريق. في مرضه جاءه سيدنا عثمان ؓ للعيادة فوجده مغشيا عليه، فلما أفاق سأله عثمان ؓ في أي حال تجد نفسك؟ فقال أراني في حال حسن، إلا أن عقالا كان قد ضاع خطأ من العمال وإلى الآن لم أتخلص من هذا الإحساس. فهكذا كان العمال، وكما ذكرتُ لكم كان حضرته يرسَل لجمع الصدقات والتبرعات، وهذا مستوى مسؤوليته أنه إلى آخر أنفاسه كان يضطرب لضياع عقال منه خطأ. فكان يخشى حتى في مرض الموت أن يجلب عليه ذلك العقال ابتلاء يوم القيامة، فهذه كانت معايير إيمانهم وخشْيتهم الله.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا كَانَ أَحَدٌ أَشَدَّ تَعَجُّلًا لِصَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ أَبْعَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ دَارًا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ دَارُ أَبِي لُبَابَةَ بِقُبَاءَ أَوْ دَارُ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ فِي بَنِي حَارِثَةَ ثُمَّ إِنْ كَانَا لَيُصَلِّيَانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ ثُمَّ يَأْتِيَانِ قَوْمَهُمَا وَمَا صَلَّوْهَا لِتَبْكِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا.

وهذا معيار مشْيهم السريع أيضا، أنهم كيف كانوا يصلّون خلف النبي ﷺ بقطع المسافة.

عن عبد الله بن عبس قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ.

فالذين يجاهدون في سبيل الله ويواجهون المشقة في سبيل الله ويبتغون رضا الله تعالى وكذلك الذين يسافرون للدعوة إلى الله، والذين يحضرون المسجد للصلاة جماعةً بقطع مسافة طويلة، يشملهم جميعا موضوعُ هذا الحديث أي يقول الله تعالى قد حرَّمت عليهم النار.

ثم كان من الصحابة أبو عقيل بن عبد الله الأنصاري ؓ، واسم أبيه عبد الله بن ثعلبة، توفي في 12 للهجرة في حرب اليمامة، واسمه عبد الرحمن الإراشي وكان اسمه القديم عبد العزى وبعد إسلامه سمّاه النبي ﷺ عبدَ الرحمن. وكان من بني أنيف وهو فرع لقبيلة بَلِيّ حليف بني جَحْجَبي بن كُلْفَة. كنيته “أبو عقيل” وغلبت عليه كنيته، شهد بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلَّها مع رسول الله ﷺ، قُتل يوم اليمامة شهيدًا في خلافة أبي بكر الصّديق سنة اثنتي عشرة.

حادث قبوله الإسلام ورد كالآتي، حين هاجر النبي ﷺ من مكة وجاء المدينة أتاه ذات يوم شابٌّ وقبِل الإسلام وتشرف ببيعة النبي ﷺ وأبدى نفوره الشديد من الأوثان فسأله النبي ﷺ ما اسـمك؟ فقال: عبد العزى، فقال النبي ﷺ اسمك من اليوم عبد الرحمن، فقبِل ذلك وقال للجميع: لم أعُد عبد العزى بل الآن أنا عبد الرحمن.

ومن أجداده رجل اسمه إِرَاشة بن عامر ونسبةً إليه يُسمى ؓ الإراشي، كان من الصحابة الذين عملوا طول الليل وتصدقوا بما كسبوا تلبية لدعوة النبي ﷺ للصدقة. ورد في صحيح البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا وَمَا فَعَلَ هذَا الآخَرُ إِلَّا رِئَاءً فَنَزَلَتْ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة 79) أي الذين يلمزون المتطوعين رغم تضحيتهم المخلصة هم المنافقون الذين سيعذبهم الله تعالى. ما أعجب هذه المشاهد التي أظهرها الصحابة لنيل رضوان الله تعالى وما أعظم سعيهم، تقبّل الله تعالى أعمالهم وأمر الآتين من بعدهم أن يتأسوا بأسوتهم.

بيَّن العلامة ابن حجر العسقلاني تفصيل هذا الحادث وقال: يُسمّى صاحبَ الصاع، أي يُسمّى أبو عقيل صاحبَ الصاع، جاء عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله ومن الأنصار الفقراء تقدّم أبو عقيل وقال يَا نَبِيّ الله بِتُّ أَجُرّ الْجَرِير عَلَى صَاعَيْنِ مِنْ تَمْر، فَأَمَّا صَاع فَأَمْسَكْته لِأَهْلِي وَأَمَّا صَاع فَهَا هُوَ ذَا. وفي بعض الروايات جاء بنصف الصاع وأمسك النصف الآخر لأهله، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنْ كان الله وَرَسُوله لَغَنِيَّيْنِ عَنْ صَاع أَبِي عَقِيل، فَنَزَلَتْ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)

وهو الصحابي الأنصاري الذي ضرب مسيلمة الكذاب الضربة الأخيرة، قال ابن سعد: لما كان يوم اليمامة واصطف الناس للقتال كان أول الناس جُرِحَ أبو عقيل الأنيفي، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده فشطب في غير مقتل، فأخرج السهم ووهن له شقه الأيسر لما كان فيه، وهذا أول النهار، وجر إلى الرحل فلما حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم وأبو عقيل واهن من جرحه سمع معن بن عدي يصيح بالأنصار: الله الله والكرة على عدوكم، وأعنق معن يقدم القوم وذلك حين صاحت الأنصار: أخلصونا أخلصونا، فأخلصوا رجلا رجلا يميزون. إنما كان هدفهم أن يقاتلوا مجتمعين ويتقدموا بشجاعة ويهاجموا العدو بحيث تثبتُ أقدام المسلمين جميعا وترتفع هِـمّتهم. قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل قومه، وكان له وهن وجرح ومع ذلك نهض، فقلتُ: ما تريد يا أبا عقيل؟ ما فيك قتال، قال: قد نوه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت إنما يقول يا للأنصار لا يعني الجرحى، أي ينادي أولئك الذين يقدرون على القتال، قال أبو عقيل: دعا الأنصار وأنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه رغم جرحي ولو حبوا.

قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى مجردا ثم جعل ينادي: يا للأنصار كرة كيوم حنين. فاجتمعوا رحمهم الله جميعا يقدمون المسلمين دربة دون عدوهم حتى أقحموا عدوهم الحديقة فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل وقتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقعت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت: أبا عقيل، فقال: لبيك، بلسان ملتاث، لمن الدبرة؟ قال: قلت أبشر، أي انتصر المسلمون، ورفعتُ صوتي، قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله. قال ابن عمر: فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كله فقال: رحمه الله ما زال يسأل الشهادة ويطلبها وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبينا، صلى الله عليه وسلم، وقديم إسلام. هذه كلمات عمر ؓ، رفع الله تعالى درجات جميع الصحابة، (آمين).

سأصلي صلاة الغائب على مرحومَين، أولهما مولانا عبد العزيز صادق الداعية في بنغلاديش الذي توُفّي في 26 تموز 2018م، إنا لله وإنا إليه راجعون. ذهب إلى قاديان للدراسة حين كان في الصف الرابع حيث حظي بالنشأة في صحبة صحابة المسيح الموعود ؏. بعد انقسام الهند وباكستان أُمر طلاب الجامعة الوافدون من البلاد الأخرى أن يعودوا إلى بلادهم، فعاد المرحوم إلى بنغلاديش ولكنه ظل يحنّ للعودة إلى المركز، فخرج من كولكتا إلى دلهي في ظروف خطيرة، وأثناء السفر استغرب الهندوس والسيخ أن شابًّا مسلما يسافر بالقطار دونما خوف في مثل هذه الظروف. باختصار، بعد وصوله دلهي حجزت له الجماعة في دلهي تذكرةَ الطائرة إلى لاهور -كانت باكستان الشرقية والغربية بلدا واحدا حينها- فوصل ربوة بـخير. أكمل دراسته في الجامعة هناك وبعدها التحق بجامعة المبشرين لثلاث سنوات، وحاز على شهادة “شاهد”، ثم نال شهادة “مولوي فاضل” من جامعة بنجاب وجامعة بيشاور، وبعد ذلك عُيِّنَ داعيةً في جماعة “سـمندري” في محافظة فيصل آباد. وفي 1963-64 عُيِّن في البنغال الشرقية حيث عمل في فروع الجماعة المتعددة.

شكّل خليفة المسيحِ الثالثُ رحمه الله تعالى لجنةً لترجمة القرآن الكريم إلى اللغة البنغالية، فأُضيف إليها اسمُ مولانا عبد العزيز أيضا بشفاعة من قاضي محمد نذير المحترم، وكان يعمل في هذه اللجنة مع السيد مظفر الدين البنغالي والمولوي محمد أمير البنغالي، فمكث في ربوة لهذه الترجمة، وبعد انتقال السيد محمد أمير إلى دكّا وبعد وفاة الشودري مظفر الدين أُرسِل إلى دكّا لهذا العمل في 1979م، وبعد وفاة المولوي محمد أنـجز هذا العمل وحده وأخيرا تمت طباعة ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البنغالية بمناسبة اليوبيل المئوي للجماعة. خدم المرحوم في طول البلاد وعرضها كداعية في أماكن متعددة، وقام بأعمال التعليم والتربية والتبليغ، وتعرض للضرب من قِبل الأعداء عدة مرة، وتشرّف بالأسر في سبيل الله، وفي 1992م شنّ أعداء الجماعة هجوما على مركز الجماعة في سوق “بـخشي” بدكّا فواجههم وحده بشجاعة وأصيب بجروح كثيرة في جسده بما فيه الرأس. ترك في ذويه زوجته وثلاث بنات وابنَين وكثيرا من الأحفاد والأسباط، بناته الثلاث في بنغلاديش وأحد ابنَيه يقيم في أمريكا والثاني حبيب الله صادق يقيم في بريطانيا ويعمل في أيم تي إيه قسم الأنباء. رفع الله درجات المرحوم ووفق أولاده لمواصلة حسناته، (آمين).

الجنازة الثانية للسيد محمد ظفر الله الشهيد ابن السيد بشارت أحمد من “سيِّد والا” بمحافظة ننكانه. في 29 أغسطس هاجم اللصوص محله عند المغرب وأطلقوا عليه النار مما أدى إلى استشهاده، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وتفصيل ذلك هو أن ستة لصوص مسلحين بكثير من الأسلحة الجديدة سطوا على محل المجوهرات خاصته بالدراجات، ونهبوا المحل وبعد ذلك أطلقوا النار بكثافة في الخارج وأُصيب أحد المشاة أيضا فلقي حتفه، وأثناء فرارهم بعد نهب المال أطلقوا ثلاث رصاصات على محمد ظفر الله فلقي حتفه حالا، حينها كان في محله بعض الناس الآخرين أيضا ولكن اللصوص استهدفوا السيد ظفر الله فقط، لأنهم يرون أنه أحمدي فلو قتلوه لن يتأثروا بل سينالون ضعفين من الأجر. كان المرحوم خلوقا للغاية ودمثَ الأخلاق ومضيافًا، لذلك جاء كثير من الناس للتعزية في وفاته وكان من الـمعزِّين الكثير من غير الأحمديين. كان الشهيد يحب الخلافة جدا ويلبي كل ما دعا إليه الخليفةُ، ويلتزم بالصلوات في الجماعة، وكان منخرطا في نظام الوصية وشجاعا وجريئا، وكان يخدم الجماعة كسكرتير التعليم في سَيِّدْ وَالَا، وكان عمره ثلاثين عاما، وكان قد تزوّج قبل سنتين ونصف، وله ولدٌ هو محمد طلحة البالغ سنة ونصف من عمره، ترك المرحوم في ذويه ابنا والوالدين وأخا وخمس أخوات. رفع الله تعالى درجات المرحوم ورزق جميع ذويه الصبر والسلوان ووفقهم لمواصلة حسناته، آمين.

******

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز