خطبة الجمعة   

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 7/09/2018

بمناسبة الجلسة السنوية في ألمانيا

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

تبدأ اليوم بفضل الله تعالى الجلسة السنوية في ألمانيا ويوفقنا الله تعالى لحضور جلسة سنوية أخرى. ما هي الجلسة السنوية؟ نسمع منذ سنوات بل منذ أن بدأت الجلسات السنوية تُعقَد قبل قرن وربع أنّ المسيح الموعود ؏ قال مبيِّنًا هدفَ الجلسة السنوية أنها ليست مهرجانا دنيويا ولا اجتماعا لمصالح دنيوية أو لإراءة الناس عددَنا ولا للتأثير الدنيوي في العالم، بل يجب أن يجتمع الحضور فيها لوجه الله تعالى خالصا لكي يُرووا عطشهم للعلم والروحانية ويستفيضوا منهما، كما يعرفوا حقوق عباد الله تعالى ويسعوا لأداء هذه الحقوق. ولكنني أقول مع الأسف أن بعض الناس يأتون لحضور الجلسة السنوية ولكنهم لا يستفيدون منها شيئا إلا لقاء الأصدقاء والخوض في القيل والقال، ومثل هؤلاء الناس يُحدثون مشاكل أيضا، ويتسببون في إيقاع بعض الشباب والأطفال في الزلل، والبعض يقومون ببعض التصرفات المكروهة ويظنون أن لا أحد يراهم، والحق أنه يجب أن نتذكر دوما أن الله تعالى يرانا كل حين، فأول شيء أريد أن أقوله اليوم هو أن على كل شخص أن يُرسخ في ذهنه بشكل جيد أن هذه الجلسة هي جلسة روحانية وهي تُعقَد لنزداد تقوًى ونتعلق بالله تعالى ونزداد تعلقا به ﷻ، إن الله تعالى يسترنا أمام بعض الضيوف من غيرنا وتُتَّخَذُ بعض الحيطة أيضا أمامهم والله تعالى أيضا يسترنا لكي لا تسوء سمعة الجماعة بسبب سوء تصرفات بضعة أشخاص منها، فلا يطَّلع عليها الآخرون، فالشيء الأول الذي أريد أن أوجِّهكم إليه هو هدف الجلسة، وهو إنشاء التقوى بحسب قول المسيح الموعود ؏، فقد قال حضرته ؏ مخاطبا حضورها أن الهدف والغاية من الجلسة السنوية هو أن “…تنشأَ فيهم خشية الله تعالى، ويكونوا أسوة حسنة للآخرين في الزهد والتقوى وخشية الله والورع ورقة القلب، والحب المتبادل والمؤاخاة. وأن ينشأ فيهم التواضع والانكسار والصدق.” (شهادة القرآن، الخزائن الروحانية ج6، ص 394)

ثم قال ؏ ناصحا الجماعةَ: “اتّقوا الله، فإن التقوى هي أصل كل شيء. والمراد من التقوى هو التجنب من أدق أنواع الذنوب. إنما التقوى أن يجتنب الإنسان كل عمل فيه أدنى شائبة من السيئة” (الملفوظات، مجلد 2)، فالآن ليحاسب كل شخص نفسه، وسيتبين له ما إذا كان يسعى لتجنب أدق أنواع الذنوب بحسب هذا التعريف أم لا؟ وهل نسعى لاجتناب كل أمر فيه شائبة من السيئة؟ فإذا حاسب أحد نفسه ورأى أنه يسير بحسب هذا التعليم فعلا فليعلم أنه قد حقق هدف مجيئه إلى الجلسة السنوية أو يسعى لتحقيقه، وإلا فلا حقيقة للاستماع للخطابات ولرفعِ الهتافات. والبعض يهتفون ويبدو من أمارات وجوههم وضحكهم أنهم خلْوٌ من حماس القلب، ويهتفون للهتاف فقط، كانت هذه الأمارات والتصرفات تختفي فيما مضى ولكن الآن تلتقطها عَدَسَةُ الكاميرا وتُبين حالتهم وهم لا يدرون، ثم تحفظها للأبد، كانت هذه البرامج تُبث على ايم تي ايه فقط ولكن الآن تُبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضا حيث تظهر وجوه هؤلاء الناس ويتبين تأثر كل وجه.

ثم بيَّن المسيح الموعود ؏ مستوى آخر لحالة المرء الداخلية وللتقوى، فقال: يبدأ تأثير التقوى في المتقي في هذه الدنيا نفسها، إنه ليس دَيْنًا مؤجَّلا بل هو تجارة حاضرة، بل كما يؤثر السم والترياق في الجسد فورًا (لو تناول المرء سـمًّا أو دواءً يظهر تأثيره على جسده وفي بعض الأحيان يظهر تأثيره فورًا، قال ؏) هكذا يظهر تأثير التقوى أيضا.

هذا هو المستوى الذي بيَّنه حضرته ؏، ولا يمكن أن يسلك المرء دروب التقوى ولا يظهر تأثيرها فيه ولا يمكن للمتقي أن يقرب السيئة لأن أفكاره تبدأ في التطهر، ومن هذه الناحية يمكن لكل واحد أن يفحص نفسه. قال المسيح الموعود ؏ في مناسبة: “أتكلم معكم في هذه الأمور مرة بعد أخرى لأن الله تعالى أراد من تأسيس هذه الجماعة أن يقيم مرة ثانية تلك المعرفة الحقيقية التي فقدت”، أي لم تعد في الدنيا المعرفة الحقيقية وغلبت عليها الماديةُ وقلَّ التوجُّهُ إلى الله تعالى، إننا ندعي أو نتعهد أننا سنقدم الدين على الدنيا ولكن في كثير من الأحيان نقدم الدنيا ونؤخر الدين، قال ؏: أراد الله أن يقيم مرة أخرى “التقوى الحقيقية والطهارة التي لا تتوفر في هذا الزمن”. وما هو الهدف من تأسيس الجماعة؟ هو إقامة التقوى والطهارة المفقودتَين من هذه الدنيا، فالذي يسعى ليتحلى بالتقوى والطهارة بحسب مشيئة الله تعالى سيُفلح، وهو الأحمدي الحقيقي في نظر المسيح الموعود ؏ وهو الذي يحقق هدف الجلسة السنوية. ولا يمكن العمل بالأمور الأخرى، التي أريد أن أوجِّهكم إليها، ما لم تنشأ في قلوبكم خشية الله وتقواه وما لم تنشأ فيكم رغبة لتحقيق الهدف من مجيئكم إلى الجلسة السنوية. كما عدَّد المسيح الموعود ؏ وهو يبين هدف الجلسة السنوية المزايا التي يجب أن يتحلى بها كلُّ من يحضر الجلسة، فقال: أن تنشأَ فيكم الرأفة بعد إحراز معرفة الله وأن تلين قلوبكم لبعضكم البعض، وأن تحابّوا وتآخوا، وأن يكون فيكم التواضع والانكسار وأعلى مستويات الصدق.

الحضور في الجلسة فئتان أو قسمان: فئة العاملين، وفئة الزائرين، هذان قسمان من الناس، وكلاهما يجب أن يتحلوا بالمزايا المذكورة، والتي لا يمكن أن يستغني عنها الذين يخدمون من المتطوعين والعاملين ولا الزائرين، ولا بد لكل الحاضرين من كلا القسمين أن يفحصوا أنفسهم وفق هذه المعايير سواء كانوا مُضيفين أم ضيوفا، ولا يمكن أن يتحلوا بهذه المزايا ما لم يتقوا، لذا أريد أن أوجّه كلا القسمين إلى واجباتهما ومسؤولياتهما، لو تحلى كلاهما بهذه المزايا لتحسَّن جوُّ الجلسة وتحقَّق هدفُ المجيء إليها أيضا. ويمكن أن يظن المتطوعون أنهم خدموا تطوُّعًا، وبهذا فقد حقّقوا هدفا عظيما أو أرضَوا الله تعالى.. لن تُرضوه ﷻ إلا إذا عملتم بهذه الأمور إضافة إلى الخدمة التطوعية، كذلك لا يمكن للحضور أن يقولوا إننا قد أتينا بعد قطْع مسافات بعيدة لذا قد أرضينا الله تعالى، لن تُرضوه ﷻ إلا إذا نلتم معرفة الله تعالى وتوجّهتم إلى حقوق العباد. فأولا أوجِّه العاملين أو المُضيفين أن يسعوا لإيجاد هذه المزايا في أنفسهم، ويضبطوا أنفسهم ويهتموا بالضيوف في كل حال ويقولوا قولا ليِّنًا بحسب تعليم المسيح الموعود ؏، فالواجب الأول للمسؤولين والعاملين أن يتحدثوا بلسان ليِّن ويُبدوا التواضع ويهتموا بالضيف في كل حال وعلى كل من المسؤولين والعاملين أن يستخدموا لهجة لينة.

ثم هناك علاقات العاملين فيما بينهم، ينبغي أن يبدوا الحب والإخلاص والإخاء للضيوف ولبعضهم البعض أيضا سواء كانوا مسؤولين أو عاملين تحتهم، لو ثار غضبكم على الآخر أثناء العمل لأثَّر سلبًا على الضيوف وخاصة على الضيوف من غير الأحمديين الذين يسمعون أن الأحمديين يعيشون متحابّين أثناء الجلسة ولا يُبدون أي نوع من الغضب، لو رأوا مثل هذه الأشياء أو النزاعات أو إذا رأوا شخصين يرفعان الصوت على بعضهما فلا بد أن يتأثروا سلبا، ينبغي أن يتذكر العاملون أنهم حين قدموا أنفسهم للخدمة لبضعة أيام -ولهذه الخدمة مكانة عظيمة، وهي خدمة ضيوف المسيح الموعود ؏- فلا بد أن يكون عملهم وسلوكهم بحيث لا يُسيؤوا إلى أي ضيف ولا إلى أي عامل آخر، ومن تربية الجلسة أن يسيطر المسؤولون والعاملون تحتهم على ثوائرهم.

ولا بد للعاملين في صف السيارات وتنظيمِ المرور وتحضيرِ الطعام وقسْمِ النظافة أن يُبدوا جميعا أخلاقا حسنةً في هذه الأيام. قال الله تعالى في القرآن الكريم: (قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة 84) وقول الله تعالى هذا إنما هو لإقامة أعلى مستويات الأخلاق، وهذا تعليم عامٌّ، فلا بد للمؤمن أن يَضرب مثلا أعلى في الأخلاق الحسنة في كل حال، وخاصة في هذه الأيام التي قدّمتم فيها أنفسكم لخدمة الضيوف الذين هم ضيوف المسيح الموعود ؏ والذين جاؤوا لتحسين حالتهم العلمية والعملية والروحانية، ويمكن أن تُربوهم تربيةً عمليةً بسلوككم وستُرَبُّون، ومن هذه الناحية يستحقُّ العاملون ضعفَين من الأجر لأنهم أولا قدّموا أنفسهم للخدمة في الجلسة وثانيا رَبّـوا الآخرين بضرب مَثَل الأخلاق العالية، ويشعرون الآخرين أن كل من يأتي للجلسة لا بد أن يُظهر أخلاقا حسنة، وإذا عاملهم أحدٌ معاملة سيئة أو تحدث معهم بقسوة وردَّ عليه العاملُ برفق وبأخلاق حسنة فهذا النموذج العملي سيُشعر المخطئ بخطئه وسيُربِّيه عمليا.

قال النبي ﷺ: مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ. (سنن التـرمذي، كتاب البر والصلة) أي لو وُضعت الأعمال في ميزان كان وزن الأخلاق الحسنة أثقل من جميعها، لأن الأخلاق الحسنة هي التي تقضي على فساد العالم وهي التي تجعل المرء يؤدّي حقوق الله تعالى أيضًا، بل كتب المسيح الموعود ؏ أن في بعض الحالات تتقدم حقوق العباد على حقوق الله. فكأن النبي ﷺ يقول في هذا الحديث أن الأخلاق الحسنة تجعل المرء يسيطر على ثوائره ويتمسك بالصبر كما تجعله قادرا على أن يرد على الآخر بالرفق، والإنسان يرتكب ذنوبا كثيرة أخرى، فهذه الأخلاق الحسنة تتسبب في العفو عن هذه الذنوب.

فأول شيء يجب أن يتذكره ويعمل به كل عامل إنما هو الأخلاق الحسنة. لاحظوا، ما أسهل هذه الصفقة! كيف أن الله تعالى يُكرم الناس بوجه خاص الذين يُمسكون لسانهم لوجهه ﷻ ويبتسمون، وإذا قال أحد بسبب تعب العمل أو بسبب معاملة الآخر الخاطئة ثار غضبي فعليه أن ينظر دوما إلى سيده ومطاعه محمد رسول الله ﷺ الذي قال الله تعالى عنه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب 22) أيَّةُ مصيبة لم تُصبه؟ أية مشكلة لم يواجهها أو لم يتعرض لها؟ لقد مرَّ النبي ﷺ بكل شدة ومصيبة وإيذاء يمكن أن يتصوره الإنسان، وتَحَمَّلَ كل تلك الشدائد، ولكن بالرغم من كل هذا يقول الصحابة: مَا رأينا أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فكانت البسمة على وجهه كل حين لا تفارق محياه. هذا هو نموذج سيدنا ومطاعنا محمد رسول الله ﷺ.

ثم حذرنا النبي ﷺ بقوله: مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب) فإذا لم يكن فيكم الرفق واللين فهذا يعني أنكم محرومون من الخير. وهذا التعليم للعاملين والزائرين كليهما، كثير من الناس يتخاصمون فعليهم أن يتذكروا أنهم يُحرمون الخير كله، فيجب على الجميع وخاصة العاملين في هذه المناسبة، التي هيأها الله تعالى لهم بعد سنة، أن يضربوا المَثَلَ في حسن الخلق والرفق والتبسم أكثر من ذي قبل. ويجب أن نضع أمامنا النصيحة التي أسداها لنا المسيح الموعود ؏ من أجل إظهار حسن الخلق للضيوف فقال: “إن قلب الضيف يكون كالزجاج وينكسر بصدمة بسيطة” (الملفوظات)، ثم قال موجِّها العاملين على خدمة الضيوف توجيها عاما: انظروا، لقد جاء كثير من الضيوف، منهم من تعرفونه ومنهم من لا تعرفونه، لذا من المناسب أن تهتموا بهم حاسبين الجميعَ يستحقُّون الإكرام. فيجب ألا يكون هناك أيّ تمييز بين الضيوف، ولا يجوز أن تحسنوا معاملة معارفكم وتهملوا غيرهم أو تقابلوا غير المعارف بقلة الحفاوة.

هذا العام جاء إلى هنا ضيوف بعدد لا بأس به من أفريقيا وبلاد أخرى. وكان الضيوف يأتون سابقا من بلاد أوروبية غربية وشرقية. يجب أن يعود كل ضيف بذكريات حسنة عن جلسة ألمانيا وعن العاملين، وخاصة في فرع الضيافة، وهذا الأمر يعتمد على سلوك العاملين. يجب أن تدركوا جيدا مسؤوليتكم من هذا المنطلق أيضا. ولا سيما كل عامل وكل من يشترك في الجلسة من الضيوف حين يقدم أسوته الحسنة إلى الضيوف من غير الأحمديين عاملا بتعليم الإسلام الجميل يكون سببا في تبليغهم الدعوة ويقدم لهم تعليم الإسلام الجميل.

فبهذا الأسلوب يبلّغ كل واحد منكم سواء الضيوف أو العاملون الدعوة بصمت. وليعلم كل عامل أيا كان مجال عمله أن مجاله هام جدا. وكما قلت من قبلُ أن قسم ضبط حركة المرور وإيقاف السيارات، وكذلك قسم التسجيل والفحص على البوابات أيضا هام مثل أهمية قسم الطبخ والإطعام والنظافة والانضباط. فالعاملون في كل فرع لا يخدمون الضيوف فقط بل يبلغون الدعوة أيضا بصمت. فعليكم أن تفهموا هذه الأهمية الكامنة وراء أعمالكم. الالتزام بالانضباط والنظام لا يعني بالضرورة أن تتجهَّم الوجوه. وقد لوحظ في جلسة الجماعة في بريطانيا أن البنات يقمن بواجب الانضباط مبتسمات. قالت لي سيدة عن إحدى الفتيات، وهي عضوة في لجنة إماء الله الآن، أنها كانت تُخجلنا بسلوكها، أي كلما حاولت السيدات الخوضَ في الأحاديث فيما بينهن كانت هذه الفتاة تعرض عليهن مبتسمة بطاقةً مكتوب عليها: “الرجاء الالتزام بالصمت”، دون أن تنبس ببنت شفة. فالناس المؤدّبون يلتزمون بالصمت حتما كلما أشار عليهم العاملون بذلك. أما إذا كانوا جاهلين وغير مؤدَّبين فلا يلتزمون. ومِن الجهال مَن يقولون للعاملين مثلا: اتركوننا وشأننا نحن نعرف متى يجب أن نلتزم الصمت. فإذا واجهت البناتُ مثل هؤلاء السيدات كان من الأفضل أن يخبرن المسؤولة فوقهن لتنصحهن، دون أن ينازِعْنَ السيداتِ الكبيرات في السن. كذلك يجب على العاملين أن ينتهبوا إلى هذا الأمر جيدا ولا سيما في خيمة الطعام، فمثلا إذا جاء أحد في وقت غير مناسب طالبا الطعام، أو كان مريضا أو كان معه طفل يبكي وبحاجة إلى شيء وجبت مساعدته قدر الإمكان، وإلا فليوضحوا له الأمر بقول لين وحسن مبتسمين. وإذا استخدم أحد كلمات قاسية بعض الشيء يجب أن يلتزم العاملون الصمتَ.

كذلك يجب الاهتمام بنظافة الحمامات والمراحيض في قسم الرجال والنساء كليهما، وقد وجّهتُ العاملين إلى هذه الأمور بالأمس. فلا بد من الخدمة على أحسن وجه كما أراد المسيح الموعود ؏ وأن تخلقوا في قلوبكم التواضع والتذلل والحب تجاه الآخرين. فلو فعلتم ذلك وخلقتم هذه العواطف في قلوبكم لكانت كل أعمالكم لوجه الله تعالى.

كذلك يجب على الضيوف أيضا، أن يضعوا في الحسبان أن الهدف من مجيئهم هنا هو إنشاء العلاقة مع الله تعالى على أحسن وجه، ثم يجب أن يهتموا بأداء حقوق عباده. باختصار، يتحتم على الوافدين إلى هناك كضيوف أن يعلموا أنهم مشتركون في الجلسة لخلق التقوى في القلوب، ولرفع مستواهم العلمي والعملي والروحاني. فإذا جعلوا هذا الأمر نصب أعينهم لن تنشأ أيّة شكوى أو نـزاع مع الآخرين وخاصة مع المأمورين على الخدمة. معلوم أن كثيرا من العاملين في ترتيبات الجلسة شبابٌ يدرسون في المدارس أو الكليات أو الجامعات. ومنهم من يعملون في مناصب مرموقة، وهم يعملون في ترتيبات الجلسة ليخدموا ضيوف المسيح الموعود ؏. لذا فمن واجب الضيوف أيضا أن يرفعوا مستواهم الأخلاقي والروحاني حتى يُعَدّوا بجدارة ضيوفَ المسيح الموعود ؏. فإن لم يعملوا بتعاليم المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام لن يُعَدّوا ضيوفه ؏ لمجرد مجيئهم إلى هنا. باختصار، إن لم تعملوا بهذه التعليمات ولم تحققوا هدف الجلسة لن تكونوا ضيوف المسيح الموعود ؏ مهما قلتم أنكم حضرتم الجلسة لأنكم لا تثبتون ذلك بعملكم. إذًا، يجب ألا يحسب الضيوف أنفسهم فوق هذه الأمور والتعليمات، ولا بد من أن يحسِّنوا سلوكهم ويتعاونوا مع العاملين حق التعاون. لا شك أنهم مأمورون بخدمة الضيوف ولكن يجب على الضيوف أيضا أن يبدوا أخلاقا حسنة. إن هؤلاء الشباب الذين يأتون للخدمة بحماس خاص يجب على الضيوف أن يحسنوا معاملتهم مظهرين حُسن الأخلاق تجاههم حتى يبقى حماسهم وشوقهم للخدمة قائما بل يزداد، وألا يتهربوا من الخدمة في السنوات القادمة بسبب تصرفات الضيوف.

ثم يجب أن يتذكر الإخوة القادمون إلى هنا من ألمانيا أنهم ضيوف من ناحية ومضيفون من ناحية ثانية، لذا عليهم أن يضحوا من أجل الضيوف الوافدين من الخارج. إذًا، الذين لا يسكنون في ألمانيا وأتوا من بلاد أخرى إنهم ضيوف والساكنون في ألمانيا قد أصبحوا مضيفين تلقائيا، لذا يجب على سكان ألمانيا أن يضحوا من أجل القادمين من الخارج. فمثلا يجب أن يوسّعوا لهم مكانا للجلوس إذا اقتضى الأمر، وإذا كان المكان ضيقا في المطاعم فليفسحوا، وإذا كانوا بحاجة إلى أية خدمة أخرى فمن واجب المضيفين الألمان جميعا أن يهيئوا لهم تلك الخدمة. ففي بعض الأحيان يكون الضيف القادم من الخارج بحاجة إلى المساعدة بسبب عدم معرفته باللغة المحلية، فحيثما يكون أحد محتاجا إلى المساعدة فليس من واجب العاملين فقط أن يساعدوه بل يجب على كل واحد من السكان المحليين أن يساعدوه. وهذا هو مقتضى الحب والأخوة المتبادلة التي أمر بها المسيح الموعود ؏.

ثم هناك ضيوف من غير الأحمديين، فيجب على كل أحمدي أن يقدم لهم أسوة حسنة، وبناء على أسوتكم الحسنة سوف يرى الأغيار مشاهد جميلة للمجتمع الإسلامي حيث يضرب كل من أفراد الجماعة أمثلة عليا للتواضع واللين والأخوة والحب المتبادل. فيجب على الرجال والنساء على حد سواء أن ينتبهوا إلى هذا الأمر.

وإذا وقع التأخير في تقديم الطعام ونقص شيء فيجب التحلي بالصبر واحتماله لأن الطعام الحقيقي الذي جئتم إلى هنا من أجله هو الطعام الروحاني والعلمي، فلكم أن تسعوا للحصول عليه فهذا ضروري جدا. كذلك يجب أن تزوروا السوق الموجودة مؤقتا في مكان الجلسة في وقت مناسب. أغلب ظني أن قسم التربية لا يسمح بفتح السوق حين تكون فعاليات الجلسة جارية. ولكن هناك من يضغطون عليهم ويقولون أنهم ذاهبون إلى السوق لا محالة لشعورهم بالجوع. وقد قلت من قبل مرارا لقسم الضيافة أن يدبروا الطعام لمثل هؤلاء الناس. ثم هناك سوق في قسم النساء مثل سوق قسم الرجال، فكلما زار الرجال أو النساء السوق في قسمهم المعني يجب أن يهتموا باحترام جو الجلسة فيها أيضا. ولا يظنوا أن احترام جو الجلسة ضروري عند الجلوس في الخيمة فقط. بل يجب أن يعلموا أن هذا المكان الواسع الذي فيه الخيم والترتيبات الأخرى كله مكان الجلسة الواجب احترامه.

لقد جاء في القرآن الكريم: (قولوا للناس حسنا) وهذا الأمر القرآني ليس موجها إلى العاملين فقط بل هو موجَّه إلى كل مسلم، لذا يجب على كل أحمدي أن يلتزم به جيدا.

لقد قلتُ للعاملين من قبل واليوم أيضا أن يبدوا أخلاقا حسنة، وألا يظهر منهم أي نوع من سوء الخُلق، ولكن هذا لا يعني أن يمتحن الناس صبرَهم، ويفتعلوا ظروفا تؤدي إلى النـزاع والشجار. فكلما وجّه عاملٌ، من أيّ قسم كان، إلى أمر ما أو أعطى تعليما معينا عليكم جميعا أن تطيعوه وتتعاونوا معه حق التعاون مظهرين أخلاقا فاضلة، وتعاملوه بخُلق حسن كما يأمر القرآن الكريم. والمعلوم أن هذا الأمر القرآني موجّه إلى الجميع.

وعندما تكون فعاليات الجلسة جارية يجب أن تستمعوا لها بإنصات ولا تخرجوا من الخيمة إلا لضرورة حقيقية. ففي كل محاضرة يوجد لكل أحمدي حتما شيء يفيده لتحسين حياته. كذلك يجب أن تلتزموا بذكر الله والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ في أثناء الجلسة وقياما وقعودا لأن الأدعية وذكر الله والصلاة على النبي ﷺ تحسّن ظروف الإنسان على الصعيد الشخصي وعلى صعيد الجماعة أيضا. إضافة إلى ذلك اُدعوا لتحسين الظروف التي تمر بها الأمة المسلمة كلها. إن الصلاة على النبي ﷺ هي أكثر ترديدا في هذا العصر، إذ يرددها المسلمون في صلواتهم فقط ملايين المرات كل يوم، ولكننا نرى أن ظروف المسلمين من الناحية الدينية والروحانية والدينية أسوأ من غيرهم على الإطلاق، وذلك لأن صلاتهم على النبي ﷺ ليست إلا باللسان فقط، وصلواتهم الأخرى أيضا لا تجلب عليهم إلا الدمار والهلاك، إذ يرُدّ الله تعالى مثل هذه الصلوات على أصحابها. ففي ظل هذه الظروف تقع على المسلمين الأحمديين مسؤولية كبيرة، ألا وهي أن عليهم أن يصلّوا على النبي ﷺ بكثرة ويدعوا لتقدم الإسلام مخلصين لله ويحدثوا في أنفسهم تغيرا طيبا ويخلقوا في قلوبهم تقوى الله تعالى الصادقة. يجب ألا تشغلهم مصالحهم الشخصية فقط بعد مجيئهم إلى هذه البلاد، بل يجب أن يسعوا جاهدين لخلق تغيُّر حسن في أنفسهم. وإضافة إلى الصلاة على النبي ﷺ يجب أن يكثروا من ذكر الله تعالى وليدعوا ربهم أن يوفقهم لتحقيق الهدف من الجلسة ونيل بركاتها. وليدعوا أيضا أن ينالوا دوما بركات هذا السفر المبارك الذي اختاروه لهدف نبيل، وأن نتحلى نحن وأجيالنا أيضا بالتقوى، ونجتنب وأولادنا وذرارينا كلَّ ما لا يرضى به الله، وأن يبارك الله في أموالنا وألا نختار لكسب الأموال وسيلة يبغضها الله ﷻ أو كانت تدخل في وسائل غير شرعية ومحرمة. وادعوا لزوجاتكم وأولادكم، ولتدعُ الزوجات لأزواجهن أن يثبتهم الله وإياهن على الدين دائما، وينقذ الجميع من كل فتنة وابتلاء يهدد الدين بالضياع، ويوفقنا للسلوك على الصراط المستقيم دوما. إلى جانب الصلاة على النبي ﷺ والأدعية المذكورة يجب أن تنتهبوا في هذه الأيام وفيما بعد أيضا إلى الالتزام بالصلاة. والذين يبيتون ليلا في مكان الجلسة يجب أن يصلّوا الفجر جماعةً، وتقام هنا صلاة التهجد أيضا لذا يجب أن يستيقظوا لها ويصلّوها جماعة. إذا كان العاملون لا يقدرون على الصلاة جماعة في مواقيتها بسبب طبيعة أعمالهم فعليهم أن يصلّوا جماعةً في مكان عملهم قبل البدء في العمل أو بعده.

ندعو الله تعالى أن يوفق الجميع لقضاء حياتهم حائزين رضاه ﷻ وأن يفهموا روح الانضمام إلى جماعة المسيح الموعود ؏، ويؤدوا حق الانضمام إليها.

ما هي تلك الروح يا تُرى؟ سأبين هذا الموضوع بإيجاز بكلمات المسيح الموعود ؏ حيث يقول:

“لن تنال جماعتنا النجاة ما لم تسلك مسلك التقوى”، أي لن يضمن الله تعالى حمايتها.

ثم يقول: “اجعلوا بيوتكم عامرة بذكر الله تعالى، أدّوا الصدقات والزكاة، واجتنبوا الذنوب ليرحمكم الله”.

ندعو الله تعالى أن نقضي حياتنا كما تمنى المسيح الموعود ؏، وننال بركات الجلسة ونفوز في هذه الأيام وفيما بعد أيضا بنصيب من الأدعية التي دعاها ؏ للمشتركين في الجلسة. كما ندعو الله تعالى أن يوفقنا لكسب الحسنات دائما.

هناك أمر إداري آخر فاتني من قبل فأريد بيانه الآن وهو: يجب على الجميع، ضيوف الجلسة والعاملين على ترتيباتها، أن ينظروا دائما إلى ما حولهم بنظرة فاحصة من منطلق الحراسة والحماية، ويتعاونوا مع العاملين في فرع الحراسة حق التعاون. وإذا رأوا شيئا مريبا فليخبروا به الجهة المعنية فورا. حفظ الله تعالى جميع المشتركين، وألا يحدث ما من شأنه أن يؤذي أحدا.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

One Comment on “خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين يوم 7/09/2018 بمناسبة الجلسة السنوية في ألمانيا”

Comments are closed.