خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 28/09/2018

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

قبل رحلتي الأخيرة كنتُ أبين أحوال صحابة الرسول ﷺ الذين شهدوا غزوة بدر وسأتناول اليوم الموضوع نفسه مرة أخرى، فمن الصحابة الذين سأذكرهم اليوم عمارة بن حزم ؓ. كان عمارة ؓ من سبعين صحابيا شهدوا بيعة العقبة الثانية، وكان أخواه عمرو بن حزم ومعمر بن حزم أيضا من الصحابة. شهد عمارة مع الرسول ﷺ جميع الغزوات بما فيها بدر وأحد. كانت معه راية بني مالك بن النجار في يوم فتح مكة. آخى النبي ﷺ بين عمارة ومُحْرز بن نَضْلة بعد الهجرة، واشترك في جيش خالد بن الوليد في الحرب التي شنَّها المرتدون على المسلمين بعد وفاة النبي ﷺ، واستُشهد يوم اليمامة، واسم أمه خالدة بنت أنس.

قال أبو بكر بن محمد أن حية لدغت عبد بن سهل فقال النبي ﷺ خذوه إلى عمارة بن حزم ليرقيه، فقالوا أوشك على الموت، فقال النبي ﷺ خذوه إلى عمارة ليرقيه فسوف يشفيه الله تعالى. لا بد أن النبي ﷺ علمه هذه الرقية والدعاء ولا يعني ذلك أن النبي ﷺ -معاذ الله- كان محتاجا إلى رقية عمارة أو لم يكن هو نفسه يستطيع فعل ذلك، بل كان ﷺ عيّن بعض الناس على بعض المهام، وكانت وراء ذلك قوة النبي ﷺ القدسية وبركاته.

ورد في سيرة ابن هشام أن الْمُنَافِقينَ كانوا يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ النبوي فَيَسْتَمِعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِدِينِهِمْ (فيما بعد، وفي بعض الأحيان كانوا يسخرون أمام المسلمين أيضا) فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ فَرَآهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ خَافِضِي أَصْوَاتَهُمْ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ إلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَة ثُمّ أَقْبَلَ أَبُو أَيّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ، أَحَدِ بَنِي النّجّارِ فَلَبّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا، وَلَطَمَ وَجْهَهُ ثُمّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَبُو أَيّوبَ يَقُولُ لَهُ أُفّ لَك مُنَافِقًا خَبِيثًا: أَدْرَاجَك يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ… وَقَامَ عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللّحْيَةِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثـُمَّ جَمَعَ عِمَارَةُ يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرّ مِنْهَا. قَالَ يَقُولُ خَدَشْتَنِي يَا عِمَارَةُ قَالَ أَبْعَدَك اللهُ يَا مُنَافِقُ فَمَا أَعَدّ اللهُ لَك مِنْ الْعَذَابِ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

وبمناسبة غزوة تبوك حين كان رَسُول اللهِ ﷺ سَائرا نحو تبوك ضَلّتْ نَاقَتُهُ القصواء فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا، وَعِنْدَ رَسُول اللهِ ﷺ رجل من أصحابه يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَكَانَ عَقَبِيّا بَدْرِيّا -كما مر ذكره- وَهُوَ عَمّ بَنِي عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ. كان ممن يضعون الهودج على الراحلة وكان يهوديا من بني قينقاع فأسلم وَكَانَ مُنَافِقًا، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ -الذي كان قد أسلم وكان يُكنّ النفاق في قلبه- وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَعُمَارَةُ عِنْدَ رَسُول اللهِ ﷺ أَلَيْسَ مُحَمّدٌ يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيٌّ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ فَقَالَ رَسُول اللهِ ﷺ وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ إنّ رَجُلًا قَالَ هَذَا مُحَمّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ نَبِيّ، وَيَزْعُمُ أَنّهُ يُخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ وَإِنّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللهُ (أي لا يعلم الغيب إلا الله ولا أخبركم إلا ما يخبرني الله به. ثم أخبره الله بذلك لخزي ذلك المنافق فقال ﷺ:) وَقَدْ دَلّنِي اللهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَانْطَلِقُوا حَتّى تَأْتُونِي بِهَا، فَذَهَبُوا، فَجَاءُوا بِهَا.

قال البيهقي وأبو نعيم: فَرَجَعَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى رَحْلِهِ فَقَالَ وَاللهِ لَعَجَبٌ مِنْ شَيْءٍ حَدَّثَنَاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ آنِفًا، عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللهُ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا، (وقد تبين أن الله تعالى كان قد أخبر النبي ﷺ بما قاله ذلك المنافق) لِلّذِي قَالَ زَيْدُ بْنُ لُصَيْتٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُول اللهِ ﷺ زَيْدٌ وَاَللهِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ. فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ إلَيّ عِبَادَ اللهِ إنّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ اُخْرُجْ أَيْ عَدُوّ اللهِ مِنْ رَحْلِي، فَلَا تَصْحَبْنِي. قال البعض تاب زيد بن لصيت بعد ذلك وقال الآخرون بقي على حاله حتى مات.

عن زياد بن نعيم، عن عمارة بن حزم أن رسول الله ﷺ قال: أربع من عمل بهن كان من المسلمين، ومن ترك واحدة منهن لم تنفعه الثلاث. قلت لعمارة: ما هن؟ قال: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، والحج. أي الإيمان بكل هذه الأربع والعمل بها ضروري. الصلاة فرض والزكاة فرض على صاحب النصاب والصيام أيضا واجب بشرط الصحة، والذي يستطيع أن يحج فعليه أن يؤدي هذه الفريضة أيضا. باختصار، الإيمان بهذه الأربع ضروري والعمل بها أيضا ضروري. ورد ذلك في أسد الغابة ولقد بين المسلمون في كتبهم تعريف المسلم ولكن اليوم ظهر علماء يصدرون فتاوى التكفير وخلقوا تعريفاتهم الشخصية للمسلم.

والصحابي الآخر الذي سأتناول ذكره هو عبد الله بن مسعود ؓ. يكنى بعبد الرحمن، من بني هذيل، واسم أمه أم عبد، وتوفي في سنة 32 بعد الهجرة، واسم والده مسعود بن غافر. كان عبد الله بن مسعود من السابقين الأولين في الإسلام، آمن حين أسلمت أخت عمر فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد ؓ، قبل أن تصبح دار الأرقم مقرًا لتجمع أصحاب النبي ﷺ، قال عبد الله بن مسعود إنني سادس ستة أسلموا، ولم يكن آنذاك مسلم على وجه الأرض إلا نحن الستة. وقد روى عبد الله بن مسعود قصة إسلامه، فقال: كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: فهل من شاة لم ينزّ عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فاعتقلها ومسح ضرعها ودعا، فنزل لبن، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا، ثم قال لأبي بكر. اشرب فشرب أبو بكر وبعده شرب النبي ﷺ، ثم مسح الضرع وقال: اقلُص، فقلص. ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علِّمْني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: إنك غلام مُعَلَّمٌ. قَالَ فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ. يقول عنه حضرة مرزا بشير أحمد ؓ في تأليفه “سيرة خاتم النبيين”: عبد الله بن مسعود لم يكن من قريش بل كان من قبيلة هذيل، وكان رجلا فقيرا ويرعى لعقبة بن أبي معيط، أحد زعماء قريش. جاء عبد الله بن مسعود إلى النبي ﷺ بعد إسلامه وببركة صحبته صار عالما كبيرا. علما أن الجزء الأكبر من الفقه الحنفي مبني على أقواله واجتهاداته.

لقد جاء في رواية عن علوّ كعب عبد الله بن مسعود في علوم الدين أنه قال: إني لأعلمهم بكتاب الله … وما في كتاب الله سورة ولا آية إلا وأنا أعلم فيما نزلت ومتى نزلت. قال أبو وائل: فما سمعت أحداً أنكر ذلك عليه.

إن عبد الله بن مسعود ؓ يحتل رأس قائمة الصحابة الأربعة الذين نصح النبي ﷺ بتعلّم القرآن منهم.

لقد فسّر سيدنا المصلح الموعود ؓ هذا الموضوع في “مقدمة تفسير القرآن الكريم كما يلي: مع شغف الناس المتزايد بحفظ القرآن المجيد، اختار الرسول ﷺ أربعة من المعلمين، كانوا يحفظون القرآن المجيد تحت إشرافه شخصيًّا، ثم بعد ذلك كانوا يقومون بتعليم الناس الآخرين كيفية حفظه. وقد درّب هؤلاء الأربعة بدورهم عددًا آخر من المسلمين ليقوموا بتعليم وتحفيظ القرآن المجيد. وهؤلاء الأربعة هم: 1) عبد الله بن مسعود (2) سالم مولى أبي حُذيفة (3) مُعاذ بن جبل (4) أُبيّ بن كعب.كان الأول والثاني من هؤلاء المعلمين من المهاجرين من مكة، وكان الثالث والرابع من الأنصار من أهل المدينة. وكان عبد الله بن مسعود عاملاً، وكان سالم عبدًا مُحرّرًا. أما معاذ وأُبيّ فكانا من زعماء وقادة أهل المدينة، وهذا يدل على أن الرسول ﷺ قد عيّن معلمي القرآن من مختلف شرائح المجتمع. لقد ورد في حديث قول النبي ﷺ: خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. لقد تعلم هؤلاء الأربعة القرآن المجيد تحت إشراف الرسول ﷺ مباشرة، وغيرهم أيضًا الكثير من الصحابة مَنْ تعلم أجزاء كثيرة من القرآن المجيد تحت إشرافه المباشر. وفي رواية أن عبد الله بن مسعود تلا بعض الآيات من القرآن المجيد، فقال عمر بن الخطاب أنه نطق كلمة معينة بطريقة غير صحيحة، فردّ عليه عبد الله بن مسعود قائلاً: لقد علّمني رسول الله ﷺ هكذا. فأخذه عمر إلى الرسول ﷺ وشكا إليه أن ابن مسعود نطق كلمة معينة من القرآن بطريقة غير صحيحة، فطلب منه الرسول ﷺ أن يتلو أمامه الآيات التي كانت تتضمَّن الكلمة محل الخلاف، فلما تلا عبد الله الآيات قال الرسول ﷺ إن تلاوته صحيحة. قال عمر: يا رسول الله، قد علّمتني نطق الكلمة المذكورة بطريقة مختلفة. فقال رسول ﷺ إن تلاوتك صحيحة وتلاوته صحيحة أيضًا.

يتبين من هذه الواقعة أنه بالإضافة إلى الأربعة الذين اختارهم الرسول ﷺ لتعليم القرآن المجيد، كان هناك آخرون أيضًا يتعلمون القرآن من الرسول ﷺ مباشرة. وقول عمر بن الخطاب المذكور أيضا يدل على أنه تعلّم من الرسول ﷺ.

وفي رواية أن أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله ﷺ عبد الله بن مسعود. اجتمع يومًا أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه، فقال: دعوني فإن الله ﷻ سيمنعني، فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في انديتها حتى قام عند المقام فقال رافعًا صوته: “بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن علم القرآن “فاستقبلها فقرأها، فتأملوا فجعلوا يقولون: … إنه يتلو بعض ما جاء به محمد ﷺ، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون.

بعد أن أسلم عبد الله بن مسعود أبقاه النبي ﷺ عنده، فكان يخدمه ﷺ. وقال له النبي ﷺ ما معناه: إذا سمعت صوتي ولم يكن وضع البيت يقتضي الحجاب فلك أن تدخل دون أن تستأذن. أيْ أنه إذا كان أهل البيت بحاجة إلى الحجاب فلا تدخلْ بغير الاستئذان. أما إذا كان الباب مفتوحا وسمعتَ صوتي عندها يمكن أن تدخل دون الاستئذان، لأن هذا يعني أنه ليست في البيت سيدة في هذا الوقت. كان عبد الله بن مسعود يخدم النبي ﷺ في كل شيء، فكان يُلبسه الحذاء ويصحبه كلما اقتضت الحاجة، وإذا اغتسل النبي ﷺ ستره. كان معروفا بين الصحابة بـ “صاحب النعلين”. وبحسب رواية أخرى كان معروفا بـ “صاحب السواك والوساد والنعلين. فكان صاحب سر النبي ﷺ، يفرش فراشه ويحمل نعليه وسواكه ويحمل له ماء للوضوء. وكان يقوم بكل هذه الأعمال أثناء أسفار النبي ﷺ أيضا.

وجاء في رواية عن أبي المليح أن عبد الله كان يوقظ رسول الله ﷺ إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويمشي معه في الأرض وحشا.

وقال أبو موسى: قدمت أنا وأخي من اليمن وما كنا نظن إلا أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبي ﷺ، لكثرة دخولهم بيت النبي ﷺ.

كان عبد الله بن مسعود من المهاجرين إلى الحبشة وإلى المدينة، وشهد مع النبي ﷺ بدرا وأُحدا والخندق وبيعة الرضوان. وبعد النبي ﷺ شهد معركة اليرموك. كان من الصحابة الذين بشّرهم النبي ﷺ بالجنة في حياتهم. يُذكر عبد الله بن مسعود في أحداث قتل أبي جهل أيضا يوم بدر، ففي رواية عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ قَالَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ آنْتَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ قَالَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ. ويقول الراوي: قَالَ أَبُو جَهْلٍ فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي. (علما أن شابين يافعين من المدينة قتلاه وأوصلاه إلى هذه الحال)

لقد أورد سيدنا المصلح الموعود ؓ أيضا تفصيل أحداث قتله في “التفسير الكبير” مبينا كيف يحترق الأعداء في نار الحسد حتى يموتوا وهم يحترقون فيها، فقال: يقول عبد الله بن مسعود أنه انتهيتُ إلى أبي جهل بعد الحرب وهو يتأوه لشدة جروحه، فقلتُ له: ما شأنك؟ قال: لستُ حزينا على قتلي لأن الجنود يُقتلون على أية حال، غير أنني حزين على أن شابين من الأنصار قتلاني.

فاعمَلْ بي معروفا واقطَعْ رقبتي بسيفك لتنتهي معاناتي. ولكن اقطع رقبتي طويلا لأن رقاب القوّاد هكذا تُقطَع. يقول ابن مسعود ؓ: فقلت له: لن أحقق لك أمنيتك هذه أيضا، بل سأقطع رقبتك قريبًا من الذقن. فحزّ رأسه بالسيف.

فترى كم كانت شديدةً تلك الجحيمُ التي كان أبو جهل يحترق فيها حيث ظل طول الحياة يحترق بنار الحسرة على أنه لم يستطع إلحاق الضرر الذي كان يتمناه بالنبي ﷺ، ثم عند الموت كان يحترق حسرة أن صبيّين مدَنيّينِ عديمي الخبرة في القتال قتلاه. ثم لم تتحقق أمنيته الأخيرة قبل الموت، وقُطعت رقبته قريبا من الذقن. باختصار قد رحل من هذا العالم محترقا في أنواع النيران.

حين جاء حضرة عبد الله بن مسعود مهاجرا إلى المدينة أقام عند حضرة معاذ بن جبل ؓ، وعند البعض أقام عند حضرة سعد بن خيثمة ؓ. في مكة كان النبي ﷺ قد آخى بينه وبين حضرة الزبير بن العوام، وفي المدينة جعله أخًا لسيدنا معاذ بن جبل. في أوائل سكنه في المدينة كان وضْعه الاقتصادي سيئا، فحين هيأ النبي ﷺ السكن للمهاجرين قرب المسجد النبوي أبدى بعض أفراد بني زهرة التردد في إقامة سيدنا ابن مسعود معهم، زعمًا منهم أنه عامل فقير وهم كبار الناس. فلما علم بذلك النبي ﷺ أبدى الغيرة لخادمه الفقير والضعيف هذا فقال هل بعثني الله ﷻ لتتميزوا هكذا؟ تذكروا أن الله ﷻ لا يبارك في قوم لا يقدمون حق الضعيف. ثم أعطاه النبي ﷺ المكان قرب المسجد النبوي وأعطى لبني زهرة زاوية خلف المسجد.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ اقْرَأْ عَلَيَّ سورة النساء قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَت؟ قَالَ رسول الله ﷺ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يقرأ غَيْرِي فأستمع إليه، فَقَرَأْتُ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ]فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا[ قَالَ حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.

ذات يوم كان سيدنا عمر الفاروق في عرفات إذ جاءه شخص وقال يا أمير المؤمنين- وهذا في عهد خلافته- أتيتُ من الكوفة وهناك رأيت رجلا يملي آيات القرآن دون أن ينظر. فقال عمر ؓ غاضبا: ويلك، مَن هذا؟! فقال خائفا: هو عبد الله بن مسعود، فعند سماع ذلك هدأ عمر ؓ حتى عاد إلى حالته الأولى، ثم قال: لا أرى أحقَّ بهذا العمل غير عبد الله بن مسعود، فهو يستطيع أن يكتب القرآن دون أن ينظر إليه.

يقول سيدنا عمر ؓ: ذات ليلة مررت برفقة أبي بكر والنبيِّ ﷺ بعبد الله بن مسعود وكان يصلي النوافل ويقرأ فيها القرآن الكريم، حيث كان يقرأ القرآن قائما، فتوقف عنده النبيُّ ﷺ يستمع لتلاوته، ثم ركع عبد الله بن مسعود ثم سجد فقال له النبي ﷺ يا عبد الله الآن كل ما ستطلبه ستعطى. ثم انصرف النبيُّ ﷺ من هناك، وقَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.

وفي مسند أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَتَيْنَا عَلَى حُذَيْفَةَ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا مَنْ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَدْيًا وَدَلًّا فَنَأْخُذَ عَنْهُ وَنَسْمَعَ مِنْهُ قَالَ كَانَ أَقْرَبُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ابْنُ مَسْعُودٍ.

لاحظوا كم كان عنده شوق وحماس للعمل بسنة النبي ﷺ حتى حين سُئل الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ مَن مِن الصحابة كان أقرب الناس إلى النبي ﷺ خصالا وسيرة وشمائل حتى يحتذى به؟ فقال حذيفة ؓ أرى أن عبد الله بن مسعود كان أقرب إلى النبي ﷺ من حيث السيرة والكلام والأخلاق والسلوك. وربما لذلك كان النبي ﷺ يقول إنما أحب لأمتي ما كان يحبه عبدُ الله بن مسعود. هذا ورد في البخاري.

وعن حضرة علقمة أن حضرة عبد الله بن مسعود كان يشبَّه بالنبي ﷺ في حسن السيرة والاعتدال.

وعن عبيد الله ابن عبد الله مسعود ؓ أنه كان من عادته أنه كان يقوم ليلا حين ينام الناس، ذات ليلة سمعتُه يتغنى حتى الصباح كما يطن النحل أي كان بصوت خفيف يدعو أو كان يقرأ القرآن.

وعن عليٍّ ؓ أن النبي ﷺ قال لو جعلت أحدا أميرا دون استشارة أحد لأمَّرت عبد الله بن مسعود.

ثم ورد في الطبقات الكبرى كلامُ علي ؓ نفسه كالتالي حيث قال رسول الله، ﷺ: لو كنت مؤمِّرا أحدًا دون شورى المسلمين لأمَّرت ابنَ أمِّ عبد.

يقول عبد الله بن مسعود ؓ إني لم أنم بعد إسلامي وقت الضحى قط.

كان عبد الله بن مسعود يحب أهل بيته وعندما كان يدخل البيت كان يتَنَحْنَحُ أو يقول شيئا بصوت رفيع حتى ينتبه أفراد البيت.

عن حضرة زينب امرأةِ عبد الله أنه جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَتَنَحْنَحَ وَعِنْدِي عَجُوزٌ تَرْقِينِي. (من عادة النساء أنهن أحيانا يطلبن الرقية والتميمة وربما للبركة، وكانت زوجته تعرف أنه لا يحب ذلك) فَأَدْخَلْتُهَا تَحْتَ السَّرِيرِ فَدَخَلَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَرَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا قَالَ مَا هَذَا الْخَيْطُ قَالَتْ قُلْتُ خَيْطٌ أُرْقِيَ لِي فِيهِ، فَأَخَذَهُ فَقَطَعَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آلَ عَبْدِ اللَّهِ لَأَغْنِيَاءُ عَنْ الشِّرْكِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ شِرْكٌ. فَقُلْتُ لَهُ ماذا تَقُولُ؟ وَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِيهَا وَكَانَ إِذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ. قَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا.

فالذين يتوجهون إلى المشايخ والزهاد الذين طول اليوم يتعاطون المخدرات ولا يصلّون يسترقون منهم، ثم يقولون قد استعدنا صحتنا، أو أن الله ﷻ قد أكرمنا كثيرا ورُزقنا أولادا، أو تحققت أمنيتنا الفلانية، ففي هذا القول لعبد الله بن مسعود ؓ رد على كلِّهم.

ذات يوم ذهب عبد الله بن مسعود ؓ لزيارة صديقه أبي عمير فلم يوافقه في أهله، فاستأذن على أهله، واستسقاهم من الشراب (ولم يكن في البيت ماء)، فبعثت المرأةُ الأَمةَ إلى الجيران في طلب الشراب، فاستبطأتها فلعنتْها أي لعنتْ زوجةُ أبي عمير أَمتها، فخرج عبد الله وهو ظامئ. في اليوم التالي قابلَه أبو عمير وسأله عن سبب انصرافه من عندهم دون أن يشرب، فقال حين لعنتْ زوجتك الأَمة، تذكرتُ قول النبي ﷺ: إن اللعنة إذا وُجهت إلى من لا ذنب له تعود إلى صاحبها. فقلت في نفسي إذا كانت الأمة معذورة في التأخر فسأكون أنا السبب في عودة اللعنة، فمن الأفضل أن أنصرف دون أن أشرب.

لهذه الدرجة كانوا يخافون الله ﷻ حيث كانوا يتقون عملا فيه احتمال نزول غضب الله.

كان حضرة عبد الله بن مسعود نحيف الجسم قصير القامة قمحي اللون أنيق الملبس. فكان يلبس لباسا أبيض وكان يتعطر.

فعن طلحة ؓ أن عبد الله بن مسعود ؓ كان يُعرف بعطره. عن عَلِيّ رضي الله عنه قال: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَصْعَدَ شَجَرَةً فَيَأْتِيَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا، (أي كانت ساقاه نحيلتين فضحكوا برؤيتهما) فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:”مَا يُضْحِكُكُمْ؟ لَرِجْلُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ”.

وكان شعر ابن مسعود لمة طويلة فكان يرفعها إلى أذنيه. وفي رواية أن شعره كان يصل إلى عنقه، فإذا صلى جعله وراء أذنيه.

وعن وهب بن زيد قال كنت جالسا في مجلس عمر، فجاء عبد الله بن مسعود وكان قصير القامة، فاختفى أو كاد يختفي بين القوم الآخرين ذوي القامات الطويلة، أو كان لا يُرى بينهم، فلما رآه عمر رضي الله عنهما تبسم، ثم لم يزل يكلم ابن مسعود متبسما ولم يكلم غيرَه، وظل ابن مسعود واقفا خلال هذا الحوار، ثم ذهب ابن مسعود من المجلس، فظل عمر ينظر إليه وهو ذاهب حتى اختفى عن الأنظار، فقال عمر رضي الله عنهما إن هذا الإنسان إناء ممتلئ علمًا.

ويمكن تقدير مكانة عبد الله بن مسعود العلمية من أنه لما حانت وفاة معاذ بن جبل وقيل له أوصِنا بشيء، قال إن للعلم والإيمان مكانتهما، ومن سعى لاقتنائهما نالهما. ومن أجل نيل العلم ذكر معاذ بن جبل أربعة من العلماء العاملين بعلمهم وكان أحدهم عبد الله بن مسعود.

بعد عهد النبي ﷺ بعث سيدنا عمرُ عبدَ الله بن مسعود رضي الله عنهما إلى الكوفة لتربية أهلها، بينما أرسل عمار بن ياسر حاكمًا عليها، وقال لأهلها إنهما من نخبة أصحاب الرسول ﷺ ومن البدريين فاتبعوهما وأطيعوهما واستمعوا لهما، وإني أعُدُّ عبدَ الله بن مسعود أفضلَ مني لكم.

جاء سيدُنا عثمانُ بن عفان رضي الله عنه يعود عبدَ الله بن مسعود في مرضه الأخير، فقال ما شكواك. قال تسألني عن شكواي، إنما شكواي ذنوبي الكثيرة. فقال عثمان هل عندك من حاجة؟ قال ابن مسعود إني بحاجة إلى رحمة ربي. قال عثمان هل آتي لك بطبيب يداويك. قال الطبيب هو الذي سبب لي المرض. (أي أنني راض برضا الله تعالى وبحالي). قال عثمان رضي الله عنه هل أجعل لك منحة؟ قال: لستُ بحاجة إليها. قال عثمان: ستستفيد منها بناتك. قال هل تخاف على بناتي الفقر؟ لقد أوصيتُ بناتي بقراءة سورة الواقعة كل ليلة، فإني سمعت رسول الله ﷺ قال من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه الفاقة.

هذا هو توكُّل وقناعة هؤلاء النجوم المتلألئة.

قال سلمة بن تمام لقي رجلٌ عبدَ الله بن مسعود وقال له لقد رأيتك البارحة في المنام. رأيت النبي ﷺ جالسا على منبر عال وأنت جالس تحته، فقال ﷺ يا ابن مسعود تعال عندي، لقد رغبت عني كثيرا. فقال له عبد الله بن مسعود أستحلفك بالله هل رأيت هذا في المنام؟ قال الرجل نعم. قال ابن مسعود: هل جئت لتصلي عليَّ الجنازة في المدينة؟ أي هذا يعني أن أجلي قريب. ثم توفي ابن مسعود بعد أيام.

وكان سيدنا عثمان رضي الله عنه لما علم بمرض ابن مسعود  دعاه إلى المدينة من الكوفة قبل وفاته، وكان أهل الكوفة سألوه أن يبقى عندهم ووعدوه بحمايته. ولعله لم يكن مريضا عندما حكى له الرجل منامه، بل استدعاه عثمان رضي الله عنه إلى المدينة من الكوفة بعد ذلك وإن كان أهلها يريدون بقاءه عندهم ووعدوه بالحماية، ولكن ابن مسعود رضي الله عنه قال لهم هذا أمرٌ من الخليفة ومن واجبي أن أطيعه، وستنشب بعض الفتن ولا أريد أن أكون أنا بادئها. ثم حضر ابن مسعود عند الخليفة، وتوفي في السنة ال32 الهجرية بالمدينة، وصلى عليه سيدنا عثمان رضي الله عنه ودفن في جنة البقيع. وكان قد تجاوز الستين. وفي رواية أن عمره كان أكثر من 70 عاما بقليل.

عند وفاة عبد الله بن مسعود قال أبو موسى لأبي مسعود: هل ترك عبد الله بن مسعود بعد وفاته شخصا مثله في خصاله مزاياه، فقال أبو مسعود: كان عبد الله بن مسعود يسمح له بدخول بيت النبي ﷺ في وقت لم يكن مسموحا لنا دخوله، وكان يخدم النبي ﷺ ويستفيض بفيوض مجلسه حين كنا نغيب عنه، فكيف يمكن أن يوجد مثيل له في صفاته ومزاياه.

كان عبد الله بن مسعود شديد الحرص على العمل بسنة الرسول ﷺ. ذات مرة قيل لعائشة رضي الله عنها: هناك رجلان من أصحاب رسول الله ﷺ، أحدهما يعجّل الإفطار وأداء صلاة المغرب، والآخر يؤخرهما قليلا، فما رأيك فيهما؟ قالت: أيهما يعجّل بهما؟ قيل: عبد الله بن مسعود. قالت إن ما يفعله ابن مسعود هو سنة رسول الله ﷺ.

هناك روايات أخرى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وسوف أتناولها في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى. وفقنا الله للعمل بأسوة وقدوة هؤلاء النجوم المتلألئة. آمين.

*****

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز