خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 5/10/2018

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

بصدد ذكر الصحابة كنت أتحدث في الخطبة الماضية عن الصحابي عبد الله بن مسعود ؓ، ولا تزال عندي روايات كثيرة عنه لم أذكرها بعد، وسوف أتناولها الآن.

كان كبار الصحابة يقولون إنّ عبد الله بن مسعود يتبوأ مكانةً عالية في قرب الله تعالى وزلفاه. والصحابة الذين كان النبيّ ﷺ يأمر الناسَ أن يتخذوهم نبراسًا للصراط المستقيم على وجه خاص كان بينهم سيدنا أبو بكر وعمر وعبد الله بن مسعود أيضا. وفي رواية أن النبي ﷺ قال: تمسكوا بعهد ابن أم عبد.

كان النبي ﷺ  يثق بعبد الله بن مسعود ثقةً خاصةً، وكان هو يحب النبي ﷺ حبا غير عادي.

ولقد ذكرت بعض قصصه التي تتعلق بالرسول ﷺ ولا تزال هناك واقعات أخرى مماثلة أو مذكورة من زوايا مختلفة.

ورد أنّ صحبة النبي ﷺ قد أثّرت في عبد الله بن مسعود تأثيرا روحانيا كبيرًا وجعلت منه إنسانا تقيا صالحا عابدا. كان يحب العبادة والنوافل حبّا شديدا حتى إنه كان حريصا على صلاة الضحى علاوة على الفرائض والتهجد. كان عبد الله بن مسعود ؓ يصوم كل يوم إثنين وخميس ومع ذلك كان يرى أنه لا يصوم كثيرًا. وكان يقول “لا أصوم كثيرًا لأنني أشعر بالضعف في جسدي أثناء صلاة التهجد. ذلك أنه كان يطيل القيام في صلاة التهجد. والحق أن المرء لو صلّى النوافل والتهجد كما ينبغي لشعر بالضعف الشديد، ولذلك كان عبد الله بن مسعود يقول أنّه يفضل الصلاة على الصوم ولا يهتمّ نسبيًا بالصوم التطوعي.

ذات مرة ألقى النبي ﷺ خطبة وجيزة ثم أمر أبا بكر أن يعظ الناس فقام بوعظهم  بإيجاز، ثم أمر النبي ﷺ  عمر فخطب خطبةً أوجز من خطبة أبي بكر، ثم أمر النبي ﷺ  شخصا آخر فألقى خطبة طويلة، فقال له النبي ﷺ : كفى واجلس. ثم أمر النبي ﷺ  عبد الله بن مسعود بإلقاء خطبة، فحمد الله وأثنى عليه ثم اكتفى بقوله: أيّها الناس الله ربنا، والقرآن هدينا وبيت الله قبلتنا ومحمد ﷺ نبيّنا. وفي رواية أخرى أنه قال رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينًا وأحبُّ لكم ما أحبّ اللهُ ورسوله. فقال النبي ﷺ  أصبتَ يا ابن مسعود. أنا أيضًا أحب لأمتي ما أحبه ابن مسعود لها.

وعندما جاء سيدنا علي ؓ إلى الكوفة جرى الحديث في مجلسه عن عبد الله بن مسعود، وكان قد أقام هناك مدةً من الزمان من قبل، فأثنى القوم على ابن مسعود وقالوا: يا أمير المؤمنين لم نر أحسنَ من عبد الله بن مسعود خلقًا ولا أرفقَ تعليما و لا أفضل صحبةً ومجلسا ولا أكثر خشيةً. فقال عليّ للقوم كلهم على سبيل الاختبار أستحلفكم بالله أن تخبروني هل تقدّمون هذه الشهادة في حقّ عبد الله بن مسعود بصدق القلب؟ فقالوا جميعًا: نعم. فقال علي ؓ: اللهم فاشهد، فإنّي أحمل في عبد الله بن مسعود الرأي نفسه، بل أفضل مما يرون فيه.

لقد أدّى عبد الله بن مسعود لأخيه في الدين عبد الله بن الزبير حقّ المؤاخاة حيث كان النبيّ ﷺ  قد آخى بينهما. لقد وثق به كل الثقة حيث أوصى بأنّ يتولى الزبير بن العوام وابنه عبد الله بن الزبير الإشراف على جميع عقاراته وأمواله ويكون قرارهما قاطعًا نافذ العمل في شؤونِ عائلته.

وروي عن أبي وائل أنّ عبد الله بن مسعود رأى إزار شخصٍ ينجرّ تحت كعبه، فأمره أن يرفعه فوق الكعب، فردّ عليه الرجل “ولكن إزارك أيضًا تحت الكعبين” فقال له ابن مسعود لكني لست مثلك، فإن ساقي دقيقة وأنا نحيف. ولما عَلم سيدنا عمر ؓ بهذا الخبر عاقب هذا الرجل الذي خاطب ابن مسعود هكذا ورد عليه هكذا.

من الممكن أن يكون هذا الشخص متكبرًا، إذ كانت العادة آنذاك أنّ الناس كانوا يجعلون الثياب طويلةً تكبرًا، وكان ابن مسعود نصح الرجل ولكنه لم يلبث أن ردّ عليه بهذا الردّ دون أن يعرف مدى تواضع ابن مسعود وعمله بأحكام الله تعالى وخشيته لله تعالى، ولما علم سيدنا عمر بذلك قام بتأنيب الرجل.

أما طاعة عبد الله بن مسعود لرسول الله ﷺ  فقد ذكر حضرة الخليفة الثاني ؓ لبيانها واقعة في بعض كتبه وهي مذكورة في الحديث أيضًا وهي تبيّن لنا كم كان عبد الله بن مسعود متحليا بروح الطاعة! وهذه الواقعة في ظاهرها تبدو عجيبة وقد يقول قائل بسماعها أنّها تدل على الغباء، ولكن كما بينت أن الخليفة الثاني يقول إنّ سرّ رقي ابن مسعود أنه كلما سمع من رسول الله ﷺ  شيئا لم يلبث أن يعمل به. يقول الخليفة الثاني ؓ ورد في الحديث أنّ عبد الله بن مسعود كان ذات مرة قادما إلى مجلس النبي ﷺ وبينما هو يمشي في الشارع سمع صوت الرسول ﷺ يقول: “اجلسوا”. يبدو أنّ مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كان مزدحما وكان بعض القوم واقفين على أطراف المجلس فأمرهم النبي ﷺ بالجلوس، وكان عبد الله بن مسعود لم يكن قد وصل إلى المجلس بعد بل سمع صوت النبيّ ﷺ  وهو في الشارع، فما كان منه إلا أن جلس في مكانه وأخذ يزحف إلى المسجد جالسا كما يفعل الأولاد الصغار. وكان هناك شخص لا يعلم كيف أن روح الطاعة والانقياد تجعل الأمم ناجحةً، فلما رأى عبدَ الله بن مسعود ؓ يزحف هكذا اعترض عليه وقال: ما هذا الغباء؟! كان هذا يعدّه غباءً إذ كان لا يدري أنّ سرّ رقي الأمم هو الطاعة. فقال الرجل لابن مسعود أن الرسول ﷺ  إنما كان يأمر الواقفين على أطراف المسجد أن يجلسوا، ولكنك جلست في الشارع وتزحف إلى المسجد. كان عليك أن تصل إلى المسجد وتجلس هناك، إذ لا فائدة من الزحف هكذا في الشارع. فردّ عليه عبد الله بن مسعود “صحيح ما تقول ولكن لو أني متُّ قبل وصولي إلى المسجد حرمتُ العملَ بأمر الرسول ﷺ هذا، ولكان هناك أمر من أوامره صلى الله عليه وسلّم سمعته ولم ألبّه. إلى هذه الدرجة كان هؤلاء الصحابة تواقين للعمل بأوامر الرسول ﷺ، فكانوا يخافون أن  يخرج من فمه المبارك أمر فلا يستطيعون العمل به. فابن مسعود قال للرجل: لقد سمعت قول الرسول ﷺ  ولو أنا مِتُّ هكذا بدون العمل به ظللتُ قلقًا من أن يُكتب في سجلّ أعمالي أن هذا آخر ما سمعته في حياتك من أمره ﷺ ومع ذلك لم تعمل به. فلم أرَ من اللائق أن أمشي في الشارع حتى أصل إلى المسجد ثم أجلس هنالك. لقد فكّرت أن لا ضمان للحياة ولا أدري هل سأصل إلى المسجد أم لا، فلذلك فضّلتُ الجلوس والزحف إلى المسجد حرصا على أن أعمل بأمر الرسول ﷺ.

إلى هذا المدى كان هؤلاء يراقبون أعمالهم!

ويتابع حضرة المصلح الموعود ؓ ويقول: هناك واقعة أخرى لعبد الله بن مسعود وهي أنّ سيدنا عثمان ؓ صلّى ذات مرة في خلافته في مكة في أيام الحج أربع ركعات. كان قد ذهب للحج وكان مكوثه في مكة قليلا فصلّى أربع ركعات، بينما كان الرسول ﷺ  إذا حجّ صلّى هناك ركعتين لأنّ المسافر مأمور بأن يصلّي ركعتين. ثم جاء أبو بكر ؓ  في عهد خلافته حاجّا إلى مكة وصلى ركعتين. ثم جاء عمر ؓ في خلاقته للحجّ فصلّى في مكة ركعتين، أي قصّر الصلاة حيث أُمِرنا أن نقصرها هنالك. لكن عثمان ؓ  صلى بالناس هنالك أربع ركعات. فثارت ضجة بين القوم وقالوا أن عثمان غير سنة الرسول ﷺ. فجاء الناس إلى عثمان رضي الله عنه وسألوه لماذا صلّيت أربع ركعات؟ فقال ؓ: الواقع أنني قمت باجتهاد بأن الناس من أماكن بعيدة قد أسلموا وقد بدأ كثير منهم  يأتون للحجّ من أماكن نائية جدا، وغالبية هؤلاء لا يعرفون المسائل الإسلامية كما كان يعرفها من سبقوهم، فهم الآن ينظرون فقط إلى أعمالنا أي نحن المسلمين القدامى فيقلدوننا زعما منهم أن هذا ما أمر به الإسلام. فبما أن هؤلاء قلَّما يأتون إلى المدينة ولا يتسنى لهم- وهم في بلادهم- أن يروننا كيف نصلي، لذا خطر ببالي أنني إذا قصرت الصلاة هنا في هذه الأيام ورأوني أقصر في الحج وأصلي ركعتين فقط، فسوف يقولون بعد العودة إلى بلادهم إننا رأينا الخليفة يصلي ركعتين فقط لذا فإن تعليم الإسلام حصرا، أن نصلي ركعتين فقط. وعندما سيقول ذلك هؤلاء للناس بعد العودة إلى بلادهم وبما أن أولئك السكان سيكونون غير مطلعين على أن الصلاة قُصرت لسبب السفر، لذا فهناك احتمال أن ينشأ الاختلاف في الإسلام، ويتعثر الناس. فسيدنا عثمان ؓ اجتهد وقال: رأيت من المناسب أن أصلي أربع ركعات لكيلا لا ينسى الناس أن الصلاة أربع ركعات. أما السؤال كيف جاز لي أن أصلي أربع ركعات فجوابه أني تزوجت هنا، أي زوجتي من مكة، وبما أن بلاد الزوجة تعدّ بلاد الزوج لذا أرى أنني لستُ مسافرا هنا – حيث كان أهل زوجته كلُّهم في مكة – ويجب أن أصلي الصلاة كاملة، فهذا دليل آخر قدمه عثمان ؓ دعمًا لاجتهاده.

باختصار برَّر سيدنا عثمان ؓ اجتهاده في أدائها أربع ركعات، وبيَّن أن ما دفعه إلى ذلك حرصُه على أن لا يتعثر الناس الوافدون من خارج المدينة في فهم تعليم الإسلام. فقولُه هذا لطيف جدا وعميق أيضا. فلما سمعه الصحابةُ فهِمه غالبيتُهم، وبعضهم الآخرون لم يفهموا لكنهم لزموا الصمت. أما الآخرون الذين كانوا يريدون الفتنة فأثاروا ضجة كبيرة، وزعموا أن عمَلَ سيدنا عثمان ؓ هذا مناقض لسنة النبي ﷺ. فبعض أولئك الذين كانوا يريدون الفتنة ويثيرونها جاؤوا إلى سيدنا عبد الله بن مسعود ؓ وقالوا له: أرأيتَ ما حدث اليوم؟ ما الذي كان يقوم به النبيُّ ﷺ وماذا عمل عثمان اليوم؟! فقالوا لعبد الله بن مسعود ؓ: إن النبي ﷺ كان يقصر الصلاة في مكة في أيام الحج، ويصلي ركعتين فقط. أما عثمان فصلَّى أربع ركعات. فقال لهم سيدُنا عبد الله بن مسعود بعد سماع كلامهم: لا يليق بنا أن نثير فتنة، لأن من المؤكد أن خليفة الوقت قد قام بهذا العمل لحكمة ما لم ندركها، فلا تثيروا الفتنة. ثم قال لهم: أنا أيضا صليت أربع ركعات اقتداءً به، فكنت من المصلين خلفه فصليت أربع ركعات. وبعد الصلاة رفعتُ أكف الدعاء إلى الله قائلا: يا إلهي، من هذه الركعات الأربع أرجو أن تتقبل مني ركعتين فقط كنا نؤديهما مع النبي ﷺ ولا تعدّ ركعتين أضافيتين من صلاتي.

يقول سيدنا المصلح الموعود ؓ: ما أعظم الحب الذي تحلّى به عبد الله بن مسعود، إذ قد صلّى أربع ركعات ولكن لم يعجبه ثواب كان أكثر من ركعتين صلاهما النبي ﷺ، فدعا الله تعالى أن يقبل منه ركعتين فقط لا أربع ركعات.

لقد صلّى المقتدون أربع ركعات خلف خليفة الوقت طاعة له، فنالوا ثواب الصلاة وثواب الطاعة كذلك. أما عبد الله بن مسعود فكان له رأي خاص فقال بأنه قد أطاع الخليفة ودعا الله تعالى بما مفاده: لا أريد ثوابا أكثر مما أتاح لنا النبي ﷺ فرصة لنيله بأدائه الصلوات بين ظهرانينا، فدعا اللهَ تعالى أن يقبل منه ركعتين فقط.

يتابع سيدنا المصلح الموعود ؓ ويقول: انظروا ما أجمل مثال طاعة الخليفة! لم يعلم عبد الله بن مسعود السبب الذي بناء عليه صلّى عثمان ؓ أربع ركعات بدلا من ركعتين، مع أن هذا العمل يحسبه كثير من الناس صحيحا، بحيث إذا ذهبوا إلى بيوت زوجاتهم لم يحسبوه سفرا، وإذا ذهبوا إلى بيوت ولدهم لم يحسبوه سفرا، وإذا سافروا إلى بيت الوالدين لم يحسبوه سفرا. إذًا، كان العمل صحيحا، أما حذر سيدنا عثمان ؓ فحتى لا يسيء الفهمَ أناسٌ قادمون من الخارج، ولئلا تحدث فتنة في الإسلام فكان دليلا على درجته العليا من التقوى، فكان في باله ؓ ألا يفتتن الناس. مع أن عبد الله بن مسعود لم يعرف إلى ذلك الحين الحكمة وراء صلاة عثمانَ ؓ أربع ركعات، ولكنه لم يترك الصلاة وراءه بل صلَّاها بكاملها طاعة للخليفة، ثم دعا الله تعالى أن يقبل منه ركعتين فقط لا أربع ركعات. اُنظروا إلى طاعته، وإلى روح التأسي بأسوة النبي ﷺ في كل خطوة! هذا هو السبب وراء تسخير الصحابة العالَم كله مع كونهم غير متعلّمين كليا، إذ يقال أنه كان في مكة كلها أربعة أشخاص متعلّمين. إذًا، هذا كان مستوى طاعة الصحابة التي بسبها نالوا هذه المكانة وانتصروا. فيجب أن نتذكر هذه النقطة دائما. فقد أبدى عبد الله بن مسعود بعمله طاعة الخليفة وكذلك ضرب مَثلا أعلى في حبه للنبي ﷺ. لذلك قد مدح النبيُّ ﷺ عبدَ الله بن مسعود في شتى المناسبات. هذا هو الطريق الأمثل لاجتناب الفتن، وهذه الأسوة لجديرة بالتأسي لكل أحمدي.

ذات مرة لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ؓ رَكْبًا فِي سَفَرٍ لَيْلا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ رَجُلا يُنَادِيهِمْ: مِنْ أَيْنَ الْقَوْمُ؟ فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَقْبَلْنَا مِنَ الْفَجِّ الْعَمِيقِ. فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْبَيْتُ الْعَتِيقُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ فِيهِمْ لَعَالِمًا، فَأَمَرَ رَجُلا يُنَادِيهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ؟ فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّومُ)حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ، قَالَ: نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْكَمُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) فَقَالَ: نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَجْمَعُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) فَقَالَ عُمَرُ: نَادِهِمْ، أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْزَنُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) الآيَةَ، فقَالَ عُمَرُ: نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَرْجَى؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) الآيَةَ، قَالَ عُمَرُ: نَادِهِمْ، أَفِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ ” فقال عمر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ما مفاده بعد سماع هذا الكلام: إنه مُلئ بعلم الفقة.

أقول: لا شك أن عمر ؓ يكون قد علم بعد سماع الردود كلها أن عبد الله بن مسعود وحده قادر على الردود العلمية مثلها.

يقول عبد الله بن مسعود ؓ:  لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ: “ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم.

قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فادخلهم فيه ثم اضرمه عليهم نارا. قال فدخل رسول الله ﷺ ولم يرد عليهم شيئا. فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس يأخذ بقول عمر، وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة.

فخرج عليهم فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه، حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال:

(ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)، ثم قال ﷺ: أنتم عالة فلا يبقين أحدٌ إلا بفداء أو ضربة عنق. قال عبد الله بن مسعود: فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعتُه يذكر الاسلام قال فسكت، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليَ حجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال: “إلا سهيل بن بيضاء”.

أقول: فقد حسب عبد الله بن مسعود ؓ سكوت النبي ﷺ سخطا منه ﷺ لذا أخذه القلق الشديد كل مأخذ بسبب خشية الله وخوفا من عقابه ﷻ. إن خشية الله كانت قد أخذت منه كل مأخذ.

كان عبد الله بن مسعود يخطب كل خميس فقال عبد الله بن مرداس: “كان عبد الله يخطبنا كل خميس فيتكلم بكلمات فيسكت حين يسكت ونحن نشتهي أن يزيدنا.”

كان عبد الله بن مسعود يبين في وعظه المسائي حديثا واحدا من أحاديث النبي ﷺ وكان ولعه وشوقه وحبه للنبي ﷺ في أثناء بيانه الحديث خارقا للعادة. يقول عنه تلميذه مسروق: حدّثَ يوما فقال: سمعت رسول الله ﷺ، فأخذته الرعدة ورعدت ثيابه ثم قال على سبيل الحذر: قال نحو هذا أو هكذا.

أقول: كان عبد الله بن مسعود يراعي عند بيان الحديث الحذر إلى أقصى الدرجات، ويبدو أن السبب وراء ذلك كان الإنذار والبطش الذي بيّنه النبي ﷺ لمن يكذب عليه حديثا.

يتبين مدى حذر عبد الله بن مسعود في بيانه الأحاديث من رواية عن عمرو بن ميمون قال: كان عبد الله بن مسعود تأتي عليه السنة لا يحدث عن رسول الله ﷺ بحديث. فحدّث ذات يوم عنه بحديث، فتغير وجهه، وعلَتْه كآبة، فجعل العرق يتحدر من جبينه ويقول: نحو هذا أو قريب من هذا.

كانت خشية الله تعالى قد بلغت من عبد الله بن مسعود مبلغا حتى كان يقول ما مفاده: وددتُ أني إذا ما متُّ لم أُبعث. (لكي لا أتعرض للسؤال).

عن عبد الله قال: مرض مرضا فجزع فيه، قال: فقلنا له ما رأيناك جزعتَ في مرض ما جزعتَ في مرضك هذا، فقال: إنه أخذني وأقرب بي من الغفلة… ذكر الموتَ عبدُ الله بن مسعود فقال: ما أنا له اليوم بمتيسر… وددتُ أني إذا ما مت لم أُبعث.

عن ابن مسعود أن عبد الله أوصى وكتب في وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: معلوم أن كل شخص يكتب بسم الله الرحمن الرحيم في هذه الأيام أيضا، غير أنه قد ذُكرت هنا كتابته بسم الله الرحمن الرحيم لأنه كان يدرك أهمية هذه الكلمات على وجه الحقيقة لذلك بدأ بالكتابة باسم الله تعالى لينقذه الله الرحمن الرحيم من كل ما يمكن أن يحدث في الوصية فيُبطَش به بسببه.

كانت ظروف عبد الله بن مسعود المالية قد تحسنت كثيرا بفضل الله تعالى فلم يأخذه نصيبه من المال في الفترة الأخيرة من حياته. وفي حالة اليسر هذه حين كانت تركته قد بلغت تسعين ألف درهم، أوصى ابن مسعود أن يُكفن في حُلة بمائتي درهم… وقال: ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون. صلّى عثمان ؓ صلاة الجنازة عليه، ودُفن ليلا في جنة البقيع. يقول الراوي: مررتُ على قبر ابن مسعود الغد من يوم دُفن فرأيته مرشوشا.

أقول: من هنا يتبين مدى حب الناس لعبد الله بن مسعود إذ كان أحد قد رشّ على قبره الماء ليلة دفنه لإحكام القبر.

عن أبي الأحوص قال: شهدتُ أبا موسى وأبا مسعود حين مات عبد الله بن مسعود فقال أحدهما لصاحبه: أتراه ترك بعده مثله؟ فقال: إن قُلْتُ ذلك إِنْ كان لَيُؤْذَنُ لهُ إذا حُجِبْنَا وَيَشْهَدُ إذا غِبْنَا.

وقال تميم بن حرام: جالستُ أصحاب رسول الله ﷺ فما رأيت أحدا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة من عبد الله بن مسعود.

الصحابي الثاني الذي أتناول اليوم ذكره هو قدامة بن مظعون ؓ. هو أخو الصحابي عثمان بن مظعون ؓ، وكانت الصحابية صفية أخت عمر ؓ في عقده، تعددت زيجاته، وإحدى زوجاته هند بنت الوليد التي أنجبت له عمر وفاطمة، والزوجة الأخرى هي فاطمة بنت أبي سفيان التي أنجبت له بنتا مسماة عائشة، وكذلك له بنت اسمها حفصة من أمّ الولد، ووُلدت له رملة من بطن صفية بنت الخطاب. كان ابن 19 عاما عند إسلامه. يعني كان قد أسلم في عنفوان شبابه. وعند الهجرة إلى المدينة ترك جميع أفراد أسرته بيوتهم وهاجروا إلى المدينة، واستضافهم في المدينة عبد الله بن سلمى العجلاني، وحين هاجر النبي ﷺ من مكة إلى المدينة أعطى قدامةَ وإخوتَه قطع أرض لسكنهم الدائم. كان قدامة ؓ من المؤمنين الأوائل، هاجر إلى كل من الحبشة والمدينة، وشهد مع النبي ﷺ بدرا وأحدا والغزوات كلها.

حين تُوفي عثمان بن مظعون ؓ ترك ابنة أوصى عنها إلى أخيه قدامة ؓ، قال عبد الله بن عمر ؓ: هُمَا خَالَايَ، فَمَضَيْتُ إِلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَخْطُبُ ابْنَةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَزَوَّجَنِيهَا (أي وافق على زواجه منها) وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَعْنِي إِلَى أُمِّهَا فَأَرْغَبَهَا فِي الْمَالِ فَحَطَّتْ إِلَيْهِ وَحَطَّتْ الْجَارِيَةُ إِلَى هَوَى أُمِّهَا فَأَبَيَا (كانت البنت وأمُّها تميلان إلى الثاني) حَتَّى ارْتَفَعَ أَمْرُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فدعا قُدَامَة بْن مَظْعُونٍ وسأله عن الأمر فقال قدامة: يَا رَسُولَ اللهِ ابْنَةُ أَخِي أَوْصَى بِهَا إِلَيَّ فَزَوَّجْتُهَا ابْنَ عَمَّتِهَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا فِي الصَّلَاحِ وَلَا فِي الْكَفَاءَةِ، وَلَكِنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنَّمَا حَطَّتْ إِلَى هَوَى أُمِّهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ هِيَ يَتِيمَةٌ وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا (أي لقد توفي أبوها وقد قرّرتَ في حقها ما رأيتَه الأنسب ولكن لا بد من سؤال البنت عن رضاها، ويجب تزويج البنت ممن ترضى به) قَالَ الراوي الذي طلبها أولا وهو ابنُ أخت قدامة: فَانْتُزِعَتْ وَاللهِ مِنِّي بَعْدَ أَنْ مَلَكْتُهَا، فَزَوَّجُوهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ الذي وافقت عليه البنت وأمُّها. هذه هي حرية المرأة التي أقامها النبي ﷺ وأوصى بالاهتمام باليتيمة أكثر لأنها محرومة من الوالد لذا يُخشى أن تُظلم لذا لا بد من مراعاة رضاها. توفي قدامة في 36 للهجرة عن عمر يناهز 68 عاما. وفّقنا الله تعالى لنفهم الدين ونُري نماذج حقيقية للطاعة والوفاء ونقيم مستويات عالية في حب الرسول متأسين بأسوة هؤلاء الصحابة وأن يحفظنا من أن نكون طرفًا في نوع من الفتنة، (آمين).

سأصلي صلاة الغائب على مرحومَين. الجنازة الأولى هي للسيدة أمة الحفيظ بهتي زوجة السيد محمود بهتي من كراتشي. خدمت المرحومة بصفتها رئيسة لجنة إماء الله في محافظة كراتشي لفترة طويلة. توفيت في 27 أيلول/سبتمبر 2018م عن عمر يناهز 93 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. اسم والدها الدكتور غلام علي وكان من صحابة المسيح الموعود ؏. كان والدها طبيبا في الجيش فكان يسكن في مدن مختلفة وينتقل من مدينة إلى أخرى، وحيثما أقام أنشأ بيئة دينية، وهذه مزيَّة خاصة لأصحاب المسيح الموعود ؏، وبعد تبليغه لبضعة أشهر كان الناس يبايعون، وكان الدكتور بعد إنشاء فرع للجماعة يجعل بيته مركزا لأمور الجماعة، وهكذا أقام فروعا كثيرة. وأقامت أسرته في قاديان لأنه كان يريد أن تعيش أسرته في بيئة دينية. وكرّست والدةُ الدكتورة أمة الحفيظ أيضًا حياتها لخدمة الجماعة وعاشت في بيئة قاديان الدينية منذ 1936م.

درست السيدة أمة الحفيظ بهتي بعد الثانوية في الصف الديني بقاديان، وفي هذه الفترة حظيت بشرف المواظبة على حضور دروس القرآن الكريم للمصلح الموعود ؓ، وبدأت تخدم الجماعة منذ أن بلغت سن الوعي. تزوجت من ابن خالتها محمود بهتي، وقصة هذا الزواج طويلة، فقد كتب المصلح الموعود ؓ أنه رأى في الكشف أن والدة البنت أرسلت إليه رسالة مع البنت وسألته عن زواجها من شاب وذكرت اسمه، وبعد قليل جاءته هذه البنت مع رسالة فوافق المصلح الموعود ؓ على هذا الزواج وقال لقد رأيتُ هذا المشهد كله قبل قليل وحدث بعدها بعينه مثل ما رأيتُ في الكشف. وبعد الزواج في 1948م انتقلت المرحومة إلى كراتشي وبدأت في خدمة الجماعة فورًا، وواصلت دراستها، ثم حصلت على شهادة الماجستير بامتياز في الأدب العربي من جامعة السند إذ كانت كبيرة في السن. في 1975م ذهب زوجها إلى أفريقيا للوظيفة فكانت تذهب إلى أفريقيا بين حين وآخر، وخدمت بصفتها رئيسة الإماء في ليبيريا بأفريقيا. ثم اضطروا إلى ترك هذا البلد بسبب الحرب وعادوا إلى كراتشي، وكانت من الخمسة آلاف المتبرعين الأوائل في صندوق التحريك الجديد. وفي 1991م انتُخبت نائبة الرئيسة وسكرتيرة التعليم في لجنة إماء الله بكراتشي، وحين منحت لجنة إماء الله المركزية شهادات لمن خدمْن خمس  عشرة سنة بمناسبة اليوبيل المئوي للجماعة حصلت المرحومة أيضا على شهادة. خدمت بصفتها رئيسة الإماء في محافظة كراتشي منذ 1997م حتى أيار 2018م، وفي هذه الفترة قامت بزيارات في طول كراتشي وعرضها، مع أنها مدينة كبيرة جدا، وعقدت جلسات واجتماعات مع الهيئات وقوَّت اللجنة إداريا. وفترة خدماتها ممتدة إلى سبعين سنة تقريبا بدءا من 1948 حتى 2018م.

قالت رئيسة لجنة إماء الله الحالية السيدة أمة النور بمحافظة كراتشي: قامت المرحومة بخدمات حافلة لمدة سبعين عاما، كانت ليِّنة القلب، وكان من طبيعتها أن تلاقي الآخرين بوجه طلق وتتحدث إليهم بهدوء، وكان مبدؤها الالتزام بالمواعيد، وكلما عُهدت إليها مهمة سجّلتها في مذكرتها لكيلا تنسى، ثم بعد إنجاز المهمة كانت تخبر المكتب المعني. وكلما تلقّت توجيها من المركز أخبرت فورا مسؤولةَ المكتب المعني في هيئتها ولم تكن تنتظر حتى يُفتح المكتب. وأدّت واجباتها دوما بالوفاء وأبدت نموذجَ كاملِ الوفاء والطاعة للخلافة.

وعملت السيدة أمة الباري ناصر المحترمة أيضا مع المرحومة فكتبت: كانت المرحومة تستخدمنا بحب ولم تكن تتعالى علينا، وفي زمن رئاستها تمكنت لجنة إماء الله في كراتشي من نشْر خمسين كتابا بما فيها مجموعة شعرية للمسيح الموعود ؏ باللغة الفارسية. كانت المرحومة حليمةً جدا. تقول السيدة أمة الباري: أرى أن مَزِيَّتَها الكبرى هي صبرها وحِلْمها، وكانت متفهمة للأمور وخاصة في الأمور العائلية كانت تسمع الفريقين وتُسدي إليهما نصيحة مناسبة وتسعى لإصلاح الأمور، (وهذه المشاكل موجودة في هذه الأيام أيضا، وقد ازدادت المشاكل العائلية بين الأحمديين أيضا في هذه الأيام. ندعو الله تعالى أن يهب المتنازعين العقل ليُصلحوا أمورهم كما يهب المسؤولين أيضا العقلَ لكي يلعبوا دورهم في إصلاح الأمور).

كتبت كنّتُها: عاملت جميع الكنّات معاملة بناتها، لذا كُنا نستشيرها في مشاكلنا دونما خجل. كتبت السكرتيرة العامة للجنة إماء الله بكراتشي: كانت المرحومة تعمل معنا بالمواساة أثناء إدارتها للمكتب وكانت تُرشدنا. ثم كتبت كنّتها الأخرى: كانت تهتم جدا بتعليم القرآن، وعلَّمت أحفادها وحفيداتها القرآن الكريم والأمور الدينية، وكانت تُحسن المعاملة مع خدم البيت والفقراءَ أيضًا بل كانت بعد وفاتهم تهتم بذويهم أيضا وتسعى لأداء حقوقهم دومًا. غمرها الله تعالى بمغفرته ورحمته ورفع درجاتها ووفّق أولادها ليقتفوا خُطاها.

والجنازة الثانية هي للسيد عدنان وينن بروك الذي كان سكرتير الأمور الخارجة في الهيئة الوطنية لجماعة بلجيكا. لقد تُوفي في 29 أيلول 2018. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان والده السيدُ رضوان وينن بروك أول أحمدي بلجيكي، وقد بايع في الستّينيات. لم يقبل السيد عدنان الأحمدية بسبب والده بل بحث بنفسه وقال أريد أن أدرس بنفسي وبعد الدراسة والتحقيق بايع في 1994م. وبعد بيعته أصبح نشيطا جدا في الجماعة وخاصة في ميدان التبليغ. وفي 1998م عُقد مجلس تبشيري في بلجيكا فقال الخليفة الرابع رحمه الله للحضور وهو يذكره: عندي مترجم يستطيع أن يترجم من الإنجليزية إلى اللغة الفرنسية والهولندية. وكان المرحوم يساعد كثيرا في مثل هذه المجالس في تلك الأيام. كتب السيد إدريس أمير الجماعة في بلجيكا: كان المرحوم مصابا بمرض السرطان وأخذ يتحسن بفضل الله تعالى، فبدأ يأتي دار التبشير مرة أخرى، وكان يقول دوما إنه فضل الله تعالى أنني تحسنتُ وإلا قد مات جميع المرضى الآخرون الذين أصيبوا بهذا المرض. كان المرحوم عضوا بفريق العلاقات العامة في جماعة بلجيكا، وبعد ذلك عيَّنتُه في 2016م سكرتير الأمور الخارجية الوطني، فظل يخدم بنشاط، ولعب دورا مهما في التعريف بالجماعة في أوساط حكومية. كتب أمير الجماعة أن المرحوم بالرغم من مرضه كان يذهب معي إلى الدوائر الحكومية. وكان رغم مرضه يقوم بأعمال المراسلة المتعلقة بالأمور الخاجية من المستشفى أيضا. وفي الوقت الأخير أيضا كان مسؤول فريق الترجمة الهولندية في بلجيكا. ترجم بعض الكتب أيضا بجهد جهيد، وكان يقوم بمراجعة نهائية لترجمة خُطبي إلى اللغة الهولندية. كذلك كان يراجع الترجمة الهولندية للبيانات الصحفية من قِبل الجماعة. ثم كتب الأمير: كان يقول السيد عدنان أثناء جولاتي إن هذا المرض رحمة لي لأن فيه وجدتُ فرصة قراءة كتب المسيح الموعود ؏ وكتبا أخرى للجماعة ما زادني إيمانا بوجود الله تعالى. وكان المرحوم راضيا برضى الله تعالى في مرضه أيضا. وظل ينصح أخاه أن يقلل من اهتمامه بالأمور الدنيوية ويُعطي وقتا أكثر لخدمة الجماعة. قال الأمير: كان المرحوم يقول لي: إن أخي يمكن أن يفيد الجماعة في الأمور الخارجية لذا أرجو أن تستخدمه في هذا المجال.

تقول والدة المرحوم: دخلت الأحمدية في أسرتنا بسبب والد السيد عدنان الذي مكث في العراق سبع سنوات حيث قرأ القرآن الكريم وهنالك أسلم. وحين جاء إلى هولندا التقى بالإمام بشير ونتيجة تبليغه أصبح أحمديا. وذات مرة حين جاء الخليفة الرابع رحمه الله إلى بلجيكا التقى به وقال له: ادعُ لي أن يُثبتني الله تعالى دوما. قالت والدة عدنان: لم يكن والد عدنان يرغب في الأمور الدنيوية، وكان ابني عدنان أيضا يقتفي خطى والده، ملتزما بالصلوات، خادما للجماعة ووفيا للخلافة وكان يستمع لخطبة الخليفة كل أسبوع ويُسمعها أولاده أيضا. كان يظل مستعدا لخدمة الجماعة دوما، وكانت علاقته بالجماعة وطيدة. رفع الله تعالى درجاته وغفر له ورحمه وأعطى الجماعة مثل هؤلاء الخدام الأوفياء دائما. ترك في ذويه ابنا وبنتا، ندعو الله تعالى أن يثبتهما على الدين ويزيدهما إيمانا ويوفقهما ليقتديا بقدوة والدهما، (آمين).

 

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز