خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي ؏

يوم 2/11/2018

في مسجد بيت الرحمن، ميريلاند، أمريكا

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

كل من يسمي نفسه أحمديا لا يجعله أحمديا حقيقيا مجرد إعلانه فقط أنه يؤمن بالمسيح الموعود ؏ ويؤمن بدعواه، بل الحق أنه ؏ قد وضع بعض الشروط لكون المرء أحمديا حقيقيا، وحمّله بعض المسؤوليات ووجهه إلى بعض الواجبات وقال إنكم إذا عملتم بها وأديتم تلك الواجبات عندها فقط ستُعَدّون من جماعتي في الحقيقة. إذًا، إن تبديل المعتقدات فقط لا يكفي ليكون المرء أحمديا، كما لا يكفيه القول أن أبويه كانا أحمديين أو هو يؤمن بدعاوى المسيح الموعود ؏ لذا فهو أيضا أحمدي. لا شك أن هذا الأمر يُدخله في زُمرة الأحمديين من حيث المعتقد، ولكن ليكون المرء أحمديا عمليا لا بد له من العمل بكل قواه وقدراته ومواهبه، كما توقّع المسيح الموعود ؏ من كل أحمدي. فقد وضّح ؏ أنه إن كنتم لا تسعون للعمل بها بكل ما أُوتيم من القوى والمواهب فإن إعلانكم ليس إلا كلام فارغ تتفوهون به بلسانكم فقط. يقول المسيح الموعود ؏ ما معناه:

المراد من البيعة هو تسليم النفس، أي أننا بِعْنا اليوم أنفسَنا لله تعالى. وهذا ليس بالأمر الهَيِّن. فعندما نبيع شيئا فلا يبقى فيه أي حقّ لنا بل الذي بِعناه له يصبح هو مالِكه وله الحق في استخدامه كما يشاء. فهذه هي الحالة التي يجب أن نوردها على أنفسنا. وهذه هي الفكرة التي ينبغي أن نتمسك بها عن أنفسنا. وقال ؏ عن الوصول إلى هذه الحالة والفكرة:

“أولا وقبل كل شيء لا بد للمبايع من التواضع والانفصال عن الأنانية والنفسانية”

إذًا، يقول المسيح الموعود بكلماته أنه لا بد من الانفصال عن الأنانية والنفسانية. ولكن الأنانية والنفسانية قد بلغت من بعض الناس مبلغا أن مسؤولا في الجماعة كان ناقما على مسؤول آخر فلم يحضر المسجد للصلاة مع وجودي هنا، وذلك لأن علاقته مع مسؤول آخر لم تكن على ما يرام. وهذا يعني أن أنانيته ونفسانيته قد ازدادت إلى درجة أنه لم يراعِ منصب الخلافة مع ادعائه بيعة الخليفة. بينما يقول المسيح الموعود ؏: لا بد للمبايع من التواضع والانفصال عن الأنانية والنفسانية، عندها ينمو ويزدهر، أما الذي يتمسك بأنانيته حتى بعد البيعة فلا يفوز بأي فيض أبدا”.

أقول: إن بعض الناس يدّعون باللسان فقط دعاوى كبيرة، ويقابلونني أيضا بحفاوة كبيرة، ولكن لا يبالون بوجود الخليفة هنا فلا يذهبون إلى المسجد للصلاة خلفه، لا سيما أنهم لا يأتون المسجد من أجل أيّ مسؤول، علما أن فاعل ذلك أيضا يحتل منصبا في الجماعة. فإذا كانت الحال على هذا المنوال فلا فائدة من كون المرء أحمديا على هذا النحو. إذًا، المراد من بيع النفس هو خلق التواضع في النفس والانفصال عن الأنانية. فلا بد من التنحي عن الأنانية والعُجب والنفسانية حتى لا يبقى شيء لنفسه، بل فيصبح كل شيء تابعا لأوامر الله تعالى. وإذا حلَّت هذه الحالة على النفس فإن الله تعالى لا يضيعها. فإذا باع أحد نفسه لله تعالى فإنه ﷻ يقدّرها أيضا ويحميها من كل الجوانب.

يقول المسيح الموعود ؏ ما معناه: لو وعدتم عند البيعة بشيء، ثم كان عملكم مختلفا عنه لكان ذلك تناقضا كبيرا فيكم. إن لم تسووا أموركم مع الله لن يصلح أعمالكم، لذا عليكم أن تحاسبوا إيمانكم وأعمالكم وتروا ما إذا كنتم أحدثتم في نفوسكم تغييرا ونزاهة، حتى يكون قلبكم عرش الله، وتأتوا تحت ظل حمايته.

يقول ؏: “لقد نصحتُ جماعتي مرارا ألا يعتمدوا على مجرد البيعة. لن تنالوا النجاة ما لم تصلوا إلى حقيقتها”.

يقول ؏ ما معناه: “أنصحكم مرارا وتكرارا أن تصبحوا طاهرين ونزيهين كما أحدث الصحابة ؓ تغييرا فيهم”. إذًا، فانظروا إلى الصحابة لتروا ما هي التغييرات الطيبة التي أحدثوها في نفوسهم. فقد بدّلوا عدواة ممتدة إلى سنين بل أجيال إلى الحب والأخوة، ناهيك عن امتناع أحدهم عن حضور المسجد نتيجة سخطٍ لبضع دقائق. كان الناس في ذلك الزمن جهلاء، ثم أصبحوا أناسا مثقفين ثم تحوّلوا من مثقفين إلى أناس ربّانيين، وآمنوا بالله بالقلب والروح، وأقرّوا أنه لم يبق شيء لنا من اليوم بل أصبح كل شيء لله تعالى. وحين تابوا من الشرك بذلوا قصارى جهودهم لاجتناب الشرك الخفي أيضا. ما هو الشرك الخفي؟ يقول المسيح الموعود ؏ بهذا الشأن: “ليس المراد من الشرك هنا عبادة الأحجار وما شابهها فقط، بل إن عبادة الأسباب والتركيز على الآلهة الدنيوية أيضا شرك”.

أقول: ما هي الآلهة الدنيوية؟ ألا إنها المصالح الدنيوية التي من أجلها ينبذ المرء أحكام الدين وأوامر الله تعالى وراء ظهره. يقول النبي ﷺ ما معناه: إن الرياء في الأعمال والتوجه إلى تحقيق الأماني الخفية أيضا شرك. أي إذا كان أحد يركض وراء أمانيه الدنيوية نابذا أحكام الدين وراء ظهره فهو يرتكب الشرك. كان الصحابة ؓ يخشون الله تعالى حتى رُوي عن صحابي أنه بكى ذات مرة، فسُئل عن سبب بكائه فقال: لقد تذكرتُ قول رسول الله: “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ … وَشَهْوَةً خَفِيَّةً” (سنن ابن ماجه, كتاب الزهد). هذه كانت سيرة الصحابة ؓ في خشية الله تعالى واجتناب الشرك. كانوا قلقين أيضا من أن يكون في الأمة أناس يرتكبون شركا خفيا، إذًا، خطرت هذه الفكرة ببال الصحابي المذكور يوما فارتعدت أوصاله من شدة القلق وبدأ يبكي. هذه هي الحال التي نتيجتها يمكن للإنسان أن يصبح موحدا حقيقيا وعابدا لله تعالى.

يقول المسيح الموعود ؏:

“التوحيد ليس مجرّد أن تقول بلسانك “لا إله إلاّ الله” وأنت تُخفي في قلبك مئات الأوثان، بل إن كلّ من يعظِّم تدابيره أو خططه أو دهاءه بقدر ما يجب أن يعظّم الله بالعبادة؛ أو يعتمد على شخص آخر بقدر ما ينبغي أن يتوكل على الله وحده؛ أو يعظِّم نفسه بقدر ما يجب أن يعبد الله وحده، فهو عابد للأوثان عند الله تعالى… تَذَكّروا أنّ وحدانية الله التي يريد الله منّا الإيمان بها، والتي يعتمد عليها الخلاص والنجاة إنّما هي الإيمان بأنّ الله منـزّه في ذاته عن كلّ شريك، سواء كان وثنًا أو بشرًا أو شمسًا أو قمرًا، أو نفس الإنسان وذاته، أو مَكْرَه أو خداعه؛ وكذلك ينبغي على الإنسان ألاّ يَعُدّ أحدًا قادرًا مثل الله، وألاّ يعُدّ أحدًا رازقًا غير الله، وألاّ يحسب أحدًا قادرا على أن يعزّه أو يذلّه”.

أي يجب ألا يحسب المرء أن عزته أو ذلته بيد هؤلاء بل يجب أن يوقن أن هذه الأمور كلها بيد الله تعالى وحده. هذا هو الشرط الأساسي للإسلام، وهو الشرط الأساسي للأحمدية أي الإسلام الحقيقي.

لقد قال لي شخص مرة أن الناس يرفعون مكانة الخلافة أو خليفة الوقت إلى حد الشرك. فليكن واضحا أن المسيح الموعود ؏ جاء، بصفته خادما صادقا للنبي ﷺ، لمحو الشرك من العالم. فلا يمكن بأيّ حال أن يؤدي تعليمه إلى انتشار الشرك بل إن مهمة الخليفة الأساسية هي القضاء على الشرك وإقامة وحدانية الله تعالى وإكمال المهمة التي بُعث المسيح الموعود ؏ من أجلها. فإذا كان أحد يأخذ هذا الانطباع من احترام الناس الخليفةَ أو من لقائهم إياه بإكرام وحفاوة فعليه أن يفكر قبل تبنّي هذا الرأي لعله يسيء الظن. فإذا كان رأيه هذا مبنيا على سوء الظن فقط فعلى كل الظانين السوء أن يجتنبوه. أما إذا كان أحد قد بلغ الحد المذكور فعلا حتى نشأ عنده انطباع أن مكانة الخليفة تُرفع إلى حد الشرك فعليه أن يستغفر ويأخذ الحيطة والحذر بعين الاعتبار. لا أقبل أنا ولم يقبل الخلفاء الذين سبقوني ولن يقبل الخلفاء القادمون بإذن الله فكرة أن للخليفة أهمية بحد ذاته.

أما إقامة احترام الخلافة فهي مهمةُ خليفة الوقت، فهذا واجبه وسيقوم به لأنه قد قُدّر نشر رسالة التوحيد في العالم والقضاء على الشرك بواسطة الخلافة بحسب وعود الله تعالى ووفق نبوءة النبي ﷺ. فيجب أن تُخرجوا من أذهانكم مثل هذه الأفكار التي تنشأ عمومًا في أذهان غير ناضجة جراء قلة التربية.

الأمر الذي نبّهنا إليه المسيح الموعود ؏، والذي أخذ منا البيعة عليه – بعد السعي لإقامة التوحيد وتطهير قلوب المؤمنين من الشرك – هو تجنب قول الزور والسيئات الخلقية.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج 31).

يوضح المسيح الموعود ؏ هذا الأمر فيقول:

“لقد عَدّ القرآنُ الكريم قولَ الزور نجاسةً ورجسًا (أي اعتبره نجاسة وقذارة، فقال:) لقد ذكر الله هنا (أي في الآية المذكورة آنفًا) الزور مقابل الأوثان. والزور وثنٌ حقًا، وإلاّ لما تَرك أحدٌ الصّدق ومال إلى غيره. وكما أنّ الوثن لا حقيقة له، كذلك لا يُبدي قولُ الزور إلا بريقا زائفا (أي هناك تمويه تحت الكذب، وتُقَدَّم الكلماتُ بتلبيسها معاني معسولة أو تُقَدَّم عبارةٌ بصورة جميلة بينما هي تفتقر إلى كل هذه المعاني والجمال. ثم يقول حضرته:) الكذب أيضا وثنٌ، يترك المعتمِدُ عليه التوكّلَ على الله، فبالكذب يخسر الإنسان اللهَ سبحانه وتعالى”.

فإذا كنا ندعي التشبث بالتوحيد والالتزام بعبادة الله تعالى وبكوننا المسلمين الحقيقيين فلا بد أن نُخرج الكذب والكاذب من بيننا.

يلجأ البعض إلى التكلم بخلاف الواقع حول أتفه الأمور، وهو أمر لا يليق بالمؤمن البتة. لا تظنوا أن الكلام خلاف الواقع لا يعدّ كذبًا، كلا، بل هو الكذب بعينه ويُبعد عن التوحيد. هناك كثير من الأمور القضائية والخصومات وغيرها التي يكذب فيها الإنسان وينجح أحيانًا في استصدار القرار لصالحه، ولكن انظروا كيف أشار النبي ﷺ إلى الكذب بكل دقة، لو فكر فيه الإنسان لاقشعر بدنه من هول الأمر. فقال ﷺ أن من قال لولده الصغير تعال أُعطِك، ثم لم يعطه شيئا فقد كُتِبتْ عليه كذبة. وعليه فإن الكذب كذبٌ حتى ولو تفوّه به صاحبه مزاحًا.

ثم قال ﷺ: الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفسق والْفُجُورِ وَإِنَّ الفسق والْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. والفسق والفجور يعني الابتعاد عن الصدق وارتكاب الآثام والمعاصي بكثرة. فعلينا محاسبة أنفسنا دومًا لنرى ما إذا كنا على المستوى الأعلى المطلوب للالتزام بالصدق الذي ذكره النبي ﷺ والذي قال عنه بأنه يهدي إلى الجنة.

ثم هناك سيئة أخرى نصح المسيح الموعود ؏ المؤمنين به باجتنابها بشكل خاص، كما ورد الأمر بتجنبها في شروط البيعة أيضا، ألا وهي الزنا. لا يقتصر الزنا على العلاقات الجنسية فقط بل قال حضرته بأن الله تعالى يقول: “(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) (الإسراء 33) أي ابتعدوا عن مناسبات يمكن أن تخطر بسببها هذه الفكرة ببالكم. ولا تسلكوا مسلكا يخشى بسببه الوقوع في الذنوب”.

أي على المرء أن يجتنب الطرق التي يخشى من خلالها الوقوع في الزنا. في العصر الراهن تُعرض على التلفاز والإنترنيت أفلام يتم فيها التحريض على الزنا بشكل علني، فعلى كل أحمدي اجتناب هذه الأمور. إن مثل هذه الأمور أحدثت خصومات في بيوت كثيرة، وأدت إلى تفكك الأسر الكثيرة، وذلك لأن الزوج يجلس ويشاهد مثل هذه الأفلام على الإنترنيت ومنها تتولد الأفكار الخاطئة، كما يفسد من جرائها كثير من الشباب بعد وقوعهم في الصحبة السيئة، وذلك لأنهم اعتادوا مشاهدة الأفلام الخلاعية. هذا ما اعتبره المجتمع المتطور المزعوم حريةً ورقيًا، ولكن علينا أن ننقذ أنفسنا من هذه السيئات. لقد أصبح هؤلاء الناس أيضا يقولون الآن بأن أضرار هذه الأفلام كثيرة. وإن تقصيتم الحقائق عن الأفلام الإباحية فستجدون أنها تؤدي إلى الزنا والعنف المنـزلي، وإنشاء العلاقات غير المشروعة، وإلى حدوث حالات اغتصاب الأطفال، كل ذلك يحدث بسبب هذه الأفلام الإباحية.

قال المسيح الموعود ؏ أنه يجب ألا يخطر ببالكم مثل هذه الأمور، فإن خطر ببالكم منها شيء فاجتنبوه. والآن بعد الاطلاع على هذه الأمور يتحقق قول حضرته ؏ ويثبت أن هذه الأشياء مليئة بأمور خاطئة. وعلى كل أحمدي أن يجتنبها على وجه خاص.

ثم نبّه المسيح الموعود ؏ إلى اجتناب كل نوع من الظلم حتى نكون أحمديين حقيقيين. قال حضرته إن أردتم الانتساب إلي فلا يخطر ببالكم خاطرة عن الشر والظلم والفساد والفتنة. سُئل النبي ﷺ: ما هو أعظم الغلول؟ فقال: أعظم الغلول عند الله يوم القيامة، ذراعُ أرضٍ يسرقه رجلٌ (أي يتسلط عليها غصبًا، فإن أخذ منها ظلما حجرًا يُحمَل بإصبعين فحسب أي إن سطا على أصغر شيء من هذه القطعة) فيطوّقه من سبع أرضين”، أي فستوخذ جميع طبقات الأرض تحته ويُجعل منها طوقًا ويوضع في عنق هذا الرجل عند الحساب. إن مساحة هذه الطبقات الأرضية تقدّر بآلاف الأميال بدءًا من طرف إلى طرف آخر، ومن هنا يمكن للإنسان أن يتصور حجم الثقل والأعباء التي يقع تحتها يوم القيامة بسبب تصرفه المذكور. إنها عقوبة لا يستطيع الإنسان أن يتصور هولها. فإنّ غصْبَ حقوق الآخرين ظلم وإثم. عندما نطلع غير المسلمين على مزايا الإسلام نقول إن تعاليم الإسلام تقدم معايير عليا لأداء حقوق العباد، والإسلام يتكلم عن أداء الحقوق لا المطالبة بها. نخبر الناس بكل لهفة وحماس عن مثل هذه الأمور، ولكن إن كانت أعمالنا مخالفة لها لكنا آثمين وكاذبين. يجب على كل أحمدي أن يحاسب نفسه بكل دقة من هذه الناحية أيضا. إن كانت أعمالنا مطابقة لتعاليمنا فسيثمر تبليغنا أيضا ويكون تأثيرنا في الآخرين طيبًا أيضا. إن المعيار الذي وضعه المسيح الموعود ؏، كما ذكر، هو ألا تخطر بالبال فكرة الظلم، ناهيك أن يقوم أحد بممارسة الظلم بالآخرين.

ثم إن المواظبة على عبادة الله تعالى أيضا من أهم الشروط ليكون الإنسان مؤمنًا. بل جعل الله تعالى العبادةَ هدفًا من خلق الإنسان. يقول المسيح الموعود ؏:

“يا مَن تعتبرون أنفسكم من جماعتي، إنكم لن تُعَدّوا من جماعتي في السماء إلا إذا سرتم في دروب التقوى حقا وصدقا. فأَدُّوا صلواتِكم الخمس بخشية وخضوع كأنكم ترون الله تعالى” (سفينة نوح، الخزائن الروحانية ج19 ص15).

ثم قال حضرته ؏:

الصلاة مكتوبة على كل مسلم فقد ورد في الحديث الشريف أنه أسلم قومٌ فجاءوا إلى النبي ﷺ فقالوا يا رسول الله، نرجو أن تُعفينا من الصلاة لأننا تجار وتكون معنا كثير من الماشية حيث كانوا يربّون قطعانا من الماشية فيرعونها أو يعملون عند الآخرين ويتحملّون مشقة كبيرة فقالوا بأنه لا ثقة لنا بنظافة الثياب كما لا نجد وقت فراغ حتى نصلي الصلوات خمس. فقال لهم ردًّا على ذلك: انظروا، إن لم تكن هناك الصلاة فماذا بقي بعدها؟ فالدين الذي لا صلاة فيه لا قيمة له.

ما هي الصلاة؟ إنما هي أن يَعرض المرء تواضعه وضعفه أمام الله ويطلب منه قضاء حاجاته… فإنما الصلاة أن يذكر المرء الله حبًّا وخوفا وينشغل في ذكره كل حين وآن، وهو الدين بعينه.

فالذي يريد أن يتخلى عن الصلاة ويُعفى منها فعمله لا يتجاوز عمل الحيوانات (أي حالته تشابه الحيوانات)، فالأكل والشرب والنوم كالبهائم ليس من الدين في شيء، بل هي سيرة الكفار.

فقال المسيح الموعود ؏ بوضوح أن ما يميز بين الحيوان والإنسان هو الصلاة والعبادة، وإذا كنتم لا تهتمون بأداء الصلاة فانظروا بأنفسكم تحت أي فئة تندرجون؟ وقد وجّهتُ إلى ذلك مرارا وأوجه بين حين وآخر أنه لو كان المسجد أو مركز الصلاة بعيدا فيمكن لأصحاب بعض البيوت القريبة من بعضها أن يخصّصوا مكانا يستطيعون الصلاة فيه، فبذلك ينالون ثواب الصلاة بالجماعة كما يتوجهون إلى الصلاة، كذلك تتوجه إلى ذلك أجيالهم أيضا ويتم إصلاحهم. إننا نهتم ببناء المساجد ونبنيها، سوف أفتتح غدا مسجدا في فرجينيا، إن شاء الله، ولكن إذا لم يكن توجُّهنا إلى العبادات فما فائدة بناء المساجد؟ أقول مرارا لو توجه إلى حضور الصلاة جيدا المسؤولون في الجماعة وفي التنظيمات الفرعية لازداد حضور الصلاة أضعافا ولتربَّت أجيالنا القادمة أيضا، وهناك قول للنبي ﷺ عن الصلاة يهزّ قلوبنا يقينا، قال النبي ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. ليس هينا ألا يهتم المرء بالصلاة كما هو حقها، ندعو الله تعالى أن يوفق كل أحمدي ليؤدي حق الصلاة، ولا يقتصر ذلك على الصلوات الفريضة فقط بل قال المسيح الموعود ؏ يجب أن يتوجه إلى أداء صلاة التهجد والنوافل أيضا، قال النبي ﷺ: فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَــوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ. وذلك لو كان يؤدي النوافل، لذا أداء النوافل والتهجد أيضا شيء مهم ولا بد من التوجه إلى ذلك.

ثم هناك شيء آخر هام للغاية يجب على كل أحمدي الاهتمام بذلك وهو أن يتوجه المرء دوما إلى أن يستغفر الله تعالى من ذنوبه، لأن الإنسان ضعيف ففي بعض الأحيان رغم سعيه ليجتنب الأخطاء تصدر منه بعض الأخطاء، وإن الله تعالى ليس ممن يمسك بالأخطاء فقط أو يعاقب في كل حال أو ينظر إلى الأخطاء فحسب بل هو أخبرنا بكيفية الاستعفاء من الأخطاء وطريق اجتنابها في المستقبل، وهو الاستغفار، قال النبي ﷺ ما كان الله ليعذب قوما وهم يستغفرون، فلو كان بعض القوم يستغفرون نجا الكثيرون الآخرون من العذاب بسببهم، قال المسيح الموعود ؏ في ذلك:

“بعض الناس يدركون حقيقة الذنب، وبعضُهم لا يدركونها، ولذلك أوجب الله تعالى الالتزام بالاستغفار دوما (سواء علم المرء بذنوبه أم لا يعلم بها يجب أن يستمر في الاستغفار لأنه لا يعلم متى وماذا ارتكب من الأخطاء دونما دراية، قال ؏: ولذلك أوجب الله تعالى الالتزام بالاستغفار دوما) ليستمر الإنسان في طلب حماية اللهِ من جميع الخطايا الظاهرة والخفية، المعلومة والمجهولة، وسواء التي ارتكبها باليد أو الرجل أو الأنف أو العين. (أيْ جميع أعضاء الإنسان المختلفة تصبح وسيلة ارتكاب الذنوب لذا يجب أن تستمروا في الاستغفار لحماية كل عضو من تلك الأعضاء، ولذلك علّمنا المسيح الموعود ؏ هذا الدعاء قائلا:) وفي هذه الأيام، يجب الابتهال إلى الله بدعاء آدم ؏ بتركيز خاص: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّـمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (الملفوظات ج 2) قال ؏: لو استعان الناس بالله تعالى أيْ استغفروه لزالت تقصيراتهم بتأييد روح القدس.

ثم وضع المسيح الموعود ؏ من الشروط الأساسية لمبايِعيه أن يكون المبايعون ممن يؤدون حقوق العباد ويجتنبون إيذاء أحد من خلق الله تعالى بأي طريقة، وقال ؏ وهو يوجّهنا إلى فحص قلوبنا كل حين: “هل في قلوبكم تقوى الله وخشيته؟ وبالنتيجة هل فيكم التعاطف المطلوب مع خَلْقه ومواساتهم؟” ورد في حديث بأن النبي ﷺ قال: لا تَحَاسَدُوا وَلا تَنَاجَشُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ… بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشّرّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم. كلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة) وهذا الأمر يجب أن يظهر في أعمال الأحمديين إلى حد لا بأس به بفضل الله تعالى. لو أن كل مسلم اليوم يدرك هذه الحقيقة ويعمل بها سواء كان حاكما أو محكوما، لما حدث كل ما يحدث اليوم من ظلم المسلم للمسلم وهدر دمه وغصب ماله، ولما كان مئاتُ الآلاف من الأطفال يتامى ومئات الآلاف من النساء أراملَ ولما قُتل المسنّون.

ثم هناك سيئة كبيرة أخرى وهي التكبر الذي أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم باجتنابه، ووجهنا إلى ذلك النبي ﷺ أيضا. قال النبي ﷺ: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقَال ذرّة مِن كِبر. قال المسيح الموعود ؏: “وفي رأيي إن الطريق المثلى للتزكّي أن يتخلى الإنسان عن كل نوع من التكبر والتفاخر، ومن المستحيل أن تَجِد طريقًا أَفضل منها. فعليه ألا يتكبر سواء بعلمه أو بنسبه أو بثروته”. ثم قال ؏: “إني أنصح جماعتي أن يجتنبوا التكبّر لأن التكبر جِدُّ مكروهٍ في أعين ربنا ذي الجلال”. قال النبي ﷺ في مناسبة حجة الوداع أن جميع البشر سواسية من أي قوم كانوا وفي أي منصب كانوا، ولا فضل لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر ولا لعربيّ على أعجميّ ولا لأعجميّ على عربيّ. فهذا ما أُعطِينا من تعليم التواضع والمواساة وتعليم اجتناب التكبر والزهو الذي يجب أن نعمل به. وفي العالم غير الإسلامي يـُميز بين أحـمر وأسود ويدّعى بعض الزعماء البيض أن البيض يملكون قوى دماغية وكفاءات أكثر من غيرهم، هذه هي حالة تكبرهم، وعلى كل أحمدي أن يجتنب هذه الأمور.

في مناسبتَين مختلفتَين أبدت بعض الفتيات في اللقاءات معي أن في جماعة أمريكا يوجد نوع من التمييز العنصري، وإذا نشأ هذا التفكير في أذهان الناشئة لبعض الأسباب فهذا خطأ كبير، يجب على لجنة إماء الله ومجلس خدام الأحمدية ومجلس أنصار الله ونظام الجماعة أيضا أن يدرسوا هذا الأمر ولماذا تنشأ هذه الأسئلة. وإذا كانت فيها أية حقيقة فعليهم أن يسعوا بالحكمة والمحبة لإزالة هذا التفكير والشعور ويربوهم. وينبغي على كل تنظيم أو مسؤول ألا يقرر شيئا في هذا الأمر مستعجلا، أو يبدأ بتحري من قال ذلك ومن لم يقل، بل عليه أن ينظر ما هي الحقيقة. وهذا ما ينبغي أن يُنظَر، هل هذه حقيقة أم لا؟ وإن لم تكن حقيقة فلماذا تنشأ مثل هذه الأسئلة؟! وهل هناك خلافات شخصية تُسبب نشوء مثل هذه الأفكار؟ مهما كان السبب فيجب علينا أن نُخرج مِنا هذه السيئة بحكمة ومحبة. والبنت التي أخبرتني بذلك قلتُ لها أن تكتب إلي بالتفصيل لماذا خطر ببالها أن التمييز العنصري ينشأ في الجماعة. على أية حال هذا أيضا نوع من التكبر، وعلينا اجتنابه بجميع أنواعه.

والأمر الآخر الذي وجهنا إليه المسيح الموعود ؏ والذي أمر به الله تعالى أيضا وأوصانا به النبي ﷺ أيضا هو التضحية المالية.

بفضل الله تعالى تتقدم فروع الجماعة في كل العالم في التضحيات المالية الطارئة والعابرة، وجماعتنا في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا تسعى حقًا للمساهمة في التضحيات المالية بفضل الله تعالى، ولكن فيما يتعلق بنظام التبرعات الثابت أعني التبرع العام على الدخل وغيره فأجد من خلال الاطلاع على الأرقام والإحصائيات التي ترفع إليَّ من جماعتكم هنا أن هناك نقصا كبيرا في هذا المجال، وهناك حاجة إلى عنايتكم بهذا الأمر. إن الإنسان الفقير يمكنه أن يذكر اضطراره ويستأذن ليدفع أقل من النسبة المحددة للتبرع العام على الدخل، ولكن الذين دخلهم جيد فعليهم يفحصوا أنفسهم ويروا هل يدفعون التبرع حسب مداخليهم أم لا. إذ لا يجوز لهم أن يفعلوا عند دفع التبرع العام كما يفعل الناس عند دفع الضرائب للحكومة حيث يخصمون هنا وهناك. عليهم أن يروا عند دفع التبرع العام ما هو دخلهم، لأن أمر الإنفاق والتبرع معاملة مع الله تعالى. إن سكرتير المال أو نظام الجماعة لا يعلم مقدار دخل أحدكم وكم عليه أن يدفع من التبرع، ولكن الله يعلم ذلك، فهو خبير بما في الصدور. وأرى أن أبناء الجماعة لو بدأوا يدفعون التبرع العام وفقًا للنسبة المحددة على دخلهم فقلّما نضظر إلى توجيه دعوة خاصة للإخوة من أجل التبرع لبناء المساجد أو الأعمال الأخرى للجماعة. فيجب أن تراجعوا أنفسكم في هذا المجال، ويجب على الذين وعدوا بالتبرع العام بأقل من النسبة المحددة على الدخل أن يعِدوا من جديد بعد فحص الأمر.

أقرأ على مسامعكم في شتى المناسبات قصص المبايعين الجدد من مختلف البلاد كيف أنهم يحدثون التغييرات الطيبة بعد انضمامهم إلى الأحمدية، ويحدثون التغييرات الروحانية، ويهتمون بالعبادات، كما يدركون أهمية التضحيات المالية أيضا رغم فقرهم، وكيف أن الله تعالى يكتب لهم الرخاء حسب ظروفهم، مما يزيدهم إيمانًا وإخلاصا. إن كلمة التضحية نفسها تدل دلالة واضحة على أن المراد منها إنجاز العمل بإلقاء النفس في المشقة، وفي هذا السياق تعني التضحية إنفاق المرء لسد حاجات دين الله بإلقاء نفسه في المشقة. فالذين يدفعون قليلا جدا بدون أية مشقة ويظنون أنهم يقدّمون التضحية فإنهم لا يقدمون أية تضحية، وإنفاقهم ليس منة على الله أبدًا، ولو أنهم لم ينفقوا شيئا فإن الله تعالى سوف يهيئ الأسباب لسد حاجات دينه وكان يسدها وسيظل يسدها بإذنه تعالى. فها إني أنبه الذين لا يدفعون التبرع العام بحسب دخلهم مع أنهم في رخاء، أن يفعلوا ذلك لكي يرثوا أفضال الله تعالى.

والأمر الأخير الذي أود لفت الأنظار إليه هو الطاعة. لقد أمر الله تعالى في مواضع كثيرة جدا في القرآن الكريم بطاعته وطاعة رسوله ثم طاعة أولي الأمر. وقد جعل المسيح الموعود ؏ أيضا الطاعة أحد شروط البيعة وقال إنكم ستطيعونني في المعروف حتى الممات. وتوجد في العهود التي ترددها المنظمات الفرعية في الجماعة كلمات من قبيل أني سيكون لزاما علي أن أعمل بكل ما يأمرني به الخليفة من معروف.

ويقول بعض ذوي التفكير الزائغ أو الطبع النفاقي لقد عاهدنا على الطاعة في المعروف، ولكن بعض قرارت الخليفة لا يكون أمرا معروفا، أو لا يكون معروفا في نظرهم. مثل هذه التأويلات يقدمها هؤلاء. وأصحاب هذا التفكير يوجدون في أماكن مختلفة في الدنيا. ومثل هؤلاء قلة قليلة جدا، ولكن حتى ولو كانت نسبتهم واحدا إلى كل مائة ألف، فمن الضروري تفنيد هذا التفكير، لأنه يسمم عقول الشباب والجيل الصاعد. فلو أن كل شخص بدأ يشرح ما هو القرار المعروف، فلن تبقى الجماعة موحدة، إذ سيبدأ عندها النقاش حول ما هو معروف وما ليس بمعروف.

لقد قال حضرة الخليفة الأول t تبيانًا لهذه القضية:

هناك خطأ آخر في فهم معنى الطاعة في معروف، إذ يقال لن نطيع في أمور لا نراها معروفا. ويتابع الخليفة الأول t ويقول: لقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم بحق النبي ﷺ أيضا، حيث ورد: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ). أفأعدّ هؤلاء الناس قائمة عيوب سيدنا محمد رسول الله ﷺ أيضا؟ أي أسيقولون أن هذا القول من أقواله ﷺ معروف وهذا ليس بمعروف.

وقد قال سيدنا المسيح الموعود ؏ في تفسير قول الله تعالى (يأمرهم بالمعروف): أي أن هذا النبي ﷺ يأمرهم بما ليس خلافا للعقل.

وهذا يعني أن المعروف هو ما ليس خلافا للعقل ومطابق لأحكام القرآن الكريم أيضا.

ثم وردت واقعة أن الرسول ﷺ بعث سرية إلى مكان، فلما وصلوا هنالك أوقدوا النار، فقال لهم أميرهم على سبيل المزاح: لو أمرتكم بإلقاء أنفسكم في النار فهل تلقون أنفسكم فيها؟ فقال بعضهم: كلا، فهذا خطأ وانتحار، وقال بعضهم: إن طاعة الأمير واجبة. وانتهى الأمر على ذلك، لأن الأمير كان يمازحهم. فلما رجعوا إلى المدينة أخبروا النبي ﷺ بما جرى، فقال: إذا أمر الأمير بمعصية الله فلا تطيعوه.

فهذا هو شرح المعروف وتفصيله، أي أن الأمر المخالف لأمر الله تعالى ليس بمعروف، ولكن الأمر الذي يكون مطابقا لأحكام الله ورسوله فهو معروف.

فاتضح من هنا أن المراد من المعروف الذي أُمرنا بالطاعة فيه أو القرار المعروف الذي أُمرنا بالالتزام به هو أحكام الله ثم أحكام رسوله. فما دامت الخلافة الحقة قائمة فينا، وسوف تظل قائمة إن شاء الله بحسب نبوءة الرسول ﷺ، فلن يُصدر الخليفة قرارا مخالفًا لأحكام الله ورسوله أبدًا، بل سيعمل وفق القرآن الكريم والسنة. وكما قلت لقد استخدم الله تعالى في القرآن الكريم  تعبير “الطاعة في المعروف أو الالتزام بقرار معروف” بحق الرسول ﷺ أيضا، وقد استخدم المسيح الموعود ؏ هذا التعبير في شروط البيعة أيضا، كما هو مذكور في كل عهد نردده بحق الخلافة الأحمدية أيضا، ومعناه واضح تماما، أي تنفيذ أحكام الله تعالى وحثُّ الجماعة على العمل بها. وعليه فمن واجب كل من يعدّ نفسه من هذه الجماعة أن يلتزم بهذا العهد ويعمل بكل التعليمات التي يُصدرها الخليفة بشأن الجماعة.

وقد قال حضرة المصلح الموعود ؓ أيضا أن هذا محال، ولو صدر من الخليفة قرار خاطئ، فلأن الله تعالى قد وعد بحماية الخلافة، لذا فلن تظهر لذلك القرار الخاطئ نتائج سيئة، بل سيهيئ الله الأسباب التي تظهر نتائج طيبة لذلك القرار.

لذا فلا يحق لأحد أن يشرح ما هو القرار المعروف. إن القرار المعروف ما يكون مطابقا للقرآن الكريم والسنة والحديث وقرارات المبعوث في هذا العصر حَكَمًا عدلاً. وهذه هي السبيل للحفاظ على وحدة الجماعة، وهذه هي الغاية التي من أجلها بُعث المسيح الموعود ؏، أعني أن تقام الوحدة وأن تشكَّل جماعة من المخلصين والمطيعين، وإلا فإن المسيح الموعود ؏ قد صرح بكلمات واضحة أنْ لا حاجة بي إلى زيادة عدد الذين ينضمون إلى جماعتي ولكن لا يطيعونني. إذا كان الذين ينتمون إلي وينضمون إلى جماعتي لا يصلحون أنفسهم ولا يعيشون وفق أحكام الله وتعاليم رسوله، فلا فائدة من هذه البيعة.

فانتماؤنا إلى الأحمدية إنما ينفعنا إذا أدركنا الحقيقة وسعينا للعمل بها بكل ما أوتينا من قوة وكفاءة.

يقول المسيح الموعود ؏: الطاعة ليست بأمر هين سهل، بل إنها نوع من الموت. إن الذي لا يطيع طاعة كاملة يسيء إلى هذه الجماعة.

وقال ؏: لقد قلت لجماعتي مرارا: لا تتكلوا على هذه البيعة فقط، فلن تنالوا النجاة ما لم تصلوا إلى الحقيقة، يعني حقيقة البيعة.

وفقنا الله تعالى جميعا لأن نفهم تعاليم الإسلام الحقة ونعمل بها، ولأن لنكون من الذين يفون بحق بيعة المسيح الموعود ؏، وأن نظل متمسكين بالخلافة دائما بطاعة كاملة، وأن نعمل بكافة قرارت الخليفة المعروفة بصدق القلب وبطاعة كاملة. وفقنا الله جميعا لذلك، آمين.

 

 

 

 

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز