خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 13/04/2018

في مسجد البشارة في بيدرو آباد بإسبانيا

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

 

في هذا العصر تسود الفتنة والفساد العالمَ في كل طرف وصوب. فتجد في أماكن الفساد منتشرا باسم الدين، وفي غيرها تجد القوى المادية تعيث الفساد لإثبات قوتها وتفوُّقها. وفي أخرى يقع الفساد بسبب الخصام بين الفقير والثري، وفي أماكن أخرى تجد الجماعات الدينية تثير الفساد سعيًا للحصول على السلطة والحكم. كما تجد الفساد في البيوت لأمور تافهة، وتقع في بعض الأماكن خصومات وفتن ومفاسد بسبب عدم أداء البعض لحقوق الآخر. وهناك مناطق يسعى البعض لنشر الفساد فيها إثباتًا لتفوقهم العرقي، وفي غيرها يسعى الناس لبث الفتن والفساد سعيا لأخذ حقوقهم بطرق غير شرعية. ففي أية جهة نظرتم تجدون العالم محاطا بالفتن والمفاسد، فلا الثري محفوظ منها ولا الفقير، ولا البلاد المتقدمة في منجى منها ولا البلاد شبه المتقدمة أو النامية. وكأن الإنسان الذي يظن أنه قد أحرز التقدم الكبير في هذا العصر وأنه عصر العلم والعقل والنور غارقٌ في غياهب الظلمات. الحق أن الإنسان يتقدم إلى هوة الدمار رويدا رويدا، بل قد اقترب منها، بسبب نسيانه ربَّه وسعيِه وراء حطام الدنيا واعتباره إياها ربًا وإلهًا له. وانبهار العالم غير الإسلامي من زخرفة الدنيا في مثل هذه الظروف أمرٌ مفهوم إلى حد ما، لأن أديانهم قد تعرضت للتحريف والفساد، وهي غير قادرة الآن على تقديم حلول شاملة كاملة لهم للوصول إلى الله تعالى، لكن المرء تأخذه الحيرة من المسلمين الذين عندهم كتاب شامل ومكتمل ومحفوظ كما كان منذ اليوم الأول، ثم إن الله تعالى قد أرسل لهم بحسب وعده إمامَ هذا العصر، الذي كان عليه أن يصلح ما تطرق إلى تفاسير القرآن الكريم أو إلى الدين من اختلافات وأخطاء بسبب خلافات العلماء، لكن المؤسف أن أكثرية المسلمين يتّبعون هؤلاء المشايخ والعلماء المفسدين باسم الدين ولا يريدون الإصغاء إلى من أرسله الله تعالى، بدلاً من أن يستمعوا لقوله ويرجعوا إلى ما يقضي على خلافاتهم ومفاسدهم. إن الله تعالى قد دبّر لكي يقضي على ما في العالم من فساد وفتن ولكي ينشر المحبة والأخوة ومعرفة الله، ولكن المسلمين ليسوا مستعدين للعمل بذلك، وهذا هو السبب في أن العالم الإسلامي قد صار الآن أكثر عرضة للفتن والفساد. إن قادة المسلمين الدينيين والدنيويين يدفعونهم إلى الظلمات، ويتعطش أهل البلد الواحد إلى دماء بعضهم، والعالم الخارجي ولا سيما القوى غير الإسلامية تستغلّ هذا الوضع فتُمِدّ فئات من المسلمين بالسلاح والقوة الحربية تأجيجا للحرب بين الفئات الإسلامية لكي تجلب منها المنافع.

هذه مأساة كبيرة جدا. إن هذا الوضع يجب أن يدفعنا للدعاء لأنفسنا نحن الذين آمنا بالمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وأيضا لعامة المسلمين الآخرين الذين لم يؤمنوا به، كما تفرض علينا هذه الظروف أن نهتم بإصلاح أعمالنا وتحسين حالتنا الروحانية كما توقعه منا حضرة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، لأن حالتنا العملية إذا لم تكن كما يريدها حضرته فمن الممكن تماما أن نكون من هذه الفئة التي قد وقعت في الفتن والمفاسد.

لقد نصح المسيح الموعود عليه السلام جماعته مرارا وباستمرار وأخبر كيف يجب أن يكونوا بعد البيعة، وما هي السبل والطرق التي يجب أن يتبعوها لتحقيق هذا المراد. سوف أقرأ على مسامعكم الآن مقتبسات من أقواله عليه السلام التي تنبّهنا إلى هذه الأمر، فعليكم أن تصغوا إليها جيدا، ولا تظنوا أنكم قد سمعتموها أو قرأتموها من قبل مرارا، ذلك لأن الإنسان ينسى الأمر بعد سماعه وقراءته أيضا. لقد ذكر المسيح الموعود عليه السلام هذه الأمور بالتواتر وبشتى الطرق ونصح جماعته بإصلاح حالتهم في مجالس كثيرة على مدى سنوات عديدة مرارا وتكرارا، مما يدل على مدى قلقه على جماعته مخافة أن ينسوا غايتهم وخشية أن يتطرق إليهم الفساد بعد البيعة فيتقهقروا إلى الظلمات ثانية.

يقول حضرته عليه السلام:

“لا بد لجماعتنا أن يتحلّوا بالتقوى في هذا العصر المليء بالفتن والذي تهبّ فيه صراصر الضلالة والغواية والغفلة في كل مكان. لقد ساءت حالة الدنيا لدرجة أنه لم يبق هنا تعظيم لأحكام الله ولا اكتراث للحقوق والوصايا. (أي لا يعرفون ما عليهم من حقوق وكيف يؤدونها، كما لا يبالون بما وُعظوا به أو ما يعظون به الآخرين) لقد تجاوزا الحدود في الانشغال بأمور الدنيا. لو رأوا أدنى خسارة دنيوية تركوا جانب الدين وأضاعوا حقوق الله، كما هو مشهود في القضايا المرفوعة في المحاكم وعند تقسيم الإرث بين الشركاء. يَلقون الآخرين بنية الطمع، ويضعُفون جدا في مكافحة أهواء النفس (أي تتغلب عليهم أهواء النفس لحافز بسيط جدا) لا يتجاسرون على الإثم إلا ما دام الله تركهم في ضعف. (أي إذا كانوا لا يرتكبون الإثم فإنما لأنهم ضعفاء يخافون أن يؤاخذوا ويعاقَبوا، وبمجرد أن زال ضعفهم قليلا وسنحت لهم فرصة ارتكاب الإثم وقعوا فيه فورا) تحروا الوضع في هذا العصر في أي مكان فسوف تجدون أن التقوى الحقيقية قد غابت وأن الإيمان الحق قد اختفى تماما. لكن الله تعالى يريد ألا تضيع بذرة تقوى المسلمين الحقيقية وإيمانهم أبدًا، ذلك أن الله تعالى حين يرى أن الزرع صار على وشك الفناء كلية، فإنه يخلق زرعا جديدا (أي إذا فسد نسل بعض القوم أو فسد قومٌ خلَق الله أو سيخلق قوما آخرين) لا يزال هناك القرآن الكريم الندي نفسه كما قال الله تعالى ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (أي نحن الذين أنزلنا هذا الذكر أي القرآن الكريم ونحن الذين سوف نبقيه محفوظا) كما لا يزال هناك جزء كبير من الأحاديث محفوظا، ولا تزال هناك البركات، لكن ليس في القلوب الإيمان ولا العمل أبدا. إن الله تعالى لم يبعثني إلا لإعادة هذه الأمور ثانية. لما رأى الله تعالى أن الميدان خال، لم ترد مقتضى ألوهيته أبدًا أن يبقى هذا الميدان فارغا. (أي إذا كانت السيئات في انتشار فكان من مقتضى غيرة الله وألوهيته أن يملأ هذا الميدان ثانية أو يخلق أناسًا يؤثرون الدين على الدنيا، وينشرون الدين مرة أخرى ويعملون بالدين. فحضرته يقول: فلم ترد مقتضى ألوهيته أبدًا أن يبقى هذا الميدان فارغا) وأن يظل الناس بعيدين هكذا، فالآن يريد الله أن يخلق إزاءهم قومًا أحياء آخرين، ومن أجل ذلك إنما دعوتنا أن تُنال حياة التقوى.”

فإذا كان الأحمدي قد بايع بيعة صادقة فلا بد له أن يدخل في عداد الأحياء، الأحياء الروحانيين، وإلا فلا فائدة من البيعة. هل نصبح هؤلاء القوم الجدد بالقول باللسان فقط؟ كلا، لا بد لذلك من إصلاح حالتنا العملية والتحلي بالتقوى الحقيقية، وعندها يمكن أن نصبح قوما جديدا يدركون حقيقة الإسلام، وعندها يمكن أن نكون من الذين ينالون رضا الله تعالى، وعندها نفي بعهد بيعتنا.

ما هي حقيقة الإسلام وكيف نتحلى بها، يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:

الإسلام يعني اتيان المرء تحت تصرفات الله كلها. وملخصه طاعة الله الصادقة والكاملة. المسلم من يسلم نفسه كليا لله تعالى ابتغاء رضاه فقط بدون أي أمل في جزاء أو إنعام. (من أسلم وجهه لله وهو محسن)، أي المسلم من وقف نفسه كله ابتغاء رضا الله تعالى، وسلّمها له، فلا يكون مقصوده وغايته من حيث الاعتقاد والعمل إلا رضا الله ووجهه، ولا يصدر عنه ما يصدر من صالحات وأعمال حسنة بمشقة وعناء، بل يسعى أن تصدر عنه بلذة وحلاوة تحوّل كل مشقة إلى راحة (أي إذا كان يقوم بالصالحات ويعمل بأحكام الله تعالى فلا يفعل ذلك باعتباره حملاً ثقيلا عليه، بل يجب أن يجد في القيام بها لذة ومتعة، ويعملها عن طيب نفس) ويسعى أن تحوّل هذه الحلاوة كل مشقة إلى راحة.

يقول حضرته: المسلم الحقيقي يحب الله قائلا ومؤمنا بأنه حبيبي ومولاي وخالقي ومحسني ويضع رأسه على عتباته. وإذا قيل للمسلم الصادق أنه لن يُعطى أجرا على هذه الأعمال قط وليس هناك جنة ولا جحيم ولا راحة ولا ملذات، فمع ذلك لن يستطيع أن يترك أعماله الصالحة وحب الله أبدا (هذا هو الحب الإلهي الخالي من الأطماع والأهواء الذي يريد حضرته منا أن نخلقه في قلوبنا وهو أن نحب الله تعالى حبًّا خالصًا دون أن نتطلع إلى مقابل له وألا يكون خوفًا من الجحيم ولا طمعًا في الجنة، بل حتى ولو لم ينل شيئا جزاء عليه مع ذلك ينبغي أن يظل محافظًا على هذا الحب) لأن عباداته وعلاقته بالله وفناءه في طاعة الله لا يكون أملاً في جزاءٍ أو طمعا في أجر بل يحسب نفسه أنه خُلق لمعرفة الله وحبه وطاعته في الحقيقة ولا هدف له ولا غاية سواها. لذا عندما يبذل قواه التي وهبه الله إياها لتحقيق هذه الغايات والأهداف يرى وجه حبيبه الحقيقي فقط (فعندما تنشئون العلاقة مع الله بإلغاء النفس فسترون وجه الله تعالى وستكون علاقتكم هذه صحيحة) ولا ينظر إلى الجنة والنار في الحقيقة. (بل ينظر إلى رضى الله تعالى).

ثم يصف حضرته حالته في حب الله تعالى فيقول:

“أقول: لو أُكِّد لي أنني سأعاقَب نتيجة حبي لله وطاعته أشد العقاب فأقول حلفا بالله أن طبيعتي مجبولة على أنها تكون مستعدة على تحمل كل هذه المصائب والبلايا كمتعة وبحماس الحب والشوق، وعلى الرغم من اليقين بالعذاب والألم ستحسب الخروج قدما واحدة من طاعة الله واتباعه أكبر من ألف موت بل من الميتات التي لا تعدّ ولا تحصى وستراها مجموعة من الآلام والمصائب.”

يقول حضرته:

إن المسلم الحقيقي يرى الخروج من طاعة أمر الله مدعاة لهلاكه مهما وُعد بالراحة والسعادة في حال عصيانه ذلك الأمر.

فمن الضروري للمسلم الحقيقي أن يفوز بهذا النوع من الطبيعة حتى لا يكون حبه لله وطاعته طمعا في الأجر أو خوفا من العقوبة بل يجب أن يكون هذا الحب خاصيّة طبيعية لفطرته وجزءا منها لا يتجزأ. عندها يخلق ذلك الحب جنة له. وهذه الجنة هي الجنة الحقيقية. لا يدخل أحد الجنة ما لم يسلك هذا المسلك. لذلك أعلّمكم -أنتم الذين هم على صلة معي- للسلوك على هذا الطريق لأن هذا هو الطريق الحقيقي إلى الجنة.”

هذا ما يتوقعه المسيح الموعود عليه السلام منا بخصوص علاقتنا مع الله تعالى وحبنا له. ولقد وضح ذلك حضرته عليه السلام أن الطاعة الكاملة لأحكام الله تعالى، ونيل رضاه ليس أمرًا سهلا، إلا أنه لا بد من بذل قصارى الجهود لتحقيق هذا الأمر وبذلك يتحقق الهدف من كوننا أحمديين. فلقد أثار حضرته بنفسه سؤالا: هل الطاعة أمر سهل؟ ثم يقول ردًّا عليه:

والذي لا يطيع طاعة كاملة يسيء إلى سمعة هذه الجماعة. ليس هناك أمر واحد للطاعة بل هناك أوامر كثيرة. كما للجنة أبواب كثيرة فيدخل أحد من باب ويدخل غيره من باب آخر، كذلك للجحيم أيضا أبواب كثيرة، يجب ألا يحدث أن تغلقوا بابا لها وتفتحوا بابا آخر.

ثم يقول حضرته: اعلموا أنه لا يدخل أحد الجماعة بمجرد تسجيل اسمه ما لم يخلق حقيقتها في نفسه. اُخلقوا الحب فيما بينكم، ولا تتلفوا حقوق بعضكم البعض، وكونوا في سبيل الله كالمجانين حتى يرحمكم الله، لا يخرج شيء عن نطاق فضل الله. (الحكم، مجلد 6، رقم 39، صفحة 10، عدد: 31/ 10/1902 م)

لقد وضح حضرته عليه السلام بأنه لا بد لنيل فضل الله تعالى من الإيمان به تعالى بشكل كامل والعمل بأحكامه، وذكر مثالا عمليا له أيضا فقال: كما أن فم الإنسان لا يتحلى بترديده كلمة الحلويات أو السكر أو الحلو إلا إذا أكل شيئًا حلوًا كذلك لن ينفع الإقرار بحب الله وبوحدانيته ما لم يرافقه جزء عملي، ولا يثبت الجزء العملي إلا عندما تتخلون عن أعباء إيثار الدنيا وتؤثرون الدين عليها.

لقد قال حضرته: إذا كانت جماعتنا تريد أن ترضي الله تعالى فعليها أن توثر الدين على الدنيا، ويجب أن يكون الدين من أولوياتكم، ولقد أنذر أيضا قائلا: واعلموا أنه إن لم تتحلوا بالوفاء والإخلاص لكنتم كاذبين.. ففي هذه الحالة سيهلك مثل هذا الشخص الذي لا يتحلى بالوفاء قبل العدو.

قال حضرته: إن الله تعالى لا يمكن أن ينخدع ولا يسع أحدا أن يخدعه لذا من الضروري أن تخلقوا صدقا وإخلاصا حقيقيين.

ثم شرح حضرته أكثر موضوع إيثار الدين على الدنيا، وكيف يمكن الحصول عليه، وكيف قدّم الصحابة الدين على الدنيا وكيف ينبغي عليكم السعي لتحقيقه فقال حضرته:

“اعلموا أن الناس نوعان، منهم من ينهمكون في تجارات دنيوية بعد قبولهم الإسلام، فيستولي عليهم الشيطان. لا أقول بأن التجارة ممنوعة (أو الانشغال في الأمور الدنيوية ممنوع)، كلا. بل الصحابة أيضا كانوا يشتغلون في التجارة ولكنهم كانوا يؤثرون الدين على الدنيا. لقد آمنوا بالإسلام ثم نالوا منه علما صادقا ملأ قلوبهم باليقين، لذلك لم يتزعزعوا عند هجمات الشيطان في أي موطن (أي لم يستطع الشيطان التمكن من مهاجمتهم والتحكم فيهم، فكانوا يقومون بأعمال الدنيا أيضا إلا أنهم كانوا يذكرون الله تعالى دومًا) ولم يحل شيء دون إظهارهم الحق.

يقول: ما أقصد من النوع الأول هم أولئك الذين يصبحون عبيدا لهذه الدنيا فقط وكأنهم يعبدونها ويغلبهم الشيطان ويستولي عليهم.

والنوع الآخر من الناس هم الذين يفكرون في تقدم الدين، وهذه الفئة تسمى حزب الله وتنتصر على الشيطان وعلى جيوشه. ولأن المال يزداد بالتجارة لذلك سمى الله تعالى طلب الدين وأمنية تقدم الدين تجارة فقال: ]هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[ (الصف: 11)، التجارة المثلى هي التجارة الدينية التي تنجي من عذاب أليم. فأقول لكم أنا أيضا بكلمات الله تعالى: ]هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[

أعلّق أملي الأكبر على الذين لا يقللون شوقهم وتقدمهم في الدين. ولكن الذين يقللونه أخشى أن يسيطر عليهم الشيطان. (أي من لا يثابرون، يخفقون في إيثار الدين على الدنيا ويأخذهم الكسل أيضا وهكذا يقعون في قبضة الشيطان رويدًا رويدًا، فقال حضرته:)

لذا يجب ألا تتكاسلوا، واسألوا عن كلّ ما لم تفهموه لتزدادوا معرفة. السؤال ليس حراما بل يجب أن يُطرح السؤال حتى في حالة الإنكار وللتقدم في العلم أيضا. (فإن كان أحد لا يقبل القول كالمعارضين مع ذلك ينبغي أن يتم تبليغه ومن مقتضيات العدل أن يطرح هو أيضا أسئلته. وللمؤمن أيضا أن يسأل لكسب العلم والرقي العملي. يقول حضرته)

والذي يريد التقدم في العلم عليه أن يقرأ القرآن بتدبر وإن لم يفهم أمرا فيه فليسأل. وإن لم يفهم بعض المعارف فليستفد باستفسارها من الآخرين.

القرآن الكريم بحر ديني وفي أعماقه جواهر لا تقدَّر بثمن.”

ومرة قال المسيح الموعود عليه السلام منبّهًا الجماعة إلى أهمية التقوى:

“إن ما كلّفني الله به (أي الأمر الذي بُعث المسيح الموعود عليه السلام لأجله) هو أن مجال التقوى خالٍ تماما. يجب أن تتمسكوا بالتقوى بدلا من أن ترفعوا السيف، (فلا ترفعوا السيف ولا تقطعوا رؤوس الناس كما تفعله بعض المنظمات المتشددة والأحزاب الإرهابية باسم الإسلام، بل من أجل نشر الإسلام ينبغي أن تبلغوا الدعوة وتربوا أنفسكم، وينبغي أن تولّدوا التقوى في أنفسكم أولا ثم يسهل لكم إنجاز جميع الأمور رويدًا رويدًا. فقال حضرته: لا ترفعوا السيف) هذا حرام. إنِ تتقوا الله يحالفكم العالم كله، فاتقوا الله. إن الذين يشربون الخمر أو الذين صارت الخمر جزءا أعظم من دينهم لا يمكن أن تكون لهم أدنى علاقة بالتقوى، إنهم يحاربون الحسنة. فلو وفق الله جماعتنا لهذه السعادة ووفقهم لمحاربة السيئات والتقدم في مجال التقوى والطهارة لكان ذلك فوزًا كبيرًا، ولا شيء أكثر منه تأثيرا. (لا ينبغي المحاربة بالسيف بل ينبغي محاربة النفس لإنشاء التقوى، حينها يمكن للمرء أن يبلّغ الآخرين ولن يستاء منه الناسُ أيضا، قال u) انظروا اليومَ إلى أديان العالم كلها ستـجدون أن الهدف الحقيقي أيْ التقوى مفقود وقد اتُّخذت وجاهة الدنيا إلها، وقد اختفى الإله الحقيقي ويُساء إلى الإله الحق ولكن الله يريد الآن أن يؤمن الناس به وتعرفه الدنيا. والذين يتّخذون الدنيا إلها لا يمكن أن يكونوا متوكّلين على الله.” (الملفوظات)

فثمة حاجة ليحاسب كل واحد منا نفسه هل نسعى للمكاسب الدنيوية بدلا من أداء حق الله تعالى؟ وهل نهتم بالمكاسب الدنيوية أكثر من اللازم؟ إن كنا نريد أن نؤدي حق الله تعالى فعلينا أن نقدّم الدين على الدنيا ونرمي أهدافا دنيوية وراء ظهورنا، لذا فلا بد أن نرى إذا كنا نوثر الدين على الدنيا أم تتقدم الدنيا على ديننا؟ وإذا كنا نزداد تقوى أم تنـتقص تقوانا؟

يجب أن نزيد أنفسنا علما بالإضافة إلى رفْع روحانيتنا وتوطيد علاقتنا بالله تعالى، قال المسيح الموعود u وهو يوصينا بذلك:

“يجب أن تُفهم كيفية العلاقة بين المرشد والمريد بمثال العلاقة بين المعلم والتلميذ. كما يستفيد التلميذ من المعلم كذلك يستفيد المريد من مرشده. ولكن إذا بقي التلميذ على صلة مع معلمه دون أن يتقدم في تعليمه فلن يستفيد منه، كذلك هو حال المريد. (إذا كانت لتلميذٍ صلة بأستاذه وهو يعرفه ولكنه لا يتعلم منه ولا يعمل بحسب توجيهاته فلن يستفيد، كذلك هي علاقة المريد بمرشده، مجرد القول إن لي صلة بالأستاذ لا يجديه نفعا ما لم يعمل بما يُطلب منه، قال u🙂 يجب عليه أن ينشئ العلاقة ليزداد معرفة وعلما. يجب على الباحث عن الحق ألا يتوقف بعد بلوغه محطة معينة، وإلا فسيذهب به الشيطان اللعين مذاهب أخرى.

وكما أن الماء الراكد يتسنه كذلك تماما إذا لم يبذل المؤمن المساعي لرقيه فسيسقط. (إن كنتم مؤمنين حقيقيين فلا بد أن تتقدموا نحو الرقي، ولو بقيتم في حالة واحدة فلن تـثبتوا عليها بل ستهبطوا حتما) فمن واجب السعيد أن يواظب على طلب الدين. لم يكن في الدنيا إنسان أكمل من نبينا الكريم r ولكنه أيضا عُلِّم دعاء: ]رب زدني علما[ فمَن غيره يمكن أن يتوقف في مكان متكلا على معرفته وعلمه اتكالا كاملا، ولا يجد في نفسه حاجة إلى المزيد من التقدم والرقي؟ كلما يتقدم المرء في علمه ومعرفته يعلم رويدا وريدا أن هناك أمورا كثيرة ما زالت بحاجة إلى الحل. فيرون بعض الأمور بادي الرأي عابثة كليا – كطفل صغير يرى رسوم إقليدس عابثة- ولكن الأمور نفسها تظهر لهم حقائق في نهاية المطاف. فكم هو ضروري أن يسعى المرء لإحداث التغير في حالته ويحاول تكميل كل شيء بُغية زيادة علمه. لقد قبلتم هذه الجماعة تاركين أمورا سخيفة كثيرة، فإن لم تحصلوا على علم وبصيرة كاملة بها فما الذي جنيتم؟ (لا فائدة في أن تبايعوا وتدّعوا أنكم أحمديون أو تقولوا إننا أحمديون بالولادة ما لم تحرزوا العلم بأنفسكم، وإن لم تزدادوا علما ولم ترفعوا مستوى علمكم الديني فلا جدوى من كونكم أحمديين بالولادة، قال u🙂 وكيف يتقوى يقينكم ومعرفتكم إن لم تزدادوا علما؟ بل ستتولد الشكوك والشبهات على أتفه الأمور ويُخشى أن تزل أقدامكم في نهاية المطاف.”

كثير من الناس الذين يرتدُّون أو ينشأ لديهم شبهات أو الذين هم أحمديون لمجرد أن أقاربهم أحمديون فكل هؤلاء الناس لا يستفيدون شيئا، ولكن لو أحرزوا العلم لزالت جميع شبهاتهم ولن تزلَّ أقدامهم ولن يتمكن الشيطان منهم، فكما ذكرتُ آنفا توجيه المسيح الموعود u بالتدبر في القرآن الكريم كذلك يجب أن نتوجه إلى قراءة كتب حضرته u أيضًا ونزيد أنفسنا علما، كما يجب الارتباط بالخلافة، وقد أعطاكم الله تعالى نعمة القناة الفضائية أيم تي إيه التي يمكن بواسطتها الارتباط بالخلافة والاستفادة من جميع برامج الخليفة. كثير من الناس الذين يتابعون أيم تي ايه بالتزام يحافظون على هذا الارتباط وأتلقى منهم الرسائل بأنهم بسبب هذا الارتباط ازدادوا إيمانا وإيقانا، فهي وسيلة عظيمة يجب أن ينتفع بها كل أحمدي.

يقول المسيح الموعود u وهو يوجه إلى التحابب والتآلف والإحساس بألم الآخرين وتأدية حقوق بعضهم البعض:

“الحق أن الجماعة لا تكون كلها على درجة واحدة. (لا يمكن أن يكون الجميع سواسية) هل تُنبِت كل حبات القمح بعد بَذرها؟ (حين نزرع الحبوب فلا تنبت جميعها) كلا، بل إن كثيرا منها يضيع، وبعضها يأكله الطيور، وبعضها لا ينبت لسبب آخر. المهم أن الحبّات القوية (أيْ التي تكون فيها قدرة النمو) لا يقدر على إتلافها أحدٌ. والجماعة التي تُعَدُّ لله تعالى تكون أيضا كزرع، لذا لا بد من تقدمها حسب المبدأ نفسه. (يكون البعض ضعفاء وبعضهم أقوياء في العلم الديني وبعضهم أفضل من البعض الآخر من بعض النواحي وبعضهم يفوق الآخر في حسنة معينة وهكذا يتقدم كل واحد بحسب قدراته، ولكن يجب على السابق أن يأخذ معه المتخلف أيضا، قال u🙂 وعليه فينبغي إعانة الإخوة الضعفاء وتقويتهم. إذا كان هناك أخوان أحدهما يعرف السباحة والآخر لا يعرفها، فهل يجب على الأول أن ينقذ أخاه عندما يوشك على الغرق أم يتركه يغرق؟ كلا، بل من واجبه أن ينقذه من الغرق. لذا فقد ورد في القرآن الكريم: ]وتعاونوا على البر والتقوى[. فاحملوا أعباء الإخوة الضعفاء وساعِدوهم على ضعفهم العملي والإيماني والمالي أيضًا. (كيف تساعدونهم على ضعفهم العملي؟ هل بكونكم ضعفاء مثلهم؟ كلا بل تساعدونهم في إزالة ضعفهم العملي، إذا كان إيمانهم ضعيفا وأنتم أقوياء الإيمان فعليكم أن تُنقذوهم من الضعف الإيماني، وإذا كانوا يعانون من ضيق مالي فعليكم أن تساعدوهم بالمال إن استطعتم وإلا فأخبروا نظام الجماعة ليساعدهم بحسب إمكانياته، قال u🙂 كما يجب مداواة ضعفهم الجسدي أيضا. (أي عالجوا أمراضهم الجسدية أيضا) لا تُعتبر الجماعةُ جماعةً ما لم يساند أقوياؤها ضعفاءَها. والسبيل الوحيد لذلك هو ستـر عيوبهم (بدلا من إظهار عيوب بعضهم البعض). وهذا ما عُلِّم الصحابةُ y أيضا.. أي لا تضيقوا ذرعًا من تقصيرات حديثي الإسلام لأنكم كنتم ضعفاء مثلهم من قبل. كذلك ينبغي للكبير أن يخدم الصغير ويعامله بالحب واللطف.

ألا لا تكون الجماعةُ جماعةً إذا كان بعضها يأكل بعضًا، بحيث إذا جلس بعضهم شكا من بعض إخوتهم الضعفاء (لا يمكن لأحد أن يأكل الآخر، بل المراد من الأكل هنا بحسب قول الله تعالى هو الاغتياب وإساءة الظن، وهو بمنزلة أكلكم لحم أخيكم الميت، لذا لا ينبغي أن تنظروا إلى عيوب الآخرين بل انظروا إلى محاسنهم، قال u🙂 ألا لا تكون الجماعةُ جماعةً إذا كان بعضها يأكل بعضًا، بحيث إذا جلس بعضهم شكا من بعض إخوتهم الضعفاء واغتابهم واحتقرهم ونظر إلى الفقراء نظرة استخفاف وازدراء. هذا يجب ألا يحدث إطلاقا، بل يجب أن يكون ثمة اتفاق حتى يمكنكم من القوة والوحدة اللتيْن هما مجلبة للحب والبركات.

أرى أن سفاسف الأمور وتوافهها تؤدي إلى الخلاف أحيانًا، ومن ثم فإن أعداءنا – الذين يقفون لنا بالمرصاد عند كل صغيرة وكبيرة- يجعلون من الحبة قبة ويشيعونها في الجرائد ويُضِلّون الناس. (أي يخبرون الناس بأن في الجماعة عيوبا كذا وكذا، ولأن الناس لا يقومون بالتحقيق لذا يَضلّون، قال u🙂 ولو لم تكن هناك ثغرات ضعف داخلي لما تجاسر أحد على نشر مثل هذه الأمور وخداع الناس بسببها. فلماذا لا نرفع من مستوى قوانا الأخلاقية؟ وهذا لن يتأتى إلا حين ننشر المواساة والحب والعفو واللطف، ونؤثر الرحمةَ وستْرَ عيوب الآخرين دائمًا.” (الملفوظات، مجلد 3، ص 347 – 348)

أيْ لو ظهر عيب أحد فينبغي ستره ولا ينبغي نشر عيوبه (أي ينبغي ألا تنشر نقائصه وعيوبه، وفي العصر الراهن ظهرت تقاليد غريبة، حيث بدأ الزوج والزوجة أيضا يفضح بعضهما الآخر، ويسجلان الكلام من أجل ذلك) ينبغي أن لا يكون على أبسط الأمور بطش شديد يتسبب في انكسار القلوب والهمّ.

يتابع حضرته كلامه ناصحا بالنصح والمواساة:

لن تزدهر جماعتنا ما لم يواسِ أعضاؤها بعضهم بعضًا مواساة صادقة بكل ما أعطوا من قوة. (أي إذا كنتم تريدون التقدم فيجب أن تبدوا فيما بينكم مواساة صادقة. وكل مَن أعطي قوة يجب أن يحب الضعيف) يتابع حضرته u: عندما أعلم أن أحدكم حين يرى من أخيه زلة فلا يعامله بالخُلق الحسن بل ينفر منه ويزدريه، بينما يجب عليه أن يدعوَ الله له ويحبه وينصحه بالرفق والخلق الحسن، ولكنه بدلا من ذلك يزداد بُغضًا له. وحين لا يصدر منه العفو والمواساة تسوء حالته تدريجا وتصبح العاقبة وخيمة، وهذا ما لا يريده الله (أي لا تعجبه هذه التصرفات). إنما تكون الجماعة جماعةً إذا واسى بعضهم بعضًا وستر بعضهم عيوب بعض. وعندها يصبح أفراد الجماعة كجسد واحد ويصبح بعضهم جوارح بعض، ويحسبون أنفسهم أشدّ أخوّة من الأشقّاء. لو كان ابن أحد ارتكب خطأ فهل يستر خطأه أم ينصحه على الملأ. فهو لا يريد أبدا أن ينشر إعلانا عن ذلك، (أي حين يلاحظ المرء من ابنه سيئة فلا ينشرها في الناس). إن الأخ يستر أخاه ولا يريد هتك ستره. فما دام الله تعالى قد جعلكم إخوة فهل هذه هي حقوق الإخوة؟ (المراد من الأخ هنا كل قريب). إن الإخوة في الدنيا لا يتخلون عن الأُخوّة. (ثم ضرب مثالا من أقاربه وقال:) إني أرى أن الميرزا نظام الدين وغيره (فهؤلاء كانوا من أقارب المسيح الموعود u وكانوا يعارضونه وكانوا منحرفين عن الدين) يعيشون حياة الإباحة، ولكنهم عندما يواجهون مشكلة ما يتّحد هؤلاء الثلاثة مع بعض، متناسين ما يدَّعون من الفقر والزهد في الدنيا. إن المرء يتعلم أحيانا من القرد والكلب أيضا. فطريق الفُرقة الداخلية طريق غير مبارك أبدا. ولقد ذكَّر الله تعالى الصحابةَ أيضا بهذه النعمة والأخوّة. لو أنفقوا الجبال ذهبا لما حققوا تلك الأخوّة التي حققوها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى غرار ذلك قد أقام الله هذه الجماعة ولسوف يقيم فيها الأُخوّة نفسها. إن آمالي على الله تعالى كبيرة؛ فقد وعدني قائلا: “جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”. وإنني لأعرف يقينا أنه عز وجل سوف يقيم جماعة تكون غالبة على المنكرين إلى يوم القيامة، ولكن هذه الأيام التي هي أيام الابتلاء والضعف تتيح لكل واحد فرصة لأن يصلح نفسه ويُحدِث فيه تغييرا. (في ذلك الزمن كانت الجماعة تعيش أيام الضعف، وفي هذه الأيام أيضا تعيش الجماعة أيام الضعف من جديد لا سيما في باكستان، حيث تنشط ضدهم الحكام والمؤسسات الحكومية أيضا أكثر من ذي قبل، لذا يجب على الأحمديين أن ينتبهوا إلى إحداث التغيير في نفوسهم). ألا إن الشكوى من الآخرين وإيذاءهم وإيلامهم بفظاظة اللسان، وتحقيرَ الضعفاء والبسطاء إثم كبير.

لقد تمّتْ الآن بينكم قرابة وأُخوّة جديدة، وانقطعت العلائق السابقة. إن الله تعالى قد أقام قوما جُددًا يوجد بينهم كل نوع من الناس؛ الأثرياء والفقراء، والأولاد والشباب والشيوخ. فعلى الفقراء منهم أن يحترموا إخوانهم الأثرياء ويوقروهم، وعلى الأثرياء أن يساعدوا الفقراء ولا يعتبروهم متسولين أذلاء لأنهم أيضا إخوانهم، صحيح أنكم من آباء مختلفين، غير أن أباكم الروحاني واحدٌ، وأنتم أغصان شجرة واحدة.

لقد نصحنا حضرته- بهدف إصلاحنا- بقراءة كتابه سفينة نوح مرارا وتكرارا، فقال:

لقد نصحتُ جماعتي مرارا ألا يتكلوا على مجرد البيعة، فلن تنالوا النجاة ما لم تصلوا إلى حقيقتها. المكتفي بالقشر يُحرم من اللُبّ. (أي لا يكفي النظر إلى الغلاف الخارجي ما لم تسعوا للحصول على ما في داخله) إن لم يكن المريد ملتزما لن ينفعه ورعُ المرشد. فإذا وصف الطبيب وصفة واحتفظ بها المريض في الخزانة فلن تنفعه أبدا، (أي كما لا يصح شكوى المريض الذي يستلم من الطبيب وصفة ثم لا يتناول الدواء، فهذا هو حال المرضى الروحانيين. وإذا استمعتم إلى النصائح ولم تعملوا بها، فلن تستفيدوا.) لأن الفائدة إنما تتحقق نتيجة العمل بما هو مكتوب عليها ولكنه حرم نفسه منها. اقرأوا “سفينة نوح” مرارا واعملوا بما ورد فيه. {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} هناك آلاف اللصوص والزناة ومرتكبي المنكرات وشاربي الخمر والأشرار الذين يدّعون أنهم من أمة النبي r ولكن هل هم كذلك بالفعل؟ كلا، ليس من أمته إلا من يلتزم بتعاليمه تماما.

ثم قال حضرته عن قراءة كتاب سفينة نوح هذا على مسامع أفراد الجماعة في شتى فروعها، منبِّها إلى الالتزام بقراءته شخصيا: لقد كتبتُ تعليمي في سفينة نوح ويجب أن يطلع عليه كل واحد، يجب أن يقيم كل فرع للجماعة جلسة ويدبر قراءته على الجميع. حيث يمكن أن يرسَل الكتاب إلى شخص نشيط وفارغ ليقرأه على الحضور. أما إذا وزعتم على الناس فلا يكفي حتى لو كانت عندهم 50000 نسخة منه. أما بهذا الأسلوب الذي ذكرتُه فسوف يتم نشره وتتحقق الوحدة التي نريد حدوثها في الجماعة.

(فلهذا يجب تدبير قراءته على أبناء الجماعة، ويجب أن يسجَّل ويُعرض على ايم تي ايه أيضا، ويجب أن يجعله الأحمدي جزءا من حياته. يجب القراءة والعمل بما ورد فيه أيضا. وعن اجتناب السيئات وبيانا لعلامة الأحمدي الحقيقي يقول حضرته u🙂     

إن واجبكم الآن هو أن تنصرفوا إلى الدعاء والاستغفار وعبادة الله وتزكية النفس وتطهيرها. وهكذا اجعلوا أنفسكم مستحقين لألطاف الله وأفضاله التي وعدها. مع أن الله تعالى أعطاني وعودا ونبوءات عظيمة وأنا واثق بتحققها، ولكن عليكم ألا تغترّوا بها. اجتنِبوا سبلَ الحسد والضغينة والبُغض والغيبة والكِبر والرعونة والفسق والفجور الظاهرية والباطنية كلَّها، واجتنبوا الكسل والغفلة. واعلموا يقينا أن العاقبة للمتقين دوما، كما يقول الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، فحاوِلوا أن تكونوا متقين.”

وفَّقَنا الله I أن نكون أحمديين حقيقيين والعاملين بتعاليمه، وأن نؤدي حقوق الله وننال رضاه أيضا، ونهتم بإصلاح أعمالنا والازدياد علمًا أيضا، ونؤدي حقوق عباده أيضا.

في هذه الأيام ادعوا الله I لأوضاع باكستان- كما قلت سابقا إشارة-، وعلى الباكستانيين أن يدعوا لأنفسهم كثيرا، حماهم الله من كل شر، ويحمي البلد كله عموما من شر المشايخ لأن الفتنة تسود البلاد من جديد بسبب المشايخ. ادعوا للدنيا أيضا بصفة عامة، فهي تتقدم إلى الحرب بسرعة هائلة، فالروس وأميركا كلاهما منشغل في الاستعداد للحرب، وهما في الحقيقة يريدان فرض سيطرتهما وتفوقهما. ويعلنون أنهم يسعون لإعادة حقوق المظلومين إليهم، وفي الحقيقة يريدون تدمير البلاد الإسلامية، باسم استعادة حقوقهم. نسأل الله I أن يهب العقل للمسلمين لكي يتخذوا قراراتهم هم أنفسهم بدلا من الاستعانة بهؤلاء، وأن يؤدوا حقوق الشعب، ويؤدي الشعب حقوق الحكام. ادعوا الله أن يبطش بهذه الجماعات الإرهابية التي تقوم بتصرفات إرهابية باسم الإسلام، وأن يهب العقل والفهم لكلا الفريقين، ويوفقهم أكثر من ذلك للإيمان بإمام العصر، لأنه لا سبيل آخر لخلاصهم وبقائهم. وهب الله العقل للمسلمين ووفقهم لنشر الحب والمودة والتآخي بحسب التعليم الحقيقي للإسلام وتأدية حق الله I بدلا من أن يشتركوا في هذه المظالم. آمين.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز