خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز، الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي ؏ في مسجد بيت الفتوح بلندن يوم 4/5/2018

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

قال المسيح الموعود ؏ في مناسبة: “كيف كانت حال العرب عند بعثة النبي ﷺمن حيث التمدن والأخلاق والروحانية؟! كان شرب الخمر والزنا والنهب والسرقة بل كل نوع من السيئة منتشرا في كل بيت. لم تكن لهم أدنى علاقة مع الله والأخلاق الفاضلة. كل شخص كان فرعونَ بحد ذاته، ولكن عندما دخلوا الإسلام بمجيء رسول الله ﷺتولّد فيهم حب الله وروح الوحدة بحيث أصبح كل واحد منهم مُسْتَعِدًّا للموت في سبيل الله. لقد أظهروا حقيقة البيعة وضربوا نموذجها بعملهم… الإخلاص الذي أبداه أصحاب النبي ﷺلا نظير له قبلهم ولا بعدهم. ولكن الله قادر على أن يفعل ذلك مرة أخرى إذا شاء، فهذه الأمثلة تفيد الآخرين. والله قادر على أن يخلق نماذج مثلها في هذه الجماعة، (أي في جماعته ؏) نِعم ما قال الله تعالى في نعت الصحابة ؓ: ]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ[ (الأحزاب:24)،… قال ؏ في نعت الصحابة: فلو جُمعت الآيات من القرآن الكريم في مدح الصحابة ؓ لما وُجدت أسوة أحسن من أسوتهم. (كما ورد في هذه الآية المذكورة عن الصحابة). (الملفوظات)

فنماذج تضحيتهم أسوة حسنة لنا، إنني منذ فترة أبيّن في خطبي حالات الصحابة، كان بعضهم من أهلَ بدر، وبعضهم الآخر غيرهم، ولكن خطر ببالي أن أتناول أولا ذِكر الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر، لأن لهم مقاما خاصا، وهم الذين رضي الله عنهم ونالوا رضوانه الخاص.

واليوم سأتناول ذكر حضرة حمزة بن عبد المطلب ؓ، فحياته وقصَّة إسلامه مذكورة في التاريخ والأحاديث، كما وردت واقعة استشهاده، ويُسمّى سيد الشهداء أيضا، كما لُقب بأسد الله وأسد الرسول. كان حضرة حمزة ؓ ابنَ سيِّد قريش عبد المطلب وعمَّ رسول الله ﷺ، وكان اسم والدته هالة، وهي كانت ابنة عم السيدة آمنة أم الرسول، كان حضرة حمزة يكبر النبيَّ ﷺسِنًّا بعامَين، وفي رواية بأربعة أعوام، وكان أخا النبي ﷺمن الرضاعة، حيث أرضعتْ كليهما أَمَةٌ تُدعى ثُوَيْبَة، وأسلم حمزة بعد بعثة الرسول ﷺبستّ سنوات في أيام دار الأرقم.

ولقد ذكر المصلح الموعود ؓ حادث إسلامِ حمزة بأسلوبه الخاص في ضوء الأحداث التاريخية، وسأبيّنه مُجْمِلًا بعض الأمور ومُفَصِّلًا البعض الآخر، بحيث حين يسمعه الإنسان يطَّلع على سر إسلام حضرة حمزة ؓ، ويرى كيف ثارت غيرته للنبي ﷺبسبب اعتداء أبي جهل عليه ﷺ. باختصار، ذات يوم كان النبي ﷺجالسًا على صخرة بين الصفا والمروة، وكان غارقًا في التفكير في سبيل إرساء وحدانية الله تعالى إذ جاءه أبو جهل وقال يا محمد (ﷺ) إنك لا تكُفُّ عن أقوالك، وبدأ يكيل شتائم غليظة ولكن الرسول ﷺظل يسمع شتائمه بصمت وصبر، ولم ينبس ببنت شفة، وحين فرغ أبو جهل من السب والشتم تقدّم ذلك الشقي ولطم وجه النبي ﷺولكنه لم يرد بشيء. وكان منزل حضرة حمزة مقابل المكان الذي كان النبي ﷺجالسا فيه وحيث سبّه أبو جهل، ولم يكن حمزة قد آمن بعد، وكان من عادته أن يأخذ قوسه والسهام ويخرج كل صباح للصيد ويعود مساء، وكان يحضر مجالس قريش، وكان قد خرج للصيد في ذلك اليوم الذي سبَّ فيه أبو جهل رسولَ الله ﷺوأساء معاملته، ولكن تصادف أن أبا جهل فعلَ فعلته هذه إذ كانت مولاة حمزة تشاهد ما يجري واقفة بالباب، وبينما كان أبو جهل يتهجَّم على النبي ﷺمرارا وتكرارا ويُمعِن في شتمه وكان ﷺيتحمله بصمت وهدوء وصبر، ظلّت تلك الأمَة تشاهد المشهد كله عن كثْب. كتب المصلح الموعود ؓ: صحيح أنها كانت امرأة كافرة ولكن في العهد القديم حيث كان الناس في مكة يظلمون العبيد كان بعض الشرفاء منهم يحسنون معاملة عبيدهم ولما كان بعض العبيد يقضون وقتا طويلا معهم كانوا يُعَدّون جزءا من الأسرة، وهكذا كانت أَمَة حمزة التي رأت هذا المشهد بأمّ عينيها وسمعت كل شيء بأذنيها وتأثرت للغاية ولكنها لم تكن تستطيع أن تفعل شيئا، فظلت تنظر وتسمع باضطراب كاظمة غيظها، وحين غادر رسول الله ﷺذلك المكان اشتغلت بأمورها، وفي المساء حين رجع حمزة من الصيد ونزل عن رَكوبته ودخل البيت ممسكا القوس والسهام متفاخرا بشجاعته، هبَّت الأمَة وقالت لحمزة بقوة: ألا تستحيي وتحسب نفسك شجاعا قويا؟! فتعجَّب حمزة حين سمع ذلك، وسألها مستغربا: ما الأمر؟! فقالت: كان ابن أخيك محمد جالسا هنا إذ جاءه أبو جهل متهجما عليه وكال له الشتائم ثم لطم وجهه ولم يقل له محمد شيئا وتحمل كل ذلك بصمت بينما ظل أبو جهل يسبّه ويشتمه حتى كَلَّ منه فانصرف، ولكنني رأيت أن محمدًا ﷺلم يرد عليه بشيء. وأنت تحسب نفسك شجاعا وعُدت من الصيد مرحا، أفلا تستحيي من أن يَلْقَى ابنُ أخيك هوانًا كهذا وأنت موجود؟! لم يكن حمزة قد آمن بعد، لأنه كان من سادة قريش وبسبب الرئاسة لم يقبل الإسلام مع أنه كان يحسب محمدا ﷺصادقا ولكنه لم يقبل أن يؤمن مضحِّيًا بمكانته وشأنه، ولكن حين سمع من أمته بما جرى، احمرَّت عيناه وثارت حميته، فذهب إلى الكعبة في ثورة الغضب من دون أن يرتاح، وطاف بالكعبة أولا ثم تقدم إلى المجلس الذي كان أبو جهل يتباهى فيه معجبا بسرد حادث سوء معاملته محمدا، وما أن وصل حمزة المجلس حتى شَجَّ رأس أبي جهل بقوسه، وقال: تدّعي الشجاعة مسمِعا الناس أنك أهنت محمدا ولم ينبس ببنت شفة، فها أنا أهينك الآن فَرُدَّها إن استطعت. كان أبو جهل من سادة القوم ويحظى بمكانة الملك في مكة وكأنه مثل فرعون، وحين رأى ذلك أصحابُه هبوا ليبطشوا بحمزة ولكن أبا جهل، الذي أصيب برعب بسبب تحمل النبي ﷺشتائمه بصمت وبسبب شجاعة حمزة وجرأته، حال دون ذلك قائلا: دعوه، فأنا الذي اعتديتُ وحمزة محقٌّ.

كتب المصلح الموعود ؓ بأسلوبه الخاص: حين رجع محمد رسول الله ﷺمن الصفا والمروة إلى البيت قال في نفسه: ليس لي أن أقاتل بل علي أن أتحمل الشتائم بصبر، ولكن الله تعالى كان يقول على العرش: أليس الله بكاف عبده؟ يا محمد، أنت لا تحارب، ولكن ألستُ موجودا لأواجه أعداءك مكانك؟! فأعطاه الله تعالى في اليوم نفسه فدائيا يواجه أبا جهل، وأعلن حمزة إسلامه في المجلس نفسه الذي شَجَّ فيه بقوسه رأس أبي جهل، وقال مخاطبا إيَّاه: إنك شتمتَ محمدا ﷺلمجرد قوله أنه رسول الله وأنه ينزل عليه الملائكة، فاسمع بأذُن مصغية، إنني أيضا على دين محمد ﷺوأقول ما يقوله محمد ﷺ، فإن كنتَ شجاعا فواجهني، وهكذا أسلم حمزة ؓ. ورد في الروايات أن بعد إسلام حمزة قوِيَ إيمانُ مسلمي مكة، بل أقرّ المؤرخ الإنجليزي السير وليم ميور أيضا بأن إسلام حمزة وعمر قوّى دعوة محمد ﷺ.

هاجر حمزة إلى المدينة مع المسلمين الآخرين، فأقام في منزل كلثوم بن الهدم وفي رواية أقام في منزل سعد بن خيثمة. على أية حال، بعد هجرته إلى المدينة آخى النبيُّ ﷺبين حمزة وزيد بن حارثة، ولذلك أوصى حمزة  لزيد عند خروجه لغزوة أحد. ولـم يكفّ كفارُ مكة عن مكايدهم وعن إساءتهم إلى المسلمين حتى بعد الهجرة إلى المدينة، لذا كان المسلمون مضطرين ليأخذوا حذرهم، ورد في الرواية أن النبي ﷺاضطُر إلى إرسال بعض السرايا للاستخبار عن تحركات قريش، ولاستطلاع مكايدهم ووُفق حمزة ؓ للاشتراك في تلك السرايا بخدمة غير عادية، في ربيع الأول في السنة الثانية للهجرة بعث النبي ﷺبقيادة حمزة ؓ كتبيةً مؤلفة من ثلاثين فارسا من المهاجرين جهة الشرق، وصل حمزة وأصحابه هناك بسرعة فوجدوا أبا جهل كبير زعماء مكة هناك لاستقبالهم في ثلاثمائة فارس. وهذا العدد كان عشرة أضعاف عدد المسلمين ولكن المسلمين خرجوا من بيوتهم امتثالا لأمر الله ورسوله، لذا ما كان خوف الموت ليردهم إلى الخلف، فتقابلا واصطفّوا وكادت الحرب تنشب لولا تدخُّل زعيم تلك المنطقة مجدي بن عمرو الجهني الذي كانت له علاقات مع كلا الفريقين، وخمدت المعركة قبل نشوبها. وورد في رواية أن أول لواء أعطاه رسول الله ﷺكان لحمزة وفي بعض الروايات الأخرى أن أبا عبيدة وحمزة خرجا معًا في سرية، مما جعل الأمر مشتبها، ولكن في غزوة بني قينقاع عام اثنين للهجرة كان حمزة ؓ يحمل لواء الرسول ﷺ.

أوصاه النبي ﷺبالحفاظ على عزة النفس وقوة الشكيمة فالتزم حمزة بالعمل بهذه الوصية دوما، ورد في رواية أن ظروف حمزة المادية ساءت جدا كباقي المسلمين بعد الهجرة إلى المدينة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ في تلك الأيام جَاءَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺفَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! اجْعَلْنِي عَلَى شَيْءٍ أَعِيشُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَا حَمْزَةُ! نَفْسٌ تُحْيِيهَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ نَفْسٌ تُمِيتُهَا؟ قَالَ: بَلْ نَفْسٌ أُحْيِيهَا، قَالَ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ. (مسند أحمد)

ثم أوصاه النبي ﷺبأن يلتزم بالأدعية وعلّمه بعض الأدعية الخاصة كما ورد في رواية رواها حضرة حمزة ؓ أن النبي ﷺقال: الْزَمُوا هَذَا الدُّعَاءَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ، وَرِضْوَانِكَ الأَكْبَرِ.” (المعجم الكبير للطبراني) وقد جنى ؓ أثمار هذا الدعاء دوما. وكان حمزة يؤمن ويوقن بالدعاء كثيرا ويتبين ذلك من بعض الروايات، وكيف لا يوقن به وقد وهب الله تعالى له ببركة الدعاء منزلا وكلَّ ما يحتاج إليه، في حين أنه مهاجر خاوي الوفاض،‏ فبعد الهجرة بفترة تزوج حمزة ؓ من امرأة أنصارية من بني النجار اسمها خولة بنت قيس، وكان النبي ﷺيزور بيته، وكانت خولة تروي فيما بعد أحاديث النبي ﷺالمليئة بالحب لتلك الأيام، فتروي قائلة: أتى النبي ﷺبيتنا فقلتُ: يا رسول الله، علمتُ أنك ستُعطى حوض الكوثر يوم القيامة وسيكون واسعا جدا فقال النبي ﷺنعم، هذا صحيح، واسمعي، إنني أحب أن يُسقى منه الأنصار أكثر من باقي الناس. ما أكثرَ حبه للأنصار! ذلك لأن قومه حين أخرجوه كان الأنصار هم من ضحّوا لأجله بكل ما كانوا يملكون.

ورد في السيرة رواية عن غزوة بدر التي وقعت في السنة الثانية للهجرة، وفي تلك المناسبة خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلا شريرا وسيئا للغاية، وقال: أعاهد الله، لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنّه، أو لأموتن دونه. كان ذلك مكانَ شربِ الماء للمسلمين، وحين خرج بهذه النية تقدم حمزة بن عبد المطلب لمواجهته وحين تقابلا هاجمه حمزة بسيفه وقطع نصف ساقه فوقع على ظهره قريبا من الحوض ولكنه تقدم نحو الحوض ليُبِرَّ بقسَمه، فلحقه حمزة ؓ وأجهز عليه قرب الحوض، فلم يتمكن من شرب الماء من الحوض أو من أن يفسده.

روى حضرة علي ؓ عن غزوة بدر أن عدد الكفار يومها فاق بكثير عدد المسلمين، وظل رسول الله ﷺيدعو الله تعالى بتضرع وابتهال طول الليل، وحين اقترب جيش الكفار وانتظمنا في صفوف مقابلهم فإذا رجل منهم على جمل أحمر يسير في القوم فقال رسول الله ﷺيا علي! نادِ حمزة وكان أقربهم من المشركين واسأله من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول؟ ثم قال رسول الله ﷺإن يكن في القوم من يأمر بالخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر. فجاء حمزة فقال هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم إنى أرى قوما مستميتين لا تصلون إليهم…فقال أبو جهل في الجواب: بل أنت تخاف القتال. فقال عتبة إياى تُعَيِّر … ستعلم اليوم أينا أجبن، قال عليّ فبرز عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد حَمِيَّةً، فقالوا من يبارز فخرج فتية من الانصار ستة فقال عتبة لا نريد هؤلاء ولكن فليبارزنا أبناء عمومتنا …فقال رسول الله ﷺ: يا علي قم، يا حمزة قم، يا عبيدة بن الحارث قم. يقول عليٌّ: فتقدمت إلى شيبة، ووقعت المبارزة بين عبيدة والوليد وجرح كلاهما الأخر. ثم توجّهنا إلى الوليد وقتلناه، وحملنا عبيدة من ميدان القتال. وقتل عليٌّ وحمزة خصميهما. فقال رسول الله ﷺ: يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث قم. فقاموا وتقدموا إلى عتبة فقال: تكلموا لأعرفكم (لأنهم كانوا لابسين الخُوَذ) ققال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله. قال عتبة: كفءٌ كريمٌ. كان حمزة مقاتلا شجاعا جدا وكان يعلَّم في الحرب بريشة نعامة.

وفي رواية عن عبد الرحمن بن عوف أن أمية بن خلف كان من زعماء مكة وكان يعذب بلالا ؓ كثيرا، وقُتل أمية في معركة بدر بيد الأنصار. فقال أمية (قبل موته) لعبد الرحمن بن عوف: من الرجل المعلَّم بريشة نعامة في صدره؟ قال: حمزة بن عبد المطلب. قال أمية: هو الذي فعل بنا الأفاعيل.

يقول المستشرق وليم ميور عن اشتراك حمزة ؓ في معركة بدر ما مفاده: كان حمزة يتراءى بارزا في كل مكان متبخترا مع ريشة النعامة وقتل زعماء كثيرين في المعركة. وقد قاتل حمزة في معركة أُحد أيضا بشجاعة عظيمة. كان الكفار مستائين جدا من شجاعته ؓ، وتفصيل ذلك في رواية وردت في صحيح البخاري: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ قُلْتُ نَعَمْ وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كَأَنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ قَالَ فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ قَالَ نَعَمْ إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ فَقَالَ لِي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ فَلَمَّا أَنْ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ قَالَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا سِبَاعُ … أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺقَالَ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ قَالَ وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ قَالَ فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الْإِسْلَامُ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺَسُولًا فَقِيلَ لِي إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺفَلَمَّا رَآنِي قَالَ آنْتَ وَحْشِيٌّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قُلْتُ قَدْ كَانَ مِنْ الْأَمْرِ مَا بَلَغَكَ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي قَالَ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺفَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ قَالَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ. قَالَ فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ قَالَ وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.

إذًا، هكذا كانت عاقبته.

عن عمير بن إسحاق، قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد بسيفين، ويقول: أنا أسد الله، وجعل يقبل ويدبر، قال فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة فوقع على ظهره، وبصر به الأسود، قال أبو أسامة: فزرقه بحربة فقتله، وقال إسحاق بن يوسف: فطعنه الحبشي بحربة أو رمح فبقره.

فكان مقتل حمزة في غزوة أُحد في الشهر الثالث والثلاثين بعد الهجرة، وكان بالغا من العمر 59 عاما.

وقد جاء في الرواية أن هند زوجة أبي سفيان جاءت في الأحزاب يوم أحد وكانت قد نذرت لئن قدرت على حمزة بن عبد المطلب لتأكلنّ من كبده؛ قال فلما كان حيث أصيب حمزة، ومثلوا بالقتلى وجاؤوا بحزة من كبد حمزة فأخذتها تمضغها لتأكلها فلم تستطع أن تبتلعها، فلفظتها، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا.

فجاء النبي ﷺإلى جثة حمزة وبشره بمكانه، وقد جاء في الرواية بهذا الشأن في سيرة النبي ﷺلابن هشام: َلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ﷺعَلَى حَمْزَةَ قَالَ لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِب، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِه.

وقد رُوي عن الزبير ؓ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى قَالَ فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺأَنْ تَرَاهُمْ فَقَالَ الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ قَالَ الزُّبَيْرُ ؓ عَنْهُ فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ قَالَ فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى قَالَ فَلَدَمَتْ فِي صَدْرِي وَكَانَتْ امْرَأَةً جَلْدَةً قَالَتْ إِلَيْكَ لَا أَرْضَ لَكَ قَالَ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺعَزَمَ عَلَيْكِ قَالَ فَوَقَفَتْ وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا فَقَالَتْ هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لِأَخِي حَمْزَةَ فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ (هذا كان مستوى الطاعة في ذلك الزمن، أي حين سمعت أن النبي قال ذلك توقفت فورا. هذه هي الطاعة الكاملة) فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا قَالَ فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ قَالَ فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْأَنْصَارِيُّ لَا كَفَنَ لَهُ فَقُلْنَا لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلْأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ فَقَدَرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ.

كفن حمزة في بردة، إذا غطي رأسه خرجت رجلاه وإذا غطيت رجلاه خرج رأسه، فقال رسول الله ﷺغطّوا وجهه وجعل على رجليه إذخر. ودُفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد. فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺحَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ وَتُرِكَ حَمْزَةُ ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً مع الشهداء الآخرين لأن حمزة كان موجودا عند كل صلاة.

وجاء في رواية عن أبي هريرة ؓ ما مفاده: إن حمزة كان سباقا دائما في حسن المعاملة تجاه أقاربه وكسب الحسنات. فقد وقف سول الله ﷺوقف على حمزة حيث استشهد … فقال : يرحمك الله، إن كنت لوصولا للرحم، فعولا للخيرات، ولولا حزن من بعدي عليك، لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى.

كان الصحابة ؓ يذكرون وقائع دفن حمزة، زعيم المسلمين الشجاع وعم رسول الله ﷺإذ كان قد دُفن في حالة يُرثى لها. وفي زمن السعة والرفاهية كان خباب ؓ يذكر زمن الضيق ذلك ويقول: كفن حمزة في بردة، فجعلوا إذا خمروا بها رأسه بدت قدماه، وإذا خمروا بها رجليه تنكشف عن وجهه، فغطّوا وجهه ووُضع على رجليه الإذخر.

كذلك ورد عن عبد الرحمن بن عوف ؓ ما مفاده أنه أتي بطعام، وكان صائماً، فقال: قتل حمزة، وهو خير مني فكفن في بردته، إن غُطِّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

أقول: إنهم إناس رضي الله عنهم ورضوا عنه فكانوا يذكرون أيام اليسر إخوتهم الذين سبقوهم واضعين في الحسبان ظروفا مرّوا بها فيما مضى. فبشرّهم الله تعالى بالجنة. غفر الله لهم ورفع درجاتهم دائما.

وفي رواية أخرى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺلَمَّا رَجَعَ مِنْ أُحُدٍ سَمِعَ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَقَالَ لَكِنْ حَمْزَةُ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ فَجِئْنَ يَبْكِينَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ فَانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺمِنَ اللَّيْلِ فَسَمِعَهُنَّ وَهُنَّ يَبْكِينَ فَقَالَ وَيْحَهُنَّ لَمْ يَزَلْنَ يَبْكِينَ بَعْدُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ مُرُوهُنَّ فَلْيَرْجِعْنَ وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ.

وبذلك نهى النبي ﷺعن كل نوع من النياحة على الأموات. لقد راعى النبي ﷺعواطف نساء الأنصار فبدلا من منعهن من البكاء على أزواجهن وأخوانهن مباشرة صرف انتباههن إلى حمزة أولا أي وجههن إلى أنَّ مصاب القوم كله كان مصابا جللا، وكان أكبر حزن للنبي ﷺ. وبذلك قدّم أسوته ناصحا إياهن بعدم البكاء والنياحة على حمزة ونصحهن بالصبر وكانت النصحية مؤثرة جدا. أما فيما يتعلق بحزن فراق حمزة فظل النبي ﷺيشعر به دائما.

وقال كعب بن مالك يرثي حمزة:

بكت عيني وحق لها بكاها … وما يغني البكاء ولا العويل.

على أسد الإله غداة قالوا … لحمزة: ذاكم الرجل القتيل.

رفع الله درجات الصحابة ؓ دائما، فقد ضربوا بأسوتهم أمثلة التضحيات التي يجب على المسلمين أن يتذكروها إلى الأبد، وندعو الله تعالى أن يوفقنا للعمل بما قدموا لنا من الأمثلة الحسنة لكسب الحسنات.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز