خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 15/11/2019

في مسجد مبارك إسلام آباد المملكة المتحدة

*********

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين.

لقد بدأتُ منذ فترة سلسلة الخطب حول سيرة الصحابة البدريين، والخطبة الأخيرة في هذه السلسلة كنت قد ألقيتها في ألمانيا، وكان الحديث فيها جاريا حول عبد الله بن أُبي بن سلول، والد عبد الله t. وكنت أتحدث عن غزوة أُحد حين انتهت الخطبة، وقلتُ أن رسول الله r قبِل رأي الشباب وقرر مواجهة العدو خارج المدينة. كان عبد الله بن أُبي بن سلول مع جيش المسلمين في بداية الأمر ولكن عندما وصل الجيش إلى وادي أُحد، عاد إلى المدينة مبديا خيانةً مع 300 من أصحابه وقال: إن محمدا (r) لم يقبل رأيي ولم يقم بالدفاع داخل المدينة كما كنا نبتغي. وقال أيضا ما مفاده: هذه المواجهة ليست حربا بل هي بمنـزلة إلقاء المرء نفسه في التهلكة، ولا أستطيع أن ألقي نفسي في الهلاك.

من المعلوم أنه كان منافقا منذ البداية، والمنافق يكون جبانا دائما، وقد ظهر جبنُه للعيان بهذه المناسبة أيضا. فبعد عودته مع أشياعه بقي عدد المسلمين 700 فقط. ومع ذلك نشبت الحرب وكانت كفة المسلمين فيها راجحة، وكانوا قد نالوا الفتح تقريبا إلا أنهم واجهوا الخسارة بعد ذلك بسبب عدم تنفيذ بعضهم أمر رسول الله r كما كان حقه حيث نزلوا من الجبل دون إذنه r.

سأذكر الآن ببعض التفصيل كيف تصرّف عبد الله بن أُبي بن سلول بعد ذلك وكيف بدأ بالاستهزاء والكلام المسيء والمؤذي عن النبي r وعن المسلمين. ومن هذه الأحداث يتبين حبُّ عبد الله t (ابن عبد الله بن أبي بن سلول) للإسلام وللنبي r ويثبت أيضا أنه لم يكن عنده مانعا في أيّ تصرّف ضد أبيه إن هجم على الإسلام أو هتك عِرض النبي r. لقد ذُكر في كتاب “سيرة خاتم النبيين” كيف بدأ هؤلاء الناس يسخرون، فيقول حضرة مرزا بشير أحمد t:

اليهود والمنافقون في المدينة قد ارتعبوا قليلا بعد غزوة بدر، ولكنهم تشجعوا بعد غزوة أُحد، بل بدأ عبد الله بن أُبي بن سلول وأصحابه بالاستهزاء والإساءة علنا. ولكن النبي r ظل يغض النظر عنهم. أما هؤلاء الناس فقد باتوا يتمادون في التجاسر وبذاءة اللسان بدلا من أن يخجلوا نظرا إلى معاملة النبي r اللينة تجاههم.

تتبين بذاءة لسان عبد الله بن أُبي بن سلول، رئيس المنافقين، وحبّ ابنه عبد الله t للنبي r وإخلاصه له من حادث وقع عام 5 من الهجرة. عند العودة من غزوة بني المصطلق، أقام النبي r في المريسيع، (هو ماء بني مصطلق) وفي أثناء هذا القيام قام المنافقون بتصرف مزعج كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية في ضعاف المسلمين. ولكن بصيرة النبي r وتأثيره المغناطيسي أنقذ المسلمين من نتائج هذه الفتنة الخطيرة. وبيان ذلك أن جهجا كان أجيرًا لعمر بن الخطاب t فذهب لجلب الماء من المريسيع، وفي الوقت نفسه جاء إلى هناك لجلب الماء صدفةً شخصٌ آخر اسمه سنان وهو من حلفاء الأنصار. كان الرجلان المذكوران جاهلَين ومن البسطاء تماما، فتنازعا إلى أن رفع جهجا يده فضرب سنانًا. عندها بدأ سنان يصيح ويثير ضحة وجعل ينادي: يا حزب الأنصار! سارِعوا لنصرتي فقد هوجمتُ وضُربتُ. فلما رأى جهجا أن سنانا قد نادى قومه، فنادى (إذ كان رجلا جاهلا) هو أيضا بدوره قومَه قائلا: يا حزب المهاجرين أسرِعوا لنجدتي. حين تناهى هذا الكلام إلى آذان الأنصار والمهاجرين أسرعوا إلى الماء حاملين سيوفهم، واجتمعوا بكثرة في لمح البصر. وكاد بعض الجهال من الشاب أن يهاجموا الآخرين. ولكن في هذه الأثناء وصل إلى هناك بعض من ذوي رأي سديد والمخلصين من المهاجرين والأنصار وتداركوا الموقف وأقاموا الصلح بينهم.

عندما بلغ الخبر النبي r سخط مما حدث وقال ما معناه: هذا ضرب من الجاهلية. فهكذا انقشع الغبار. ثم عندما علم رأسُ المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول (وقد شهد غزوة بني المصطلق) بالموضوع، نوى هذا الشقي لإثارة هذه الفتنة مجددا، وحرَّض أصحابه ضد النبي r والمسلمين كثيرا، وقال ما معناه: إن الخطأ خطأكم إذ قد أويتم هؤلاء المسلمين الذين لا مأوى لهم ولا سند، وهكذا قد دلّلتموهم أكثر من اللازم. أما الآن فعليكم أن تتوقفوا عن مساعدتهم. فلو فعلتم ذلك لتركوا كل شيء ورجعوا إلى المدينة من تلقائهم. فقال هذا الشقي كما ورد في القرآن الكريم:] لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ[ (المنافقون: 9) كان طفلٌ مسلم مخلص اسمه زيد بن الأرقم موجودا هناك، فعندما سمع هذه الكلمات من لسان عبد الله بحق النبي r اضطرب بشدة ونقل الخبر إلى النبي r فورا بواسطة عمّه.

انظروا، كم كان الأطفال مخلصين وأوفياء وكانوا منتبهين دائما ويميزون بين الكلام الخاطئ والصواب. على أية حال، أخبر الطفلُ عمَّه بما حدث. كان عمر t عند النبي r فاستشاط غضبا وغِيرة بسماع تلك الكلمات، فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله r: “دعه، لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه”.

ثم دعا رسول الله r عبد الله بن أُبي بن سلول وأصحابه وسألهم: ما القصة، فقد سمعتُ كذا وكذا. فقال كلهم حالفين أننا لم نقل هذا. وقال بعض الأنصار أيضا على سبيل الشفاعة لعل زيدا بن الأرقم قد أساء الفهم إذ لا يمكن لعبد الله بن أُبي بن سلول أن يقول مثل هذا الكلام. فقبِل النبي r ما قاله عبد الله بن أُبي بن سلول وأصحابه وردّ ما قاله زيد، الأمر الذي آلَم زيدا كثيرا وحزن بشدة. ولكن وحي الله تعالى النازل فيما بعد صدّق قولَ زيد وكذّب المنافقين في الآية التي تلوتها آنفا.

فدعا النبي r عبد الله بن أبي وغيره للتحقق من هذا الأمر وأمر عمر t أن يطلب من الناس العودة. وكان ذلك وقت الظهر ولم يكن يرتحل فيه عموما لأن الظهر وقت الحر الشديد في الجزيرة العربية والسفر فيه يكون شاقا ولكن النبي r رأى في تلك الظروف أن الارتحال في ذلك الوقت مناسبا. فاستعد جيش المسلمين فورا للعودة بحسب أمر النبي r. وغالبا في ذلك الوقت نفسه جاء أسيد بن حضير أحد رؤساء الأوس وقال للنبي r: يا رسول الله لقد رحت في ساعة لم تكن تروح فيها. فقال: أوما بلغك ما قال عبد الله بن أبي؟ قال: وماذا؟ قال: زعم إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال أسيد عفويا: فأنت والله تخرجه إن شئت فإنك العزيز وهو الذليل، ثم قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد من الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكًا. فبدأ يحسدك بسبب ذلك.

وبعد قليل جاء ابن عبد الله بن أبي بن سلول، الذي كان اسمه حُبابا فبدّله النبي r وسماه عبد الله، وهو الذي نتناول ذكره وكان صحابيا مخلصا، وقال للنبي r: يا رسول الله، بلغني أنك تريد قتل أبي بسبب تجاسره وشره، فإن كنتَ فاعلا فمُرْني به فأنا أحمل إليك رأسه، وأخشى أن تأمر غيري بقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار بدلا من نيل رضى الله تعالى. فطمأنه النبي r وقال: بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا. ولكن عبد الله بن عبد الله كان متحمسا ضد أبيه لدرجة أنه عندما رجع جيش المسلمين المدينة فقام في طريق أبيه وقال: والله لن أسمح لك ما لم تقر بأن الرسول هو العزيز وأنت الذليل، وأصر عبد الله على ذلك حتى اضطر أبوه ليقول هذه الكلمات فخلى سبيله. وقد ذكر ابن سعد هذا الحادث كالتالي: حين أمر النبي r الصحابة بالرحيل اعترض عبد الله طريق أبيه وأناخ الجمل وقال لوالده ما لم تقر بأن محمدا هو الأعز لن أسمح لك، وحين مر به النبي r قال: دعه، لعمري سنحسن إليه ما دام حيا. جاء ذلك في الطبقات الكبرى. وكذلك ورد أنه قال عبد الله بن أبي: ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عبد الله بن عبد الله للنبي r: يا رسول الله هو الذليل وأنت العزيز، أي قال الابن عن أبيه ذلك.

ثم هناك تهمة من قِبل المنافقين ولها علاقة بحادث الإفك، وكان مؤسسها عبد الله بن أبي بن سلول. حدث حادث الإفك عند العودة من معركة بني المصطلق وأُلصقت فيه التهم البذيئة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها وكان ناشئ هذه التهمة عبد الله بن أبي بن سلول. لقد ذكرت بالتفصيل عن حادث الإفك في إحدى الخطب في نهاية السنة الماضية ولكن سأبين قليلا هنا أيضا، فهناك رواية للسيدة عائشة رضي الله عنها سأذكر جزءا من هذه الرواية التي قالت فيها:

كَانَ رَسُولُ اللهِ r إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ (كان الهودج مثل كرسي مغطى من الأطراف بالستائر تجلس فيها المرأة) فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ r مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدْ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ،… فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ (أي هلك بسبب التهمة) وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنْ النَّبِيِّ r اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُـمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ مُتَبَرَّزُنَا… فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ… فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ r فَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ ائْذَنْ لِي إِلَى أَبَوَيَّ فَأَذِنَ فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ (أي لا ترهقي نفسك واطمئنّي) فالناس يتكلمون هكذا قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا، فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ (حين علمت أن هذه التهمة أُلصقتْ بي. باختصار ظل الناس يتكلمون عن هذه التهمة واستشار النبي r بعض الصحابة أيضا، ثم ذات يوم) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ r بَرِيرَةَ (خادمة السيدة عائشة رضي الله عنها) فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ (كلا ما رأيت منها مثل هذا) وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ (أي أكبر ضعف رأيته فيها هو) أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ (نئوم) تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، (أي ما وجدت فيها عيبا أكثر من قلة الحذر أو كثرة النوم، فبعد سماع ذلك) قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ (في نفس اليوم فخاطب الصحابة) واسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قائلا: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا (أي الذي اتُّهِم) مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي.

باختصار تقول السيدة عائشة:  لقد خاطبني النبي r ذات يوم مباشرة فقال: يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فقلت وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا (والناس يتكلمون فيما بينهم عن هذا ويتهمونني به)، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِي (لأنه قد انتشر في الناس كثيرا، إذ صدَّقه كل واحد وحتى يتكلم بذلك بعض الصحابة أيضا)، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ]فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ[ وهذه آية من سوة يوسف.

قَالَتْ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي قَالَتْ وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي حتما، وأن الله I يخبر النبي r أني بريئة من هذا الاتهام.

ثم تقول حضرتها: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ r مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ، (فكان سيدنا أبو بكر t ووالدة عائشة رضي الله عنها أيضا هناك حين قالت ذلك للنبي r)، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ U عَلَى نَبِيِّهِ r فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْعَرَقِ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ]إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ[

مع كل هذه الأمور حين تمت براءتُها وأعلن النبي r  ذلك وأنزل الله I آية في القرآن الكريم، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول كنت أرجو أن الله I سيكشف الحقيقة على النبي r في رؤيا أو بطريق آخر وما كنت أتوقع أن آية في القرآن الكريم ستَنـزل بهذا الخصوص.

فانتهى هذا الأمر وصدرت التهم المختلفة وشتى التصرفات، لكنه مع كل هذا وذاك كانت معاملة النبي r المبعوث رحمة للعالمين مع رئيس المنافقين، هي حين توفي والدُ حضرة عبد الله t أي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ التمس من النبي r أن يصلي عليه الجنازة، كما قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ لعل ذلك يخفف عنه، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ r قَمِيصَهُ.

وفي رواية أخرى نجد كلمات أنه حين توفي والد حضرة عبد الله t أي عبد بن أبي بن سلول، جاء إلى النبي r فقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فيه وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ فأعطاه النبي r قميصه فَقَالَ حين تنتهون من الغسل والكفن آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ قال له عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إن اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ أَنَا خُيرت بين أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم. ثم صلى عليه الجنازة، ثم حين نهاه الله I عن الصلاة على أمثال هؤلاء نهائيا ترك الصلاة على المنافقين.

وفي رواية أن رَسُولُ اللَّهِ r أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَ رأسهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَدعا له وأعطاه قَمِيصَهُ.

وفي رواية: عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ r إِيَّاهُ فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ r قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ بعد موته. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ r يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ.

لكن هذه الرواية وإن كانت في البخاري ليست من الموثوق بها، ولا تبدو صحيحة. إذ كان النبي r رحمة للعالمين، أنه قام بذلك لمعاملته الحسنة وعند البعض لم يكن عبد الله بن أبي مسلما عند بدر، وإذا كان على الافتراض قد أعطى قميصه، فكان النبي r له منن لا حصر لها عليه حتى وفاته.

باختصار لا أرى صحيحا أنه r لم يمنّ عليه بإعطاء القميص مكافأة حصرا، وإنما أرى أنه r قام بذلك إكراما لابنه عبد الله t الذي أبدى غيرة للإسلام في كل قضية، وحفظ إيمانه، وقسا على والده، لذا كان قد أعطى قميصه لطفا بابنه واحتراما لأمنيته.

وقال سيدنا عمر بن الخطاب t وهو يروي القصة بنفسه: عندما مات عبد الله بن أبي بن سلول قيل لرسول الله r أن يصلي عليه الجنازة. ولما قام الرسول r للصلاة عليه ذهبتُ وقلت يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي بن سلول وقد فعل كذا وكذا يوم كذا وكذا؟! وبدأتُ أعدّد جرائمه، فتبسم الرسول r وقال ابتعدْ عني يا عمر. فلما أصررت عليه إصرارا قال لقد خُيّرتُ، فاخترتُ، ولو علمتُ أنه سيُغفر له لو استغفرتُ له أكثر من سبعين مرة، لفعلتُ. قال عمر فصلى الرسول r عليه الجنازة ثم عاد، ولم يلبث أن نزلت عليه الآيتان من سورة براءة أي التوبة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (التوبة 84)

قال عمر t: فتعجبت بعد ذلك من جرأتي على رسول الله r، إذ كيف تكلمت أمامه هكذا، فإن الله ورسول الله أعلم.

لقد انتهى هنا ذكر الصحابي عبد الله t، وسوف أبدأ ذكر الصحابي التالي فيما بعد. أما الآن فسوف أذكر بعض المرحومين الذين قد توفوا إلى رحمة الله، وسوف أصلي عليهم الجنازة بعد صلاة الجمعة.

أول هؤلاء المتوفين هي المرحومة أمة الحفيظ زوجة الداعية مولانا محمد عمر المحترم من كيراله بالهند. توفيت في 20 اكتوبر وعمرها 72 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. وُلدتْ في كيراله عام 1947. دخلت الأحمدية في عائلة المرحومة بواسطة والد جدها من أمها الذي كان من الرعيل الأول من الأحمديين في كيراله.

لقد وفقها الله تعالى لخدمة الدين كسكرتيرة المال في تشيناي ورئيسة للجنة إماء الله في كيراله لمدة طويلة. كانت المرحومة مواظبة على تلاوة القرآن الكريم وصلاة التهجد. كانت تعلّم النساء والبنات القرآن الكريم. كان تصوم الصيام المفروض وكذلك صيام النفل. لقد خدمتْ زوجها مولانا محمد عمر كثيرا حتى آخر عمرها. كانت تكرم الضيوف وتحب خدمة خلق الله. كانت امرأة صالحة جدا ومحبة للخلافة حبًا شديدا. حيثما أقامت كانت تعامل أفراد الجماعة بإخلاص وتخدم القادمين إلى مركز الجماعة بصدق وتفان. قبل وفاتها أصيبت بثلاث جلطات قلبية، وعندما أصيبت ثالث مرة قالت لزوجها المولوي محمد عمر إن أجلي قد دنا، ثم قالت بلّغ الجميع سلامي، ثم كبّرت ثلاثا ولحقت بربها. كانت المرحومة موصية. خلفتْ أربع بنات. كانت منهن كنّةً للسيد منور أحمد ناصر الذي يعمل في مكتب سكرتيري الخاص متطوعًا على إعداد بريدي بلغة ولاية تامل.

لقد كتب السيد المولوي محمد عمر المحترم: عندما فزت في امتحان “مولوي فاضل” في عام 1961 عينتُ أول  مدرسا في المدرسة الأحمدية. ثم أُرسلتُ إلى حيدرآباد، وخلال إقامتي هنالك حصل حادث، وذلك أنه في عام 1967 هطلت الأمطار في حيدرآباد بغزارة شديدة. وكان لمبنى الجماعة المسمى بصالة الجوبلي ثلاثة طوابق، كان الطابق الأول مصلى، والطابق الثاني كان خاصا بلجنة إماء الله (سيدات الجماعة)، والطابق الثالث كان مركزا للدعوة. وتهدم معظم المبنى بمياه الأمطار فجأة، ولم أكن موجودا هنالك عندها. وعندما وصلت إلى المركز وقت الظهيرة أخذتني الحيرة الشديدة إذ كان المبنى كله قد انهار ولم يبق منه إلا زاوية صغيرة وكانت زوجتي المسكينة العديمة الحيلة واقفة عليها في الطابق الثالث محتضنةً بنتَنا التي كان عمرها ثلاثة أشهر. وكانت نجاة زوجتي وبنتي تبدو محالا في بادي الأمر، إذ كانت  تحت المكان الذي كانت زوجتي واقفة فيه وهدة عميقة وأنقاض المبنى، فما كانت قادرة على القفز تحت، ولم يكن هناك سبيل للنزول. فجاء رجال الإطفاء بسلّم، ولكن لم يكن أحد منهم يجرؤ على الصعود على السلم لإنقاذ الأم والبنت. وكان بينهم شخص  كبير السن نسبيا، وقال سوف أسعى لإنقاذ الأم والبنت ولو مت في هذا السبيل. ثم إنه صعد السلم ونزل بالبنت أولا، ثم بالأم. وهكذا نجتا بمعجزة.

يقول زوجها المولوي عمر: لقد أعانتني في عملي في كل مكان صابرة شاكرة. عندما كنت أعمل في كيراله عملتْ زوجتي رئيسةً للجنة إماء الله لولاية كيراله كلها لمدة خمس عشرة سنة، وأسدت للجماعة الخدمات على أحسن وجه. وعندما أقامت في قاديان عندما كنتُ أعمل ناظرًا للإصلاح والإرشاد ما بين 2007 إلى 2017، كانت تذهب يوميا إلى بيت الدعاء وتقوم هنالك بأدعية طويلة. وفي عام 2015 وفقها الله للعمرة.

وكتب المولوي محمد عمر المحترم: كانت تتلو القرآن الكريم بعد صلاة الفجر كل يوم، وتقوم بمطالعة الحديث الشريف. وكانت هذه عادتها اليومية، حتى وفقها الله تعالى للقيام بها يوم وفاتها أيضا. كانت شغوفة بمطالعة كتب المسيح الموعود عليه السلام. وكانت ترغب في تحصيل المعلومات الدينية عموما.

(وأقول: هكذا ينبغي أن تكون صفات زوجة الداعية، وكانت متحلية بها بفضل الله تعالى) كانت تدرك مكانة الدعاة والمسؤولين في الجماعة وتكن لهم الاحترام. وكانت لا تقصر أبدًا في إكرام الضيوف. غفر الله لها وتغمدها بواسع رحمته ورفع درجاتها، وجعل أولادها ورثة لأدعيتها.

والجنازة الثانية هي للتشودري محمد إبراهيم الذي كان في السابق مديرا وناشرا لمجلة “أنصار الله” الشهرية بباكستان. لقد توفي في 16 أكتوبر عن عمر يناهز 83 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد عين سكرتيرا لأنصار الله بربوة في  باكستان عام 1957. ولما بدأ صدور مجلة “أنصار الله” الشهرية عام 1960 عين مديرا ومسئول طباعتها ، وقد قام بهذا الواجب على أحسن وجه حتى عام 2004. لقد خدم في مجلس أنصار الله بباكستان بالمناصب التالية: مدير مكتب لنائب قائد عمومي، وسكرتير لرئيس المجلس أيضا.

في عام 2003 رفعت ضده قضية بسبب الجماعة واعتبر مجرما هاربا، فهاجر إلى لندن بعد إذني وانتقل إلى هنا. وهنا أيضا وفقه الله تعالى لخدمة الجماعة في مكتب أنصار الله لثمانية أو تسعة أعوام،  حيث كان عضوا في الهيئة الإدارية لمجلس أنصار الله الوطني. كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية، وكان قبل وفاته بفترة ذهب إلى ربوة بسبب مرضه، وتوفي هنالك. خلف بنتا و خمسة أبناء وعديدا من الأحفاد والحفيدات. غفر الله له ورحمه ووفق أولاده ونسله لمواصلة حسناته وللارتباط بالجماعة والخلافة. لما كان مديرًا لمجلة “أنصار الله” في باكستان كانت القضايا تُرفع ضده على كل شيء، فقد رفعت حوالي 26 قضية ضده، وبقي أسيرًا في السجن لمدة شهر.

الجنازة الثالثة هي للسيد راجه مسعود أحمد ابن المرحوم السيد راجه محمد نواز من منطقة “بند دادنخان”، وهو توفي بعد مرض طويل في 19 أكتوبر عن عمر يناهز 69 عامًا. إنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد بلغت الأحمديةُ عائلتَه عن طريق والده الذي كان على علاقة مع راجه محمد علي الناظر لبيت المال في عام 1943-1944، وهو أخذ والدَ المرحوم إلى الجلسة السنوية في قاديان حيث تشرف بالبيعة. لم يبايع بناء على دليل ما بل كانت بيعته بسبب واقعة حدثت ، ويقول عنها بأنه رأى حين كان حضرة المصلح الموعود t يخطب في الجلسة أن شابًّا أنيقًا ووسيما جاء يحمل طفلا وسخًا يسيل أنفه فأخرج منديلا من جيبه ونظّف أنف الطفل وظل واقفًا في الخلف. كان المصلح الموعود t مركزًا على كلمته ولكن لما بكى الطفل بعد قليل التفت ونظر إلى الوراء ثم أعلن أن على الوالدين اللذين فقدا ابنهما أن يأخذاه من هنا.

على أية حال، لما تحريتُ عن شخصية هذا الشاب الأنيق الملبس الذي كان يحمل طفلا وسخًا أخبرني بعض الناس بأنه مرزا ناصر أحمد النجل الأكبر للخليفة الثاني للمسيح الموعود u، وإنه رئيس مجلس خدام الأحمدية أيضا.

يقول بأنني تأثرت من هذا الموقف لدرجة تركت مناقشة المسائل لوقت آخر وقررت المبايعة بناء على ما رأيته في ذلك اليوم.

إن بعض الناس الذين يشتركون في الجلسات يدخلون الأحمدية بعد رؤيتهم لمثل هذه المواقف والنماذج.

انتقل السيد راجه مسعود أحمد إلى انجلترا في عام 1991 وعيّن رئيسا للجماعة في فرع “كيت فورت”، وكان يستخدم بيته أيضا كمركز للجماعة. ثم خدم الجماعة على منصب القائد العمومي في مجلس أنصار الله، وسكرتير الوصية الإضافي وسكرتير الوصية الوطني. فلما أمرت بتحسين نظام الوصية فقد بذل جهدًا كبيرًا بفضل الله تعالى في تنظيم أمور الموصين.

كانت له علاقة وثيقة مع الخلافة. كان يحترم المسؤولين في الجماعة، وكان مواظبًا على الصلوات وصلاة التهجد. كان يتبرع بسخاء ويكثر من الصدقات وإيصال الخير، كان يهتم بالفقراء وكان شخصية اجتماعية.

كان منضمًّا إلى نظام الوصية، ترك خلفه زوجته وبنتًا وابنين. رحمه الله وغفر له ورفع درجاته.

كان هو زميلي في الكلية، لم نكن في صف واحد إذ كانت المواد التي أخذها مختلفة، إلا أنه يمكن القول بأنه كان في نفس الكلية يدرس في نفس الفترة التي كنت أدرس فيها، وبناء عليه يمكن القول بأننا كنا ندرس سويًّا في كلية واحدة، كانت هناك حصة اللغة الأردية فقط التي كنا نجلس فيها سويًّا. كان يتميز بصفات كثيرة آنذاك أيضا، لقد رأيت أنه كان يركز على عمله دون أن يتدخل فيما لا يعنيه، ولم يكن كبعض الطلاب يهوى المشاغبة أو إزعاج الآخرين. رفع الله تعالى درجاته، آمين.

يقول السيد الله بخش صادق وكيل التعليم في ربوه: كان المرحوم شجاعًا وأحمديًّا غيورًا. كان مسجدنا في جهلم قديمًا وكان سقف غرفه وفرشها واطئا أيضا، بل كان الفرش واطئًا من بعض الأماكن ومرتفعًا من أخرى. كانت ظروف الجماعة صعبة بعد قانون صدر عام 1984، إذ بعد ذلك لم يُسمح للجماعة بناء أي مسجد ولا ترميم أي مسجد أيضا. ولكن راجه مسعود أحمد أخذ على عاتقه مسؤولية بناء المسجد، وأنجز هذه المهمة بحكمة وبالتشاور مع أمير الجماعة. فقد أقام أعمدة للقاعة الرئيسية للمسجد بحسب التصميم دون أن يلمس جدران المسجد الخارجية، ثم وضع السقف على الأعمدة. لقد قدم تضحية المال والوقت أيضا في بناء المسجد وحث الناس عليها، وهكذا جعل المسجد في حلة جديدة، وبعد وضع السقف على الأعمدة أزال الجدران الخارجية، وهكذا أعد المسجد بقاعتين واحدة فوق الأخرى.

الجنازة الرابعة هي للسيدة “صالحة أنور أبو” زوجة السيد “أنور علي أبو” من السند التي توفيت في 1 أكتوبر، إنا لله وإنا إليه راجعون. كانت سیدة شجاعة ذالحة أنور أبو زوجة السيد أنو علي أبو من سندهـ التي توفيت في 1 أكتوبر، إنا لله وإنا إليه راجعون.يننا حيث كنا نجلس سويت همة عالية، وكانت مواظبة عالية، وكانت مركزة على العبادة الإلهية  على العبادة ومهتمة بأداء حقوق الله وحقوق العباد. كانت مواظبة على الصلاة والصوم منذ صغرها وأداء التبرعات وغيرها. كانت لها علاقة صادقة مع الخلافة. لما جاء والدها من إيران بعد التقاعد وأقام في “نوابشاه” كان يعطيها نفقة جيب قليلة فكانت تتبرع منها أيضا. مرة زارت فرعَ المرحومة مسؤولةٌ مركزية للجنة إماء الله وأخبرتْ في الاجتماع للسيدات كلهن أنّ تبرعَ هذه الفتاة أكثر من جميع السيدات الأحمديات في نوابشاه، وكان ذلك قبل زواجها.

تقول بنتها طاهرة مؤمن: بقدر ما منّ الله تعالى عليها من نعم بقدر ما أعطاها الله تعالى قلبًا كبيرا، كانت تعيل الفقراء وتساعدهم وكانت متواضعة وبسيطة. كانت تلبي كل نداء من أجل التبرعات. كانت تتعهد بأداء تبرع أكثر من الجميع. ظلت رئيسة للجنة إماء الله في محافظة “لاركانه” لمدة طويلة. وكلما قامت بحثّ الأخوات على أداء التبرعات أثناء جولاتها حظيت بردة فعل رائعة لكونها صاحبة أسوة صالحة في هذا المجال. كانت شجاعة وغيورة. كانت قد تزوجت في عائلة سندية عريقة وعاشت حياتها الاجتماعية بعيدة عن التقاليد والبدعات الشائعة في مجتمع غير متحضر للسندـ آنذاك، وظلت على علاقة مع الجميع وبقيت تواسي الناس وحافظت على علاقات القرابة وأدت واجبها بأحسن ما يرام تجاه علاقتها مع أقارب زوجها أيضا.

تقول بنتها: إن عضوات لجنة إماء الله لا يزلن يذكرنها حيثما كنّ، ويقلن: كلما ألمّ بنا خطب ما قلنا لها أولا فكانت تنصح أن نصلي وندعو ثم كانت هي تدعو لنا كثيرا. كانت علاقتها مع الجميع رائعة وكانت تحمل شخصية اجتماعية جدًّا. حيثما ذهبت توددت إلى النساء ووسعت حلقة أحبائها وصديقاتها. زاد الله تعالى أولادها أيضا إخلاصا ووفاء، وغفر لها ورحمها وجعل أولادها يرتبطون بالخلافة والجماعة ارتباطًا وثيقًا، وجعلهم سباقين في التضحيات على خطاها. وتقبل الله تعالى أدعيتها لأولادها أيضا. آمين. تركت خلفها ابنين وبنتين.

وكما قلت بأنني سأصلي صلاة الغائب على كل هؤلاء بعد صلاتي الجمعة والعصر.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز