خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 6/12/2019

في المسجد المبارك إسلام آباد بالمملكة المتحدة

*********

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[.

الصحابي البدري الذي سأتناول اليوم ذكره هو هلال t، واسمه الكامل هلال بن أمية الواقفي، فكان من بني واقف من قبيلة الأوس الأنصارية، واسم والده أمية بن عامر واسم والدته أنيسة بنت الهدم وكانت أختَ كلثوم بن الهدم t. وكلثوم بن الهدم نفس الصحابي الذي أقام عنده النبي r في قباء عند الهجرة. نجد أن هلالا تزوج اثنتين، إحداهما فريح بنت مالك بن الدهشم، والثانية مليكة بنت عبد الله. وكلتاهما تشرفتا بقبول الإسلام، حيث بايعتا النبيَّ r، كان هلال بن أمية t من أوائل المسلمين، وكان قد كسر أصنام قبيلة بني واقف، ويوم فتح مكة كانت راية قومه بيده، ولقد نال هلال بن أمية t سعادة حضور بدر وأُحد وسائر الغزوات مع النبي r إلا غزوة تبوك. لم يرِد اسمه في قائمة الصحابة البدريين التي أوردها ابن هشام في كتابه، بينما عدَّه البخاري في صحيحه من البدريين. كان هلال من الصحابة الثلاثة من الأنصار الذين لم يحضروا تبوك دون عذر، والصحابيان الآخران هما كعب بن مالك ومرارة بن ربيع. وفيهم نزلت آية في القرآن الكريم، ]وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[ (التوبة: 118)

كانت عزوة تبوك في سنة 9 للهجرة، وفي البخاري رواية مفصلة عن هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا.

عن حفيد كعب بن مالك t عبد الرحمن عن أبيه عبد الله بن كعب أنه حين عمي كعب كان يمسك بيده، فقال قد سمعت كعبا يسرد ذلك الحدث. فهذه الرواية الطويلة عن كعب t، وفيها ذكر هلال بن أمية t الذي أذكره اليوم، باختصار يقول حفيد كعب إني قد سمعته يقص تفاصيل تخلفه عن تبوك، فقال:

قَالَ كَعْبٌ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ (أي تبوك) وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ r يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا (أي كان حضرته يخفي الخطة بحسب مقتضى الاستراتيجية في الحرب وكان يطيل السفر ويغير الطريق) حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ (أي تبوك) غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ r فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ (ولم يخفِ شيئا في هذه الغزوة بل قد أخبرهم أننا  سنخرج إلى اتجاه فلاني وأن العدو فلان لذا استعدوا جيدا) فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r كَثِيرٌ .. فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ r تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ (أي كان الطقس حارًّا) وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ r وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ. فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ r وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، (لأني كنت أملك الراحلة للسفر وأستطيع الخروج بسهولة) فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ. فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ r فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ (أي جبناء في قلوبهم نفاق) أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ. وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ (أي ربما اغتنى فتكبر لذا لم يحضر) فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، (ما لمسنا منه أو ما رأينا منه أو ما سمعنا عنه إلا الخير، فليس فيه فخر ولا تكبُّر ونفاق) فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ r. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ (r) تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي (أي استشرتُ الناس كيف يمكن أن أعتذر) فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ (أي زالت عني كل الأفكار الكاذبة) وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ r قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا (أي الذين قدموا الأعذار وتكلموا كذبا وزورا) فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ (أي قال لهم حسنا أقبل ما تقولون، سامحكم الله، وأفوض أمركم إلى الله). يقول كعب t: فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلْتُ بَلَى إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا (أي أقدر على اختراع الأعذار) وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ (أي انصرف عني) فَقُمْتُ وَاتَّبعني رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ (أي قد اعتذروا وكان قرابة ثمانين، وسبق ذكرهم) قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ r لَكَ. فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي (أي أذهب إلى النبي r مرة أخرى وأقدم له عذرًا ما وأخطّئ نفسي فيما قلته له سابقا) ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ (أي للذين قالوا لي بأنك أخطأت عندما صدقت القول ولم تعتذر، فارجع إلى النبي r، فقلت لهؤلاء الذين أرادوا تحريضي على عمل خاطئ:) هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ (أي صدق القول مثلي؟) قَالُوا: نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ. فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. (يقول كعب:) فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ (فلما ذُكر أن هناك رجلين آخرين مثلي خطر ببالي أنهما رجلان صالحان شهدا بدرًا لذلك فسأنضم إليهما ولن أقدّم أي عذر. يقول كعب: فمضيت إليهما وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، أي كانت هناك مقاطعة من قبلهم) فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا (فلما مُنع الناس من كلامنا أصبحوا يتحاشوننا ويتنكرون وكأنهم لا يعرفوننا) حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ. (أي كأنني بأرض جديدة حيث يتحاشى الناس عنا. على أية حال، يقول:) فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ (هلال بن أمية ومرارة بن ربيع) فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا (أما هلال بن أمية فقعد في البيت يبكي) وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (أي كنت أخرج بين الناس ولم أقعد في البيت أبكي وأستغفر، بل كنت أستغفر ولكن أخرج أيضا وآتي إلى المسجد وأشهد الصلاة مع المسلمين)

وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ r فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ (في المسجد) بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ. فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ (قسا عليك و) جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا. حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ r يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ (وأحدهما هلال بن أمية) مِثْلَ ذَلِكَ. فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ r (أي الصحابي الذي نحن بصدد ذكره اليوم) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ، قَالَ: لَا، (يمكنك أن تخدميه وتطبخي له الطعام وتقومي بأعمال البيت) وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ. قَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ. وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا (أي هو لا يزال يبكي منذ أن عوقب بالمقاطعة. يقول كعب:) فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوْ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ r فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ r، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ (أما هلال بن أمية فهو شيخ كبير). فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كَلَامِنَا. فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ (وهو جبل في شمال المدينة) بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، (أي فمادام قد ناداني هذا الرجل بهذه الكلمات فلا بد أنه قد تمت تبرئتي وزالت المصيبة) وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ r بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ (أي إلى هلال بن أمية وصاحبهما الثالث) وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ r جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي. وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r -وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ- أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ. قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ r أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ r: لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ r ]لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ (التوبة 117)

فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ r أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ]سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ.. إِلَى قَوْلِهِ.. فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[

قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ r أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: ]وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا[ وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.

لقد توفي هلال بن أمية في عهد معاوية. وهناك بيان موجز آخر عن غزوة تبوك أقرأه عليكم. لقد ذكرتُ بعض هذه التفاصيل من قبل ولكني أحب أن أعيدها بإيجاز. تقع تبوك في الطريق من المدينة إلى الشام على شارع تمر عبره القوافل التجارية، وهي مدينة بين وادي القُرى والشام، وسمّيتْ مدينة أصحاب الأيكة أيضا الذين بُعث إليهم شعيب u، وتبعد عن المدينة ما يقارب 375 ميلا. وقد أُطلقت على غزوة تبوك أسماء أخرى أيضا مثل غزوة العسرة، وجيش العسرة والغزوة الفاضحة (التي فضحت أمر المنافقين). إن أول رسالة بعثها النبي r بعد صلح الحديبية كانت إلى قيصر الروم، وأرسلها إلى والي بُصرى الحارث بن أبي شمر الغساني الذي كان مسيحيا.

فحين وصلته رسالة النبي r أبدى عداوته وهدد بغزو المدينة، فظل الناس يترقبون إلى فترة أنه قد يغزو المدينة بأي وقت.

كان السبب وراء استعداد هذه الغزوة أنه قد بلغ النبي r بواسطة الأنباط من الشام الذين كانوا يسافرون إلى المدينة حاملين الزيت وغيره أن جيش قيصر الروم قد اجتمع في الشام. وفي رواية أخرى أن نصارى العرب كتبوا إلى قيصر: إن هذا الرجل الذي خرج ينتحل النبوة قد هلك، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم… فبعث رجلاً من عظمائهم…وجهز معه جيشا قوامه أربعين ألفًا، ونزل هذا الجيش في البلقاء (وهي مدينة في الشام). ولكن هذا الخبر لم يكن صادقا ولكنه صار سببا للتحرك. فلما بلغ ذلك نبي الله r لم يكن الصحابة قادرين على القتال، ومع ذلك أمر النبي r بالخروج، وأخبرهم عن المكان الذي كان متوجها إليه لكي يقوموا باستعداد مناسب. لقد ورد هذا الذكر في شرح العلامة الزرقاني.

فبهذه المناسبة ظهر للعيان إخلاص الصحابة ومؤامرات المنافقين. فما لبث أن أعلن النبي r للاستعداد لهذه الغزوة إلا وبدأ الصحابة ذوو السعة يقدمون التضحيات إلى أقصى حدود وسعهم. أما الذين كانوا عاجزين عن ذلك كان حماسهم أيضا قد بلغ أوجَه لدرجة كانوا جاهزين للسير على الأقدام إلى مئات الأميال. ولتقديم المعونة لهذه الغزوة أسرع بعضهم إلى بيوتهم وتوجه بعضهم إلى جمع عدة وعتاد من أنواع أخرى. أي كانوا حريصين أن يقدموا لسيدهم أكثر ما كان في وسعهم. فكان بعضهم يفتش بيته بنية أن تقع يده على شيء ليتمكن بناء عليه من الاشتراك في الغزوة. كان الصحابة جاهزين للمشي على الأقدام أيضا، ومنهم من لم يملك حتى الحذاء. فجاءوا إلى النبي r وأظهروا رغبتهم العارمة في السفر وقالوا ما معناه: إننا جاهزون للسفر مشيا ولكن ليست عندنا أحذية، وبدون الأحذية سوف تُجرح أقدامنا ولن نقدر على الوصول إلى الغاية المتوخاة.

باختصار، كان كل واحد منهم جاهزا لتقديم التضحية بالمال والروح.

ظن سيدنا عمر t أن في بيته مالا لا بأس به، وقال في نفسه: اليوم فرصة مواتية لي لأسبق أبا بكر t، فجاء بنصف ماله وقدمه للنبي r. فسأله النبي r: ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركتُ نصف المال. أما أبو بكر t فجاء بكل ما كان في بيته وقدمه للنبي r. فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فقال عمر t وهو غابطا بأبي بكر t: وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.

لقد ذكر المسيح الموعود u أيضا هذا الأمر فقال: ذات مرة ذكر النبي r للصحابة ضرورة المال، فأَحْضَرَ سيدُنا أبو بكر t جُلَّ مالِه. أما سيدُنا عمرُ فأحْضَر نصفَه. فقال النبُي r: الفرق بين عمل أبي بكر وعمر هو الفرق بين درجاتهما.

المال الذي قدمه أبو بكر عند غزوة تبوك للنبي r كانت قيمته أربعة آلاف درهم. وأتى عثمان بالإبل والأحصنة وأتى بالمال فصبه بين يديه، فصعد النبي r المنبر وقال: لا يضر عثمان ما عمل بعد اليوم، ولا يؤاخذ عثمان على أي عمل بعد عمله هذا اليوم. وفي رواية: مَا ضَرَّ ابْن عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ: وقالها مرتين.

كان هناك صحابي اسمه أبو عقيل، لم يكن لديه شيء ليقدمه لهذه الغزوة، فخطرت بباله فكرة فعمل ليلة بأجرة وسقى أرضا لشخص، وظل يجلب الماء من البئر طول الليل ويسقي الأرض، وأُعطي مقابل ذلك صاعين من التمر (ما يقارب أربعة أو خمسة كيلوغرامات) فأعطى نصفها أهلَه وأولادَه وجاء بالبقية إلى النبي r وقدمها له.

وبهذه المناسبة قدم عبد الرحمن بن عوف نصف ماله إلى النبي r، وكانت قيمته 4400 درهم. وقدم عاصم بن عدي مئة وسق تمرا. (الوسق يساوي ستين صاعا، والصاع يقارب اثنين كيلو غرام) فاتهمه المنافقون أن هذا رياء. عندها أنزل الله تعالى آية. (أريد أن أوضح بهذه المناسبة أن التمر الذي قدمه عاصم بن عدي يقارب 14000 كيلو غرام أو 14 طنا، والذي قال عنه المنافقون أنه رياء. كما أريد أن أوضح أيضا أنني في الخطبة الماضية أخطأت في الحساب وقلت في ذكر التمر 600 كيلوغرام ولكنه كان في الحقيقة  6000 كيلوغرام)

أي الآية في سورة التوبة في القرآن الكريم: ]الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ وفيها ذكر المنافقين الذين يلصقون مثل هذه التهم المذكورة.

كان الحديث اليوم عن هلال بن أمية، وهناك بقية من الحديث عنه وسأسرده لاحقا بإذن الله.

الآن هناك إعلان من قسم “وقف نو” وهو أنهم صنعوا موقعا خاصا بالقسم وهو: www.waqfenauintl.org  وسيُطلق هذا الموقع اليوم بعد قليل بإذن الله. وبواسطة هذا الموقع يمكن للوالدين أن يتواصلوا مع قسم وقف نو ويستعلموا منهم مباشرة عن رسائل كتبوها عن إشراك أولادهم المقبلين في هذا المشروع. كذلك يمكن لهم أن يأخذوا المعلومات من الموقع عن تعليماتي بشأن تعليم الأولاد المشتركين في مشروع وقف نو وتربيتهم. وإضافة إلى ذلك يمكن أن يقرأوا في الموقع خطب الخلفاء وخطاباتهم ومنهج الواقفين ومجلة الأولاد باسم “إسماعيل” ومجلة خاصة بالبنات باسم “مريم”. كذلك يمكن للمشتركين في المشروع الاسترشاد عن اختيار مِهَنٍ مختلفة.

يهيئ هذا الموقع سهولة لتجديد عهد وقف نو والتواصل مع القسم المعني. كما يمكن للمشتركين في المشروع أن يطّلعوا على حاجات الجماعة، وفي أي مجال يجب أن يدرسوا حتى يتمكنوا من خدمة الجماعة على أحسن وجه. كذلك توجد في الموقع استمارات لإرشاد سكرتير وقف نو والمسؤولين الآخرين. وإلى جانب ذلك أُنزلت على الموقع ردودي على أسئلة الواقفين الجدد بعد أن جُمعت من المجالس الأسئلة والأجوبة المختلفة بصورة مقاطع فيديو. ثم هناك تعريف لمشروع وقف نو والمعلومات عن التواصل مع قسم مشروع وقف نو. كذلك هناك مقاطع فيديو عن برامج مختلفة عُقدت في مختلف الأوقات في بلاد مختلفة.

باختصار، سوف يبدأ هذا الموقع بالعمل من اليوم بإذن الله، ويجب على المشتركين في مشروع وقف نو وآبائهم أن يستفيدوا منه.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز