خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 17/1/2020م

في مسجد بيت الفتوح، لندن

 *********

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[.

كان الحديث منذ بضع خطب ماضية جاريا عن سعد بن عبادة t، واليوم سأتناول الجزء الأخير من هذا البيان. يُذكر اسمه بوجه خاص بين الأنصار الذين كانوا يريدون انتخابه من بينهم خليفةً بعد وفاة النبي r.

يقول مرزا بشير أحمد t في مؤلَّفه “سيرة خاتم النبيين”: كان الأنصار مُصرِّين على انتخابه خليفة، وكان زعيم القوم أيضا. ولما انتُخب أبو بكر t خليفةً تردد سعدٌ قليلا، بناء على رأي الأنصار بأنه يجب يكون هو -أي سعدٌ- الخليفة، وذلك قبل انتخاب أبي بكر t.

وقد تحدث الخليفة الثاني t مفصلا حول هذا الموضوع وعن مكانة الخلافة وأهميتها، وأرى هذا البيان ضروري جدا، لأنه من ضرورات الوقت الراهن. ولكن قبل التطرق إلى كلام المصلح الموعود t سأورد حديثا ونصًّا من التاريخ.

“فقد ورد في مسند أحمد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَبُو بَكْرٍ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ r وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. ثم انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إلى سقيفة بني ساعدة، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي الْأَنْصَارِ وَلا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ شَأْنِهِمْ، إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ. ثم قال لسعد: وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: وَأَنْتَ قَاعِدٌ: قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ»، ثم قالت الأنصار: صَدَقْتَ نَحْنُ الْوُزَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْأُمَرَاءُ.

وجاء تفصيل ذلك في الطبقات الكبرى كما يلي:

“…أن أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقبِل فبايعْ، فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: لا والله لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي وأقاتلكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي. فلما جاء الخبر إلى أبي بكر قال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله إنه قد أبى ولجَّ وليس بمبايعكم أو يُقتَل، ولن يُقتَل حتى يُقتل معه ولده وعشيرته، ولن يُقتلوا حتى تُقتَل الخزرج، ولن تُقتل الخزرج حتى تُقتَل الأوس، فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر فإنه ليس بضاركم. (أي قد بايع الأغلبية من قومه، لذا لا ضير إن أنكر هو وحده) إنما هو رجل وحده ما ترك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير فترك سعدا، فلما وُلِّيَ عمرُ لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد، فقال سعد: إيه يا عمر، فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ فقال سعد: نعم أنا ذاك وقد أفضى إليك هذا الأمر، كان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحت كارها لجوارك. فقال عمر: إنه من كره جوار جاره تحول عنه، فقال: سعد: أما أني غير مستنسىء بذلك وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك. قال فلم يلبث إلا قليلا حتى خرج مهاجرا إلى الشام في أول خلافة عمر بن الخطاب”.

وقد ذُكر عن سعد t أنه كان قد بايع أبا بكر t.

فقد ورد في تاريخ الطبري: “وتتابع القوم على البيعة وبايع سعد”.

فكما قلتُ آنفا أن التفصيل الذي بيّنه المصلح الموعود t يغطي عدة جوانب مثل ضرورة بيعة الخلافة ومكانة الخلافة وأهميتها، وما أهمية ما فعله سعدٌ. فقد قال المصلح الموعود t في إحدى خطبه: القتل يعني المقاطعة أيضا. عندما حدث الاختلاف بين الصحابة عن الخلافة بعد وفاة رسول الله r، كان الأنصار يرون أن الخلافة من حقهم وقالوا ما مفاده: نحن أهل البلد لذا يجب أن يكون على الأقل منا خليفة ومن المهاجرين خليفة. وقال بنو هاشم أن الخلافة حق لنا، لأن رسول الله r كان من عائلتنا. وإن كان المهاجرون يريدون أن يكون الخليفة من قريش لأن العرب ما كانوا ليصغوا لأحد سوى شخص من قريش، ولكنهم لم يرشحوا شخصا معينا، بل فضّلوا الانتخاب ليُعَدّ خليفةً مِن الله مَن ينتخبه المسلمون. عندما قالوا ذلك وافقهم الأنصار وبنو هاشم كلهم، ولكن أحد الصحابة لم يستوعب هذا الأمر. وكان هذا الصحابي أنصاريا والذي أراد الأنصار أن يكون خليفة منهم. ولعل هذا الصحابي رأى في ذلك إهانة لنفسه أو لعله لم يفهم الأمر. أيا كان السبب، قال: إنني لست مستعدا لبيعة أبي بكر. وقد ذُكر في بعض كتب التاريخ قول عمر t بهذه المناسبة حيث قال: “اُقتلوا سعدا”. ولكن عمر t لم يقتل سعدا بنفسه ولم يقتله غيره. يقول بعض من علماء اللغة أن عمر t كان يقصد من قوله هذا المقاطعة فقط، أي قاطعوا سعدا مقاطعة اجتماعية. وقد ورد أيضا في بعض كتب التاريخ أن سعدا كان يحضر المسجد بالتزام ويغادر بعد أن يصلّي وحده، ولا يكلّمه أحد من الصحابة. فمعنى القتل، المقاطعة والانفصال عن القوم أيضا.

يضيف سيدنا المصلح الموعود t مبيّنا هذه الأحداث أكثر فيقول في الخطبة نفسها التي اقتبست منها مقتطفا وجيزا: لقد ذكرتُ في إحدى الخطب من قبل، صحابيا من الأنصار، وقلت إن بعض الأنصار كانوا يريدون بعد وفاة رسول الله r أن يكون هناك خليفة من الأنصار، ولكن عندما نصح المهاجرون ولا سيما أبو بكر t الصحابةَ أن هذا الانتخاب لن يكون مفيدا للملّة الإسلامية أبدا. وقال أيضا أن المسلمين لن يرضوا بهذا الانتخاب. (أي على انتخاب الخليفة من الأنصار)، فأجمع الأنصار والمهاجرون على أن يبايعوا على يد أحد من المهاجرين. فأجمعوا على بيعة أبي بكر t، لأن الإجماع على بيعة أحد من الأنصار كان مستحيلا، كما وضّح سيدنا أبو بكر t وغيره من الصحابة بأن هذا لن يكون مفيدا. فتقرر أن يكون الخليفة من المهاجرين فأجمع الجميع على بيعة سيدنا أبي بكر t.

يضيف سيدنا المصلح الموعود t ويقول: كنتُ قد قلتُ حينذاك أنه عندما تخلّف سعدٌ عن البيعة قال عمر t: اُقتلوا سعدا. ولكن لم يقتله عمر t كما لم يقتله صحابي آخر. (بل بقي سعد على قيد الحياة إلى خلافة عمر t كما سبق ذكره، ومات بالشام في عهد عمر t). وقد كان سعدٌ قد هاجر إلى الشام ومات بها.

وقد استدل أئمة السلف من ذلك (أي من قول عمر: اُقتلوا سعدا) أنه لا يعني قتلا ماديا بل معناه المقاطعة. وللقتل في اللغة العربية عدة معانٍ -وإن كان معناه بالأردية قتلا ماديا فحسب- أي إذا استُخدمت كلمة “القتل” بالعربية فيعطي أكثر من معنى، بما فيها قطع العلاقة. وقد استدل علماء اللغة أن عمر t لم يقصد من القتل قتلا ماديا بل أراد المقاطعة، أي اتركوه وشأنه ولا تكلّموه. أما إذا كان المراد قتلا ماديا فلماذا لم يقتله عمر t بنفسه مع أنه كان شخصا متحمسا جدا؟ ولماذا لم يقتله أحد من الصحابة الآخرين؟ لم يقتله عمر t في ذلك الوقت ولم يقتله حتى في زمن خلافته.

… وعند البعض عاش حتى بعد خلافة عمر t أيضا، ولم يبسط أي صحابي يده عليه، لذا يتبين من ذلك أن المراد من القتل هنا كان قطع العلاقة حصرا. ولم يكن المقصود القضاءَ عليه. ومع أن سعدا t عاش منعزلا عن الصحابة، لم يرفع أي من الصحابة يده عليه للقتل. يقول المصلح الموعود t وهو يذكر ما قاله في إحدى خطبه: كنت قد ذكرتُ مثالا أنه إذا رأى أحد في الرؤيا عن شخص أنه قُتل فمن المحتمل أن يكون تأويلُه قطعَ العلاقة به. فقال لي أحد الإخوة، إن رجلا قال بعد تلك الخطبة، صحيح أن سعدا لم يبايع إلا أنه كان يُستشار حتما، أي كان سيدنا أبو بكر t يستشيره رغم امتناعه عن بيعته. ويمكن أن يكون لقول هذا الرجل عن حضرة سعد معنيان. فإما يريد أن يدحض ما بينتُ عن معنى القتل من القاموس، وينكر حدوث أي حدثٍ من هذا القبيل. وإما يزعم أن الامتناع عن بيعة الخليفة ليس جريمة كبيرة، لأن سعدا كان يُستشار رغم امتناعه عن البيعة. فقد قال شاعر باللغة الفارسية ما معناه: إن عيوب الإنسان وكفاءاته تبقى خافية ما لم يتكلم، لكنه حين يتكلم يفصح أحيانا عن عيوبه.

أي بالصمت تخفى العيوب، لكنه حين ينطق أحيانا كالسفهاء تظهر عيوبه. يقول حضرته إن هذا الرجل -أي الذي كان قد قال إن سعدا كان يشترك في الشورى أو كان قد علّق على خطبة حضرته t- يمكن أن يكون له معنى أنه إما يريد الاستخفاف بالبيعة، أو يريد إظهار علمه. لكن كلا الأمرين باطل، إذ إن إظهار العلم غير مفيد، لأن هذا الأمر غلط لدرجة لن يقول أي عاقل شيئا سوى أن يبتسم. فعن سيرة الصحابة وسوانحهم هناك ثلاثة كتب في التاريخ الإسلامي، وهي مشهورة، والتاريخ كله عن الصحابة يدور حول هذه الكتب حصرا، وهي تهذيب التهذيب والإصابة وأسد الغابة. فقد ورد في كل واحد منها أن سعدا كان قد اعتزل الصحابة كلَّهم وذهب إلى الشام، وهناك توفي، وبعض أصحاب القواميس أوردوا هذا الحدث استدلالا على معنى القتل. في الصحابة ستُّون أو سبعون مَن كان أسماؤهم سعدا، ومنهم سيدنا سعد بن أبي وقاص أيضا الذي كان من العشرة المبشرة، وكان قائد الجيش الإسلامي من قِبل سيدنا عمر t، وكان يشترك في كل مشورة. يبدو أن هذا الرجل-أي الذي اعترض- لقلة علمه -على خطبة المصلح الموعود t– اعترض فورا على خطبتي ولم يفكر أن سعدًا هذا غير سعد بن أبي وقاص. فلم أذكر سعد بن أبي وقاص المهاجر بل كنت ذكرتُ سعدا الأنصاري. وإضافة إلى هذين السعدين هناك قرابة ستين أو سبعين من كانت أسماؤهم سعد، فالسعد الذي ذكرتُه اسمه سعد بن عبادة. في العرب كانت أسماء قليلة جدا، ولذا كان في قرية واحدة كثيرون باسم واحد. فكان الناس حين يريدون ذكر شخص معين يذكرون مع اسمه اسم أبيه أيضا، أي لم يكونوا يقولون سعدا أو سعيدا فقط بل كانوا يقولون سعد بن عبادة أو سعد بن أبي وقاص، وإذا تعذر التعرف بذكر الأب ذكروا معه مكانه ومع ذلك إذا تعذر التعرف إليه ذكروا اسم قبيلته. فقد ورد نقاش كبير عن سعد في التاريخ، لأن اسمه كان مشتبها بالآخرين، لذا كتب المؤرخون عند ذكره سعد الخزرجي. ويبدو أن هذا الذي اعترض أو علق لم يفهم اختلاف الأسماء هذا، واعترض فورا عبثا. لكن هذه الأمور لا تزيد الناس علما ومعرفة بل تزيح الستار عن جهل صاحبها. ثم قال حضرته: إن الخلافة شيء لا يُكسِب الإنسانَ الابتعادُ عنها أيَّ عزة. ففي هذا المسجد بالذات –حيث كان يلقي حضرتُه الخطبة وربما كان المسجد الأقصى– سمعتُ من حضرة الخليفة الأول، قوله: تعرفون من كان عدوَّ أول خليفة؟ ثم قال بنفسه: اقرأوا القرآن فسترون أن عدوَّه كان إبليس، ثم حين جعل الله آدم خليفة كان عدوه إبليس. ثم قال حضرة الخليفة الأول أنا أيضا خليفة، والذي يعاديني أيضا هو إبليس.

يقول المصلح الموعود t: لا شك أن الخليفة لا يكون مأمورا، وفي الوقت نفسه ليس من الضروري أن لا يكون مأمورا. فكان آدم مأمورًا وخليفةً في الوقت نفسه، كما كان سيدنا داود مأمورا وخليفة. وكذلك كان سيدنا المسيح الموعود u مأمورا وخليفة، ثم جميع الأنبياء هم مأمورون من الله وخلفاء يقيمهم الله. كما أن كل إنسان من ناحية خليفةٌ كذلك يكون الأنبياء أيضا خلفاء. وهناك خلفاء لا يكونون مأمورين قط، مع أنه لا فرق بينهم وبين الأنبياء من حيث الطاعة، فالطاعة كما هي واجبة للنبي فهي واجبة للخليفة أيضا. وإذا كان هناك فرق وامتياز بين هاتين الطاعتين، فهو أن النبي يطاع ويُتبع لكونه مركزا للوحي الإلهي والطهارة، بينما الخليفة لا يطاع ويُتبع لكونه مركزَ الوحي الإلهي والطهارة، وإنما يطاع لكونه مركزا لتنفيذ الوحي الإلهي والنظام كله. أي أن الخليفة ينفِّذ الوحي النازل على النبي، ويسيِّر النظام الذي أقامه النبي. لذلك يقول المطِّلعون وأهل العلم إن الأنبياء يحوزون العصمة الكبرى، بينما الخلفاء يحوزون العصمة الصغرى. ففي هذا المسجد نفسه -حيث كان حضرته يلقي الخطبة في قاديان- ومن هذا المنبر وفي يوم الجمعة بالذات قد سمعتُ من سيدنا الخليفة الأول t يقول: لا يمكنكم الخروج من طاعتي بناء على عيب في عملي الشخصي. إذا كان لي عمل شخصي معيبا في نظركم فهذا لا يبرر خروجكم عن طاعتي، فهو مستحيل. فالطاعة التي أَوجبها الله عليكم لا يمكنكم الخروج منها أبدا، لأن العمل الذي من أجله قمتُ، هو وحدة النظام. لذا فإن طاعتي واجبة وضرورية. فإذا كانت سنَّة الله عن الأنبياء أن جميع أعمالهم في حماية الله تعالى، إلاّ الضعف البشري الذي لا يتدخل الله فيه لكي يظهر الفرق بين التوحيد والرسالة، ولأنه يكون ضروريا من ناحية لتربية الأمة، كسجدة السهو التي تحدث نتيجة النسيان، إلا أن الغاية منها تعليم الأمة أحكام السهو، فهذا الخطأ يصدر من الأنبياء أيضا، فصدر من النبي r أيضا وأدَّى سجدة سهو. بينما سنة الله عن الخلفاء أن جميع أعمالهم التي تصدر منهم لتقدُّم نظام الجماعة تكون في حماية الله. فلن يصدر منهم أبدًا خطأٌ يخلق الفساد في الجماعة ويبدِّل انتصار الإسلام بالهزيمة. وإذا صدر فلن يبقَوا عليه. فكل عمل ينجزه الخلفاء لتقوية النظام وإحراز كمال الإسلام، سيكون مقرونا بحماية الله. وإذا أخطأوا يوما فسوف يتولى الله إصلاحهم. وبتعبير آخر لن يكون الخلفاء مسئولين عن النظام بأعمالهم، بل سيكون الله تعالى مسئولا. ولذلك يقال إن الله هو الذي يقيم الخلفاء. وهذا لا يعني أن الخلفاء لا يمكن أن يخطئوا، بل المراد أن الله تعالى سيتدارك الخطأ الصادر من لسانهم أو عملهم، وإن لم يجعلهم يصححون الخطأ بلسانهم أو عملهم، فسوف يغيِّر الله النتيجة السيئة لذلك الخطأ. أي لن تظهر له نتائجُ سيئة. ثم قال: إذا أرادت حكمة الله تعالى أن يصدر من الخلفاء تصرفٌ يترتب عليه ضررُ المسلمين في ظاهر الأمر، ويُخشى أن يقود الجماعة إلى الانحطاط بدلا من التقدم، فسوف يغير الله نتائج ذلك الخطأ بوسائل خفية جدا، وسوف تتقدم الجماعة على درب الازدهار والرقي بدلا من التخلف. وفي الوقت نفسه تتحقق تلك الحكمة التي من أجلها خُلق ذهولٌ في قلب الخليفة، أي قد صدر منه نسيان أو غفلة. أما الأنبياء فهم يحظون بكلا الأمرين أي العصمة الكبرى والعصمة الصغرى، حيث يكونون مركز التنفيذ والنظام ومركز الوحي وطهارة الأعمال. لكن ذلك لا يعني أن من الضروري أن لا يكون كلُّ خليفة مركزَ طهارة الأعمال. فمن المحتمل أن يكون أقلَّ من بعض الأولياء في بعض الأمور المتعلقة بطهارة الأعمال، فإذا كان من المحتمل أن يكون بعض الخلفاء مركز طهارة الأعمال ونظام الجماعة أيضا، فمن المحتمل أن يكون بعض الخلفاء أقل من الآخرين طهارة وولاية، لكنهم يفوقون الآخرين في الوقت نفسه من حيث الكفاءات الإدارية. وفي كل حال تجب طاعتهم على كل إنسان، ولمـَا كان للنظام علاقة إلى حد ما بسياسة الجماعة.

لعل الناس يستغربون تعبير “سياسة الجماعة”، ولعل البعض يتساءلون ما هي سياسة الجماعة يا ترى! يؤخذ من السياسة في لغتنا بل في مجتمعنا مفهوما سلبيا بشكل عام ويُستخدم هذا التعبير بمفهوم سلبي، وإضافة إلى ذلك شوّه رجال السياسة سمعة هذه الكلمة بحيث يُفهم منها اللف والدوران أو الإساءة أو القيام بما لا يصلح، ولكن معناها الحقيقي بحسب المعجم هو أسلوب الإدارة وتسيير النظام بوجه صحيح، هذا هو المراد من السياسة، ثم هي تعني تنفيذ خطة العمل، وإنشاء نظام لتدارك السيئات، والإدارة بالحكمة والتعقل، وكفاءة أداء الأمور العالمية بوجه حسن، هذه هي السياسة الحقيقية، وجميع المعاني التي تتضمنها هذه الكلمة حسنة، ولكن كما قلت إننا للأسف نأخذ مفهوما سلبيا لها بسبب أعمال رجال السياسة، وبسبب تصرفاتنا الخاطئة. باختصار، استخدم المصلح الموعود t هنا كلمة السياسة بالمفهوم الإيجابي وهو كما بينتُ العقل والحكمة والفراسة والكفاءة اللازمة للإدارة.

قال المصلح الموعود t: لأن للنظام صلة بسياسة الجماعة لحد ما، لذا يُرى في الخلفاء الوجه الغالب بأن يقدموا جانب النظام أي يعطوا الأولوية للنظام، ومع ذلك يلزمهم أن يضعوا أمامهم تمكين الدين وإقامته. لقد وضّح حضرته t هنا أنه إدارة نظام الجماعة أيضا واجب على الخليفة ومع ذلك يجب عليه أن يهتم بإحكام الدين وقيامه. لذلك حيث ذكر الله تعالى الخلافة في القرآن الكريم قال: ]وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ[ (النور 56)، أي سيمكن الله تعالى لهم دينهم ويجعله غالبا على الدنيا. فالدين الذي يقدّمه الخلفاء تكون له حماية إلهية ولكنها تكون حماية صغرى. قال t: يمكن أن يخطئ الخلفاء في الأمور الفرعية ويمكن أن يختلف فيها الخلفاء مع بعضهم ولكنها تكون أمورا صغيرة كما اختلف سيدنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في بعض المسائل بل حتى اليوم لم تستطع الأمة المحمدية أن تتحد على رأي واحد في تلك المسائل، ولكن كان هذا الاختلاف في أمور فرعية. ولن يحدث أي اختلاف في الأمور المبدئية بل على العكس سيكون فيهم اتحاد أنهم هداة العالم وقادته ومنوِّروه. فالقول بأن شخصا بالرغم من عدم المبايعة يمكن أن يحظى بمرتبة المبايع إنما يُبدي أن مثل هذا القائل لا يفهم ماهية البيعة والنظام.

وأما الاستشارة فينبغي التذكر أنه يمكن استشارة خبير وماهر في مجال معين وإن كان من ديانة أخرى، فالمسيح الموعود u استخدم محاميا إنجليزيا في إحدى القضايا، ولكن هذا لا يعني أنه u استشاره في أمور النبوة، وكذلك في مشهد الأحزاب استشار النبي r سلمان الفارسي t وسأله ماذا يصنعون في بلادكم في مناسبة الحرب، فقال يحفرون خندقا في بلادنا، فقال النبي r هذا اقتراح جيد، فتم حفر خندق، لذلك تُسمى هذه الحرب غزوة الخندق أيضا. ولكن بالرغم من ذلك لا نستطيع القول بأن سلمان الفارسي t كان أعلم من النبي r بفنون الحرب، أنى له أن يحظى بخبرة حظيها النبي r في فنون الحرب. أو الأمور التي فعلها النبي r، متى فعلها سلمان الفارسي t؟ بل حتى زمن الخلفاء أيضا لم يُولّى قيادة أي جيش قط مع أنه عاش طويلا. فالخبير يمكن أن يُستشار وإن كان من ديانة أخرى. ثم قال المصلح الموعود t عن نفسه: حين أمرض أستشير الأطباء الإنجليز ولكن هذا لا يعني أنني استشرتهم أو أستشيرهم في أمور الخلافة أو أحسبهم في مكانة صحابة المسيح الموعود u، إنني أستشير الصحابة وهذا لا يعني أن استشارة الصحابة واستشارة الآخرين سيّان. لا شك أن مقام الصحابة عظيم في كل حال. بل إنما المراد أنني استشرت في مجال الطب. وهو مجال معين وقسم معين استشرت فيه أو في أمر معين. فلنفرض أنه إن ثبت استشارة سعد بن عبادة في أمر دنيوي معين كان خبيرا به فبالرغم من ذلك لا يمكن القول أنه كان يشترك في الشورى، ولكن ليست ثمة رواية صحيحة تذكر أنه كان يشترك في الشورى بل تقول الروايات من حيث المجموع أنه كان ترك المدينة وذهب إلى الشام، وكان الصحابة y يرون أنه قد انقطع عن مركز الإسلام لذلك ورد قول الصحابة عند وفاته بأن الملائكة أو الجِنَّة قتلته، مما يتبين أن الصحابة لم يروا موته موتا حسنا، لأنه لا شك أن الجميع يُميتهم الملائكة ولكن القول بوجه خاص على وفاة أحد أن الملائكة أو الجن أماتوه إنما يعني أن الله تعالى قبضه بفعله الخاص لكي لا يكون سببا للانشقاق. باختصار، كان سعد t من صحابة بدر فأماته الله تعالى لكيلا يصدر منه نفاق أو معارضة أو ما يُنزل مقامه، ولكنه كان قد انعزل. وبعد ذلك قال المصلح الموعود t: هذه الروايات كلها تخبر بأنه كان لم يعد له في قلوب الصحابة ذلك الاحترام الذي كان ينبغي أن يكون، نظرا لمقامه الذي كان حظِي به في الماضي، وأنه لم يكن الصحابة راضين به وإلا لما قالوا إن الملائكة أو الجن قتلوه، بل وردت كلمات قاسية أكثر منها على وفاته ولا أريد أن ألفظها بلساني. فالاعتقاد بأن الإنسان من دون مبايعة الخليفة يستطيع أن يحافظ على مقامه في نظام إسلامي إنما يخالف الأحداث وتعليم الإسلام. فالذي يكن في قلبه مثل هذه الأفكار أرى أنه لا يفهم معنى البيعة على الإطلاق.

توفي سعد بن عبادة بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر t، وعند العلامة ابن الحجر العسقلاني توفي في بصرى الشام، وهي أول مدينة من بلاد الشام فتحها المسلمون. وما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر منبه أو بئر سكن وهم يقتحمون نصف النهار في حر شديد قائلا يقول من البئر: قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة… ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده… فذعر الغلمان فحفظوا ذلك اليوم، فوجدوه في اليوم الذي مات فيه سعد، فإنما جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته. كان وفاة سعد بن عبادة في عهد عمر t، ولكن اختلفوا في سنة وفاته، بحسب بعض الروايات توفي في 14 للهجرة وبحسب البعض في 15 للهجرة وبحسب بعضها الآخر في 16 للهجرة. وقبر سعد t في قرية “المليحة” في غوطة دمشق. هذا من الطبقات الكبرى.

والآن سأذكر مرحومَين وسأصلي عليهما أيضا. الأول هو سيد محمد سرور شاه المحترم الذي كان عضوا لمؤسسة صدر أنجمن أحمدية بقاديان، وهو توفي في 8 يناير/كانون الثاني عن عمر يناهر 85 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان مصابا بالسرطان في الفترة الأخيرة ولكن واجه المرض بالصبر والجلد والشجاعة، وظل يؤدي واجباته بوجه حسن إلى الرمق الأخير، ولم يدع المرض يحول دون أدائه واجباته. كان ينتمي إلى عائلة أحمدية مخلصة بسونكرا في محافظة أريشا. كان جد أمه السيد عبد الرحيم t من صحابة المسيح الموعود u وكان جده من أمه المولوي عبد العليم عالما معروفا وشاعرا. وحين وُلد المرحوم طلب أبوه من حميه هذا أن يسمِّي الولدَ، فقال: إنه رأى حضرة سيد سرور شاه أتى إلى بيتنا، لذا سمّوه سيد سرور. بعد انتهاء الدراسة الابتدائية في محافظة كتك حصل على الإجازة، ثم عمل مدير مدرسة ابتدائية خاصة، وبعد ذلك اشتغل نائب المدير في المدرسة الثانوية في أريشا، ثم عمل كمحاسب في الجماعة وبعد التقاعد وقف نفسه لخدمة الجماعة في 1995م، وفي 1996 سلّم إليه الخليفة الرابع رحمه الله بعض الأمور وجعله مسؤولا عنها. وقد تشرف المرحوم بالعمرة أيضا.

قد فوّض إليه حضرة الخليفة الرابع رحمه الله تدقيق الأمور المالية كمدقق مركزي وأيضا تحرّي بعض الأمور. ثم ظل يخدم الجماعة بمنصب المدقق المركزي. كما وفقه الله تعالى للخدمة بصفته رئيس لجنة القضاء لتسعة أعوام. وعمل عضوا وأيضا رئيسًا في لجان مركزية هامة، وظل يخدم الجماعة حتى الوفاة عضوًا في مؤسسة صدر أنجمن أحمدية بالهند. كان ذا كفاءة إدارية عالية، وخدم الجماعة طويلا كمدقق مركزي كما قلت. كتب له حضرة الخليفة الرابع رحمه الله في رسالة: إنك تعمل جيدا، جزاكم الله أحسن الجزاء. لقد أعجبني إظهارك الحب غير خائف من لومة لائم. ما شاء الله، لك نظرة ثاقبة نافذة إلى جوانب هامة ودقيقة في شتى القضايا. استمِر في العمل هكذا بحسب برنامجك، ولا يمكن أن يمنعك أحد من ذلك. بارك الله في صحتك وعمرك.

وكتب ناظم دار القضاء بقاديان: كان المرحوم على علاقة حب عميقة مع جميع العاملين في دار القضاء. كان يسعى دائما للإسراع في فصل القضايا المرفوعة إلى مجلس القضاء. كان يطالع الملفات بمنتهى الحيطة، ويسعى دائما لإصدار الحكم العادل. كان سديد الرأي، وكان يسترشد الله تعالى بالدعاء في القضايا الحساسة الخطيرة.

وقال صهره الدكتور طارق الذي يعمل طبيبا مسؤولا في مشفى نور بقاديان: كان المرحوم مواظبا على صلاة التهجد، وكان يؤدي الصلوات في مواقيتها في المسجد المبارك. عندما بدأت أطرافه وقدماه ترتعش ولم يستطع المشي على ما يرام كان يحضر المسجد مستندا إلى أحد. كان يحضر الجمعة في موعدها دائما ويجلس في الصف الأول. كان لا يبرح منهمكا في المسجد بالنوافل والأدعية والذكر والتسبيح بعد صلاة المغرب حتى العشاء.

وقال الناظر الأعلى بقاديان: كان المرحوم ذا خصال حميدة كثيرة. كان متواضعا دمث الأخلاق، مضيافا، مجتهدا جدا، مواسيا للفقراء، مطيعا جدا للمسؤولين، وشديد الولاء للخلافة، وكان ينصح الآخرين بالاستمساك بحبل الخلافة. كان منخرطا في نظام الوصية، وجميع أولاده، ذكورًا وإناثا، سباقون في خدمة الجماعة. يخدم ابنه الأصغر السيد سيد محمود أحمد كصيدلي في مشفى نور بقاديان. واثنان مِن أصهاره السيد سيد تنوير أحمد والدكتور طارق أحمد واقفان للحياة، ويخدمان في قاديان. أما صهره الأصغر السيد سيد حسن خان، فهو يخدم الجماعة تطوعًا بعد التقاعد. كان جَمَّ الأدب تجاه الصاحبزاده مرزا وسيم أحمد المرحوم حين كان الناظر الأعلى، وكان يراعي احترامه دائما عند تدقيق الأموال وتوجيه الأسئلة. كان يقول دائما: ليس في قاديان شخص يماثل حضرة ميان وسيم المحترم في حب الناس. كان المرحوم يقيم في دار المسيح وكان حضرة ميان وسيم أحمد يعتني به كثيرا، وكان المرحوم يبكي أحيانا بذكر محبته وألطافه. كان يكنّ احتراما كبيرا لدراويش قاديان، وقد عاش بنفسه عيشة الدراويش بمنتهى التواضع. كان يعامل طلاب الجامعة الأحمدية بحب كبير، ويكرم العلماء. رفع الله درجات المرحوم ووفق أولاده لاتباع خطواته.

والجنازة الثانية هي للسيدة شوكت جوهر، زوجة الدكتور لطيف أحمد قريشي المحترم من ربوة. كانت بنتًا لمولانا عبد المالك خان المرحوم. توفيت في ربوة عن عمر يناهز 77 عاما في 5 يناير الجاري، إنا لله وإنا إليه راجعون. كانت بفضل الله تعالى منخرطة في نظام الوصية. وُلدت في آغره حين كان أبوها مولانا عبد المالك خان يعمل هنالك داعيةً. ثم أقامت مع والديها في حيدر أباد دكن. وبعد تأسيس باكستان انتقلت إلى كراتشي حيث نالت تعليمها الابتدائي هنالك. كانت متميزة في الدراسة، وتحتل مركزا مرموقا على الدوام. كان توّاقة لخدمة الجماعة منذ الصغر. عُيّنت سكرتيرة للناصرات (الفتيات) في كراتشي فجعلتهن يتبوأن المركز الأول. وتزوجت من الدكتور لطيف قريشي عام 1961 حين كان يدرس في كلية الطب، ثم لما ذهب إلى إنجلترا ذهبت معه. وعندما أكمل دراسته كتب لحضرة الخليفة الثالث رحمه الله تعالى، فقال له حضرته: عليك أن ترجع إلى باكستان، وعيّنه حضرته في مشفى “فضل عمر” بربوة. رجعت المرحومة مع زوجها بكل بشاشة وانشراح لخدمة الجماعة في ربوة، وقد أتاح الله لها فرص الخدمة أيضا، وأنجزت أعمالا كثيرة، وكل من كان يقيم في ربوة في ذلك الوقت، رجلاً أو امرأة أو حتى فتاة، يعلم خدمات المرحومة. عندما كانت والدتي الصاحبزادي ناصرة بيغم رئيسةَ “لجنة إماء الله” بربوة، اختارتها سكرتيرةً عامة في هيئتها الإدارية، فظلت تخدم في هذا المنصب لمدة 15 عاما. لقد تدربتْ على يد والدتي في معظم الأمور، وعملتْ بكفاءة إدارية عالية. ثم خدمتْ سكرتيرةً في الهيئة الإدارية المركزية للجنة إماء الله. ثم عيَّنتُها سكرتيرةً عامة في لجنة إماء الله المركزية بباكستان، فقدمت في هذا المنصب خدمات عالية لمدة 6 أعوام. ثم لم تستطع بسبب المرض مواصلة الخدمة في لجنة إماء الله، إلا أنها ظلت تخدم الجماعة بطريقة أو أخرى كلما سنحت لها الفرصة. لقد وفقها الله تعالى لخدمة الجماعة في مختلف الأقسام لنصف قرن، وكلُّ سيدة وفتاة عملتْ مع المرحومة تثني عليها خيرا. كان من أبرز خصالها الحميدة الإحسانُ إلى الجيران وإكرامُ الضيف ودفعُ التبرعات بحرص شديد في أول فرصة، بل لما أعلنتُ بداية السنة الجديدة لصندوق الوقف الجديد في هذه السنة دفعت المرحومة تبرعها لهذه السنة على الفور، وكان ذلك قبيل وفاتها حيث قمت بهذا الإعلان في الواحد من هذا الشهر، فلم تلبث أن دفعت تبرعها في هذا الصندوق.

كتب زوجها الدكتور قريشي: لقد أدت المرحومة حقوق الجميع كخير زوجة وخير أم وخير أخت وخير بنت في رفقتي الممتدة لخمسين عاما.

(لقد نسي الدكتور ذكرَ شيء هام، أو أنّ من كتب لي هذه المادة لم يكتب ذلك ناسيا، وهو أن المرحومة كانت خيرَ كنّةٍ أيضا، حيث كان والدا زوجها مقيمينِ معهما، بل لا يزالان على قيد الحياة، فظلت تخدمهما في مرضهما وتعتني بهما اعتناء الأم بأولادها)

ويتابع الدكتور قريشي ويقول: باختصار، لقد فارقت هذا العالم بعد أن عاشت حياة مثالية. كان مرضها طويلا ومع ذلك كانت تهتم بأمور البيت وتنجزها. لم تشتكِ بسبب المرض، بل صبرت عليه صبرا جميلا. كانت شديدة الولاء للخلافة. تركت وراءها زوجها الدكتور لطيف قريشي وثلاثة أبناء وبنتين. إثنان من أبنائها وإحدى بناتها أطباء، وأحد أبنائها مهندس. كلهم مثقفون. لقد قامت بتعليمهم في ظروف صعبة بدون أن تخبرهم بذلك. ذات مرة قالت لها إحدى بناتها لماذا لا تلبسين حلّيًّا، ولا لباسًا جيدا؟ فأجابت: إنني أوفر وأنفق على دراستكم، وأريد أن تكونوا أنتم حِليتي وملابسي، أي لو تعلمتم جيدا وصرتم نافعين للجماعة وأدركتم مسؤوليتكم، فهذا هو حليتي وثيابي الغالية.

كانت ترى رؤى وكشوفا صادقة. قد تحققت الكثير من رؤاها التي كتبها أولادها. ذات مرة قالت المرحومة لإحدى بناتها قبل التحاقها بكلية: سوف تلتحقين بكلية الطب الفلانية، هذا ما رأيت في الرؤيا. ثم بالفعل التحقت هذه البنت بالكلية نفسها. هناك رؤى مماثلة كثيرة للمرحومة. كانت بفضل الله تعالى صالحة جدا. كانت تعتني بأخواتها وغيرهن أيضا.

وكتب ابنها السيد عبد المالك: كانت تخدم الجماعة بمنتهى الإخلاص. كم من مرة كانت ترجع من مكتب لجنة إماء الله إلى حيِّنا “دار العلوم” مشيًا على الأقدام في الحر الشديد، دون أن تشتكي أبدا. كانت تصنع يوم العيد طعامًا حلوًا دائما وترسله إلى الأقارب والجيران القريبين والبعيدين. وكانت تقول لو أننا ظللنا متمسكين بالدين فلن يضيعنا الله أبدًا.

وقالت إحدى بناتها: بعد الزواج لما رُزقت بالأولاد الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت والدتي تنصحني دومًا أن عليك أن تنشئي مع الأولاد علاقة حب وصداقة لوقايتهم من المحيط السيئ عموما في أمريكا والبلاد الأجنبية الأخرى. عليك أن تجعلي في البيت جوًّا يرتاحون له، ويقضون معظم أوقاتهم في البيت.

وتتابع بنتها هذه وتقول: ذات مرة قامت بنات كلية الطب بمقاطعتي اجتماعيًّا بسبب الأحمدية، فاتّصلتُ بأمّي بالهاتف باكيةً، فنصحتني بطريقة رائعة وقالت ما الذي يبكيك في هذا الأمر، إنها سنَّة الأنبياء، ويوفقك الله لاتّباعها. اكتبي عندك أنك إن أوذيت بسبب الأحمدية بأي أذى فلن يضيعك الله تعالى، وسوف تنجحين في الامتحانات أيضا. وتقول بنتها: ثم إنني نجحت بالامتحان، وليس هذا فحسب بل فشلت كل أولئك البنات الشريرات في الامتحان.

رفع الله درجاتِ المرحومة، ووفّق أولادَها لاتّباع خطواتها، وجعَلهم صالحين وخدام الدين المستمسكين بالخلافة دائما بولاء ووفاء. وكما قلتُ آنفا سوف أصلي على المرحومينِ صلاة الغائب بعد صلاتَي الجمعة والعصر.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز