خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 21/2/2020م

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*********

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[.

يُذكر يوم العشرين من فبراير في الجماعة الإسلامية الأحمدية بوجه خاص لعلاقته بنبوءة المصلح الموعود، وتُعقد اجتماعات هذا اليوم في فروع الجماعة بمناسبة يوم المصلح الموعود. مع أنني أوضحت مرارًا فيما سبق، إلا أنني أوضح هذا الأمر مرة أخرى للأحمديين الجُدد والأطفال أننا لا نحتفل بيوم المصلح الموعود يوم ولادة الخليفة الثاني t، بل يُحتفل بهذا اليوم بمناسبة تحقق نبوءة عظيمة تنبأ بها المسيح الموعود u بإلهام من الله تعالى لإثبات علو كعب الإسلام وصدقه، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات من ولادة المصلح الموعود t وأنبئ فيها عن ولادة ابنٍ موعودٍ وخادمٍ للإسلام، وقد قُدّم هذا الأمر أمام الأعداء كآية.

بالأمس كان يوم العشرين من فبراير، وقد مضت على هذه النبوءة مئة وأربعةٌ وثلاثون عامًا، وهكذا فإنها آيةٌ ساطعةٌ براقةٌ منذ أكثر من مئة عام.

وكما ذكرتُ، فإنّ فروع الجماعة تَعقد بهذه المناسبة اجتماعات يُذكر فيها، إلى حد ما، بعض الجوانب المذكورة في هذه النبوءة، وبعض الصفات للابن الموعود التي كان المصلح الموعود يتحلى بها. ولكن لا يمكن تناوُل جميع النكات، وبيان أهميتها، وذكر تحقُّق هذه النبوءة في اجتماعٍ يدوم ساعةً أو ساعتين. فإن كان الاجتماع لا يسعُه الإحاطة بكل هذه الأمور؛ فأنَّى لخطبة الجمعة أن تكون كافيةً لتناوُل الجوانبِ المختلفة لهذه النبوءة؟ لذلك ارتأيتُ أن أذكر لكم بعضًا من تلك النكات التي ذَكر المصلح الموعود t نفسه تفاصيلها، وأقدم لكم بعض المقتبسات بهذا الخصوص، لأن قراءة ما كتبه المصلح الموعود أو الاستماع إليه يُشعر الإنسانَ بلطفٍ ونشوةٍ غيرِ عادية. على أية حال، يتضح من هذه المقتبسات المختصَرة سعةَ هذه النبوءة، وأنها تحققت في شخص الابن الموعود للمسيح الموعود u بكل عظمة وشأن.

وقبل هذا أذكر هنا النبوءة بكلمات المسيح الموعود u، حيث يذكر نبوءاته للمعارضين، ويبيّن لهم حقيقتها التي تنبأ بها، وفي هذا السياق يقول عن النبوءة المتعلقة بالابن الموعود ما يلي:

النبوءة الأولى بإلهام الله تعالى وإعلامه U: “إن الله الرحيم والكريم .. رب العزة والجلال .. والقادر على كل شيء .. جل شأنه وعز اسمه .. قد خاطبني بوحي منه قائلا:

“إني أُنعمُ عليك بآية رحمةٍ حسْبَ ما سألتَني، فسمعتُ تضرعاتِك، وقد شرّفتُ أدعيتَك بالقبول بخالص رحمتي، وباركتُ رحلتَك هذه التي قمتَ بها إلى مدينة هوشياربور ولدهيانه. آيةُ قدرةٍ ورحمةٍ وقربٍ ستوهَب لك. آيةُ فضلٍ وإحسانٍ ستُمنَح لك. ومفتاحُ فتحٍ وظَفَرٍ سيُعطى لك. السلام عليك أيها المظفَّر. هكذا قال الله لكي ينجو مِن براثن الموت مَن يبتغون الحياة، ويُبعَث مَن دُفن في القبور، وحتى يتجلَّى شرفُ الإسلام وعَظَمةُ كلام الله، وليأتي الحق بكل بركاته، ويزهقَ الباطلُ بكل نحوسته، وليدركَ الناسُ أنِّي أنا القادر .. أفعلُ ما أريد، وليوقنوا أني معك، وليرى آيةً بيّنة مَن لا يؤمنون بالله .. وينظرون إلى الله تعالى ودينه وكتابه ورسوله الطاهر محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – نظرةَ رفضٍ وتكذيب، ولتستبينَ سبيلُ المجرمين.

فبشرى لك .. فإنّ صَبيّاً وجيهاً طاهراً سوف يُوهب لك. وسيُعطى لك غلامٌ زكيٌّ يكون مِن صُلبك ومِن ذريتِك ونسلِك. غلامٌ جميلٌ وطاهرٌ سوف يأتي ضيفاً عليك، اسمهُ عَمانوايل وبشير. لقد أوتيَ روحاً مُقدّسة، وهو نقيٌّ مِن كل دنسٍ ورجسٍ. هو نورُ الله. مباركٌ الذي يأتي من السماء. سيصحَبه الفضلُ الذي ينزلُ بنزوله. إنه ذو شوكة وعظمةٍ وثروة. سيأتي في الدنيا، ويشفي الكثيرين من أمراضهم بنَفَسِه المسيحيّ وببركةِ روح القدس، فإنه كلمةُ الله، لأن رحمةَ الله وغيرتَه قد أرسلتْهُ بكلماتها التمجيدية. وسيكون ذكياً بشكل خارق وفهيماً وحليمَ القلب. سوف يُملأ بالعلوم ظاهرةً وباطنةً. سوف يجعل الثلاثةَ أربعةً (هنا كتب حضرته u: لم يتضح لي معنى هذه الجملة). إنه يوم الاثنين .. فبوركَ يومُ الاثنين. ولدٌ صالحٌ كريمٌ ذكيٌّ مبارَك، مَظهَرُ الأولِ والآخِرِ، مَظهَرُ الحق والعَلاء، كأن اللهَ نزل من السماء. ظهورُه مباركٌ جدا، وبظهوره ينكشف جلالُ رب العالمين. يأتيك نورٌ مسَحه الله بطيبِ رضوانه. سوف نَنفُخ فيه روحَنا. سوف يُظِلُّه اللهُ بظله. سوف ينمو سريعا ويكون وسيلة لفك رقاب الأسارى. يَذيع صيتُه إلى أقصى الأرضين وستتبارك به أقوام. وحينئذ سوف يرتفع إلى نقطته النفسية .. أيْ السماء، وكان أمراً مقضياً.”

هذه هي كلمات النبوءة التي تحتوي على جوانب مختلفة لها وميزاتِ الابن الموعود.

لقد قام المسيح الموعود u بالاعتكاف، وذكرتُ آنفًا تفصيلَ الوحيِ الذي تلقاه نتيجةً لهذا الاعتكاف. يَذكر المصلحُ الموعود t معالمَ المكان الذي اعتكف فيه المسيح الموعود u، ويَذكر الأدعيةَ التي دعا بها حضرته، والتي نتيجةً لاستجابتها تلقى وحيًا، وبَناءً على ذلك كلِّه تنبّأ بنبوءة المصلح الموعود، فيقول:

“قبل ثمانيةٍ وخمسين عاما من اليوم- بل قد بدأ العام التاسع والخمسون- من يوم العشرين من شباط/ فبراير 1886م، كان في هذه المدينة “هوشيار بور” (لقد ألقى حضرته t هذا الخطاب في مدينة هوشيار بور) بيتٌ في الاتجاه الذي يشير إليه إصبعي يسمَّى حينذاك “طويله” أي لم يكن بيتاً مسكوناً رسمياً، بل كان بيتاً إضافياً من بيوت أحد الزعماء (كما تُنشأ أحيانًا بنايات مضافة أخرى للبيوت الأصلية) وكان ينزل فيه ضيفٌ على وجه الندرة، وكان البيت يستخدم عادة مخزنا أو اصطبلاً للخيول كلما اقتضت الحاجة. (فكان المكان عبارة عن غرف عديدة منفصلة) فجاء من قاديان شخصٌ خاملُ الذكر ربما لدرجة أنّ أهل قاديان أنفسهم ما كانوا يعرفونه جيدا، وقد جاء إلى هذا المكان نظراً إلى المعارضة التي كان الناس يمارسونها ضد الإسلام ومؤسسه صلى الله عليه وسلم، فأتى ليعبد ربه ويدعوه في الخلوة إلى أربعين يوماً، ويَطلب منه آيةَ النُّصرة والتأييد. وبعد الأدعيةِ الحارّة على مدى أربعين يوما وعده الله تعالى بآيةٍ كانت تتلخص في أن الله لن يفي بوعوده التي وعده بها u فقط، بل سيذيع اسمه في أنحاء العالم، وسوف يعطيه لتحقيق تلك الوعود _ بمزيد من العظمة والشوكة _ ابناً سيكون مُتحلياً بصفاتٍ خاصة، وسينشر الإسلام إلى أنحاء العالم، ويوضح للناس معارف كلام الله تعالى، وسيكون آيةَ رحمةٍ وفضل، وسيُعطى علوماً دينيةً ودنيويةً ضروريةً لنشر الإسلام. وسيهبه الله عمرا طويلاً، وسيذيع صيته إلى أكناف العالم.”

وإن هذه النبوءةَ معروفة على نطاق واسع، وهذا الابن العظيم مشهورٌ ذائعُ الصيت حيثما توجد الجماعة الإسلامية الأحمدية في بلاد العالم.

فلما نُشر هذا الإعلان أصبح أعداء الجماعة يعترضون قائلين: ما قيمة هذه النبوءة؟ إذ يمكن لأي واحد منا أن يعلن أنه سيولد له صبي. رد عليهم المسيح الموعود u، ويتناول المصلح الموعود t هذا الرد فيقول:

“فلما نُشر هذا الإعلانُ بدأ الأعداءُ سلسلةً من الاعتراضات، فنشر المسيح الموعود u إعلانا آخر بتاريخ 22/ 3/1886م. كان اعتراض الأعداء أنه ما قيمة نبوءة تقول: سأرزق ابنا؟ ألا يولد الأبناء عند الناس عادة؟ بل نادرا ما يكون شخص بدون ابن، أو كان لديه البنات فقط، وإلا فإنه يولد عند الناس أبناء عادة ولا تحسب ولادتهم آية خارقة. فإذا وُلد عندك ولدٌ فلا يَثبت من ذلك أنه بولادته قد ظهرت آيةٌ خاصة في العالم؟ فنشر u ردا على اعتراضات الناس في الثاني والعشرين من مارس وأعلن فيه قائلاً بأنها ليست نبوءة فقط، بل هي آية سماوية عظيمة أيضا، أظهرها الله جلّ شأنُه لإثبات صدق نبينا الكريم الرؤوف الرحيم محمد المصطفى r وعظمته.

ثم في الإعلانِ نفسِه كتب سيدُنا المسيحُ الموعود u أن الله تعالى بفضله وإحسانه، وببركة سيدنا خاتم الأنبياء r قد وعد استجابةً لدعائي أنا العبد الفقير بإرسال روح مباركة تنتشر بركاتها الظاهرية والباطنية في الأرض كلها.

يقول سيدنا المصلح الموعود t: الحق أنه لو تنبأ بولادة ابن له فقط لكان ذلك بحد ذاته نبوءة، لأنه من المحتم أن عددا من الناس في العالم- مهما كانوا قليلين- لا يستطيعون الإنجاب. ثانيا حين أعلن u ذلك كان عمره أكثر من 50 سنة، وفي العالم ألوف مؤلفة من الناس ينقطع عنهم الإنجاب بعد بلوغهم سن الخمسين. ثم هناك أناسٌ تولد لهم بناتٌ فقط، وهناك أناسٌ يولد لهم أبناء يموتون بعد مدة قصيرة من الولادة. فكل هذه الاحتمالات كانت ممكنة الحدوث.

فأولا ليس بوسع كل إنسانٍ أن يُنبئ بولادة ابنٍ له، لكنه u قَبِل هذا الاعتراض تنازلاً، وقال بأنه لو قُبل جدلاً أن مجرد الإنباء بولادة الابن ليس نبوءة، لكنني أسأل: هل أنبأتُ بولادة الابن فقط؟ أنا لم أقل أن ولدا سيولَد لي، بل قلتُ بأن الله تعالى قد وعدني إجابةً لدعائي بخلقِ روحٍ تنتشر بركاتُها الظاهرية والباطنية في العالم كله.

(فالعالم كله اليوم شاهد على أن هذا الابن الموعود قد نال الشهرة في أرجاء العالم؛ وكل مركز للجماعة خارج قاديان أو الهند يشكل برهانا على صدقه. فكثير من المراكز قد أقيمت في العالم في حياة المصلح الموعود t والمشروع نفسه يستمر إلى اليوم)

كان بعض الناس في زمنه يعترضون على أن المصلح الموعود سيولد في المستقبل، أي بعد مائة سنة أو مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة. فردَّ حضرته على هذا الاعتراض موضِّحا سبب طلب المسيح الموعود u لآيةً؟ ولماذا كان من الضروري أن تتحقق الآية في زمنه؟

يقول سيدنا المصلح الموعود t: “بعض الناس يقولون إن المصلح الموعود سيظهر في أحد أجيال المسيح الموعود أي بعد ثلاثمائة أو أربعمائة عام ولا يمكن أن يظهر في هذا الزمن. لكن لا أحد منهم يخشى الله فيقرأ كلمات النبوءة ويتدبرها، إذ قد كتب المسيح الموعود u يقول: في العصر الراهن يصدُر الاعتراض على أن الإسلام لا يقدر على إظهار آية؛ كان البانديت ليكهرام يعترض بأنه إذا كان الإسلام صادقا فليُظهر آية، كما كان “إندرمن” هو الآخر يعترض بأنه إذا كان الإسلام على حق فليُظهر آية. فتضرَّع المسيح الموعود u إلى الله قائلا: يا إلهي أَظهِر آية تُقنع هؤلاء المعترضين مثل إندرمن وغيره بصدق الإسلام. لكن هؤلاء المعترضين يقولون لنا إن المسيح الموعود حين دعا اللهَ I أنبأه الله أنه سيرزقه ولدا بعد ثلاثمائة سنة ويمثِّل آية على صدق الإسلام. فهل في العالم شخص يَعُدّ هذا الكلام معقولا؟ فمثَله كمثل عطشان ذهب إلى بيت واحد من الناس وقال له: يا أخي، أنا عطشان جدا، أرجو أن تسقيني، فقال له لا تقلق فقد أرسلت إلى أميركا رسالة فسوف يصل من هناك شراب حتى نهاية هذا العام، وفي السنة القادمة سوف أقدمه لك. فمِثْل هذا الكلامِ لا يصدُر حتى من أكثر الناس غباء، ولا يمكن حتى لأكثر الناس سفها أن يَنسب مثلَ هذا الكلامِ إلى الله ورسولِه. كان البانديت ليكهرام والمنشي إندرمن المرادآبادي والهندوس الآخرون من قاديان يقولون إن دعوى الإسلام بأن إلهه قادرٌ على إظهارِ آيةٍ للعالم كاذبةٌ لا أساس لها. وإذا كانت لهذه الدعوى أي حقيقة فيجب إظهار آية لنا. فتضرَّع المسيح الموعود u إلى الله وقال له: يا إلهي أدعوك أن تُظهر لي آيةَ رحمةٍ وهبْ لي آية قدرةٍ وقربٍ. إذن كان يجب أن تَظهر هذه الآيةُ في الزمن القريب جدا حيث يكون هؤلاء الذين طلبوا آية لا يزالون أحياءً، وهذا ما حدث. فحين وُلدتُ في 1889 بحسب نبوءات الله I كان الذين طلبوا آية من المسيح الموعود u على قيد الحياة بالفعل، ثم حيث تربيتُ وترعرتُ، ظلتْ آياتُ الله تظهرُ أكثر فأكثر.”

إذن كان من الضروري أن تظهر هذه الآية في حياة المسيح الموعود u وحياةِ الذين كانوا يعترضون على الإسلام، وطلبوا آية، فأظهرها الله.

من المهم جدا أن نعرف الأهداف من النبوءة، ولماذا كان من الضروري أن تتحقق تلك الأهداف في حياة المسيح الموعود u، ولماذا كان يجب أن تتحقق هذه الآية في شخصِ مَن كان من صُلْبِ حضرته u وكان أباه الماديّ وكان من ذريتِه الدموية. فقد تكلمتُ عن ذلك باختصار، وتكلم عنها حضرة المصلح الموعود أيضا فقال:

لقد قال سيدنا المسيح الموعود u في إعلانه المنشور في العشرين من فبراير 1886: “لقد كشف الله I عليَّ أن لهذه النبوءة التي نشرتُها في الناس أهدافاً عدة، فأولا قد صدرت هذه النبوءة: (ينجو مِن براثن الموت مَن يبتغون الحياة، ويُبعَث مَن دُفن في القبور)” (أي يَحيى من ماتوا روحانيا) فلو قيل إن هذه النبوءة ستتحقق بعد أربعمائة عام، فسيكون المعنى أن يبقى من يبتغون الحياة اليوم ميتِين فسوف يُحيَون بعد أربعمائة عام. فهذه الجملة غلط وباطلة بداهة. يقول حضرته: قد اعتكف u لأربعين يوما لكي تظهر آيةٌ جديدة من الله أمام الذين ينكرون وجوده سبحانه، ولكي يتوفر إثباتٌ قويٌ مشهودٌ للذين ينكرون كرامة النبي r أن الله ما زال يُظهر آياتٍ تأييدا للإسلام والرسول الكريم r. وكلمات الوحي التي تسلط الضوء على أهداف هذه النبوءة وغاياتها هي: (هكذا قال الله لكي ينجو مِن براثن الموت مَن يبتغون الحياة ويُبعَث مَن دُفن في القبور). إذا اعتبرنا نظرية هؤلاء الناس الذين يقولون- إن المصلح الموعود سيولد بعد ثلاثمائة أو أربعمائة عام- صحيحةً فسيكون معنى هذه الفقرة أن هذه النبوءة صدرت ليبقى الذين يبتغون الحياة اليوم ميتين، فسوف يُحيَى البعضُ من أجيالهم بعد أربعمائة عام. فهل كان لأحدٍ أن يقبل بهذه المعاني؟ وثانيا كانت النبوءة قد أعلنت: (حتى يتجلى شرفُ الإسلام وعَظَمةُ كلام الله). فالمعنى الواضح لهذه الفقرة أن شرف دين الإسلام كان غيرَ ظاهرٍ للناس في ذلك العصر، وكذلك لم تظهر لهم عظمة كلام الله. ويقال إن الله I قد أنبأ ذلك لكي يُظهَر للناس شرفُ دين الإسلام وعظمةُ كلام الله بعد ثلاثمائة أو أربعمائة عام من ذلك اليوم، حين يكون هؤلاء الناس قد ماتوا  ومات أولادُهم وأولادُهم أيضا. حين لن يكون هناك البانديت ليكهرام ولا المنشي إندرمن المرادآبادي ولا أولادُهم ولا أولادُ أولادهم، عندها سيُظهر شرف دين الإسلام وعظمة كلام الله. فقولوا لي هل أحدٌ يمكن أن يعدّ هذه المعاني صحيحة. أفلا يعقلون؟

ثالثا قال t لقد أُنبئ بهذه النبوءة لكي يأتي الحقُّ بكل بركاته، ويزهقَ الباطلُ بكل نحوسته، ومعناه أيضا واضحٌ أن الحق ضعيف اليومَ والباطلُ قويّ، ويريد الله تعالى أن يُظهر آيةً تقيم الحجة عقلا وعلما على أعداء الإسلام، فيضطرّون للاعتراف بأن الإسلام حق وجميع الأديان التي وقفت معارضة له باطلة.

الغاية الرابعة لهذه النبوءة هي أن يدرك الناس أنني قادر وأفعلُ ما أريد، والآن يجدر بنا أن نتأمل كيف يعتبرُ الناسُ اللهَ تعالى قادراً، فلو قيل لهم ستظهر بعد ثلاثمئة أو أربعمئة سنة آيةٌ تجعلكم تعترفون بأن إله الإسلام قادر. فهل يكون لمثل هذه النبوءة أية أهمية عند ليكهرام أو عند الذين كانوا يعترضون في ذلك الوقت على الإسلام، وكانوا يُظهرون أن آيات النبي r باطلة وأن الإسلامَ دين ميت؟ هل كان القولُ بأنكم سوف تتيقنون من كون الله تعالى قادرا بعد أربعمئة سنة يمثل حُجةً حقيقيةً عليهم؟ إذ كيف كان يمكن لهم أن يعتبروا الله قادرا بسبب نبوءة سوف تتحقق بعد أربعمئة سنة، إذاً لقالوا لا نُقر، بهذه الادعاءات المحضة، أنه سوف يحدث كذا وكذا بعد أربع مئة سنة، وهذا يمكن أن يقوله كل إنسان، لذا كان يجب أن تُظهر آية أمامنا وتُثبت أن إله الإسلام قادر، وهذه الآية كان لا بد لها أن تتحق في حياة حضرته u.

والغاية الخامسة لهذه النبوءة هي أن يوقنوا أني معك أي أن الله تعالى مع المسيح الموعود u، فإذا كانت هذه النبوءة سوف تتحقق بعد أربعمئة سنة فكيف كان للناس أن يوقنوا بأن الله مع المسيح الموعود u.

الغاية السادسة لهذه النبوءة هي أن يرى آيةً بيّنةً مَن لا يؤمنون بالله وينظرون إلى الله تعالى ودينه وكتابه ورسوله الطاهر محمد المصطفى r نظرةَ رفض وتكذيب. وهذا أيضا يعني أن الناس الذين يُكذبون الإسلام في زمني -يعني زمن المسيح الموعود u- أُنبئ أمامَهم أنهم سينالون آيةً بينةً على صدق الإسلام، ولكن بعد أربعمئة سنة حين لن يبقى حيًّا أحدٌ من أولئك الناس، لا هُمْ ولا أولادهم ولا أولاد أولادهم. هذا أيضا غير مقبولٍ عقلاً.

والغاية السابعة لهذه النبوءة هي أن تستبينَ سبيلُ المجرمين ويظهر أنهم كاذبون. كيف كان الناس في ذلك الزمن يستطيعون أن يعرفوا بسبب شخص سيأتي بعد أربعمئة سنة أن المجرمين يكذبون.

لذا كانت هذه النبوءة متعلقة بأحد من أولاده، وكما يتبين من كلمات النبوءة أنه سيكون “من صُلبك وذريتك ونسلك” ولن يكون من نسلٍ بعده. فكانت هذه النبوءة عن ابنه حيثُ تحققت بكل جلاء، وظهر عهدُ خلافةِ المصلح الموعود t كآية أشرقت على الدنيا على مدى اثنتين وخمسين عاماً، واعترف الآخرون أيضا بإنجازاته العلمية والمعرفية؛ وتفصيل ذلك موجود في أدبيات الجماعة، وإذا أردتُ بيانه لاستغرق وقتا طويلا.

لقد أعلن الخليفة الثاني t أنه هو المصلح الموعود. وكان الناس يعترضون عليه أنه لم يعلن ذلك، فأعلن في 1944 قائلا: أقول حلفا بالله بأني أنا مصداق النبوءة عن المصلح الموعود، وقد جعلني الله محطَّ النبوءات التي أنبأ بها المسيح الموعود – عليه السلام – عن الموعود المقبل. والذي يزعم أني افتريتُ ذلك من عندي أو كذبتُ بهذا الصدد فليبرز أمامي ويباهلني بهذا الشأن، أو يحلف بالله حلفا مؤكدا بالعذاب أن الله أخبره أني كاذب، وسيحكم الله بنفسه بواسطة الآيات السماوية بين الكاذب والصادق. (ولم يبارزه أحد ولا ممن كانوا يعارضونه من الجماعة وكانوا قد انقطعوا عن الجماعة.) قال t: إذا كانوا يقولون إن الرؤيا صادقة كما قال المصري بأن البعض كانوا قد ارتدوا؛ فعليهم أن يكتبوا مقالا على حقيقته. وسوف أرد على مقالهم، وإنني على يقينٍ أنهم إذا بارزوني فسوف ينالون هزيمة سيظَلون يذكرونها مدة طويلة. الحاصل، أن الله تعالى قد أخبرني بواسطة الإلهام والإعلام أن النبوءة التي كان يُنتظر تحققها منذ مدة طويلة قد تحققت بوجودي بفضل الله تعالى ورحمته؛ والآن قد أتم الله تعالى الحجة على أعداء الإسلام، ووضّح لهم أن الإسلام هو دين الله الحق، وأن محمدا r هو رسول الله، وأن المسيح الموعود u هو مبعوثه الحق، والذين يكذبون الإسلام هم أنفسهم كاذبون، والذين يكذبون محمدا رسول الله هم أنفسهم كاذبون. إن الله تعالى قدم للناس، بواسطة هذه النبوءة، حجّة حيّة على صدق الإسلام والنبي الكريم r.

قال t: من كان يستطيع أن يُنبئ من عنده في 1886 قبل 58 سنة من الآن أنه سيولد له خلال تسع سنوات ولدا ينمو سريعًا، ويُنشَر ذكره إلى أقصى الأرضين، وينشر الإسلام واسم الرسول الكريم r في العالم كله، ويُملأ بالعلوم الظاهرية والباطنية، وبظهوره ينكشف جلالُ الله I، وسيكون آيةً حيةً لقدرة الله وقربه ورحمته. لا يمكن لأحد أن يعطي هذا الخبر من عنده، فلقد أخبر الله تعالى بهذا الخبر وهو الذي حققه بواسطة هذا العبد (يقول المصلح الموعود t عن نفسه بأن الله تعالى حقق هذا النبأ بواسطته) الذي لم يكن الأطباء يتوقعون أنه سيبقى حيا أو ينال عمرا طويلا. (أيْ كانت حالة المصلح الموعود الصحية في البداية بحيث لم يكن الأطباء يأملون أنه سيحيى) قال حضرته t مزيدا عن نفسه: كانت صحتي في الصغر سيئة لدرجةِ أنْ قال الدكتور مرزا يعقوب بيك للمسيح الموعود u مرة عني: إنه مصاب بالسل، لذا ينبغي إرساله إلى منطقة جبلية فأرسلني المسيحُ الموعود u إلى شملة، ولكنني حزنت هناك فعدتُ سريعا بسبب ذلك. فالإنسان الذي لم تكن صحته جيدة ليوم واحد أبقاه الله تعالى حيا، وذلك لكي يحقق به نبوءته ويهيئ للناس دليلاً ثابتاً على صدق الإسلام والأحمدية. ثم لم يكن ذلك الإنسان يملك أيا من العلوم الظاهرية، ولكن الله تعالى بفضله أرسل الملائكة لتعليمي وعلّمني معاني القرآن الكريم التي لم تكن لتخطر ببال أيّ إنسان، إن ذلك العلم الذي أعطاني الله تعالى، وإن تلك العين الروحانية التي نبعت في صدري هي ليست ضرباً من الخيال أو القياس، بل هي قطعيةٌ يقينيةٌ حتى إنني أتحدى العالم كله أنه إذا كان ثمة شخص على وجه الأرض يدعي أنه عُلّم القرآن الكريم من الله تعالى فإنني مستعد لمبارزته في كل حين. (هذا ما تحدى به المصلح الموعود t في زمنه، ولكن يقول t) ولكنني أعلم بأن اليوم لا يوجد في العالم شخصٌ غيري أُعطي علم القرآن الكريم من الله تعالى. إن الله تعالى رزقني علم القرآن وجعلني في هذا الزمن أستاذا لتعليم القرآن. لقد أقامني الله تعالى لكي أنشر اسم محمد رسول الله r واسم القرآن الكريم في أقصى أطراف الأرض، وأهزم جميع الأديان الباطلة إزاء الإسلام هزيمة أبدية. فلو بذل العالمُ كلَّ ما في وسعه، ولو اجتمع الملوك المسيحيون ودولُهم بكل قواتها وجموعها، واتحدت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، واجتمعت قوى العالم الثرية والقوية كلها على أن يفشلوني في هدفي، فإني أقسم بالله  العظيم أنهم سيبوؤون بالفشل أمامي، وسوف يدمر الله تعالى خططهم ومؤامراتهم ومكائدهم كلها إزاء أدعيتي وتدابيري، وسوف يرسي الله تعالى مجد الإسلام ويُثبِّته ببركة اسم الرسول r ولوجهه الكريم، ولن يبرح الله تعالى حتى يقوم الإسلام في العالم ثانية بكل عظمته ومجده، وتؤمن الدنيا بأن محمدا رسول اللهr هو النبي الحي.

هذا الإعلان لم يكن أمرًا هيّنًا، بل كما قلت آنفا إن عهد خلافة المصلح الموعود الممتد إلى اثنتين وخمسين عاما، بل إن كل يوم منها يكشف عظمة هذا الإعلان. ويتابع حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه ويقول: أحبّتي، لستُ طالبَ عز لي، ولا أريد مزيدا من العمر إلا أن يشاء لي الله ذلك، غير أني أرجو من الله فضله، وإني على يقين كامل أن جزءاً كبيرا من أعمالي السابقة أو القادمة، سيكون سببًا لإرساء عزة الرسول r وشرفه، وإثبات مجد الإسلام والنهوض به بقوة من جديد، وَلِسحْق رأس المسيحية، إن شاء الله تعالى، وإن قدمي ستكون من بين الأقدام التي تدوس هامة الشيطان وتكسرها، وتقضي على المسيحية، إن شاء الله تعالى.

ثم يقول حضرته: إني أقدم هذه الحقيقة أمام العالم كله بكل وضوح وصراحة. إن هذا الصوت هو صوت رب السماوات والأرض، وهذه المشيئة هي مشيئة رب السماوات والأرض. لن تزول هذه الحقيقة ولن تزول، ولا بد أن يصبح الإسلام غالبًا في العالم كلّه، إن شاء الله تعالى، ولا بد أن تكون المسيحية مغلوبة في الدنيا. ليس في العالم قوة تقدر على حماية المسيحية من هجماتي، وسوف يهزمها الله على يدي، فإما أن يُكسر رأسها في حياتي بحيث لن تقدر على رفعه ثانية، أو ستنبتُ من البذور التي بذرتُها أشجارٌ ستصير إزاءها المسيحية ذابلة كنبات قد دمره الجفاف، وسوف تُرَى رايةُ الإسلام والأحمدية مرفرفةً عالية للغاية في كل أنحاء العالم.

ثم يقول حضرته رضي الله عنه:

وإني إذ أبشّركم بأن الله تعالى قد حقق أمام أعينكم بشارة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام المتعلقة بالمصلح الموعود، فإني أوجه أنظاركم إلى مسؤولياتكم أيضا (وهذه المسؤوليات تقع عليكم اليوم أيضا كما كانت على من قبلكم). إن من واجبكم الأول، أنتم الذين تصدقون أنني أنا المصلح الموعود، أن تُحْدِثوا في أنفسكم تغييرات طيبة، وتستعدوا لإراقة آخر قطرة من دمائكم في سبيل انتصار الإسلام ونجاح الأحمدية. لا شك أنه يجوز لكم أن تفرحوا بأن الله تعالى قد حقق هذه النبوءة، بل أقول لا بد أن تفرحوا بذلك لأن سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام نفسه كتب: ابتهجوا واقفزوا فرحًا لأن الضوء سينجلي بعد هذه النبوءة الآن. فلا أمنعكم من الابتهاج، ولا أمنعكم من القفز فرحًا، بل لكم أن تفرحوا وتقفزوا فرحا، ولكني أقول لا تنسوا واجباتكم في الابتهاج والقفز. وكما أن الله تعالى أراني في الرؤيا أني أعدو بسرعة وأن الأرض تُطوَى تحت أقدامي طيًّا، كما أن الله تعالى قد أخبر في وحي المسيح الموعود عليه السلام أني سأنمو سريعًا، فمن المقدر لي ألا أبرح أن أتقدم في مجال الرقي بسرعة، لكن من واجبكم أيضا أن تسرعوا الخطى وتتركوا البطء. مبارك الذي يسعى لإسراع الخطى مع خطواتي ويجري بسرعة في مجال أنواع الرقي، ورحم الله مَن لا يسرع الخطى كسلاً وغفلة، ويتقهقر كالمنافقين بدلاً من التقدم في المضمار.

يقول حضرته رضي الله عنه: إنكم إذا أردتم الرقي والتقدم وإن كنتم تدركون واجباتكم حق الإدراك فعليكم أن تتقدموا بسرعة في كل خطوة معي جنبًا لجنب، لكي ننصب راية محمد رسول الله r في قلب الكفر، ونمحو الباطل من العالم إلى الأبد، وهكذا سيكون إن شاء الله. السماء والأرض يمكن أن تزولا، ولكن كلمات الله تعالى لن تزول أبدًا.

وفقنا الله تعالى لأن نكون من الذين يقومون بالعمل، ولا نكون من الذين يكتفون بعقد اجتماعٍ يوم المصلح الموعود، وأن ننشر رسالة الإسلام في العالم، ولا نكتفي بمجرد مظاهر الاحتفال بيوم المصلح الموعود فقط، وأن ننجز حقًا المهمة التي من أجلها بعث الله تعالى سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، والتي قد أدلى من أجلها بنبوءات كثيرة جداً، ومنها النبوءة عن المصلح الموعود.

أذكر هنا من إنجازات حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه جانبًا واحدا فقط وبإيجاز شديد. لقد ورد في كلمات النبوءة المتعلقة بالمصلح الموعود أنه سيكون ممتلئًا بالعلوم الظاهرة والباطنة، وأقدّم لكم الآن نبذة موجزة جدا عن إنجازاته وأعماله رضي الله عنه.

إن كتب ومحاضرات وخُطب حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه تطبع في مجموعة بعنوان “أنوار العلوم”. وقد طُبعتْ منها حتى الآن مجلداتٌ عديدة، ويجب على الملمين باللغة الأردية أن يطالعوها. والعديد من هذه الكتب تترجم إلى الإنجليزية. لقد طُبعتْ حتى الآن من مجموعة “أنوار العلوم” ستةً وعشرين مجلدًا، وهي تحتوي على ستمئة وسبعين كتابا أو محاضرة أو خطابا.

كما طبعتْ حتى اليوم تسعة وثلاثين مجلدا من سلسلة خُطب المصلح الموعود t، بعنوان “خطبات محمود”، وهي تحوي الخطب التي ألقاها حتى عام 1959، وهذه المجلدات تشتمل على 2367 خطبة.

ثم هنالك التفسير الصغير للقرآن الكريم في 1071 صفحة.

ثم التفسير الكبير للقرآن الكريم الذي طبع في عشرة مجلدات، وهي 5907 صفحة.

وهناك تفسير لحضرة المصلح الموعود t من دروسه القرآنية وهو غير مطبوع، وقد قامت “خلية البحث” بكتابته وتسليمه إلى مؤسسة “فضل عمر”، وهذا التفسير يغطي 3094 صفحة.

وقد أمرتُ خلية البحث أن يجمعوا من كتابات وأقوال تفسير المصلح الموعود t للقرآن الكريم، فقاموا بجمع ما يساوي 9 آلاف صفحة حتى الآن، والعمل جار على هذا المشروع.

هذه لمحة موجزة عن جانب من إنجازات المصلح الموعود t.

وهناك لمحة عن إنجازاته رضي الله عنه قد ذكرها حضرة الخليفة الثالث رحمه الله في عهد خلافته في إحدى خطبه، وأقرأ عليكم مقتبسًا منه. يقول الخليفة الثالث رحمه الله:

لقد قال الله تعالى عن المصلح الموعود أنه سيكون ممتلئًا بالعلوم الظاهرة والباطنة، وكنتُ قد جمعتُ تفاصيلَ كثيرة بهذا الشأن، ولكني لا أستطيع في هذا الوقت إلا تقديمَ موجزٍ أعددتُه لهذا الغرض، وهو كالآتي:

فأولاً هناك التفسير الكبير لحضرته، وهو تفسير رائع جدا بحيث أن كل من قرأ جزءا منه فلا بد له من الإقرار أنه لو وُلد شخصٌ من المقربين إلى الله تعالى، ونشر هذا الجزء من ملاحظاته التفسيرية، لكفاه ذلك لأن يعدّه العالَمُ من أكبر المقربين إلى الله تعالى. ولكن ليس هذا كل ما في الأمر بل ألّف حضرته t عدة كتب حول القرآن الكريم وأرى أنه قد كَتبَ من ثمانيةٍ إلى عشرةِ آلاف صفحة في تفسير القرآن وحده، ويحتوي هذا التفسيرُ على عشرة مجلدات.

لقد ألف الخليفة الثاني t عشرة كتب أو كتيبات في علم الكلام، وواحداً وثلاثين كتابًا أو كتيبًا في الروحانيات والأخلاق والمعتقدات الإسلامية، وثلاثة عشر كتابًا أو كتيبًا في السيرة والسوانح، وأربعة كتبٍ أو كتيبات في التاريخ، وثلاثة كتب أو كتيبات في الفقه، وخمسة وعشرين كتابًا أو كتيبًا في الأمور السياسية المتعلقة بالأوضاع ما قبل انقسام الهند، وتسعة كتب أو كتيبات تتعلق بالسياسة ما بعد انقسام الهند، وخمسة عشر كتابا أو كتيبًا في سياسة كشمير، وتسعمئة كتابٍ أو كُتيّبٍ في القضايا الخاصة بالجماعة الإسلامية الأحمدية ومشاريعها. يصل عدد هذه الكتب والكتيبات إلى 225 كتابا.

أقول: يمكن ألا تكون المعلومات الكاملة مهيأة حينذاك، أما الآن فهناك معلومات أكثر، كما قلت من قبل.

على أية حال، يتابع الخليفة الثالث رحمه الله قائلا:

لقد قيل عن حضرته t في النبوءة أنه سيُملأ بعلوم ظاهرة وباطنة، فلو ألقينا نظرة على أعماله العلمية لوجدنا فيها علوما ظاهرة وعلوما باطنة أيضا. والعجيب في الأمر أنه كلما ألّف حضرته t كتابًا أو كتيبًا قال كل مَن قرأه بأنه لا يسع أحدًا الكتابة حول هذا الموضوع أفضل مما كتبه حضرته. ولما بدأ حضرته يبدي آراءه ومشوراته القيادية في مجال السياسة لم يسع كبار المعارضين أيضا إلا الاعتراف بجدارته وحنكته في هذه العلوم.

باختصار، موضوع امتلاء حضرته بالعلوم الظاهرة والباطنة طويل، ولا يسعنا ذكر جزء واحد من مئة ألف جزء لهذا الموضوع، كما يقول سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله.

لذا فقد قدمت لكم نبذة وجيزة فقط، وأنهي كلامي هنا حول هذا الموضوع وأدعو: أنزل الله تعالى على سيدنا المصلح الموعود t آلاف الرحمات ورفعَ درجاته باستمرار، ووفقنا أن نخلق في أنفسنا حرقةً مثلَ هذا الابن الموعود للمسيح الموعود u لنشر الإسلام، ونكونَ جاهزين دائما لخدمته ونكون من الذين يخدمون الإسلام، وألا نكون من الذين قال حضرته t في شطر من شِعره عنهم ما تعريبه: يجب ألا تسوء سمعة هذه الجماعة في زمنكم. فندعو الله تعالى ألا نكون سببا لتشويه سمعة الجماعة، بل نظل نتقدم دائما في مجال خدمة الإسلام.

بعد صلاتَي الجمعة والعصر سأصلي صلاة الغائب على المرحومَين. الجنازة الأولى هي للسيدة مريم اليزابث التي كانت الزوجة الثانية للسيد مَلِك عُمر علي كهوكهر، أحد الوجهاء في مدينة مُلتان (في باكستان) والأمير الأسبق للجماعة هنالك. وقد توفيتْ على إثر حادث عن عمر يناهز 86 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. كانت المرحومة في المصعد مع ابنتها، فتعطل المصعد وتعرضت الاثنان للحادث وأصيبت ابنة المرحومة أيضا بالجروح وهي في المستشفى حاليا، ولكن المرحومة لم تنجُ من مضاعفات الحادث. كانت المرحومة سيدة ألمانية، تسكن في مدينة هامبورغ. وُلدت في عام 1934م وبايعت في 1952م، ثم تزوجت من السيد مَلِك عُمر علي كهوكهر وانتقلت إلى باكستان، وبعد وفاة زوجها انتقلت إلى ألمانيا وبعد فترة عادت إلى باكستان مرة أخرى. كانت مشتركة في نظام الوصية. كانت ملتزمة بالصلاة والصوم، وكثيرة الاهتمام بأداء الصلوات في وقتها. ولهذا الغرض كانت تحسب وقت طلوع الشمس وغروبها حسابا دقيقا، كانت تتلو القرآن الكريم وتصوم بالتزام.

يقول أولادها أن أمّنا تزوجت من والدنا في عام 1952م وعقد قرانهما داعية الجماعة آنذاك السيد عبد اللطيف بعد أن أخذ بيعتها. بعد الزواج انتقلت أمّنا إلى باكستان وبدأت تعيش مع زوجة أبينا الأولى التي اسمها السيدة “سيدة بيغم” ابنة السيد مير محمد إسحاق t. وكانت تحترم كثيرا الزوجة الأولى لزوجها. بعد انتقالها إلى باكستان بدأت المرحومةُ الصلاةَ وقراءةَ القرآن الكريم، حيث كلِّف لها معلّم. وكان أول كتاب للمسيح الموعود u قرأتْه المرحومة فلسفة تعاليم الإسلام. وبحكم مُكوثِها في باكستان كانت تحكي قليلا من الأردية والسرائيكية (وهي لغة محلية في منطقة سكنتها) غير أنها كانت تفهمهما جيدا. كان لها ولد وبنت. عندما جاءت مرحلة زواجهما فوّضت المرحومة القرار إلى كنتها السيدة “سيدة بيغم” وقالت لها أن تزوجهما حيثما ترى زواجهما مناسبا. لقد أنجبت المرحومة ابنا اسمه طارق علي، وابنة اسمها طاهرة. ندعو الله تعالى أن يغفر للمرحومة ويرحمها ويرفع درجاتها.

الجنازة الثانية هي للطفل العزيز جاهد فارس أحمد الذي توفي عن عمر يناهز 12 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم ابن السيد طارق نوري والسيدة عطية العزيز خديجة، وجدّه من ناحية الأمّ هو السيد فاروق أحمد خان وهو الحفيد الأكبر للسيدة نواب أمة الحفيظ بيغم.

يقول السيد فاروق أحمد خان وكذلك كثير من زملاء المرحوم أنه كان يمتلك مزايا بارزة كثيرة. كان مؤدَّبا جدا ويحب الخلافة كثيرا. كان يبعث الرسائل إليّ باستمرار، ويكتب عن امتحاناته وعن أمور أخرى دائما. كان يعتز دائما بكونه أحمديا، مع أن ذكر أحد في المدارس في باكستان أنه أحمدي أمرٌ خطيرٌ للغاية. كان يسمع خطبي أيضا بالتزام. كان مشتركا في مشروع “وقف نو” ويشترك في الدروس. وكان قد تعلّم منهج “وقف نو” كله بحسب عمره. وكان يحفظ حاليا قصيدة للمسيح الموعود u. كان يدفع بالتزام تبرُّعَ الوقف الجديد والتحريك الجديد اللذين كانا واجبيْن عليه. كان يصلي بالتزام في مركز الصلاة، ويتلو القرآن الكريم بعد صلاة الفجر. ويقول زملاؤه أن صوته في التلاوة كان جيدا مؤثّراً.

كان يدرس في الصف السابع. نشب في بيته حريق بسبب مولِّد الكهرباء، وأصابه الحريق وجُرح بسببه. كانت صحته ماثلة إلى التحسن نتيجة العلاج كما قال الأطباء، وكانت الجروح في طور الاندمال، ولكن عاد إليه الالتهاب فيما بعد، لعله أصيب بهذا الالتهاب من المستشفى نفسها، أو لسبب آخر يعلمه الله. وقد أضرّ الالتهاب بقية أعضاء جسمه وتوفّي في المستشفى. كان المرحوم طفلا صغيرا والأطفال الصغار يستحقون الجنة لكونهم أبرياء. فندعو الله تعالى أن يجعل مثواه مع أحبائه. لقد ربّتْه أمّه لأن والده انفصل عن أمّه حين كان المرحوم صغيرا ولم يهتم به منذ ذلك الوقت. فربته والدته وجدته وجده. ندعو الله تعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان، ويوفقهم لتحمّل هذه الصدمة الكبيرة لهم. جدة المرحوم هي السيدة طاهرة بيغم ابنة السيدة مريم بيغم. وكما قلتُ أنها أصيبت بالجروح في المصعد وهي في المستشفى. ندعو الله تعالى أن يشفيها، ويهبها عمرا مديدا بالصحة والعافية، ويُريها أفراح أولادها في المستقبل.

يكتب أحد أولادها (وهو ابن عمه السيد طارق علي كهوكهر) أنه كانت للمرحوم “جاهد” عادة حسنة أنه كلما زرتُه في المستشفي في أيام مرضه كان يسألني دائما في حالة المرض كلما استفاق من الإغماء – إذ كان يُغمى عليه أحيانا- هل صليتُ أم لا؟ وإذا قلتُ: لا، فكان يبدأ بالصلاة فورا مستلقيا.

ندعو الله تعالى أن يرفع درجاته باستمرار، ويهب والدته وجدته الصبر والسلوان، آمين.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز