خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 6/3/2020م

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*********

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[

تحدثتُ في الخطبة الماضية عن الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه، وقد بقيت من سوانحه بقيةٌ سوف أذكرها اليوم.

قال حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه وهو يتحدث عن خدمات الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه وأنه كان أول داعية أُوفدَ إلى المدينة المنورة: كان اللهُ تعالى يخير نبيه صلى الله عليه وسلم مرة بعد أخرى قائلا إن هجرتك قد قربت، وانكشف عليه صلى الله عليه وسلم أن مهجره ذو آبار وبساتين نخل. فظن أول الأمر أنها اليمامة، ولكن زالت عنه هذه الفكرة عاجلا فأخذ ينتظر أن تُقدِّم البلدةُ التي ستصبح مهجره بحسب النبأ الإلهي نفسَها لتكون مركزا للإسلام. وفيما هو في هذا الانتظار إذ جاءت أيام الحج، وبدأ العرب يجتمعون من أنحاء الجزيرة العربية في مكة للحج. وكان من عادة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حيث رأى جمعًا من الناس في الحج تقدم إليهم وشرع يعظهم ويأمرهم بالتوحيد، ويبشرهم بملكوت الله، وينهاهم عن الظلم والفواحش والفساد والشر. فكان بعضهم يسمعون قوله وإذا خلوا إلى أنفسهم انشغلوا في أقواله متفكرين، وبعضهم كانوا يُقبلون عليه ليستمعوا لقوله، ولكن أهل مكة كانوا يأتون فيبعدونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم كانوا ينصرفون عنه ضاحكين عليه إذ سمعوا عنه من أهل مكة سلفًا. وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجول في منى إذ أبصر ستة أو سبعة نفر من أهل المدينة المنورة، فسألهم: مِن أي قبيلة أنتم؟ قالوا من الخزرج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: القبيلة التي هي حليفة لليهود؟ قالوا: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: هل لكم أن تجلسوا معي وتسمعوا كلامي قليلا. وكان هؤلاء القوم قد سمعوا عنه وكانت قلوبهم مائلة إلى دعواه إلى حد ما، فرضوا بعرضه وجلسوا يستمعون له. فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ملكوت الله قد قرب، وأن الأوثان ستكسر، وأن التوحيد سيقام، وأن الخير والتقوى سوف يتأسسان في الدنيا ثانية، فهل أهل المدينة مستعدون لقبول هذه النعمة الربانية العظيمة؟ فقال القوم وكانوا متأثرين بكلامه: إننا نقبل ما تعلّمنا، أما أهل المدينة فلا نعرف إن كانوا مستعدين لقبول الإسلام أم لا، فهذا أمر سنستشير فيه قومنا بعد عودتنا إلى ديارنا، وسوف نخبركم بقرارهم في العام المقبل. ثم رجع هؤلاء إلى المدينة وبدأوا يخبرون أقاربهم وأصدقاءهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكان في المدينة حينئذ قبيلتان من العرب: الأوس والخزرج، وثلاثُ قبائل يهودية هم بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع. وكانت بين الأوس والخزرج حرب، وكان بنو قريظة وبنو النضير حلفاء الأوس وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج. وأدرك القوم بعد حرب دامت مدة طويلة أنه من الأفضل أن يتصالحوا الآن، فقرروا بعد تشاور منهم أن يرضوا جميعاً بعبد الله بن أبي بن سلول، رئيس الخزرج ملكًا على أهل المدينة كلهم. وبحكم علاقاتهم مع اليهود كان الأوس والخزرج يسمعون منهم النبوءات الواردة في الكتاب المقدس، إذ كان اليهود كلما تحدثوا عن مصائبهم ومعاناتهم أنهوا حديثهم بقولهم إن نبيا مثيلا لموسى سيظهر وأن ظهوره وشيك، وأننا سوف نصبح غالبين في الدنيا ثانية عند مجيئه، وسوف يَهلك أعداؤنا. فلما سمع أهل المدينة من الحُجاج دعوى النبي صلى الله عليه وسلم وأيقنوا بصدقه قالوا إنه ذلك النبي الذي كان اليهود يخبرون عن ظهوره. فتأثر فتيةٌ كثيرون من أهل المدينة مِن صدق تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم وساعدهم على الإيمان به ما سمعوه من اليهود من الأنباء، فجاء قوم من أهل المدينة للحج في العالم المقبل، وسافر 12 شخصا من أهل المدينة مصممين على الدخول في دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان عشرة منهم من الخزرج واثنان من الأوس. ولقي هؤلاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم في مِنى وبايعوه على ألا يعبدوا مع الله أحدًا، وألا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يئدوا بناتهم، وألا يرمي بعضهم بعضًا بالتهمة، وألا يعصوه فيما يأمرهم به من معروف.

ولما رجع هؤلاء القوم إلى أهلهم بدأوا نشر دعوة الإسلام فيهم بكل قوة وحماس. فبدأ أهل المدينة يرمون الأصنام من البيوت، وأخذ القوم الذين كانوا يحنون رؤوسهم أمام الأوثان يمشون مرفوعي الرؤوس، وأبى جَبينُ كل واحد منهم السجود أمام أحد إلا الله تعالى. وكان اليهود يتعجبون منهم، فكيف لقومٍ لم تُحدث فيهم صداقتُهم ودعوتهم لقرون أي تغيير قد أحدث فيهم الإسلام في أيام قلائل هذا التغيير الطيب العظيم؟ فظل وعظ التوحيد يغزو قلوب أهل المدينة باستمرار، فكانوا يأتون واحدًا تلو الآخر ويطلبون من المسلمين أن يعلّموهم دينهم. لكن هؤلاء المسلمين الجدد من المدينة لم يكونوا مطّلعين على تعاليم الإسلام كما ينبغي، كما أن عددهم لم يكن كافيًا حتى يعلّموا هؤلاء المئات بل الآلاف الإسلاَم بالتفصيل، فأرسلوا إلى مكة طالبين من النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبعث إليهم داعية لتعليمهم. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم صحابيا اسمه مصعب بن عمير، وكان قد رجع من الحبشة، لأداء واجب تبليغ رسالة الإسلام في المدينة. فكان مصعب بن عمير رضي الله عنه أول داعية أرسل خارج مكة.

وقد تحدث حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه عن الأمر نفسه في مناسبة أخرى كالآتي:

لما بلغ خبرُ الإسلام أهلَ المدينة ولقي بعضهم النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج، اقتنعوا بصدقه، ولما رجعوا إلى قومهم قالوا لهم إنّ النبي الذي كان يهود المدينة يتحدثون عن ظهوره قد وُلد في مكة. فرغبت قلوبهم في النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلوا إليه وفدًا في موسم الحج العام التالي. فلما كلّموا النبي صلى الله عليه وسلم صدقوه وبايعوه. وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يلقى معارضة شديدة في مكة عندها، فتم هذا اللقاء سرًا وبعيدًا عن أنظار أهل مكة في واد هنالك، وتمت البيعة هنالك ولذلك سميت بيعة العقبة. والعقبة هي الجبل الصعب الصعود، أو الطريق الصعب في الجبل. وعيّنهم الرسول صلى الله عليه وسلم نقباءَ على المؤمنين في المدينة من أجل تنظيمهم، وأوصاهم بنشر رسالة الإسلام وأرسل الصحابي الشاب معصب بن عمير لمساعدتهم في تعليمهم دينهم. وعند العودة عرض هؤلاء القوم على النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنْ اضطُّر لمغادرة مكة فليتفضل عندهم إلى المدينة. ولما رجع هؤلاء القوم إلى المدينة انتشر الإسلام بين أهلها في فترة وجيزة، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صحابة آخرين وكان بينهم سيدنا عمر رضي الله عنهم.

بعد تلقيه r الأمر بالهجرة سافر النبي أيضا إلى المدينة، وفي غضون فترة وجيزة من وصوله إليها أسلم المشركون في المدينة كلهم. وبعد الهجرة آخى النبي r بين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما. شهد مصعب بن عمير بدرا وأُحدا، وفي كلتا الغزوتين حمل راية المهاجرين التي سلّمها له رسول الله r.

وقد ذكر مرزا بشير أحمد t في تأليفه “سيرة خاتم النبيين” رواية أخرى مفادها: كانت راية المهاجرين في غزوة أُحد أيضا في يد مصعب بن عمير t. سوّى النبيُّ r صفوف جيش المسلمين وعيّن أمراء على كتائب مختلفة. عندما أُخبر النبي r أن راية قريش هي في يد طلحة – عِلماً أن طلحة كان من عائلة يستحق لها حمل راية قريش في الحروب بحسب نظام أسسه قصي بن كلاب، المورث الأعلى لقريش- قال: نحن أحق بالوفاء منهم وأخذ اللواء من علي بن أبي طالب ودفعه إلى مصعب بن عمير الذي كان من العائلة نفسها التي ينتمي إليها طلحة.

قُتل مصعب بن عمير في غزوة أُحد. كان يقاتل أمام رسول الله r حتى قتله ابن قَميئة. ورد في التاريخ أن معصب بن عمير، حامل اللواء يوم أُحد أدى حق حماية اللواء على أحسن وجه. ففي رواية: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أُحد، فَأَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ وَهُوَ فَارِسٌ فَضَرَبَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَقَطَعَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: ]وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ[ وَأَخَذَ اللّوَاءَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَحَنَى عَلَيْهِ فَقَطَعَ يَدَهُ اليسرى، فَحَنَى عَلَى اللّوَاءِ وَضَمّهُ بِعَضُدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ.. الْآيَةَ. ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِ الثّالِثَةَ فَأَنْفَذَهُ وَانْدَقّ الرّمْحُ وَوَقَعَ مُصْعَبٌ. وَابْتَدَرَهُ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّار ِ سُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَأَبُو الرّومِ ، وَأَخَذَهُ أَبُو الرّومِ فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ حَتّى دَخَلَ بِهِ الْمَدِينَةَ حِينَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ. كان عمرُه يومَ قُتل أربعين سنة، أو أكثر قليلاً.

يقول مرزا بشير أحمد t في كتابه “سيرة خاتم النبيين” في بيان هذا الحادث: كان جيش قريش محيطاً بميدان المعركة من كل الجوانب تقريبا، وضاغطا على المسلمين بسبب هجماته المتتالية. ومع ذلك كان من الممكن أن يتدارك المسلمون الوضع بعد هنيهة، ولكن صادف أن هاجم فارسٌ شجاع من قريش اسمه عبد الله بن قميئة مصعبَ بن عمير حامل لواء المسلمين بسيفه وقطع يده اليمنى. فأخذ مصعب اللواء بيده اليسرى فحمله ابن قميئة مرة أخرى وقطع يده اليسرى أيضا، فأخذ مصعب اللواء بعضديه وضمه إلى صدره. فرماه ابن قميئة بالرمح وأرداه قتيلا، فتقدم مسلمون آخرون وحملوا اللواء. لما كانت قامة مصعب بن عمير وجسمه يماثلان النبي r فزعم ابن قميئة أنه قتل محمدا رسول الله r. ومن الممكن أيضا أن ابن قميئة أذاع ذلك خبثا منه وخديعة. على أية حال، أذاع ابن قميئة بعد قتل مصعب بن عمير t أنه قتل محمدا (r)، وبانتشار هذا الخبر فقَدَ المسلمون صوابهم، وتزلزل ثباتُهم، وتفرّق شملهم. كان هذا الخبر أحد أسباب تثبيط همم المسلمين في غزوة أُحد مؤقتا، ولكنهم اجتمعوا بعد ذلك. وقف رسول الله r على مصعب بن عمير وهو على وجهه يوم أُحد شهيداً، فقال رسول الله r: ]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [ ثم قال: إن رسول الله r يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس! ائتوهم فزوروهم، وسلِّموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام.

أنزل جثته في قبره أخوه أبو الروم بن عمير وسويبط بن سعد وعامر بن ربيعة y.

يقول مرزا بشير أحمد t في “سيرة خاتم النبيين”: كان من شهداء أُحد مصعب بن عمير، وكان أول المهاجرين حيث جاء إلى المدينة داعيةً في أول العهد. كان في زمن الجاهلية أحسن شباب مكة لباسا ووسامةً وكان يرفل في النِّعم، ولكن حاله هذا قد تبدَّل تماماً بعد إسلامه. فقد ورد في رواية أن النبي r رأى عليه ذات مرة ثوبا مُرقَّعاً فذهب وهله إلى زمنه السابق حيث الأناقة والوسامة فبكى. عندما قُتل مصعب يوم أُحد لم يتوفر له ثوب لتغطية جسمه كاملا. فقد جاء في رواية: كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِهَا وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ.

وفي رواية في صحيح البخاري: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ t أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.

أي استولت عليه خشية الله وخوفه وكيف تكون معاملة الله له في الآخرة، فصار مغلوبا بالعواطف واضعا في الحسبان أنه قد يكون ممن أُعطوا حسنات الدنيا وخاف أن يكون الله تعالى قد أعطاهم أجرهم في هذه الدنيا وربما لم يتبقَّ لهم أجرٌ في الآخرة.

عن خَبَّاب بن الأرت t قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ r نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ r أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ. (البخاري، كتاب الجنائز)

وهناك رواية في الترمذي عن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قال النَّبِيُّ r: إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ أَوْ نُقَبَاءَ وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قُلْنَا مَنْ هُمْ قَالَ أَنَا وَابْنَايَ وَجَعْفَرُ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَبِلَالٌ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَحُذَيْفَةُ وأبو ذر وَعَمَّارٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. (الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله r)

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِي خِدْنًا وَصَاحِبًا مُنْذُ يَوْمَ أَسْلَمَ إِلَى أَنْ قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأُحُدٍ. خَرَجَ مَعَنَا إِلَى الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَكَانَ رَفِيقِي مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ فَلَمْ أَرَ رَجُلا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا وَلا أَقَلَّ خِلافًا مِنْهُ.

وانصرف رسول الله r راجعًا إلى المدينة من أُحد، فلقيتْه حمنة بنت جحش زوجة مصعب بن عمير، فنعى لها الناس أخاها عبد الله بن جحش، فاسترجعت، واستغفرت له، ثم نعى  لها الناس خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعى لها الناس زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت. فقال رسول الله r: “إن للزوج من المرأة مكانًا ما هو لأحد.”

وفي رواية أخرى عن حمنة بنت جحش أنه لما أخبرت عن استشهاد أخيها استرحمت له واسترجعت، ثم نعى لها الناس زوجها مصعب بن عمير فقالت: وا حزناه. فقال النبي r: إن للزوج من المرأة مكانًا ما هو لأحد.

لقد ذكر الخليفة الرابع رحمه الله هذه الواقعة في إحدى خطبه بأسلوبه الخاص وذكر فيها قصة استشهاد مصعب بن عمير وذكر مشاعر زوجته عند استشهاده، فقال:

إن استُشهد لصحابي أو صحابية أكثر من واحد من أقربائه كان النبي r يخبره عن استشهادهم واحدًا بعد الآخر ولم يكن يخبره عن استشهاد الجميع مرة واحدة حتى لا تغلبه الصدمة. فلما حضرت إلى النبي r أختُ عبد الله.. حمنةُ بنت جحش قال لها: يا حمنة اصبري واحتسبي. فقالت: من أحتسبه؟ فقال r: خالك حمزة. فقالت حمنة: إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له ورحمه، هنيئًا له الشهادة. ثم قال: احتسبي. قالت: من يا رسول الله؟ قال: أخوك. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون. غفر الله له ورحمه، وهنيئا له الشهادة. ثم قال r: احتسبي. قالت: من يا رسول الله؟ قال r: مصعب بن عمير. قالت: وا حزناه. فقال النبي r: إن للزوج من المرأة مكانًا ما هو لأحد. ثم قال لها رسول الله r: لم قلت هذا؟ قالت: يا رسول الله r ذكرت يُتمَ بنيه، فراعني وخرجتْ هذه الكلمات من لساني في حالة من القلق. فدعا رسول الله r لولدِ مصعب t أن يحسن الله عليهم الخلف ويشفق عليهم ويلطف بهم.

وهكذا حصل إذ استجاب الله تعالى دعاء النبي r وأحسن عليهم.

انتهى هنا ذكر مصعب بن عمير، وسأتناول ذكر صحابي آخر في المرة القادمة إن شاء الله.

والآن أريد أن ألفت انتباه أفراد الجماعة إلى بعض الأمور المتعلقة بالوباء المنتشر حاليا المسمى بكورونا فيروس. ينبغي علينا جميعًا العمل بالتدابير الوقائية المعلنة من قبل الحكومات والمؤسسات. ولقد أخبرتكم عن بعض أدوية الهوميوباثي بعد استشارة بعض أطباء الهوميوباثي، منها ما يستخدم للوقاية من الإصابة ومنها ما يستخدم للعلاج بعدها. ينبغي استخدامها لأنها من قبيل العلاج الميسر. لا يسعنا القول بأنها ناجحة مئة بالمئة لمعالجة هذا المرض، أو أن طب الهوميوباثي يعلم هذا الفيروس. كلا، بل إنه فيروس لم تتوفر عنه معلوماتٌ بشكل كامل، ولكن وُصفتْ هذه الأدوية كعلاج لمرض مماثل، لذلك ينبغي استخدامها، جعل الله تعالى فيها الشفاء التام. ولكن مع استخدام هذه الوصفة ينبغي العمل بالإجراءات الوقائية أيضا كما يتم الإعلان عنها. ومن الضروري في هذا الأمر هو أن تتجنبوا الدخول في زحمة الناس. وعلى الذين يأتون إلى المسجد أيضا أن يحتاطوا بحيث إذا شعروا بحمى ولو خفيفة، أو أحسوا بشيءٍ من التكسر في الجسم أو العطس أو النزلة أو غيرها فينبغي ألا يأتوا إلى المسجد، لأن للمسجد حقوقًا ومنها ألا يأتيه من يمكن أن يضرّ بالآخرين، وينبغي أن يتجنب المجيء إلى المسجد مَن يحمل أي مرض مُعدٍ. ينبغي الالتزام بالحيطة عند العطس عمومًا وفي هذه الأيام خاصة بحيث يجب وضع المنديل على الوجه عند العطس. يشتكي بعض المصلين أيضا أن بعض الناس الواقفين معهم يعطسون ولا يضعون أمام وجوههم يدًا ولا منديلا، ويعطسون بشدة بحيث يسقط على الآخرين رذاذٌ من عطسهم. فهذا حق المصلين الذين يقفون معهم، ولْيُراعِ الجميعُ هذه الحقوق. وينبغي الالتزام بالحيطة بشكل خاص في هذه الأيام. إن الأطباء ينصحون في هذه الأيام بالمحافظة على نظافة الوجه واليدين. ينبغي ألا تلمسوا الوجه إن كانت اليدان غير نظيفتين، ويجب أن تستخدموا السائل المعقم أو المطهر على اليدين أو تغسلوهما بتكرار. ولكن بالنسبة إلينا نحن المسلمين إذا كان أحد مواظبًا على الصلوات الخمس، ويتوضأ خمس مرات يوميًا ويستنشق الماء وينظف أنفه أيضا ويحسن الوضوء، فإنه لمستوى عالٍ للنظافة بحيث ينوب عن استخدام السائل المطهر. وسمعت أن السائل المطهر قد اختفى في هذه الأيام من السوق لأن الناس أقبلوا على شرائه بكثرة مدفوعين بحالة من الهلع والذعر، فخلت الرفوف من مثل هذه الأشياء ولا سيما المتعلقة بالطهارة والنظافة. على أية حال، إن تم الوضوء بشكل صحيح فإنه ينتج عنه طهارة ظاهرية أيضا، كما أن من يتوضأ ثم يصلي كان ذلك ذريعة للطهارة الروحانية أيضا. وإضافة إلى ذلك هناك حاجة ماسة إلى التركيز على الدعوات كثيرا، وينبغي علينا أن نولي هذا الأمر اهتمامًا خاصًّا.

لقد بدأ الحديث حول ذكر حق المساجد فأود أن أزيد وأقول إنّ على المصلين أن يغيروا الجوارب كل يوم ويغسلوها في الشتاء خصوصا وفي الصيف عموما. لأن رائحة الجوارب والأقدام تؤذي من يقف بجانبكم أو الذي يسجد وراءكم في الصف الخلفي، لذا يجب الحذر في هذا الخصوص. فقد نهى النبي r عن الحضور إلى المسجد بعد أكل الثوم والبصل لأنه يسبب التجشؤَ أحيانا كما تزعج رائحتُهما الآخرين ويفسد مناخ المسجد أيضا. بل هناك أوامر بحضور المسجد متعطرين، وقد نهى النبي r عن المرور من المسجد حاملين اللحم النيء. يجب على المصلي الاهتمام بنظافة المسجد والبيئة والأجواء المحيطة، لذا ينبغي أن تعيروا هذا الأمر اهتماما كبيرا. لكن هذا لا يعني أن تتركوا حضور المسجد بهذه الحجة. يجب أن تستفتوا قلوبكم نظرا إلى وضعكم الظاهري، واعلموا أن الله I عليم بما في القلوب. إذا كان أحدكم مريضا فليتأكد من الطبيب ويسأله: أيّ نوع من الأمراض هذا المرض؟ فالاحتياط يوما أو يومين أفضل. ثم في هذه الأيام يُمنع من المصافحة، فهذا أيضا ضروري جدا إذ لا نعرف مَن يداه ملوثتان. وصحيح أن المصافحة تزيد حبا وارتباطا لكن اجتنابها في أيام المرض هذه أفضل. كان أهل الدنيا سابقا يثيرون الضجة على امتناعنا من مصافحة النساء، والآن تصدر منهم تصرفات مضحكة، فقد رفض أحد وزراء مستشارة ألمانيا من مصافحتها. وهنا أيضا قال أحد أعضاء البرلمان أننا نمتنع عن المصافحة بسبب الفيروس كورونا، فهذا جيد لأن المصافحة ليست من تقاليدنا، بل كان تقليدنا أن نحيّي أو نحني رؤوسنا بخلع القبعة. وقال متابعا: “إن عادة مصافحة النساء التي سادت بل قد راج أننا نحاول أن نتقدم ونعانقهن ونقبِّلهن أيضا دون أن نعرف هل يعجبهن ذلك أم لا، ونقوم بكل هذه التصرفات قسرا دون مبرر.” فهؤلاء لم يكونوا جاهزين لقبول قول الله I لكن هذا الوباء قد لفت انتباههم على الأقل إلى ذلك، ونسأل الله I أن يلتفتوا إلى الله أيضا، حين كنا نقول لهم بكل لطف أن ديننا يمنعنا من مصافحة النساء كانوا يعارضون أمر الله وكانوا يثيرون ضجة، والآن سمعت أنهم في المكاتب والأماكن المختلفة يرفضون المصافحة بكل جلافة، بينما كنا نقول لهم بكل رفق ولطف أن هذا من تعليمنا. والآن هؤلاء خوفا من فيروس كورونا قد احتاطوا لدرجة أنهم نبذوا الأخلاق أيضا. على كل حال قد قام هذا الوباء بإصلاحهم إلى حدٍّ ما، ونسأل الله I أن يقودهم هذا الإصلاحُ إلى الله أيضا، اَلله أعلم مدى تفشِّي هذا الوباء في المستقبل، وماذا قدر الله وقضى. فإذا كان هذا المرض قد ظهر غضبا من الله – والملاحظ في هذا العصر أن شتى أنواع الأوبئة والأمراض والزلازل والكوارث قد ازدادت كثيرا بعد بعثة المسيح الموعود u. _ فلاتقاء نتائج سيئة لقدر الله I ثمة حاجة ماسة للرجوع إليه. وعلى كل أحمدي أن يهتم بالدعاء بوجه خاص في هذه الأيام، وأن يهتم برفع مستواه الروحاني، كما يجب أن ندعو للعالم أيضا، أن يهديهم الله ويوفقهم لمعرفة خالقهم بدلا من الانغماس في المادية ونسيان الله تعالى.

الآن سأذكر بعض المرحومِين الذين سأصلي عليهم صلاة الغائب، أولهم عزيزي “تنزيل أحمد بتّ” ابن السيد “عقيل أحمد بت” وكان عمره أحد عشر عاما وقُتل في 27/2/2020 وهو في رأيي شهيد، فقد قتلتْه جارتُه بظلم بشع في “مشروع شاهدره بوابة دلهي في لاهور”، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد جعلتْ فتاوى المشايخ قتلَ الأحمديين في باكستان بأية حجة أمراً مباحاً، وهذا الحادث أيضا من هذا القبيل، لذا فإنني أعدّ هذا العزيز شهيدا. مهما كان السبب، فإن بُغض أهل تلك البلاد للأحمديين هو الذي كان وراء هذا الحادث البشع، إذ كان ولدًا بريئا لم يرتكب أي ذنب بحسب التقارير التي وصلتني إلى الآن. وبحسب تفاصيل الحدث كانت أمُّ المرحوم العزيز “تنزيل أحمد بت” قد أرسلته إلى بيت الجيران لاستعادة دمية أخته الصغيرة التي تركتْها هناك، فقد كانوا يتزاورون. فما الذي دفعها إلى القتل، الله أعلم بذلك. كانت أخت المرحوم قد تركت دميتها هناك قبل يوم فأرسلتْه أمُّه ليعيدها لها. فلما لم يعد إليها بعد انتظار طويل ذهبتْ شخصيا إلى بيتهم، فحين فتحوا لها بعد انتظار طويل وسألتْهم عن ابنها قالت لها الجارة إنه أخذ الدمية وخرج من عندنا. فأخبرتْ أمُّ العزيزِ المرحومِ زوجَها السيد عقيل، فبدأ البحث عن الطفل فورا بمساعدة نظام الجماعة وسجل التقرير في الشرطة أيضا، فلما فحصوا الكاميرا الأمنية في الزقاق تبين أن الولد دخل بيت الجيران حتما لكنه لم يخرج منه. عندها تم تفتيش البيت بمساعدة الشرطة فعُثر على جثمانه في صندوق. فأخبر رجالُ الشرطة أن زوج القاتلة كان قد أخبرهم سلفا أن زوجته قتلت الولد وأخفتْ جثته في الصندوق. فكانت قد قتلتْه بمساعدة ابن صاحب البيت وقد اعترفت بذلك. كان العزيز تنزيل أحمد بت من مواليد 20/11/2009 في لاهور وكان موقوفا في مشروع وقف نو، وكان نشيطا في أنشطة مجلس أطفال الأحمدية وكان يحضر برامج الجماعة بانتظام وكان يُعدّ من الطلاب البارعين في صفه، وكان في الصف الرابع وحين ظهرت النتائج بعد قتله كان الأول في الصف ونال 729 من 750. قالت والدة العزيز أن “تنزيل” كان أبرَّ أولادي بي، وكان يستأذنني دوما قبل الإقدام على أي عمل. وكلما طلب منه أي جار أو مسؤول في الجماعة عملا ما لم يرفض قط، حتى كانت جارتها القاتلة أيضا تطلب منه بعض الأعمال وكان دوما يطيعها وينجز أعمالها.

كان مدرِّسو المدرسة والمسؤولون في الجماعة أيضا سعداء به كثيرا ويمدحونه.

كان يستمع إلى برامج ايم تي ايه بالالتزام ولا سيما برامج الأطفال والخطب. وكان يذهب إلى المسجد باستمرار، وكان والده إذا أتى من العمل متعَبًا وأبدى كسلًا في الذهاب إلى المسجد كان الولد يصرّ ويذهب بأبيه إلى المسجد. ترك المرحوم وراءه من ذويه والدَه عقيل أحمد بت وأمَّه نائلة عقيل والأخوَين والأختَين. تغمده الله تعالى بواسع رحمته وأنال القتلة جزاء ما كسبت أيديهم، وألهم والديه الصبر والسلوان.

الجنازة الثانية للعماد “بشير أحمد” أمير الجماعة في محافظة راولبندي وهو ابن الدكتور محمد عبد الله. توفي في مدينة راولبندي يوم السادس عشر من شباط/فبراير عن عمر يناهز سبعة وثمانين عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم منخرطا بنظام الوصية وترك وراءه من ذويه زوجته وابنَين وثلاث بنات. ولد العماد بشير أحمد في 1931 في أسرة مخلصة في محافظة كجرات. أبوه الدكتور محمد عبد الله بايع بنفسه ودخل الجماعةَ. نال العماد دراسته البدائية في قاديان ونجح في امتحان الثانوية في 1947. وفي 1952 التحق بالكلية العسكرية بباكستان. وتقاعد من الجيش بدرجة العماد في 1982. ثم تولّى رئاسة معهد السياسات بإسلام آباد وخدم بهذا المنصب لفترة طويلة. وهكذا خدم وطنه ستة وستين عاما. وأما خدماته في الجماعة فهي كالتالي. كنت عيّنتُه أمير الجماعة في راولبندي في 2012 فخدم بصفته أمير الجماعة لمدينة راولبندي وللمحافظة حتى التاسع من شباط/فبراير 2020. وفي 1979 أثناء وظيفته كان انتقل إلى راولبندي حيث خدم الجماعة بصفته نائب الأمير وسيكرتير التعليم للمدينة والمحافظة لمدة ستة عشر عاما. وخدم بصفته مديرَ مؤسسة “فضل عمر” وعضوَ عدة لجان لمجلس الشورى. كان المرحوم مخلصا جدا يخدم الجماعة بإخلاص، وكان خلوقا وعطوفا وخادما لخلق الله يساعد المحتاجين باهتمام. وكان ملتزما بالقواعد ومتقيدا بالمواعيد أثناء خدمته للدين. وكان يقوم بالأعمال بسرعة ويُوصي زملاءه العاملين أيضا بذلك، ولم يكن يتحمل الكسل في أمور الدين بل في جميع الأمور. وكلما سلَّم لأعضاء هيئته مهمةً من المهمات تابع التنفيذ معهم باهتمام. كان ملتزما بالدعاء والعبادة ويحب الخلافة بإخلاص. وكانت ذاكرته قوية إلى آخر عمره. وكان يحب الرسول r والمسيح الموعود u. وكان يشكر الله تعالى دوما على كونه أحمديا. كان القرآن الكريم وكتبُ الحديث وكتب المسيح الموعود u بجانب سريره دوما، وكان كثير القراءة للكتب. كان يساعد الفقراء والمحتاجين بسعة الصدر في صمت، وخاصة أنه كان يهتم كثيرا بتلبية حاجات الأرامل ويظل مستعدا لمساعدتهن. وكان عدد من العائلات يستفيدون من مساعداته المالية. وكان يساعد بمبلغ كبير أحيانا كما كتب أحد الأشخاص أنه كان قد احترق محلّه وواجه خسارة كبيرة فجاءه المرحوم بصمت وأعطاه مبلغاً في ظرف وقال أرجو ألا تذكر ذلك لأحد. قال: حين فتحتُ الظرف بعد وصولي إلى البيت وجدتُ أن المبلغ هو مئتي ألف روبية. وحين تحسّن عمله أراد أن يعيد المبلغ إلى المرحوم فقال: لم أعطك ذلك لتعيده إليّ. كتب الداعية لمحافظة راولبندي السيد طاهر محمود: كان السيد الأمير هادئ الطبع ورحيما وقليل الكلام وكثير الدعاء. كان يأتي في مسجد “أيوان التوحيد” يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة بساعات ويصلي النوافل بتضرع وابتهال. والذين كانوا يصلون بسرعة كان المرحوم يذْكر لهم سيرة الصحابة والصلحاء من قاديان حيث تربى المرحوم في صغره. وكان يُبدي بشاشةً للمصلين، وكان يتعامل بكل هدوء. وكان يوجّه أبناء الجماعة إلى ترديد الأدعية المسنونة والتسبيحات، وكان بنفسه أيضا يلتزم بالأدعية ويصلي صلوات طويلة ويوجّه الناس إلى الصلوات بوجه خاص. وكان يساعد الفقراء. وهذا ما كتبه الجميع. وإذا شكره أحد منعه من ذلك. وكان يعشق كتب المسيح الموعود u وكان يذكر معارفها في الاجتماعات. كان مديرا لمؤسسة فضل عمر، ولقد كتب سكرتير المؤسسة السيد ناصر شمس: كان المرحوم مدير مؤسسة فضل عمر من 2011 إلى نهاية 2019، وكان يحضر جميع اجتماعات لجنة الإدارة بالرغم من كبر سِنه وضعف صحته. أفادنا كثيرا بأدعيته ومشوراته الحكيمة لعقْد كاملٍ تقريبًا. كان مخلصا جدا وتقيا ووفيا للخلافة وخادما صادقا للجماعة. كتب أيضا: هناك ميزة رأيتُها فيه شخصيا وهي أنه كان متعلقا بالله ويؤدي الصلاة بخشوع وخضوع. رحم الله تعالى المرحوم وغفر له ورفع درجاته ووفّق أولاده لمواصلة حسناته.

والجنازة الثالثة هي للدكتور حميد الدين من قرية “121 ج.ب غوكهو وال” بمحافظة فيصل آباد. تُوفي في التاسع والعشرين من شباط/فبراير 2020، إنا لله وإنا إليه راجعون. جاءت الأحمدية في أسرته حين بايع والده محمد الدين وعمُّه فتح الدين معًا من قرية فرسيان في محافظة غورداسبور في عهد الخليفة الثاني t. وُلد المرحوم في قاديان وكان عم والد المرحوم حضرة مولانا محمد إبراهيم القادياني t صحابيا للمسيح الموعود u، وهو t كان عالما كبيرا في المسيحية وعمل أستاذا في المدرسة الأحمدية بقاديان لفترة طويلة. وبعد انقسام الهند سكنت عائلة المرحوم في محافظة فيصل آباد. كان المرحوم صيدلانيا وبذلك خدم البشرية كثيرا في منطقته، وكان يعالج المحتاجين بالمجان. كان بسيطا وتقيا وملتزما بالصلاة والصيام منذ الصغر ومحترِما لشعائر الله ومحبا للخلافة وعطوفا ومتوكلا على الله ومتدينا وأمينا. لم يكن يرد طلبا، كان مواسيا يسعى لمساعدة الجميع. خدم الجماعة في مناصب متعددة. وأحد أبنائه السيد كريم الدين شمس داعية الجماعة ويخدم في هذه الأيام في تنزانيا، وبسبب انشغاله في ميدان العمل لم يستطع الذهاب للصلاة على أبيه. وزوْج إحدى بنات المرحوم أيضا داعيةٌ وزوج ابنته الثانية داعيةٌ محلّيّ، وأحد أبناء بنته يدرس في الصف الأخير للجماعة الأحمدية. وعدد من أحفاده وحفيداته منضمّون إلى مشروع وقف نو. رحم الله تعالى المرحوم وغفر له ورفع درجاته ووفّق أجياله لأداء حق البيعة بوفاء. وكما قلتُ سأصلي على المرحومِين بعد صلاة الجمعة والعصر.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز