خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 3/4/2020

في مسجد المبارك في إسلام آباد ببريطانيا

******

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.

لا يُسمح -نظرًا إلى الظروف السائدة اليوم ووفق القوانين التي سنتها الحكومة هنا- بإلقاء الخطبة على المستمعين وهم جالسون أمام الخطيب، ولقد أُعِدت الإمكانيات هنا لأخطب من هذا المسجد مراعاةً بالقانون والبقاء ضمن حدوده. وذلك لأنه يبلغ عدد المستمعين للخطبة ألوفًا بل مئات الألوف سواء إن كان أمامي أحدٌ في المسجد أم لا. وعلينا السعي للحفاظ على هذه الوحدة والمداومة على الدعاء ليحسّن الله تعالى الظروف ويزيل هذا الوباء ليعود مرة أخرى رونق المسجد المعتاد.

والآن أبدأ بموضوع الخطبة. كنت قبل جمعتين بصدد الحديث في الخطبة عن طلحة بن عبيد الله t الذي استشهد في واقعة الجمل، وقلت بأنني سأذكر بعض الأمور بهذا الخصوص، فأخبركم عنها اليوم بما يتضمن ردًّا إلى حدٍّ ما على بعض الأسئلة التي تثار حول واقعة الجمل.

لقد شكل سيدنا عمر t لجنة الخلافة قبل وفاته، وذُكر تفصيلُه في إحدى روايات صحيح البخاري حيث ورد فيها أنه لما دنت وفاة عمر t قال له الناس:  أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، قَالَ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ. وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا ]الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ[، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.

وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ r أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ.

فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ على عائشة وقَالَ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ (الذين ذكرهم عمر). فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ طَلْحَةُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (لعلي وعثمان) أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ، لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ. فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. هذه رواية البخاري.

وذكر المصلح الموعود t تفصيل واقعة انتخاب عثمان t خليفةً فقال:

عندما أصيب عمر t بالجروح وأحسّ بأن وقته الأخير قد دنا، أوصى لستة رجال أن ينتخبوا واحدًا منهم خليفة، وكان هؤلاء النفر الستة: عثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير، وطلحة، كما ضمّ إليهم عبد الله بن عمر للمشورة دون أن يكون له حقّ في الخلافة وأوصى بأن يحكم هؤلاء كلُّهم في ثلاثة أيام، وأمر صهيبا أن يؤم الصلاة لثلاثة أيام، وأمر المقداد بن الأسود بالإشراف على الشورى وأمره بأن يجمع كل هؤلاء في مكان ويجبرهم على أن يحكموا، وأن يحرس الباب حاملا السيف. وقال أيضا مَن اتفق عليه أكثركم فليبايعه جميعهم ومن رفض فاقتلوه وإن رضي ثلاثةٌ رجلاً وثلاثةٌ رجلاً فحكِّموا عبدَ الله بن عمر، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله ابن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.

فتشاور الأصحاب الخمسة لأن طلحة آنذاك لم يكن في المدينة. ولم يتوصلوا إلى أي نتيجة، فقال عبد الرحمن: أيكم يُخرج منها نفسَه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحدٌ. فقال: فأنا أنخلع منها. فقال عثمان: أنا أول من رضي. فقال القوم: قد رضينا. وعلي ساكتٌ. أخيرا أخذ من عبد الرحمن ميثاقا أنه لن ينحاز إلى أحد، فأعطاه الموثق، وبذلك عُهد الأمر كله إلى عبد الرحمن بن عوف، فجال في المدينة ثلاثة أيام حيث طرق باب كل بيت وسأل الرجال والنساء عن من يمكن أن يكون خليفة، فقال الجميع إنهم يريدون أن يكون عثمانُ خليفة، فحكَم بحق عثمان t وصار خليفة. هذا بيان سيدنا المصلح الموعود t ملخَّصا من شتى كتب التاريخ.

لقد ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري أن سيدنا طلحة عند الوصية كان غائبا، ومن المحتمل أنه حضر بعد وفاة عمر t وقيل إنه جاء بعد انتهاء الشورى، وبحسب رأي وُصف بأنه أصح، أنه حضر بعد بيعة عثمان. باختصار انتُخب عثمان t خليفة، وبدأت الأمور تعود إلى طبيعتها رويدا رويدا.

فلما استُشهد عثمان t جاء الناس كلهم إلى علي t وفيهم الصحابة والتابعون أيضا وقالوا كلهم إن عليا أمير المؤمنين، حتى دخلوا بيته وقالوا له نريدك أن تأخذ بيعتنا، فمُد يدك فأنت أحق بها. فقال لهم هذه ليست مهمتكم بل هي مهمة أهل بدر، فمن رضي أهلُ بدر به فهو حصرا سيكون خليفةً، ثم جاء أهلُ بدر كلُّهم إلى علي t وقالوا له لا نرى أحدا أحق منك بالخلافة، فمُد يدك لنبايعك. فسألهم أين طلحة والزبير؟ فبايعه أولا طلحة شفهيا، وسعدٌ يدا بيد. فلما رأى ذلك عليٌ t ذهب إلى المسجد وصعد المنبر وأول من صعد إليه وبايعه كان طلحة t، وبعده بايعه سيدنا الزبير والصحابة الآخرون.

هل كان سيدنا طلحة وسيدنا الزبير والسيدة عائشة وغيرُهم قد بايعوا عليا t أم لا؟ فعن ذلك يقول سيدنا المصلح الموعود t في خطاب له ردّ فيه على بعض اعتراضات الخواجه كمال الدين، ولهذا الذكر أهمية قصوى، ولذا أذكره لكم. فقال حضرته للخواجة المحترم:

لا تستدل بعدم بيعة طلحة والزبير وعائشة y فهم لم يكونوا ينكرون الخلافة بل كانت قضية الثأر من قاتلي عثمان قد شغلتهم. أخبرك مرة أخرى أن الذي قال لك إن أولئك الصحابة لم يبايعوا عليًّا t فقد أخطأ إذ قد اعترفتِ السيدة عائشة رضي الله عنها بخطئها واستقرت في المدينة. أما طلحة والزبير فلم يموتا قبل البيعة، وفي هذا الصدد أسجل بعض النصوص:

1- “وأخرج الحاكم عن ثور بن مجزاة قال: مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق، أي كان يكاد يحتضر، فقال لي: ممن أنت؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين عليٍّ، فقال ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي وبايعني وفاضت نفسه، فأتيت عليا فأخبرته فقال: الله أكبر، صدق رسول الله r أبى الله أن يدخل طلحةُ الجنة إلا وبيعتي في عنقه. (الخصائص الكبرى) (فكان من العشرة المبشرة)

2- مرة ذُكرت عند السيدة عائشة رضي الله عنها حادثةُ الجمل، فقالت: هل يذكر الناس حادثةَ الجمل، فقال أحدهم: نعم يذكرونها، فقالت ليتني كنت من القاعدين الذين لم يخرجوا ذلك اليوم. بل أتمنى أكثر من ذلك وهو ليتني وَلدتُ عشرة أولاد للنبي، كل واحد منهم مثل عبد الرحمن بن حارث بن هشام.

3- طلحة والزبير من العشرة المبشرة أيضًا، الذين بشَّرهم النبيُّ r بالجنة، ولا بد أن تتحقق بشارة النبي r، وليس ذلك فحسب، بل قد تراجعا عن الخروج وتابا.

يقول سيدنا المصلح الموعود عن شهادة سيدنا عثمان وبيعة سيدنا علي وحادثة الجمل: انتشرتْ فِرق القاتلين في شتى الجهات، ووقاية لأنفسهم من الاتهام بدأوا يتهمون الآخرين.

فلما علموا أن عليا t قد أخذ البيعة من المسلمين تسنّت لهم فرصة رائعة لإلصاق التهم به، وكان صوابا أيضا لأن عددا من قاتلي عثمان t قد اجتمعوا حوله (أيْ حول علي t)، لذا كانت فرصة الاتهام سانحة لهؤلاء المعارضين والمنافقين، فالذين ذهبوا منهم إلى مكة أقنعوا السيدة عائشة رضي الله عنها أن تعلن الجهاد لأخذ ثأر عثمان t فأعلنت ذلك واستنجدت بالصحابة. كان طلحة والزبير قد بايعا عليا t بشرط أن يأخذ ثأر عثمان t بأسرع ما يمكن، والمفهوم الذي كان في بالهما للسرعة كان منافيا للحكمة عند علي t إذ كان يرى أن يستتبّ السلام أولا في جميع الأقاليم ثم يلتفت إلى معاقبة القتلة، لأن الأولوية لحماية الإسلام، ولو تأخرت معاقبة القاتلين فلا بأس في ذلك، كما كان هناك اختلاف في تعيين القاتلين أيضا، فالذين كانوا قد وصلوا إلى علي t أولا مُبدين حزنا شديدا وخوفا من نشوء الفرقة في المسلمين، لم يكن علي t بالطبع يشك فيهم بأنهم هم أنفسهم مؤسسو الفتنة، بينما كان الآخرون يشكون فيهم فقط، وبسبب هذا الاختلاف ظن طلحة والزبير أن عليا t أخذ يرجع عن عهده، فلما كانا قد بايعاه بشرط ولم يحققه علي t بحسب رأيهم، لذا كانا يعدّان نفسيهما قد تحرّرا من تلك البيعة شرعا، فلما بلغهما إعلان السيدة عائشة t انضما إليها، وتوجهوا إلى البصرة جميعا. وفي البصرة نهى الحاكمُ الناسَ عن الالتقاء بهما، لكن حين علم الناس أن طلحة والزبير كانا قد بايعا عليا t على أن يلتزم بأمر وبشرط معين انضمّ إليهما غالبية الناس، فلما علم علي t بهذا الجيش أعد هو الآخر جيشا، وانطلق إلى البصرة، وعند الوصول إلى البصرة أرسل شخصا إلى السيدة عائشة وطلحة والزبير y فوصل هذا الشخص أولا إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، وسألها عن قصدها، فقالت نريد الإصلاح فقط، وبعد ذلك طلب ذلك الشخص طلحة والزبير أيضا، وسألهما: هل أنتما أيضا تريدان الحرب لهذا الهدف، فقالا نعم، فقال: إذا كنتم تبتغون الإصلاح فليس طريقه هذا الطريق الذي اتخذتموه، وإنما هذا الطريق يؤدي إلى الفتنة، لأن ظروف البلد متأزمة جدا بحيث إذا قتلتم شخصا تقدم ألف شخص تأييدا له، وإذا قاومتموهم برز عددٌ أكبر تأييدا لهم، فالإصلاح أن نحقق الوحدة أولا في البلد ثم نعاقب الأشرار، وإلا فإن معاقبة أحد في حالة الاضطراب هذه ستؤدي إلى ظهور فتن أخرى، فدَعُوا الحكومة تستقر أولا وهي ستعاقب المجرمين في الوقت المناسب، فقالا إذا كان هذا رأي علي t فقل له أن يأتي فنحن جاهزون للقائه، فأخبر بذلك عليًّا t وتقابل ممثلا الطرفين وتقرر أن القتال لا يصح بل يجب الصلح.

فلما بلغ هذا الخبر السبئيين (أي جماعة عبد الله بن سبأ وقاتلي عثمان t) أصابهم قلق شديد، فاجتمع جماعة منهم سرًّا للتشاور، وقرروا بعد التشاور أن عقد الصلح في المسلمين سوف يجلب الأضرار الفادحة عليهم، لأنهم لن ينجوا من عقوبة قتل عثمان مالم يتقاتل المسلمون فيما بينهم، وإذا حصل الصلح والأمن فلن يجدوا أي مأمن ولا ملجأ، لذا يجب ألا يحدث الصلح بأي حال. وفي هذه الأثناء جاء علي t أيضا وقابل الزبير في اليوم الثاني من وصوله، حينها قال له علي t لقد أعددتَ معسكرا لقتالي فهل أعددتَ عذرا تقدمه أمام الله أيضًا؟ لماذا تعقدون العزم على القضاء على الإسلام الذي خدمتموه بتضحيات كبيرة، ألستُ أخاكم، فما السبب أن دماء بعضنا البعض كانت تعد حراما في السابق والآن قد أُحلّت، فلو كانت ثمة بدعة لكان لكم مبرر، ولكن مادامت لم تنشأ أية بدعة، فلماذا هذه المواجهة إذنْ؟ فقال له طلحة t وكان مع الزبير: إنك حرضت الناس على قتل عثمان t، فقال علي t: إنني ألعن الشركاء في قتل عثمان t، ثم قال علي t للزبير t: ألا تذكر يوم قال لك النبي r والله ستحارب عليا وستكون له ظالما. فعند سماع هذا القول عاد الزبير t إلى جيشه وأقسم أنه لن يحارب عليا t أبدا واعترف بأنه أخطأ في الاجتهاد. فلما انتشر هذا الخبر في الجيش اطمأن الجميع أنه لن تكون الحرب الآن، بل سوف يتم الصلح، لكن أصاب المفسدين اضطراب كبير، فلما غشي الليل دبروا لمنع الصلح بحيث أن منهم من كانوا مع علي، فهاجموا جيشَ عائشة وطلحة والزبير y ليلا، ومنهم من كانوا في جيش هؤلاء الثلاثة فهاجموا جيشَ علي t ليلا مما تسبب في إحداث ضجة، وظن كل فريق أن الفريق الآخر خدعه مع أنها في الحقيقة كانت مؤامرة السبئيين فقط.

فلما اندلعت الحرب نادى علي t أن يخبر أحدٌ عائشةَ رضي الله عنها، لعل الله يزيل الفتنة بسببها.

فجيئ بجمل عائشة رضي الله عنها إلى الأمام، لكن النتيجة كانت أكثر خطورة، لأن الثوار رأوا أن خطتهم قد فشلت، فبدأوا يرشقون جملها بالسهام. فصاحتْ عائشة رضي الله عنها بشدة أن كُفّوا عن الحرب أيها الناس، واذكروا الله ويوم الحساب. لكن الثوّار المفسدين لم يكفّوا وظلّوا يطلقون السهام إلى جملها. وكان أهل البصرة مع الجيش الذي اجتمع مع عائشة رضي الله عنها، فاستشاطوا غضبا برؤية إهانة أم المؤمنين رضي الله عنها، فاستلّوا السيوف وشنّوا الهجوم على الجيش المخالف. فصار جمل عائشة رضي الله عنها مركز القتال، والتفّ حوله كبار الصحابة البواسل وبدأوا يسقطون صرعى أحدهم تلو الآخر ، ولم يتركوا زمام الجمل.

أما الزبير رضي الله عنه فلم يشارك في القتال بل خرج إلى جانب، ولكن أحد الأشقياء تتبّعه وقتله وهو ساجد يصلي. أما طلحة رضي الله عنه فاستشهد في المعركة على أيدي هؤلاء المفسدين.

لما اشتد القتال ظن البعض أن القتال لن يتوقف ما لم تتم إزاحةُ عائشة رضي الله عنها من ساحة القتال، فعقروا جملها، وأنزلوا هودجها ووضعوه على الأرض. فتوقف القتال. فلما رأى ذلك عليٌّ t احمرَّ وجه حزنًا، إلا أنه لم يكن بُدّ مما حصل. وبعد انتهاء القتال عُثر على جثمان طلحة t ضمن القتلى، فأبدى علي t أسفا بالغا.

يتضح من كل هذه الأحداث جليًّا أنه لم يكن في هذا القتال دخلٌ للصحابة مطلقا، بل كانت الخطة كلها من قِبل قَتَلةِ عثمان t، وأن طلحة والزبير قد ماتا على بيعة علي رضي الله عنهم جميعا، لأنهما قد تراجعا عن موقفهما، وكانا قد قررا مساندة علي t، لكنهما استُشهدا على أيدي الأشرار، فلعن علي t قاتليهما.

قال حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه في مناسبة أخرى وهو يتحدث عن حرب الجمل واستشهاد طلحة رضي الله عنه: عندما يبعث الأنبياء إلى الدنيا فإن أوائل المؤمنين بهم هم الذين يُعَدّون من الكبار. فكل مسلم يعلم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدا وسعيدا رضي الله عنهم كانوا يُعَدّون من كبار المسلمين. لكن ليس سبب ذلك أنهم كانوا أكثرَ تمتعًا بأسباب الراحة من غيرهم، وإنما عُدّوا من الكبار لأنهم كانوا أكثرَ تعرضًا للاضطهاد من غيرهم. عاش طلحة رضي الله عنه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما حصل الخلاف بين المسلمين بعد استشهاد سيدنا عثمان رضي الله عنه، قالت فئة منهم يجب علينا أخذ ثأر عثمان رضي الله عنه، وكان طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم جميعا زعماء هذه الفئة. بينما قالت فئة أخرى إن المسلمين في فرقة وتشتت الآن، والناس يموتون كل يوم، والموقف يتطلب منا توحيد صفوف المسلمين كلهم أولاً لاسترداد مجد الإسلام وشوكته ثانية، وبعد ذلك سوف نأخذ الثار من المفسدين، وكان علي رضي الله عنه زعيم هذه الفئة. لقد اشتد هذا الخلاف لدرجة أن طلحة والزبير وعائشة قد اتهموا عليًّا أنه يحمي قَتَلةَ عثمان رضي الله عنهم جميعًا، واتهمهم عليٌّ أنهم يؤْثرون مصالحهم الشخصية على مصلحة الإسلام. وهذا يعني أن الخلاف كان قد بلغ الذروة. ثم نشب القتال بين الفئتين حيث قامت عائشة رضي الله عنها بقيادة جيش إحدى الفئتين، وقد شارك طلحة والزبير رضي الله عنهما في هذا القتال. وكما سبق أن ذكرت أنه رغم أنهما كانا من الفئة المعارضة لعلي رضي الله عنهم، ولكن الزبير انفصل فيما بعد عن الجيش المحارب ضد علي، أما طلحة فكان أيضا قد تصالح مع علي رضي الله عنهم جميعا. لكن المفسدين من المنافقين والأشرار كانوا قد تمكنوا من إثارة  الفتنة على كل حال، وصار القوم فئتين. فاشترك طلحة والزبير في القتال، وفي أثناء ذلك جاء صحابي إلى طلحة وقال له أتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد قال لك في مجلس: سيأتي عليك زمان تكون في جيش ويكون عليٌّ في جيش آخر، ويكون عليٌّ على الحق، وتكون أنت على الباطل. فلما سمع طلحة رضي الله عنه ذلك عاد إلى صوابه وقال نعم لقد تذكرت الآن ذلك. ثم انفصل طلحة عن الجيش على الفور. وبينما هو يغادر ساحة القتال عملاً بنصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم، تتبّعَه شقي من جيش علي رضي الله عنه وطعنه بالخنجر وقتله. وكان علي رضي الله عنه في مجلس فجاءه قاتلُ طلحة يجري ظنًا منه أن سيُعطَى مكافأةً كبيرة على قتله، وقال: أميرَ المؤمنين، أبشّرك بقتل عدوك. فقال علي: مَنْ؟ قال: لقد قتلت طلحةَ يا أمير المؤمنين. فقال له علي رضي الله عنه: فإني أبشرك بالنار بناءً على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم قال في مجلس وأنا وطلحة فيه: يا طلحة، سوف تتحمل الذل من أجل الحق والعدل، وسوف يقتلك شخص، ولكن الله سوف يدخله النار.

لما قام جنود علي من جهة، وجنود طلحة والزبير من جهة أخرى وجهًا لوجه بدأ طلحة يقدم الأدلة على صحة موقفه (كان هذا قبل أن يغادر طلحة ساحة القتال بعيدا عن فتنة الحرب حين ذكَّره أحد الصحابة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم) فعيّره شخص من جنود علي رضي الله عنه وقال: اسكتْ يا مشلول اليد.

كانت إحدى يديْ طلحة مشلولة لا تعمل، فلما قال ذلك الشخص: اسكُت يا مشلول اليد! قال طلحة t: لقد قلتَ: اسكت يا مشلول اليد! ولكنك لا تعلم كيف شُلّت يدي. عندما تقهقهر المسلمون يوم أُحد ولم يبق مع النبي r إلا اثنا عشر رجلا، حاصرَنا جيشُ الكفار الذي كان قوامُه ثلاثة آلاف جندي، وبدأوا يرمون السهام على النبي r من كل حدب وصوب ظنا منهم أنه لو قُتل النبي r لانتهى الأمر كله. وفي ذلك الوقت كان قوس كل جندي من جيش الكفار يرشق السهام إلى محمد رسول الله r، فوضعتُ يدي أمام وجه رسول الله r، فكانت سهام الرماة من جيش الكفار تصيب يدي حتى شُلّت كليا، ولكني لم أصرف يدي من أمام وجه رسول الله r.

وقد قال سيدنا المصلح الموعود t في مكان آخر في ذكر طلحة t ضمن أحداث يوم الجمل: قال شخص أن مشلول اليد ذلك قد قُتل، فسمع أحد الصحابة هذا الكلام وقال: يا أيها الشقي، هل تعلم كيف شُلّت يده؟ حين هرب جيش الصحابة من الميدان يوم أُحد نتيجة سوء فهمٍ، وعَلِم الكفار أن النبي r موجود في ميدان الحرب مع بضعة أشخاص فقط، تكالب عليه من كل الجوانب جيش الكفار الذي كان قوامه حوالي ثلاثة آلاف جندي، وحمل مئات الرماة أقواسهم وجعلوا وجه النبي r هدفاً ومرمى لهم؛ . والذي نهض عندئذ لحماية وجهه الكريم كان طلحة t ووضع يده أمام وجهه r، فكان كل سهم يصيب يده بدلا من أن يصيب وجه رسول الله r. فظلت السهام تصيب يده على التوالي حتى أن تلك الجراح لم تكن جراحاً عادية بل بسبب كثرة الجروح عطبت عضلات يد طلحة t وشُلّت يده كليا. واليوم تُطلق عليه: “مشلول اليد” استخفافاً به؟!! إن كونه مشلول اليد على هذا النحو لنعمة يتمناها كل واحد منا.

عن ربعي بن حراش قال: إني لعِند عليّ جالس إذ جاء عمران بن طلحة فسلّم على علي، فقال عليٌّ: مرحبا عمران بن طلحة مرحبا. فقال: ترحب بي يا أمير المؤمنين وقد قتلتَ والدي وأخذت مالي؟ قال: أما مالك فهو معزول في بيت المال، فاغْدُ إلى مالِك فخذه- وفي رواية أن عليّا t قال: فقد قبضت مالك لئلا يتخطفه الناس – وأما قولك: قتلتَ أبي، فإني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله U: ]وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْواناً على سُرُرٍ مُتَقابِلِيْنَ[

عن محمد الأنصاري عن أبيه قال: جاء رجل يوم الجمل فقال: إئذنوا لقاتل طلحة. قال فسمعت عليا يقول: بشره بالنار.

لما قُتل طلحة ورآه علي مقتولاً جعل يمسح التراب عن وجهه، وقال عزيزٌ عليَّ، أبا محمد أن أراك مجدلاً تحت نجوم السماء. ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري، وترحم عليه، وقال: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وبكى هو وأصحابه عليه، وسمع علي رجلاً ينشد:

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه … إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

فقال: ذاك أبو محمد طلحة بن عبيد الله، رحمه الله.

ثم قال حضرته أيده الله تعالى بنصره العزيز: هنا انتهى ذكر طلحة t:

والآن أقرأ على مسامعكم مقتبسا من كلام المسيح الموعود u عن الظروف الراهنة حيث قال لمفتي محمد صادق ذات مرة- هذا الكلام يعود إلى أيام كان الطاعون فيها متفشيا) في هذه الأيام يجب الاهتمام بنظافة البيوت ونظافة اللباس أيضا بوجه خاص. الأيام الحالية قاسية جدا والهواء سامٌّ، والنظافة من السُّنَّة، وقد جاء في القرآن الكريم أيضا: ]وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[

وقال u في مناسبةٍ أخرى: المدن والقرى التي قد تفشى فيها الطاعون بشدة يجب ألا يذهب أهلها إلى أماكن أخرى، وينظفوا بيوتهم ويسخنوها، ويقوموا بإجراءات وقائية ضرورية. وفوق كل ذلك يجب أن يتوبوا توبة صادقة، ويُحدثوا في أنفسهم تغيّرا طاهرا، ويتصالحوا مع الله ولينهضوا في جوف الليالي ويدعوا الله تعالى. ثم قال u: التغيّر الصادق في حالة المرء هو الذي سينقذه من عذاب الله، ولنعم ما قيل.

ندعو الله تعالى أن يوفق كل أحمدي للتركيز على الدعاء في هذه الأيام. عليكم أن تعملوا بتعليمات الحكومة أيضا، نظِّفوا بيوتكم جيدا، وسخِّنوها بحرق بهارات معينة ورشِّحوا المعّقمات مثل Dettol، وهي متوفرة في السوق. ندعو الله تعالى أن يرحم الجميع. باختصار، يجب أن تركزوا على الدعاء في هذه الأيام. وفق الله تعالى الجميع لذلك. آمين

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز