خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 21/8/2020م

في مسجد مبارك، إسلام آباد تلفورد بريطانيا

******

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.

بصدد الحديث عن الصحابة البدريين فإن الصحابي الذي أذكره اليوم هو سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه. اسم والده العوام بن خويلد، واسم والدته صفية بنت عبد المطلب التي كانت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم. ونسب الزبير يلتقي بنسب النبي صلى الله عليه وسلم عند قصي بن كلاب. كان الزبير ابن أخ للسيدة خديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم. تزوج الزبير السيدة أسماء بنت سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وهكذا يكون الزبير والنبي صلى الله عليه وسلم صهرين لأبي بكر. هذه أنواع أواصر القرابات للزبير مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وكنية الزبير رضي الله عنه هي أبو عبد الله. كانت صفية اختارت لأخيها الزبير بن عبد المطلب كنية أبو طاهر، أما الزبير نفسه فقد اختار له كنيته نظرًا إلى اسم ابنه عبد الله، فصارت كنيته “أبو عبد الله” أكثر شهرة.

أسلم الزبير بعد إسلام أبي بكر رضي الله عنه. كان الرابع أو الخامس بين أوائل المسلمين. لقد أسلم وهو ابن اثنيْ عشرة سنة. وفي رواية أنه أسلم وسنه ثماني سنوات أو ست عشرة سنة.

 كان الزبير من العشرة السعداء الذين بشّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حياتهم، وكان أحد الستة الذين عيّنهم سيدنا عمر رضي الله عنه قبل وفاته من أجل الشورى لانتخاب الخليفة بعده.

لما مات العوَّام والدُ الزبير كان نوفل بن خويلد يلي ابنَ أخيه الزبيرَ، وكانت صفية تضربه وهو صغير، وتغلظ عليه، فعاتبَها نوفل وقال: ما هكذا يُضرَب الولد، إنك لتضربينه ضربَ مُبْغِضةٍ. فرجزتْ به صفيةُ:

مَن قال إني أبغضه فقد كذبْ

وإنما أضربه لكي يلبْ

ويهزم الجيش ويأتي بالسلبْ

ولا يكن لماله خبأ مخب،

يأكل في البيت من تمر وحب.

على كل حال، هكذا كان تفكيرها وأسلوب تربيتها للأولاد لجعلهم شجعانا. ولكن ليس ضروريا أن يكون هذا الأسلوب أسلوبا جيدا جدا، لأننا نرى عموما اليوم أن هذا الأسلوب لتربية الأولاد يصيبهم بنقصان الثقة بالنفس. على كل حال، إن الله تعالى حفظ الزبير من التأثير السلبي لذلك الضرب والقسوة. إن الأمومة شيء معروف، فالأم لا تضرب فقط بل تشمل أولادها بحبها وحنانها أيضا، والأحداث التالية أكدت أن الزبير تحلى بالشجاعة والبسالة بالفعل. والله أعلم بأسباب تحلّيه بالشجاعة، ومن المؤكد أن الضرب الذي تلقاه في الصغر لم يترك عليه أثرا سلبيا. في هذه البلاد وفي هذا العصر لو جرّب أحد هذا الأسلوب مع الأولاد، فإن رجال الخدمة الاجتماعية سيحضرون فورا ويأخذون أولاده معهم. فعلى الأمهات ألا يجربن هذا الأسلوب هنا.

عندما أسلم سيدنا الزبير كان عمه يلفّه في حصير، ويدخّنه ليرجع عن الإسلام إلى الكفر، ولكنه كان يرد عليه: لن أعود إلى الكفر أبداً.

لقد بين حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه هذه الواقعة كالآتي: كان الزبير بن العوام من كبار الفتيان البواسل، وقد برز قائدا عظيما زمن الفتوحات الإسلامية. كان عمه يؤذيه أذى شديدا. كان يلفّه في الحصير ويدخنه ليختنق، ثم يقول له: هل ترتد عن الإسلام أم لا؟ فكان الزبير يصبر على تعذيبه ويرد عليه: لن أنكر الحق بعد أن عرفته.

حدّث هشام بن عروة عن أبيه قال: قاتلَ الزبير بمكة، وهو غلام، رجلا (ربما هذا الرجل قسا عليه) فكسر يده وضربه ضربا شديدا، فمُرّ بالرجل على صفية وهو يُحَمل، فقالت: ما شأنه؟ قالوا: قاتل الزبيرَ. (لم يخبروها من الخاطئ في الخصومة) فقالت فرحةً بشجاعة الزبير رضي الله عنه:

كيف رأيتَ زَبْرَا، أأقطًا حسبته أم تمرا، أم مشمعلًّا صقرا؟

أي كيف وجدت الزبير، هل ظننته جُبْنًا أو تمرا تأكله بسهولة وتعامله كما تشاء. لا بد أنك قد وجدته كالبازي المنقض على فريسته بسرعة.

هاجر الزبير t إلى الحبشة الهجرتين كلتيهما. وعندما هاجر إلى المدينة أقام عند المنذر بن محمد.

 عن أسماء زوجة الزبير رضي الله عنهما قالت: لما خرجتُ من مكة مهاجرة كنت حبلى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ. ثُمَّ أَتَيْتُ به رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ.

 يبدو من رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ابن أسماء عبد الله.

ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ r، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ رَآهُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ.

عندما آخى النبي r بين المسلمين في مكة، آخى بين الزبير وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. وبعد الهجرة إلى المدينة لما آخى r بين المهاجرين والأنصار صار سلمى بن سلامة أخا الزبير في الدين.

سمى الزبير رضي الله عنه أبناءه بأسماء الشهداء ليرزقهم الله الشهادة في سبيله. فسمى ابنه عبد الله باسم عبد الله بن جحش، وابنه المنذر باسم المنذر بن عمرو، وابنه عروة باسم عروة بن مسعود، وابنه حمزة باسم حمزة بن عبد المطلب، وابنه جعفر باسم جعفر بن عبد المطلب، وابنه مصعب باسم مصعب بن عمير، وابنه عبيدة باسم عبيدة بن الحارث، وابنه خالد باسم خالد بن سعيد، وابنه عمرو باسم عمرو بن سعيد، وكان عمرو بن سعيد استُشهد في وقعة اليرموك.

لا ندري مدى صحة هذه الرواية، لأن سن ولادة عبد الله لا يتفق مع ذلك، وإذا كان أول وليد وُلد في الإسلام فالله أعلم بالوقت الصحيح بمولده، ولا ندري هل كان أحد من المسلمين قد استُشهد قبل ولادة عبد الله أم لا. على كل حال لقد سمى الزبير أبناءه على أسماء هؤلاء الصحابة الكبار.

عن عروة بن الزبير أن والده كان طويل القامة بحيث إن قدمه كانت تلامس الأرض وهو على الدابة.

وعن عبد الله بن الزبير قال قلت لوالدي: أسمعُ عبد الله بن مسعود وغيره من الأصحاب يروون الأحاديث عن النبي r بكثرة، ولا أسمعك تروي عنه r، فما سبب ذلك؟ قال: لم أفارق النبي صلى r مذ أسلمت، ولكني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن كذب علي متعمدا فليتبوأْ مقعده من النار”.

قول الزبير هذا لا يعني أن غيره من الصحابة كانوا يروون عن النبي r كذبا، كلا بل المراد أنه كان يرى الحيطة خيرا له مخافة أن يروي عنه r خطأ. انظروا لقد حذر النبي r هنا فقط مَن يتعمد الكذب عليه، ومع ذلك كان الزبير رضي الله عنه يأخذ الحيطة الشديدة مخافة أن ينسب إلى النبي r أمرًا خطأ، فيصبح من الذين يعاقَبون. لهذه الدرجة كان محتاطا.

عن سعيد بن المسيّب أن الزبير بن العوام أول من أخرج سيفه من غمده في سبيل الله. ذات مرة كان الزبير يستريح في شِعب المطابخ (وهو مكان في مكة) فسمع فجأة صوتا أن محمدا (r) قُتل. فخرج من بيته فورا شاهرا سيفه، فرآه النبي r في الطريق الذي كان الزبير قادما منه. فسأله النبي r: مهلا يا زبير! ما بك؟ قال: كنت قد سمعت صوتا يقول بأنك قُتلتَ. فقال r: فماذا أنت فاعله إن قُتلتُ؟ قال: والله كنت عازما على أن أقتل أهل مكة كلهم. فدعا له النبي r دعاء خاصا. وفي رواية أنه r دعا لسيفه أيضا. يقول سعيد بن المسيّب أن النبي r دعا بحقه، وإنني لآمل أن الله لن يضيع دعاءه.

شهد الزّبير بن العوّام بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلّها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وثَبَتَ معه يوم أُحُد، وبايعه على الموت، وكانت معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة. كان مع النبي r فَرَسانِ فقط يوم بدر، وركب الزبير أحدهما.

 عن عُرْوة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسَّيف كنتُ أدخِل أصابعي فيها: اثنتين يوم بَدْرِ، وواحدة يوم اليَرمُوك.

وعن موسى بن محمد عن والده أن الزبير كان يُعرف بعمامته الصفراء وفي بدر كان لابسا عمامة صفراء، ولما رأه النبي ﷺ قال: “إنّ الملائكة نزلت على سيماء الزّبير”. أي الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى للنصرة كانوا أيضا يحاربون معتمين بعمائم صفراء.

عن هشام، عن أبيه قال، قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد وهو مدجج بالسلاح لا يُرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش، فقال أنا أبو ذات الكرش، فحملتُ عليه بِعَنزَة (بحربة) فطعنتُه في عينه فمات. قال هشام فأُخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيتُ فكان الجهد أن نزعتُها، وقد انثنى طرفاها. قال عروة فسأله إياها رسولُ الله r فأعطاه إياها. فلما قُبض رسول الله r أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قُبض أبو بكر سألها إياه عمر بن الخطاب فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قُتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قُتل.

وعن الزبير بن العوام أن رسول الله r جمع لي يوم أُحد بين أبويه، أي قال لي: فداك أبي وأمّي.

وروي عن الزبير أن امرأة  تؤم القتلى يوم أُحد فلم يعجب ذلك النبي r (أي لم يُرد النبي r أن ترى المرأة جثث القتلى لأن كثيرا منهم كان قد مُثِّل بهم بشدة) فقال r: المرأة المرأة. فتوسمتها فإذا هي والدتي صفية، فهرعتُ إليها ووصلت إليها قبل أن تصل إلى جثث الشهداء فضربتْ بيديها على صدري ودفعتي (وكانت امرأة قوية) وقالت: لن أستمع إليك فابتعد عني. قلت لها إن رسول الله r يعزم عليك ألا تري الجثث، فتوقفتْ فورا وأخرجت ثوبين وقالت لي: أحضرتهما لأخي حمزة لأني علمت بشهادته فكفِّنوه بهما. وفي رواية قالت صفية: علمتُ أن أخي قد مُثّل به في سبيل الله فكيف لا أصبر وأحتسب؟ فذكر الزبير ذلك للنبي r فقال دعوها تتقدم إلى جثة حمزة، فتقدمت ورأته واسترجعت ودعت له بالمغفرة، ثم أمر النبي r بدفنه.

يقول الراوي: عندما أردنا تكفين حمزة في الثوبين نظرنا إلى جانبه رجلاً من الأنصار وقد عومل مثلما عومل حمزة، وليس له كفن، فرأينا غضاضة علينا أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري ليس له كفن. فقررنا أن نكفن حمزة في ثوب ونكفن الصحابي الأنصاري في ثوب آخر. وكان أحدهما أطول قامة من الآخر، فأقرعنا بينهما وكفنا كل واحد في الثوب الذي صار له. (مع ذلك لم يكن الثوب كافيا فوُضع العشب)

عن جابر بن عبد الله قال رسول الله r يوم الأحزاب: مَنْ يأتيني بخبر بني قريظة؟، فقال الزّبير: أنا، فقال: من يأتيني بخبر بني قريظة؟ فقال الزّبير: أنا، فقال: “من يأتيني بخبر بني قريظة؟ فقال الزّبير: أنا، فقال النّبيّ r: “إنّ لكلّ نبيّ حواريًّا وإنّ حواريّي الزّبيرُ”.

عن ابن عمر أنه سمع رجلا يقول: أنا ابن حواريّ رسول الله! فقال ابن عمر: إن كنتَ من آل الزبير، وإلا فلا. قال: فسئل هل كان أحد يقال له حواري رسول الله r غير الزبير؟ قال: لا أعلمه.

عن عبد الله بن الزبير قال: كنتُ عند الأحزاب أنا وعمر بن أبي سلمة مع النساء. فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت يا أبة، رأيتك تختلف، فقال: رأيتني يا بني؟ قلت نعم، قال: كان رسول الله r قال: “من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ “فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله r أبويه فقال فداك أبي وأمي.

قُتل زعیم يهودي معروف اسمه “مرحب” في غزوة خيبر بيد محمد بن مسلمة، فخرج إلى الميدان أخوه ياسر ونادى: من يبارز؟ خرج الزبير بين العوام إلى ياسر فقالت أمه صفية للنبي r: يقتل ابني يا رسول الله؟ قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله فخرج الزبير فالتقيا فقتله الزبيرُ.

كان الزبير من هؤلاء الثلاثة الذين بعثهم رسول الله r للبحث عن امرأةٍ حملت كتابَ حاطب بن أبي بلتعة إلى الكفار. لقد ذُكر هذا الحادث من قبل ولكن سأذكره بإيجاز في هذا السياق أيضا.

عَنْ عَلِيّ t يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةَ خَاخٍ (وهي موضع بين مكة والمدينة) فلما بلغناه، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ الذي عندك، فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ أي سنفعل ما نستطيع من أجله، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا وسلمته إلينا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ r فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لَقَدْ صَدَقَكُمْ. (كان عمر يفيض بالغضب) فقَالَ (في ثورته): يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ r: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.

ولما فتح رسول الله r مكة جعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، فلما دخل مكة وهدأ الناس جاءا بفرسيهما قام رسول الله r يمسح الغبار عن وجوههما وقال: إني جعلت للفارس سهمين وللراجل سهما، فمن نقص ذلك نقصه الله.

يذكر الخليفة الثاني t واقعة للزبير فيقول: عندما ضرب النبي r صنمهم “هُبَل” بعصا، سقط وانكسر، فنظر الزبير مبتسمًا إلى أبي سفيان وقال لـه: يا أبا سفيان، أتذكر يوم أُحُد، الذي وقف فيه المسلمون مكلومين مُنهكين إلى ناحية، ثم هتفتَ بكل زهو وغرور: اعْلُ هُبَل، اعْلُ هُبَل؛ وأن هبل قد أعطاكم النصر في ذلك اليوم، فانظر اليوم كيف تناثرت قطعه المكسرة أمام عينيك؟ فقال أبو سفيان: دَعْك مِن هذا يا أخي، لو كان ثمة إله سوى إلهِ محمدٍ رسول الله r ما رأينا اليوم ما رأيناه. لقد أيقنّا الآن أنه لا إله إلا الله الذي هو إله النبي r.

لقد باغتتْ هوازن المسلمين بسهامهم يوم حنين، وكان فيهم ألفان من المسلمين الجدد أيضا الذين كانوا قد انضموا إلى جيش المسلمين في ذلك اليوم، ففروا ولم يبق في ميدان الحرب حول النبي r أحد منهم، وكان العباس آخذاً لجام بغلة النبي r. وكان مالك بن عوف رئيس الكفار واقفًا على ثنيّة من الثنايا ومعه فرسان من أصحابه فرأى بعض الناس على خيولهم فسأل قائلا: “انظروا ماذا ترون؟”، قالوا: نرى قومًا على خيولهم واضعين رماحهم على آذان خيولهم، قال:أولئك إخوانكم بنو سُليم، لا تخافوا منهم، فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي، ثم ظهرت خيول أخرى فسأل مالك قائلا: انظروا ماذا ترون؟، قالوا: نرى رجالًا ورماحهم في أيديهم، قال: تلك الأوس والخزرج، ولا خوف منهم أيضًا، فلما اقتربوا الوادي توجهوا إلى طريق بني سليم. ثم طلع فارس، فقال مالك لأصحابه ماذا ترون؟ قالوا نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه، عاصبا رأسه بملاءة حمراء، فقال: هذا الزبير بن العوام وأحلف باللات ليخالطنكم، فاثبتوا له. فلما انتهى إلى أصل الثنية، أبصر القوم، فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم بسهامه حتى أزاحهم عنها وأخلى الوادي من هؤلاء الكفار.

عن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ فَقَالَ إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ فَقَالُوا لَا نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَى الكفار حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلًا فَأَخَذ الكفار بِلِجَامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ عُرْوَةُ كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ قَالَ عُرْوَةُ وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا.

بعد فتح الشام قاد عمرو بن العاص مهمة فتح مصر، ومن ثم أراد فاتح مصر عمرو بن العاص أن يتوجه إلى الإسكندرية فنصبوا فسطاطهم على ضفة نهر النيل جنوب الإسكندرية، لأجل ذلك سمّيت هذه المنطقة بالفسطاط، لأنها تحولت إلى مدينة لاحقا والجزء الجديد منها يسمى اليوم بالقاهرة. فلما حاصر المسلمون مدينة الإسكندرية ورأى عمرو بن العاص متانة حصنها وقلة جيشه طلب من عمر t أن يرسل له مددًا فأمده بعشرة آلاف من الجنود وأربعة من القادة وقال بأن كل واحد من هؤلاء الأربعة بألف رجل، وكان أحدهم الزبير بن العوام. فلما وصل عهد إليه عمرو بن العاص جميع ترتيبات حصار الحصن. فركب الزبير فرسه وطاف بالحصن ثم فرق الرجال حول الحصن الراكبين والمشاة، وأخذ يرمي الحصن بالمنجنيق. ولكن طال الحصار حتى بلغت مدته سبعة أشهر دون تحقق الانتصار أو الهزيمة لأحد الطرفين. فقال الزبير يومًا: أفدى للمسلمين اليوم فحمل سيفه ووضع سلما وصعد سور الحصن وتبعه بعض الصحابة الآخرين أيضا. فلما صاروا بأعلى السور أخذوا يكبرون وما أن سمع الجنود حتى أجابوهم وأخذوا يكبرون معهم بأعلى أصواتهم لدرجة رجّت بها أرض الحصن وظن المسيحيون أن المسلمين قد اقتحموا الحصن فهربوا فزعا وخوفا، فنزل الزبير من السور وعمد إلى بابه ففتحه ودخل فيه الجنود المسلمون كلهم.

ذُكر في البخاري واقعة تعيين الزبير قبل وفاته عضوًا في لجنة انتخاب الخليفة، وانتخاب الخليفة بعد وفاته، كما يلي:

لما قرب وفاة عمر قَالُوا أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ (أي عيّن أحدًا خليفة بعدك) قَالَ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. ثم قال: فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ. وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ. وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يغضي عن مسيئهم. وأوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، وأن يأخذ من حواشي أموالهم، ويرد على فقرائهم. وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله، أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقتل من ورائهم، ولا يكلَّفوا إلا طاقتهم. فلما مات وفرغنا من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط أي الستة الذين كان سماهم عمر، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم قال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن.

فقال عبد الرحمن لسيدنا علي وسيدنا عثمان: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه. فسكت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أفتجعلانه إلي؟ والله علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان. فبايعَه وبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوا هم أيضا سيدنا عثمان.

باختصار قد بينت هذا التفصيل قبل فترة أيضا، وتناولت هنا أيضا على ذكر الزبير، وللحديث عن سيدنا الزبير بقية أتناولها مستقبلا إن شاء الله.

الآن أود أن أذكر بعض المرحومين الذين سأصلي عليهم جنازة الغائب، أولهم المرحوم معراج أحمد الشهيد ابن محمود أحمد المحترم من دوغري كاردن محافظة بيشاور، فقد قتله أعداء الأحمدية في الساعة التاسعة ليلا في 12/8/2020 بإطلاق النار عليه أمام صيدليته، فأردي شهيدا، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وتفصيل ذلك أن المرحوم حين انطلق بعد إنهاء العمل في صيدليته في الساعة التاسعة ليلا أطلق عليه النار رجال مجهولو الهوية وهربوا، أصيب الشهيد بأربع طلقات، فمات فورا وكان عمره وقت الشهادة 61 سنة. كان ابن الشهيد ياسر أحمد العزيز قد انطلق من عنده قبل دقائق من الحادثة، وأُخبر أهل الشهيد من هاتفه الجوال، وحين عاد ابنه إلى الصيدلية كان المرحوم قد لفظ أنفاسه الأخيرة.

كانت الأحمدية جاءت إلى عائلة الشهيد عن طريق جده السيد أحمد غل وأخيه السيد صاحب غل، في عام 1912، وكان الأخير شاعرا مشهورا باللغة البشتوية. وكانت علاقة هذه العائلة بشيخ محمدي في بيشاور، وانضمت إلى غير المبايعين أي جماعة اللاهوريين والبيغاميين ولم يبايعوا الخليفة الثاني.

كان الشهيد معراج المحترم قد بايع في 1990 أو 1991 مع إخوته الثلاثة وانضموا إلى جماعة المبايعين، وبعد ذلك واجه المعارضة التي استمرت إلى الشهادة. كان الناس يرفضون العمل عنده بسبب المعارضة الدينية، وكانت حملة المعارضة ضده تستمر على وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة، التي احتدَّت بعد قتل طاهر نسيم من ربوة، وفي هذه الخلفية كانت تقاد هذه الحملة في المنطقة، حيث كانوا قد أعلنوا أنهم بعد العيد سيقودون حملة قوية ضد القاديانيين وأنهم سيقضون عليهم في هذه المنطقة، وكان هدفهم التالي هذه المنطقة التي كان يعيش فيها الشهيد.

كان الشهيد يملك خصالا متميزة عدة، فكان يقيم الصلاة جماعة في بيته وكان يكنّ للخليفة حبا جما واحتراما كبيرا، وكان يولي اهتماما خاصا بالاستماع إلى خطب الجمعة عبر ايم تي ايه، وإضافة إلى اهتمامه بحضور برامج الجماعة كان مضيافا ومواسيا للخلق ومساعدا للفقراء، وكان يقدم الأدوية للفقراء مجانا، وكان يحب كل فرد من العائلة، كما كان يحب كثيرا أولاد إخوته أيضا، وهذا الحب قد تزايد بعد قبول الأحمدية. كان نشيطا في الدعوة إلى الله. عند الإعلان للسنة الجديدة للتحريك الجديد عندما ذهب إليه المسؤول لتلقي الوعد، أدخل يده في جيبه وكل ما وجده من المال قدم له.

ابنه ياسر هاجر إلى أستراليا في عام 2012 فسافر الشهيد أيضا إليه في 2013 لكنه في 2014 عاد مع ابنه إلى باكستان قائلا أحب أن أخدم العوام الفقراء في بلدي وفي منطقتي، وإن حبي للوطن يسوقني إلى العيش في باكستان.

حين سافرتُ إلى أستراليا في جولة قابلني هناك. كان يخدم جماعة بيشاور منذ مدة طويلة بصفته سكرتير الضيافة. فالأحمديون مستعدون لتقديم كل تضحية من أجل وطنهم، أما هؤلاء الذين يحتكرون البلد فليس شغلهم سوى اتهام الأحمديين وإلحاق الضرر بهم، لكن الأحمديين سيستىمرون في العمل بحسب ما فُطروا عليه حصرا.

كان الشهيد سكرتير الضيافة في جماعة بيشاور منذ مدة وظل يخدم الجماعة بهذا العمل حتى الوفاة، في رمضان الفائت اعتكف أيضا، أحد إخوته توفي في حادثة المرور قبل فترة، ولأخيه الآخر أيضا صيدلية قريبا منه، وهو الآخر يتلقى التهديدات وفي خطر مستمر.

ترك المرحوم أرملته السيدة رشيدة معراج المحترمة وثلاثة أبناء؛ هم ياسر وعمره 27 سنة ومصور أحمد عمره 25 سنة، وجاذب عمره 14 سنة، وابنةً اسمها عائشة وهي تدرس الطب. جاذب أيضا يواجه معارضة شديدة في المدرسة، نسأل الله I أن يحفظ هؤلاء الأولاد من شر الأشرار.

معارضة الجماعة في هذه الأيام اشتدت في باكستان، بل إن أعضاء البرلمان أيضا يختلقون الأكاذيب وينسبونها إلينا، ويسعون بذلك إثارة مشاعر الناس، حيث ينشرون بعض التصرفات الخاطئة للذين لا علاقة لهم بالجماعة، ثم يقومون بدعاية كاذبة أن هؤلاء أحمديون مع أنهم لا علاقة لهم بالجماعة مطلقا.

فكل شخص تافه وجاهل يسجل على يوتيوب برامج ضد الجماعة لكسب صيت رخيص، ويزعم بنسْب أمور باطلة إلى الجماعة أنه يكسب ثوابا عظيما، مع أن نيتهم ليست صالحة، وإنما يريدون شهرة رخيصة. نسأل الله I أن يقلب عليهم شرورهم.

في هذه الأيام يجب على الأحمديين في باكستان وفي العالم كله أن يكثروا من الدعاء: ربِّ كل شيء خادمك فاحفظني وانصرني ربِّ وارحمني. واللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. كما يجب أن يصلّوا على النبي r بكثرة. حفظ الله كل أحمدي من شر هؤلاء الأشرار. فبقدر ما تشتد العداوة ضدنا يجب أن ننيب إلى الله I أكثر فأكثر.

قال السيد ياسر ابنُ الشهيد: كان أبي منخرطا بنظام الوصية بفضل الله، وكان سباقا في دفع التبرعات بإخلاص، وإضافة إلى ذلك كان يقلق للآخرين ويساعدهم مادّيا، وكان والدي شجاعا باسلا لا يخاف رغم المعارضة ويتوكل على الله، وكان يقول دوما: لا أخاف معارضةً وأرى أن الله معي. كان رجلا متواضعا وسخيا يساعد الناس برحابة الصدر، وكان تقيا جدا ينشغل دوما بذكر الله. وكانت علاقته بالله وتوكله عليه تعالى قوية. وكان ملتزما بالصلوات ومواظبا على صلاة التهجد ويتلوا القرآن الكريم صباحا ومساء، وكان ينصح أولاده أيضا بذلك. اعتكف في رمضان الماضي وأخبر أنه رأى في الرؤيا عاقبة سيئة للأشرار والمنافقين وقال بكل ثقة: إن الله تعالى أعدّ لنا شيئا كثيرا.

مكث المرحوم فترة في أستراليا أيضا، فكتب أمير الجماعة في أستراليا وبعض الناس الآخرين أيضا أن المرحوم كان أحمديا مخلصا جدا ونشيطا وخلوقا ومحبا ومضيافا ومتواضعا وشجاعا للغاية ومتحمسا وقليلَ الكلام وليِّنَ اللسان. وحين أراد العودة إلى باكستان منعه أصدقاؤه وأولاده أيضا نظرا إلى ظروف باكستان الخطيرة للجماعة ولكنه قال: هل من سعادة أكبر من أن أموت في سبيل الجماعة؟ سيكون ذلك شرفا كبيرا لي. فعاد إلى باكستان. وقبل يومين من وفاته اتصل بزعيم الجماعة في ملبورن أستراليا وقال له إن المعارضة قد اشتدت كثيرا ولكني لستُ من الخائفين.

الجنازة الثانية هي لداعية الجماعة السيد أديب أحمد ناصر الذي كان ابن السيد محمد ناصر أحمد دوغر من “أيدهي بور” بمحافظة نارووال. مرِض لأيام قصيرة ثم توفي في 9 آب/أغسطس عن عمر يناهز 27 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. سجل في الجامعة الأحمدية وأنهى دراسته في تموز/يوليو 2017 وذهب إلى ميدان العمل، وكان يعمل تحت نظارة الإصلاح والإرشاد المحلي. كان مخطوبا وكان سيتزوج عما قريب، ولكنه أُصيب بحمى التيفوئيد في 9 آب/أغسطس ثم تطور المرض وتحول إلى السرسام[1]  ولكنه لم يتخذ الحيطة اللازمة وظل يعمل ويسافر فتُوفي بعد يومين أو ثلاثة نتيجة هذا المرض. قال والده السيد ناصر دوغر: كان ابني كواقف الحياة مفخرةً للوالدين. كان صالحا وملتزما بالصلوات والصيام وبسيطا ولينا في الكلام وطليق الوجه. كتب أصدقاؤه من الدعاة وغيرهم أيضا ميزاته هذه. كان يبتسم دوما ويكنّ حبا للجماعة وحماسا شديدا للخدمة، وكان محبوبا لدى الجميع. كان يخدم كداعية في جماعة “تشينا”، وقبل الذهاب إلى هناك أبدى حماسا شديدا لبناء المسجد وبيت الداعية فيها، وأرسل لهم ثلاثين ألف روبية كان قد جمعها من راتبه المتواضع إذ يكون الراتب للداعية قليلا، فأرسل ثلاثين ألف روبية لبناء المسجد وأكد عليهم كثيرا أن يبدؤوا عمل البناء، وكان يقول دوما ابدؤوا العمل سيبارك الله تعالى فيه. قالت أمه السيدة ناصرة: كان يوم ولادة أديب أحمد يوم فرح لنا لأننا كنا وقفْناه في سبيل الله، وكان الله تعالى رزقنا هذا الولد بعد أربع بنات، وكنا فرحين أنه سيصبح داعيةً، وثم كان يوم الفرح الثاني في حياتنا يومَ دُعينا إلى الجامعة الأحمدية لتكريم أديب بمنح شهادة التخرج في الجامعة. كان ولدا صالحا ومطيعا، وكان يتصل بي يوميا من ميدان العمل ويسألني عن أخذ الأدوية وعن الصحة، كان يوصيني دوما بالاهتمام بالصحة. كان ورِعا جدا، ولأنهم كانوا مزارعين فلما كانت الحنطة تصل البيت كان يقول لأمه ادّخروا من الحنطة ما يزيد عن حاجتكم لأنه في بعض الأحيان يأتي المحتاجون والفقراء فلا بد أن نساعدهم ونعطيهم منها. كان يسكن في غرفة واحدة في “تشينا” التي هي جزء من جماعة “أيدهي بور”، ولم تكن في هذه الغرفة أغراضٌ كافية ولكنه رغم ذلك ظل يقوم بواجباته بصبر. قال السيد جاويد لنغاه الداعية المسؤول لمحافظة فيصل آباد: عاش المرحوم بروح الوقف الحقيقي وعمل بجهد، وتعاون مع المسؤولين كما يجب، إضافةً إلى تربية أفراد الجماعة، ومن أجل التربية كان يُسمع أفراد الجماعة لقطات للخلفاء، وإذا رأى في شخص عيبا نصحه على حدة مراعيا مشاعره. كان يساعد الجميع، وكان من ميزاته حب الخلافة وإطاعة نظام الجماعة والبشاشة واللين والتواضع. وكان خلوقا وراضيا برضى الله تعالى. ألهم الله تعالى والدَيْه الصبر والسلوان ووفّقهما لتحمل هذه الصدمة وألهم أخواته أيضا الصبر وغفر للفقيد ورحمه ورفع درجاته.

الجنازة التالية هي للسيد حميد أحمد شيخ الذي كان ابن السيد شيخ محمد حسين. توفي في 12 آب/أغسطس جراء نوبة القلب عن عمر يناهز 85 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم حفيد شيخ نور أحمد t الصحابي للمسيح الموعود u. خدم والدُ المرحوم بصفته أمير الجماعة في تشنيوت. بعد بيعة حضرة شيخ نور أحمد t نصحه المسيح الموعود u أن يرسل كِلا ابنَيه إلى قاديان للدراسة. فكان أبو المرحوم قد حصل شهادة الثانوية من قاديان حيث نال شرف كونه زميل الصف للمصلح الموعود t. وكان جدُّ المرحوم من أمِّه هو المولوي عبد القادر اللدهيانوي الذي كان من 313 صحابيا للمسيح الموعود u. تزوّج المرحوم من حفيدة الصحابي منشي ظفر أحمد t من كبورتهله. كان المرحوم مهندسا معماريا أكمل دراسته من لندن في 1973، وكان السيد رشيد أحمد من ومبلدن -الذي كان مسؤول ماكينة الخبز للجماعة- أخا المرحوم. ترك المرحوم في ذويه ابنين  وبنتا. أحدُ ابنيه السيد عبد الرزاق هو نائب المسؤول لمؤسسة المهندسين الأحمديين (IAAAE)، كتب ابنه هذا: كان والدي ابنا بارا لوالديه وزوجا محبا وأبا وجدا عطوفا. كان جميع أفراد الأسرة يحبونه. كان من أبناء الجماعة الصالحين والمخلصين جدا، ولم يكن يفوت أية فرصة لخدمة الجماعة. كان يراسل الخليفة وينصح أولاده أيضا بذلك وكان يوصي أولاده بالارتباط بنظام الجماعة حيثما كانوا. وكان يكرر ذلك كثيرا. وكان ملتزما بالصلوات جماعةً وكان يوصي أولاده أيضا بذلك. وكان سباقا في التضحيات المالية في الجماعة وقبل وفاته بأسبوعين دفع بإصرار كلّ ما كان عليه من التبرعات. عاش في نيجيريا أيضا وهناك أيضا كان يساعد الجماعة في أعمال التزيين للمساجد ودُور التبشير بحسب خبرته. وحين عاد من نيجيريا أهدى سيارته للجماعة. وخدم الجماعة في باكستان أيضا بصفته مسؤولا لمؤسسة المهندسين الأحمديين (IAAAE) في إسلام آباد. خدم الجماعة في مسؤوليات مختلفة. وفق الله تعالى أولاده أيضا لمواصلة حسناته ورحمه وغفر له ورفع درجاته.  بعد صلاة الجمعة سأصلي على كل من المرحومين الثلاثة إن شاء الله.

*****

[1]  هو مرض في حجاب المخ. المترجم.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز