خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 13/11/2020

في مسجد مبارك، إسلام آباد تلفورد بريطانيا

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.

سوف أتحدث اليوم أيضا عن الصحابة البدريين رضي الله عنهم. ولكن أود في البداية توضيح أمر. قبل أسبوعين ذكرتُ في خطبة الجمعة في سياق الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه روايةً من مسند أحمد بن حنبل بصدد الطاعون حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ستهاجرون إلى الشام قريبا وسوف تُفتَح على أيديكم، لكن سوف تصابون هنالك بمرض كالدمل، وسوف يأخذ الرجلَ عند درج السلّم. وهذه الجملة الأخيرة كانت ترجمة خاطئة لما ورد في الرواية، ولا يتضح بها الأمر، لذا سأقرأ عليكم هذه الرواية ثانية بترجمتها الصحيحة.

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَتُهَاجِرُونَ إِلَى الشَّامِ فَيُفْتَحُ لَكُمْ، وَيَكُونُ فِيكُمْ دَاءٌ كَالدُّمَّلِ أَوْ كَالْحَرَّةِ، يَأْخُذُ بِمَرَاقِّ الرَّجُلِ (أي سيظهر هذا المرض في أسفل بطن الرجُلِ ما تحت السُّرَّة. هذه هي الجملة التي كانت تُرجمت خطأ كالآتي: وسوف يأخذ الرجلَ عند درج السلّم. الآن سوف أقرأ عليكم ترجمتها الصحيحة وهي أن هذا المرض سيظهر فيما تحت السرة، حيث يظهر الدمل عادةً أسفلَ السرة ما بين الرِجلِ وباقي الجسد)، يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيُزَكِّي بِهَا أَعْمَالَهُمْ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطِهِ هُوَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْهُ. فَأَصَابَهُمْ الطَّاعُونُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَطُعِنَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، فَكَانَ يَقُولُ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمْرَ النَّعَمِ.

فهذا هو التوضيح والتصويب الذي أردت ذكره. لقد قاموا بتصويب هذه الترجمة في الخطبة التي تطبع في جريدة “الفضل”، غير أني أردت أن أذكره أمامكم في الخطبة أيضا.

أما الآن فأستأنف ذكر الصحابي الذي كنت أتحدث عنه وهو عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: جيء بأبي يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مُثِّلَ به، (أي قُطّعت أعضاء جسده لا سيما الأذن والأنف) فوُضع بين يديه، فذهبتُ أكشف عن وجهه، فنهاني قوم، فسمعوا صوتَ صائحة، فقيل: فاطمة ابنة عمرو أو أخت عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فلا تبكي، ما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها.”

وفي رواية أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا جيءَ بأَبِي يوم أحد جَعَلَتْ عَمَّتِي تَبْكِي، فبدأت أبكي أيضا، فنهاني الناس، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَني. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَبْكون عليه أَوْ لَا تَبْكون، فمَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ (أي دفنتموه).

هناك أقوال كثيرة عن جنازة شهداء أحد، وهي شديدة الاختلاف.

فقد ورد في رواية في صحيح البخاري أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: إن ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، (أي أنزله في القبر قبل صاحبه)، وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا.

وهناك رواية أخرى أيضا في البخاري عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما وصلى على شهداء أحد.

وفي رواية أخرى في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمانية أعوام.

وفي رواية في سنن ابن ماجة أنّ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ بِالشهداء إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَى عَشَرَةٍ عَشَرَةٍ وَحَمْزَةُ هُوَ كَمَا هُوَ، يُرْفَعُونَ وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ.

وورد في سنن أبي داود عن أنس بن مالك أن شهداء أحد لم يغسَّلوا ودُفنوا بدمائهم، أي دماء جروحهم، ولم يصلَّ على أحد منهم.

وفي رواية في سنن أبي داود أيضا أن أنس بن مالك قال لم يصلّ النبي صلى الله عليه وسلم على أحد من شهداء أُحد إلا حمزة.

وفي رواية في الترمذي أن أنس بن مالك قال لم يصلّ النبي صلى الله عليه وسلم على أحد من شهداء أحد.

وورد في سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد كالآتي: صلّى على حمزة أولاً، وكبر فيها سبعًا، (وفي رواية السيرة الحلبية أنه صلى الله عليه وسلم كبّر أربعا) ثم أُتي بباقي الشهداء واحدا واحدا، فكان يوضع عند جثمان حمزة، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي عليهما، وهكذا صلى على كل شهيد مرة واحدة، وصلى على حمزة 72 مرة، وعند البعض 92 مرة.

وورد في كتاب السيرة “دلائل النبوة” أنه كان يؤتى بتسعة شهداء معًا ويوضعون عند حمزة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليهم جميعا، ثم يؤتى بتسعة آخرين ويصلي عليهم على هذا النحو. وكبر النبي صلى الله عليه وسلم سبع تكبيرات في كل مرة.

لقد ناقش صاحب السيرة الحلبية وصاحب دلائل النبوة الأحاديث الواردة حول جنازة شهداء أحد وقد عدّا رواية جابر بن عبد الله هي أقوى الروايات حيث ورد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد بدمائهم، فلم يغسَّلوا ولم يصلّ عليهم.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ على قتلى أحد. وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصحّ. وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في الحديث نفسه أن ذلك كان بعد ثماني سنين.

وكما قلت إن هناك أقوالاً وآراء كثيرة بهذا الشأن، وأذكر لكم المزيد منها.

وقد جعل الإمام البخاري في صحيحه بابًا بعنوان الصلاة على الشهيد وذكر فيه حديثين أوّلهما مروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وورد فيه بوضوح أن شهداء أحد لم يغسَّلوا ولم يُصلّ عليهم. بينما ورد في حديث آخر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومًا فصلّى على أهل أحد صلاتَه على الميت. وقد ورد هذا الحديث في موضع آخر في البخاري تحت باب غزوة أحد حيث روى هذا الصحابي نفسه: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات.

كذلك قال العلامة ابن حجر العسقلاني إن المراد من قول الإمام الشافعي هذا هو أنه لا يصلى على القبر إذا طالت المدة على وفاة صاحبه. ويرى الإمام الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قبور هؤلاء الشهداء ودعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله توديعا لهم بذلك.

وكتب حضرة مرزا بشير أحمد في “سيرة خاتم النبيين” وهو يتحدث عن تكفين ودفن شهداء أحد: بعد العثور على جثث الشهداء بدأ العمل على تكفينهم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُدفنوا بثيابهم ولا يغسَّلوا، غير أنه إذا كان عند أحد منهم ثوب زائد عن كفنه لُفّ على ثيابه التي لبسها، ولم يصل عليهم عندها. فدُفن الشهداء بدون غسل ولا صلاة عليهم. وعموما قد لُفّ صحابيان معًا في كفن واحد ودُفنا في قبر واحد. وكان الذي أكثرهما قرآنًا يقَّدم إلى اللحد قبل صاحبه بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم كتب حضرته: لا شك أنه لم يصلّ عليهم عندئذ، غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد خاصةً عندما قرب أجله.

هذا ما استنبطه حضرته من شتى الروايات الواردة في المصادر التاريخية. فسواء صلى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أو دعا لهم فقط، إلا أنه قد فعل ذلك بمنتهى اللوعة والألم. فلعله صلى الله عليه وسلم دعا لهم فقط، حيث ذُكر قبل قليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى قبر كل واحد منهم ودعا له بحرقة وألم شديدين.

وعن جابر بن عبد الله قال صنعتُ قبرا لأبي بعد غزوة أحد بستة أشهر ودفنته فيه، فما أنكرتُ منه شيئا إلا شعيرات كنّ في لحيته مما يلي الأرض.

وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: دُفن الرجلان في قبر واحد عند غزوة أحد، ودُفن أبي مع صحابي آخر، وبعد ستة أشهر وقع في نفسي أن أدفنه في قبر منفصل، فأخرجته فما أنكرت منه شيئا إلا تغيرا قليلا في لحم جسده مما يلي الأرض.

بعد 46 عاما من غزوة أحد حفَر حضرة الأمير معاوية في عهده قناة دخل ماؤها في قبور شهداء أحد بما فيها قبر عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح أيضا، فلما حفر قبرهما فكان عليهما ملاءتان. وقال الراوي أنه كان بوجهه جرح وكانت يده على جرحه.

إن ما ورد بعد ذلك في هذه الرواية فيه نظرٌ، إلا أنني أذكره لكم، وليس ضروريا أن يكون هذا مما يطمئن إليه القلب، لأنه مكتوب في كتب التاريخ ويقرؤه الناس لذا أبينه هنا، ومن الممكن أن تكون فيه مبالغة. على أية حال ورد: فأميطت يده عن جرحه، فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم، (مثل هذه الروايات أيضا تأتي وهي مجروحة)، قال جابر بن عبد الله: فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم، (مع أنهم حين أخرجوه بعد ستة أشهر حينها أيضا يقول) والنمرة التي كفن فيها كما هي، والحرض على رجليه على هيئته، وبين ذلك ست وأربعون سنة، (هذا مستحيل أنه لم يتأثر لأنه قانون طبيعي أن الجسد يتغير فلا يمكن أن يصح هذا القول)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لـمَّا قُتِلَ عبدُ الله بن حرام يوم أُحُد، لقيَني رَسولُ الله r، فقال: يا جابر! ما لي أراك مُنكَسرا؟ قال: قلت: يا رسول الله! استُشْهِد أبي وترك عيالا ودَيْنا، قال: أفلا أبشِّرُك بما لقي اللهُ به أباك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: ما كلَّم الله أحدًا قطُّ إلَّا من وراء حجاب، وَأحيا أباك كَلَّمه كِفاحا، فقال: يا عبدي، تَمنَّ عليَّ (سَلْنِي) أُعْطِك، قال: يا ربّ! تُحييني فأُقْتل فيك ثانية، (وفي رواية قال عبد الله: يا رب! لم أؤدِّ حق عبادتك فأتمنى أن تحييني لأقاتل مع نبيك r وأُقتل في سبيلك ثانية) فقال الرَّبّ سبحانه: إنَّهُ سبق منِي أنهم إليها لا يُرجعون، قال عبد الله بن عمرو: يا ربِّ! فأبلِغْ مَن ورائي، قال: فأنزل الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. (آل عمران:169). قد بينت هذه الرواية في ذكر جابر بن عبد الله أيضا.

كان الخليفة الرابع رحمه الله تعالى قد بين في خطاب له قبل الخلافة تفصيل مكالمة عبد الله بن عمرو مع الله تعالى وقال: هذا الحادث يتضمن أنواعا من الجمال، ومن أي جهة رأيناه بدا نوع جديد من جماله، ومنها أنه يتبين لنا كيف كانت للنبي r صلة متواصلة مع ربه، كان يُكرم خدامه ويواسيهم ومع ذلك كان قلبه متصلا بربه، كان من جهة مُظلا على صحابته ومن جهة أخرى كان مرتبطا بالله تعالى باستمرار. كان حائزا على مقامِ “ثم دنى فتدلّى” العظيم في حالة الأمن فلمْ يتخلّ عن هذا المقام حتى حالة الحرب. كانت نظرة له تُشرف على ميدان الحرب ونظرة أخرى مشغولة برؤية جمال الحبيب I، أذُن كانت مائلة إلى الصحابة بعطف وأذن أخرى منهمكةً في سماع كلام ربه اللطيف، كانت يده مشغولة بالعمل وقلبه مشغولا بربه. كان يداري الصحابة وكان الله تعالى يداريه. حين أخبره الله تعالى عن حالة قلب عبد الله بن عمرو فكان في الحقيقة بلّغه أنْ: يا من تُحبني أكثر من جميع الناس، انظر كيف ملأنا قلوب عبادنا العارفين بحبك بحيث يقلقهم همك بعد وفاتهم أيضا وهم مغتمّون على أنهم تركوك خلفهم في ميدان الحرب ولا يستعيضون عنك حتى بالجنة، فإن جنّتهم إنما هي أن يُقطَّعوا بالسيوف مرارا ويبقوا معك، ثم يبقوا معك ثم يبقوا معك.

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ فَطَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ فَفَعَلْتُ ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَلَى أَعْلَاهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ قَالَ كِلْ لِلْقَوْمِ فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. (صحيح البخاري، كتاب البيوع)

ترك عبد الله بن عمرو في ذويه ست بنات إضافة إلى ابنه جابر بن عبد الله. وبحسب رواية لصحيح البخاري ترك سبع أو تسع بنات.

والصحابي التالي الذي أتناول ذكره هو أبو دُجانة سِـمَاكُ بن خَرَشة، وهو من الأنصار من بني ساعدة من الخزرج، واسم أبيه خرشة، قال البعض هو سماك بن أوس بن خرشة، واسم أمه حَزمة بنت حَرْملة، وكان مشهورا بكنيته أبي دجانة، كان لأبي دُجانة من الولد خالد وأُمّه آمنة بنت عمرو. حين هاجر عتبة بن غزوان من مكة ووصل المدينة آخى النبي r بينه وبين أبي دجانة. شهد أبو دجانة بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع النبي r، وهو من الصحابة الكبار في الأنصار وكانت له مقامات محمودة في مغازي رسول الله r، كان يُبدي شجاعة عظيمة في المعارك وكان فارسا بارعا، وكانت له عصابة حمراء لا يرتديها إلا في المعارك. فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل. كان من شجعان المسلمين. روى محمد بن إبراهيم عن أبيه أن أبا دجانة كان يُعرف في المعارك بسبب عمامته الحمراء. وشهد بدرا وهي على رأسه، وقال محمد بن عمر: شهد أحدا أيضا مع عصابته وثبت مع النبي r وبايعه على الموت، ودافع هو ومصعب بن عمير عن رسول الله r أيما دفاع، ويومها أُصيب أبو دجانة كثيرا واستُشهد مصعب بن عمير.

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ أَنَا أَنَا قَالَ فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. (صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة)

 

وفي رواية قال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: لا تقتل به مسلما ولا تفر به مقابل العدو أي يجب أن تواجه العدو بثبات. فقال أبو دجانة: أنا آخذه يا رسول الله بحقه فحين أعطاه النبي r هذا السيف فلق به رؤوس المشركين، وأخذ يرتجز فيقول:

أنا الذي عاهدني خليلي        ونحن بالسفح لدى النخيل

ألا أقوم الدهر في الكيول       أضرب بسيف الله والرسول

بدأ أبو دجانة يتبختر بين الصفين وهو يمشي مشية المتكبر، فقال رسول الله r: إن هذه مشية يبغضها الله عز وجل إلا في هذا المقام.

قال الزبير بن العوام: عرض رسول الله r سيفا في يده يوم أحد؛ فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ قال: فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، قال: فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ قال: فقام أبو دجانة سماك بن خرشة، فقال: أنا آخذه بحقه، وما حقه؟ قال: حقه ألا تقتل به مسلما، وألا تفر به عن كافر؛ قال: فدفعه إليه. قال: وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة حمراء؛ قال: فقلت: لأنظرن اليوم ما يصنع، قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه؛ حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل، معهن دفوف لهن؛ فيهن امرأةٌ تقول:

نحن بنات طارق … نمشي على النمارق

والدُّرُّ في المخانق … والمِسك في المناطق

إن تقبلوا نعانق …. ونبسط النمارق

… أو تدبروا نفارق … فراق غير وامق

وعن الزبير t أنه رأى أبا دجانة أهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها. فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة ثم لم تضربها. قال أكرمت سيف رسول الله r أن أقتل به امرأة.

وفي رواية: كانت المرأة هند زوجة أبي سفيان، والنساء معها يضربن بالدفوف خلف الرجال يحرضن.

لما رفع أبو دجانة سيفه عليها نادت: يا لصخر! فلم يجبها أحد، فأهوى أبو دجانة سيفه وولّى، وقال عندما سأله الزبير عن ذلك: كرهتُ أن أضرب بسيف رسول الله r امرأة لا ناصر لها.

يقول مرزا بشير أحمد t في كتابه “سيرة خاتم النبيين” في بيان هذا الحادث:

لما واجه كفار قريش هزيمة عند المبارزة غضبوا وشنّوا هجوما، فتقدم المسلمون أيضا مكبّرين وتمت المواجهة بين الجيشين. ولعل بهذه المناسبة أمسك النبي r سيفه بيده وقال ما معناه: من ذا الذي يأخذه مني ويؤدي حقه؟ فتمنى كثير من الصحابة نيل هذا الشرف، ومدوا أيديهم، بمن فيهم عمر والزبير رضي الله عنهما. وفي رواية أخرى أن أبا بكر وعليا رضي الله عنهما أيضا كانا منهم. ولكن النبي r لم يعطه أحدا منهم وظل يقول: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ حتى مدّ أبو دجانة الأنصاري يده وقال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه، فتقدم إلى الكفار وهو يتبختر. فقال رسول الله r حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية أبغضها الله إلا في هذا الموطن. قلق الزبير الذي كان أكثر الناس رغبة في أخذ السيف على عدم إعطاء النبي r السيف له وأعطائه أبا دجانة وكان يرى نفسه أحق به لقرابته ، فقال في نفسه: والله، لأنظرن ما يصنع أبو دجانة، فاتبعته، فأخذ عصابة حمراء، فعصب بها رأسه، ودخل صفوف المشركين وهو يحمد الله تعالى، فكان يقتل المشركين حيثما توجه، ولم أر أحدا جاء أمامه ثم سلم من الموت. لقد شق طريقه في جيش قريش حتى خرج من جانب آخر حيث كانت نساء قريش. وفي هذه الأثناء رأى هندًا زوجة أبي سفيان تحمِّس الرجال بقوة وشدة. رفع أبو دجانة سيفه عليها فصرخت بأعلى صوتها منادية الرجال لنجدتها ولكن لم يخرج لنجدتها أحد. يتابع الزبير قائلا ما معناه: ثم رأيت أن أبا دجانة أهوى سيفه وتنحى من هنالك. فسألتُه: ما القصة إذ قد رفعت السيف أولا ثم أهويتَه؟ قال: كرهتُ أن أضرب بسيف رسول الله r امرأة لا ناصر لها. يقول الزبير: عندها أدركتُ لعلني لم أكن قادرا على أداء حق سيف رسول الله كما أداه أبو دجانة، وبذلك زال قلقي.

لقد ذكر سيدنا المصلح الموعود t هذا الحادث كما يلي:

في غزوة أحد أخرج النبي r سيفه وقال: سأعطيه من يؤديه حقه. فقام كثيرون لتناوله، ولكن الرسول ناوله لأبي دجانة الأنصاري، وأثناء المعركة هاجمه عدد من المكيين الكفار، وكان أحدهم أشدهم حماسة في القتال فأسرع إليه أبو دجانة مُشهرا سيفه ثم انصرف عنه. وسأله أحد الصحابة بعد ذلك: لماذا تركت هذا المقاتل؟ فقال: عندما هجمت عليه لقتله صدر منه كلام عرفت به أنه امرأة. فقال صاحبه: لكنها كانت تحارب المسلمين على أي حال وتشترك مع جنود الكفار، فلماذا تركتها؟ فقال أبو دجانة: أكرمت سيف رسول الله r أن أضرب به امرأة.

يتابع المصلح الموعود t قائلا: كان النبي r يأمر دائما باحترام النساء مما شجع الكافرات على الإكثار من إلحاق الضرر بالمسلمين، ولكنهم تحملوهن رغم ذلك.

يقول المستشرق المعروف السير وليام ميور عن أبي دجانة: في بداية القتال أمسك محمد (r) سيفه وقال: من يأخذه بحقه؟ وقد تمنى عمر والزبير وكثير من الصحابة الآخرين بأخذه ولكنه (r) لم يعطهم إياه، وفي الأخير قال أبو دجانة: أنا آخذه، فأعطاه إياه، وبدأ أبو دجانة يقتل به الكفار.

يتابع وليام ميور: لقد اهتزّت أقدام جيش مكة نتيجة هجمات المسلمين القوية. حاولت كتيبة قريش مرارا أن تهاجم جيش المسلمين من اليسار أو من الوراء ولكنها اضطرت للتقهقر كل مرة بعد تلقي السهام من خمسين من الرماة الذين كان رسول الله r عينهم هنالك بوجه خاص. لقد أبدى المسلمون في ميدان أُحد أيضا الشجاعة والبسالة وعدم المبالاة بالخطر والموت كما أبدوها في معركة بدر. كلما هاجم أبو دجانة واضعا عصابة حمراء ودرعا وبسيف أعطاه محمد (r) وشق صفوف جيش مكة. فكان يقتل الكفار في كل مكان. كان حمزة يُرى بارزا في كل مكان مع ريش نعامة على رأسه. حيثما توجه عليٌّ مع قامته البيضاء، والزبير مع عمامته اللامعة بلونها الأزرق الفاتح قتلا العدو قتلا. هذه المشاهد أدت إلى تربية أبطال فتوحات المسلمين لاحقا.

(البيان المذكور في الأعلى مأخوذ عن سيرة خاتم النبيين)

عن ابن عباس، قال: لما انتهى رسول الله r إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال: “اغسلي عن هذا دمه يا بنية…وناولها علي بن أبى طالب سيفه فقال: وهذا فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم.

فقال رسول الله r: “لئن كنتَ صدقتَ القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة “. وفي رواية أخرى ورد اسم الحارث بن الصمة بدلا من سهل بن حنيف.

وقال زيد بن أسلم: دخل الناس على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل. فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ قال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما. شهد أبو دجانة اليمامة وهو فيمن اشترك في قتل مسيلمة الكذاب. قتل أبو دجانة يومئذ شهيدا سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق. إذن، قاتل أبو دجانة قتالا شديدا في اليمامة ونال مرتبة الشهادة.

كانت لبني حنيفة- وهي قبيلة العرب القديمة الذين تمردوا تحت إمرة مسيلمة الكذاب على المدينة – حديقة في اليمامة التي قاتلوا فيها محاصرين فلم يجد المسلمون فرصة لدخولها. فقال أبو دجانة للمسلمين: ألقوني في الحديقة، ففعلوا. ولكن بسبب سقوطه في الجانب الآخر كسرت رِجله، ومع ذلك ظل يحارب على باب الحديقة، وأزاح المشركين من هنالك فدخلها المسلمون. وقد اشترك في قتل مسيلمة أبو دجانة وعبدُ الله بن زيد ووحشي بن حرب، وذلك يوم اليمامة. وفي رواية أن أبا دجانة قُتل يوم صفين محاربا لصالح عليّ t. ولكن هذه الرواية ضعيفة، والرواية المذكورة من قبل هي الأصح والمذكورة بكثرة. لقد ذكرتُ ما يتعلق بأبي دجانة من قبل وأذكر جزءا منه هنا أيضا.

كان أبو دجانة من الأنصار وأسلم قبل هجرة النبي r إلى المدينة وكان من سكان المدينة، وكان له شرف أن شهد بدرا مع النبي r وقاتل بشجاعة كبيرة، وشهد أُحدا أيضا. عندما رجحت كفة القتال لصالح المسلمين (لقد انتصر المسلمون في البداية ثم أعاد الكفار كرتهم بعد أن ترك الرماة مكانهم وانقلبت الحرب على المسلمين مؤقتا) كان أبو دجانة من الصحابة الذين كانوا مع النبي r وتلقى جروحا بالغة دفاعا عن النبي r ولكنه لم يتأخر على الرغم من الجروح. قال لصاحبه ذات مرة وهو مريض: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين، أما إحداهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.

هنا ينتهي ذكر سوانحه.

والآن سأذكر بعض المرحومين وسأصلي عليهم صلاة الجنازة، ومنهم شهيد قد استُشهد قبل بضعة أيام اسمه السيد محبوب خانْ بن السيد جلال خانْ من محافظة بيشاور بباكستان. وقد قتله المعارضون بإطلاق الرصاص عليه في الساعة الثامنة صبيحة يوم 8/11/2020 في قرية “شيخ محمد” في محافظة بيشاور، إنا لله وإنا إليه راجعون. وجاء في التقرير الذي وصلنا أن الشهيد محبوب خان ذهب في 6/11/2020 من حارة خوشحال تاون في بيشاور لزيارة حفيدته التي تسكن مع عائلتها في قرية مجاورة اسمها “قرية محمد”، وفي 8/11/2020 خرج الساعة الثامنة صباحا للعودة إلى بيته ووصل إلى محطة الحافلات حيث لاحقه المجهولون وأطلقوا عليه الرصاص وتلقى الشهيد رصاصا في ظهره وخرج من الأمام فلفظ أنفاسه في الحال، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وهرب القاتل بعد إطلاق الرصاص. كان عمر الشهيد 80 سنة تقريبا، وكان قد تقاعد في 2002 عن منصب المهندس المشرف المسؤول في قسم الصحة العامة. كان والده السيد جلال قد بايع في 1930 ومن ثم كان الشهيد أحمديا بالولادة. كان يتمتع بخصال حميدة كثيرة، فكان يداوم على التهجد وكان نبيلا ومضيافا وكريما، كما كان عنده جنون بنشر الدعوة، وكان يتقدم دوما في تبليغ رسالة الحق. وكلما قيل له أن يتخذ الحذر بدا منه موقفٌ وحيد حيث قال: قد اقترب موعد الحضور عند الله وإذا نلت الشهادة فسأكون سعيدا. فقد تحققت أمنيته هذه أيضا. وزوجة الشهيد السيدة معراج بيغم تحظى بشرف أن والدها محمد سعيد وعمَّها بشير أحمد قد استُشهدا هما الآخران في عام 1966 والآن نال زوجُها هذه السعادة، وبذلك هي ابنة الشهيد وابنة أخي الشهيد وزوجة الشهيد.

لقد ترك الشهيد إضافة إلى زوجته السيدة معراج بيغم ابنَين هما منور وفضل أحمد، وابنتين هما زكية بيغم ووحيدة بيغم، و14 حفيدا من الذكور والإناث من أولاد ابنيه وابنتيه. ابنه الأصغر نال شهادة الدكتوراه في الأحياء الدقيقة (الميكروبيولوجي) ويقيم في أستراليا، والثاني أي فضل أحمد يقيم في ألمانيا وهو الآخر حائز على ماجستير في الإنجليزية. يقول ابن الشهيد السيد منور خان: كان محبوب خان دوما يسعى جاهدا لإقامة السلام والأمن في محيطه، وكان أحيانا يدفع الدية من جيبه للإصلاح بين فريقين متنازعين، وكان مستعدا كل حين وآن لمساعدة الفقراء والمساكين وكان الناس يقصدونه لسد حاجاتهم دون أي حرج أو خجل. وكان دوما يوفر لديه شيئا من النقود والغلال لمساعدتهم، كان متواضعا جدا ويحب الصمت. وكان صبورا ويشعر بمعاناة الآخرين، ويستعد دوما لمساعدتهم. رفع الله درجات المرحوم على الدوام، ووفَّق ذويه أيضا لإحياء حسناته.

الجنازة الثانية اليوم للداعية الأحمدي فخر أحمد فرخ في باكستان، فقد توفي هو وابنُه العزيز احتشام عبد الله في حادث سير في 1/11/2020 في الساعة السادسة والربع مساء وكان عائدا من أحمد نغر، إنا لله وإنا إليه راجعون. كانت الحادثة خطيرة جدا إذ قد توفي الأب والابن كلاهما فورا. كان السيد فخر بفضل الله منخرطا في نظام الوصية، وكان والده السيد سيف الرحمن قد بايع في 1968 ولم يكن في عائلته أحمديٌ قبله وبذلك كان أولَ أحمدي في عائلته. تخرَّج المرحوم في 1996 في الجامعة الأحمدية بربوة، وخدم الجماعة في شتى مناطق باكستان، ثم أرسل داعيةً إلى ساحل العاج وبعد العودة من هناك كان يخدم الجماعة في أحمد نغر منذ ثماني سنوات. تزوج المرحوم السيدةَ طاهرة فخر ابنة السيد علي أصغر. فولدت له أربع بنات وابنًا اسمه احتشام عبد الله الذي توفي في هذا الحادث مع والده، والآن ذووه زوجتُه وأربع بنات أسماؤهن وجيهة أمة السبوح وخافية فخر وثمرين فخر ومهرين فخر. وإضافة إليهن والدتُه والإخوة والأخوات.

تقول زوجة المرحوم السيدة طاهرة: عندما تزوجتُ كان زوجي الداعية معيَّنا في إحدى قرى محافظة خوشاب، وحين وصلتُ إلى هناك شرح لي واجبات زوجة الداعية، وفهَّمني قائلا: الآن إنك أيضا واقفة الحياة معي، فعليك أيضا أن تنشطي في أعمال الجماعة أكثر فأكثر. فهكذا ربَّاها. وبعد ذلك نُقل إلى “بدين” حيث وصل أولًا والتحقت به بعد فترة، وفي اليوم الذي وصلتُ إلى هناك لم أجده في المركز رغم أني كنت قد أخبرته عن موعدي، فظللت أنتظره جالسة في الخارج في الشمس، وبعد قليل عرفتُ أن زوجي قد ذهب ليتبرع بدمه لزوجة داعية آخر بحاجة إلى الدم. وبعد عودته إلى البيت حين قلت له لقد ظللت في الشمس طول اليوم وكنت قد وصلت هنا بعد قطع مسافة طويلة وكنتُ قد أخبرتك عن موعدي! قال: كان ذهابي مهما جدا، ثم نصحني بالتضحية.

في أثناء إقامته في ساحل العاج أيضا أحرز أعمالا كثيرة في مجال خدمة الخلق، إضافة إلى أعمال الدين، ودوما آثر أعمال الدين على أهله.

تتابع قائلة: ذات يوم قرْب الولادة عندي توعكتْ صحتي وكان زوجي سيخرج لإقامة المخيم الطبي، وقال الطبيب أن وضعي خطير، لكن زوجي الداعية خرج حسب البرنامج بعد أن قال لي فقط: سوف ينزل الله فضله عليك، فأنت زوجة واقف الحياة، فلن يصيبك مكروهٌ. باختصار آثر زوجي الدين على الدنيا دوما وفي كل مجال. وكان من خصاله المميزة إكرام الضيف وخدمة الخلق وكان يحب الجميع من الأقارب وغيرهم. وكانت له علاقات الصداقة مع أولاده، وكان يحل القضية بأسلوب حسن، سواء أكانت القضية عائلية أو في الجماعة أو كانت للأصدقاء غير الأحمديين. كما كان ينصح أولاده أيضا أنهم أولاد واقف الحياة وداعيةٍ، لذا يجب أن يؤثروا الدين على الدنيا دوما ويقدموا للآخرين نموذجا حسنا.

يقول الداعية واصف من ساحل العاج: حين جاء الأستاذ فخر إلى هنا داعيةً وجدناه دمثا وخفيف الظل، وكانت ميزته الخاصة كلامه الجذاب، فكل من كلَّمه صار له وليا حميما. فقد خدم في إقليم أومي خمس سنوات، ولحسن أخلاقه كان كل صغير وكبير متعلقا به، وإلى الآن يذكره. وكان المرحوم يقدم المساعدة سرًّا لبعض الفقراء للوصول لحضور الجلسة، وأثناء مكوثه كانت منطقته هي الأولى من حيث عدد الحضور في الجلسة.

يقول الداعية المحلي هناك السيد سمارو هارون: لقد عملت مع الداعية المرحوم لمدة سنتين ونصف، فقد اعتنى بي كأننا إخوة، ومن المزايا التي لاحظتُها فيه خصيصا أنه كان داعية مجتهدا جدا ومتحمسا، وكان ينجز كل عمل له بإخلاص وشوق، وكان يتمنى أن ينجز كل أعماله سريعا سواء أكانت أعمال الدعوة أو جمع التبرعات أو ترتيبات الجلسة السنوية. فكان يتمنى أن تصل رسالة الأحمدية إلى كل قرية بأسرع ما يمكن.

رفع الله درجات المرحوم وحفظ زوجته وبناته ونصرهن وفرَّجَ كل كربهن وصعوبتهن مستقبلا.

الجنازة الثالثة اليوم لابن الداعية احتشام عبد الله، فهو الآخر قد توفي مع والده في هذا الحادث كما قلت سابقا. وكان بفضل الله مسجلا في مشروع وقف نو المبارك وكان يدرس في الثانوية. وكان قد ملأ استمارة الوصية ولم يرسلها إلى المكتب المعني بعد. هنا أقول إذا كان قد ملأ الاستمارة فيمكن أن تعمل اللجنة المشرفة بحسب ذلك. تقول والدته: كان ابني يتميز بخصال حميدة عدة، فكان ابنا صالحا بارًّا بي، وكان مسجلا في وقف نو، وكان يداوم على الصلوات وكان يستجيب لكل أمر من مسئولي مجلس خدام الأحمدية، ويقدم واجباته بإخلاص، ويوم الوفاة أيضا قدم واجبه في المسجد. غفر الله للمرحوم وتغمده بواسع رحمته ورفع درجاته.

الجنازة التالية اليوم للدكتور عبد الكريم بن ميان عبد اللطيف من ربوة، الذي كان مستشارا اقتصاديا متقاعدا في البنك المركزي لباكستان، فقد توفي في 14/9/2020 عن عمر يناهر 92 سنة، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم حفيد أحد أصحاب المسيح الموعود u حضرة المولوي محمد علي. كان في الدفعة الأولى للمسجلين في كلية تعليم الإسلام بقاديان، وحين انتقلت الكليةُ إلى باكستان بعد انقسام الهند، نال شهادة الماجستير بصفته طالبا في كلية تعليم الإسلام من جامعة البنجاب، وكان طالبا وحيدا من كلية تعليم الإسلام في الجامعة كلها. ولاحقا أرسل إلى جامعة جورج واشنطن بأميركا لنيل الدكتوراه في الاقتصاد بمنحة البنك المركزي لباكستان. وهناك أقام في مسجد فضل وكان ينشط في أعمال الدعوة في أوقات الفراغ من الدراسة. كان الدكتور المرحوم يحب باكستان حبا جما، وأثناء عمله فضَّل دوما أن يعمل من باكستان رغم عمله المتواصل دوما مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، فقد عمل في البنك المركزي لباكستان طويلا، وتقاعد عن منصب المستشار، أثناء عمله في هذا المنصب قد أنجز كثيرا من المهام الوطنية والأجنبية بنجاح مع المؤسسات الدولية مثل IMF وبنك التنمية الآسيوي. كما عمل مدة قصيرة في وزارة الاقتصاد، وأشرف على إعداد ميزانية وطنية.

لقد أرسلتْه IMF إلى الخرطوم لمدة سنتين لحل المشاكل الاقتصادية لحكومة السودان. وبعد تقاعده عن منصبه في البنك المركزي فضَّل الإقامة في ربوة ليتمكن من خدمة الجماعة. فكان يُستشار عندما تعرض بعض القضايا الاقتصادية والدينية. كنت أيضا أستشير هذه اللجنة، فكان المرحوم صائب الرأي جدا في هذا المجال، كان يكتب مقالات رائعة، وكان كل بحث له متعمقا، وكان يقدم حلا عمليا للمسألة. فقد ألَّف عددا من الكتب أيضا، هي: “الأمور الأساسية للإسلام” باللغة الإنجليزية، وكذلك “الإسلام وفلسفة الحياة والمبادئ الاقتصادية” أيضا بالإنجليزية، و”تحريم الربا” بالأردية و”الحصول على الرزق” أيضا بالأردية. بعد التقاعد في 1989 سافر إلى أُزبكستان لتدريس الاقتصاد في جامعة طشقند تلبية لنداء سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله لمشروع الوقف. فعمل هناك لستة أشهر.

ثم كان الخليفة الرابع رحمه الله قد شكَّل لجنة لدراسة قضايا الرهن والربا تضم العلماء والمختصين، وكانت لها لجنة فرعية أيضا، وكان المرحوم عضوا فيها، وعملت معه فيها لمدة قصيرة. فكان المرحوم كما قلت يتكلم عن كل قضية بعمق وبأدلة قوية.

لقد أَرسل لي أيضا عدة مقالات له حول النظام الربوي، وهي قيِّمة. فسوف تُدرس أكثر إن شاء الله. ومن المأمول أن تُضَم آراؤه في النظام الذي سيُقدَّم في المستقبل ضد النظام الربوي. رفع الله درجات المرحوم ووفَّق أولاده أيضا للعمل بحسناته.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز