خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 26/6/2020

في مسجد المبارك في إسلام آباد ببريطانيا

******

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.

في الخطبة الماضية كنت أتحدث عن الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وبقيت بعض من سوانحه، وسوف أذكرها اليوم إن شاء الله.

كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شهيرا بسخائه وكرمه، وقدم تضحيات مالية كثيرة، ومعظم حديثنا اليوم سيكون روايات عن كرمه وسخائه رضي الله عنه.

هناك رواية تقول أنه كان من وصية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يعطى كل صحابي بدري أربع مئة دينار من تَرْكته، فنُفّذت وصيته هذه، وكان عدد هؤلاء الصحابة مئة عندئذ. عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتجهيز لغزوة تبوك أمر أثرياءهم بالإنفاق في سبيل الله وتقديم المطايا للجيش، فجاء أبو بكر رضي الله عنه قبل الآخرين بكل ما عنده وكان أربعة آلاف درهم، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تركت لأهلك شيئًا؟ قال تركتُ لهم اللهَ ورسولَه. ثم أتى عمر رضي الله عنه بنصف ما عنده في البيت، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تركت لأهلك شيئا؟ قال تركت لهم النصف. أما عبد الرحمن بن عوف فتصدق بمائتي أوقية (وفي الأوقية الواحدة أربعون درهما، أي أنه تصدق بحوالي ثمانية آلاف درهم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كنزان من كنوز الله على الأرض، ينفقان ابتغاء مرضاة الله تعالى.

عن أم بكر ابنة المسور أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضا له لعثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسَم في فقراء بني زهرة وفي أمهات المؤمنين وفي ذي الحاجة من الناس. قال المسور بن مخرمة: فدخلتُ على عائشة رضي الله عنها بنصيبها مِن ذلك، فقالت: مَن أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن. فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون». ثم دعت وقالت: سقى الله عز وجل ابنَ عوف من سلسبيل الجنة”.

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الذي يحافظ على أزواجي بعدي فهو الصادق البار”.

كان عبد الرحمن يخرج برواحلهن ويحجّ بهن، ويجعل على هوادجهن الطيالسة (أي الأوشحة)، ويُنزِلهنّ الشِّعْبَ الذي ليس فيه منفذ (وذلك لكي يتصرفن بحرية في ذلك المكان وراء الحجاب).

ذات مرة قَلَّت الغلال في المدينة نتيجة القحط، فقدمتْ عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِن الشَّامِ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ من الطحين والقمح والأطعمة، وَكَانَتْ سَبْعَ مِائَةِ بَعِير، فَارْتَجَّتْ الْمَدِينَةُ مِن الصَّوْتِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ ما هذه الضجة؟ فقيل لها إنها عير لعبد الرحمن بن عوف فيها سبع مئة بعير محمولة بالقمح والطحين والطعام، فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَتَاهَا وقَالَ يا أُمِّ، إِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِها من أطعمة وغلال وغيرها مع أَقْتَابِهَا وَأَحْلاسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لكي أدخل الجنة قائما.

لقد ذكر الذين جمعوا سوانح الصحابة أحداثا كثيرة عن إنفاق عبد الرحمن بن عوف في سبيل الله تعالى. ورد في أُسْد الغابة أن عبد الرحمن بن عوف كان كثير الإنفاق في سبيل الله تعالى، وقد أعتق ثلاثين مملوكا في يومٍ واحد.

وذات مرة احتاج عمر رضي الله عنه إلى المال، فاستقرض من عبد الرحمن بن عوف، فقال لأمير المؤمنين: لماذا تطلب مني المال مع أنك تستطيع أن تستقرض من بيت المال أو من عثمان أو غيره من الأثرياء. فقال عمر لعلي أنسى دفع المال إلى بيت المال، أو إذا اقترضته من أحد آخر فربما لا يطالبني به احتراما لي أو لسبب آخر وأنا أنسى أن أدفعه له، أما أنت فلا بد أن تسألني مالك وتستردّه مني.

هذا يعني أنهما كان متباسطين فيما بينهما وإذا احتاج كان يمكن أن يستقرض من الآخر وكان يستقرض منه بالفعل.

عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ” يا ابن عوف، إنك من الأغنياء، وإنك لن تدخل الجنة إلا زحفًا”، فأَقْرِضِ الله عز وجل لكي تدخل الجنة مشيًا على قدميك. (هذه الرواية تشبه رواية عائشة رضي الله عنها المذكورة آنفًا). فقال ابن عوف: يا رسول الله، ما الذي أُقرِض اللهَ؟ قال: مما أمسيتَ فيه (أي من الموجود عندك). قال: مَن كلِّه أجمع يا رسول الله؟ قال نعم. فخرج ابن عوف وهو يهمّ بذلك. وبعد قليل أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتاني جبريل، فقال: مُرْ ابنَ عوف فليضف الضيفَ، وليطعم المسكين، وليعط السائل؛ ولينفقْ على الأقارب قبل الإنفاق على غيرهم، فإذا فعل ذلك كان كفارةً لما هو فيه. أي لو فعل ذلك تزكى ماله، ونتيجة تطهيره ماله بالإنفاق في سبيل الله لن يدخل الجنة حبوا بل سيدخلها على قدميه.

وهذا ما فعل، حيث أنفق في سبيل الله مرة نصف ماله وكان أربعة آلاف درهم، ثم في إحدى المرات أربعين ألف درهم، ثم مرة تصدق في سبيل الله بأربعين ألف دينار، وذات مرة تصدق بخمس مئة فرس في سبيل الله، وثم في مرة أخرى قدم خمس مئة بعير في سبيل الله تعالى.

عن أبي سلمى بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن أبانا أوصى لأمهات المؤمنين ببستان، وكان ثمنه أربع مئة ألف درهم.

وأوصى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بإنفاق خمسين ألف دينار في سبيل الله. وقد ترك وراءه ألف بعير وثلاثة آلاف من الغنم، ومئة من الفرس، وكانت ترعى في البقيع.

وكان له بالجرف أرض يستقي لها بعشرين جملاً، وكان يأتيه منها من الغلال ما يسد حاجة أهله طوال السنة، (والجرف يقع على مسافة ثلاثة أميال شمال المدينة، حيث كانت لعمر رضي الله عنه أرض هناك).

وفي رواية أنه ترك وراءه من الذهب ما قطعوه بالفؤوس حتى حصلت الثآليل في أيدي مَن قطعوه.

توفي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في العام الحادي والثلاثين من الهجرة، وعند البعض في الثاني والثلاثين، وعمره 72 عاما، وعند البعض 78 عاما. دُفن في جنة البقيع. وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما، وفي رواية صلى عليه الزبير بن العوام رضي الله عنهما.

عند وفاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سعد بن مالك قائما بفراشه: واجبلاه، أي لقد توفي شخص كان عظيمًا كالجبل.

قال علي t ما معناه: مات عبد الرحمن بن عوف وشرب من نبع الدنيا ماء زلالا وترك الكدرَ، أو قل إن شئت أنه وجد زمنا جيدا ورحل قبل حلول الأوقات السيئة. ترك عبد الرحمن بن عوف وراءه ثلاث زوجات وكان نصيب كل زوجة كجزء ثامن من تركتِه ثمانين ألف درهم. وفي رواية أنه ترك أربع زوجات، وكان نصيب كل واحدة منهم ثمانين ألف درهم.

الصحابي الثاني الذي سأذكره اليوم هو سعد بن معاذ t، الذي كان من بني عبد الأشهل من قبيلة أوس وهي إحدى قبائل الأنصار. وكان زعيم القبيلة. أبوه معاذ بن النعمان وأمّه كبشة بنت رافع وكانت صحابية رسول الله r. كان سعد بن معاذ يُكنى بأبي عمرو. اسم زوجته هند بنت سماك، وأنجبت له عَمْراً وعبدَ الله. وقد أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن خضير على يد مصعب بن عمير. كان مصعب بن عمير قد جاء إلى المدينة بأمر من النبي r قبل سبعين صحابيا شهدوا بيعة العقبة الثانية فكان يدعو الناس إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن الكريم. فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا. فأسلموا، وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعاً رجالَهم ونساءهم. حوّل سعد بن معاذ مصعبَ بن عمير، وأسعد بن زرارة إلى داره، فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره، وكان سعد وأسعد ابني خالة، وكان سعد وأسيد بن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل بعد أن أسلمت القبيلة كلها.

آخى النبي r بين سعد بن معاذ وسعد بن أبي وقاص. وفي رواية آخى r بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح.

يقول مرزا بشير أحمد في كتابه “سيرة خاتم النبيين” في بيان إسلام سعد بن معاذ:

عند سفرهم من مكة بعد بيعة العقبة الأولى التمس هؤلاء المسلمون الجدد الاثنا عشر من النبي r أن يُرسل معهم معلِّما مسلماً ليعلّمهم الدين ويبلغ إخوتهم المشركين دعوة الإسلام. فأرسل النبي r معهم مصعب بن عمير الذي كان شابا مخلصا من قبيلة عبد الدار. كان الدعاة المسلمون في تلك الأيام يسمَّون قراء أو مقرئين لأن أكبر مهمتهم كانت قراءة القرآن للناس وهذه كانت أفضل وسيلة لتبليغ دعوة الإسلام. فلما وصل مصعب بن عمير يثربَ بصفته داعية الإسلام عُرف فيها بلقب “مقرئ”. نزل مصعب بن عمير في المدينة في بيت أسعد بن زرارة الذي كان أول من أسلم في المدينة. (لعلني ذكرت جزءا من هذا الحادث من قبل في بيان سوانح مصعب بن عمير أيضا) كان أسعد بن زرارة إنسانا مخلصا جدا وذا نفوذ كبير، فاتخذ مصعب بن عمير بيت أسعد بن زرارة مركزا لنشر الدعوة وعكف على أداء مهمته بتبليغ الدعوة. ولما كان المسلمون يتمتعون بحياة اجتماعية وآمنة نسبيا في المدينة لذا أمر النبي r بناء على اقتراح أسعد بن زرارة مصعبَ بن عمير لإقامة صلاة الجمعة. وبذلك بدأت حياة المسلمين الاجتماعية. وبفضل الله تعالى ومنته بلغت دعوة الإسلام كلَّ بيت في المدينة في غضون فترة وجيزة. بدأت صلاة الجمعة تبليغ دعوة الإسلام بانتظام وبدأ الناس من الأوس والخزرج يدخلون الإسلام بسرعة هائلة. وفي بعض الحالات كانت القبيلة كلها تُسلم في يوم واحد. فقد أسلمت قبيلة بني عبد الأشهل على هذا النحو أي في يوم واحد. هذه القبيلة كانت من أبرز قبائل الأنصار الأوس وكان زعيمها سعد بن معاذ، ولم يكن زعيما أعلى لبني عبد الأشهل فقط بل كان زعيم قبيلة الأوس أيضا. عندما انتشر الإسلام في المدينة كره سعد بن معاذ انتشاره وأراد الحيلولة دونه. (علما أنه لم يكن قد أسلم إلى ذلك الحين) كانت له علاقة قرابة قريبة جدا مع أسعد بن زرارة بحيث كان ابن خالته. وكان أسعد قد أسلم من قبل. لذا ما كان لسعد بن معاذ أن يتدخل مباشرة في منع انتشار الإسلام بل كان يتردد في ذلك لئلا تفسد العلاقة بينهما. فقال سعد لأحد أقاربه اسمه أسيد بن خضير: تمنعني قرابتي مع أسعد بن زرارة بهذا الشأن، فاذهب أنت وامنع مصعب بن عمير من نشر الإلحاد في قبيلتنا. أي أراد أن يمنع مَن أرسله النبي r داعية من مكة مِن نشر الإسلام في المدينة، فقال له أن يقول لسعد أيضا أن هذا العمل ليس مناسبا. كان أسيد من كبار سادة بني عبد الأشهل حتى كان والده زعيم الأوس كلهم في أيام حرب بعاث. (وقد سبق الذكر أن حرب بعاث نشبت قبل الإسلام بين قبيلتيْ الأوس والخزرج)

باختصار، كان لأسَيْد بن حضير نفوذ كبير وطيب بعد سعد بن معاذ على قبيلته. فذهب إلى مصعب بن عمير بناء على طلب سعد وقال لمصعب في لهجة مِلْؤها الغضب: لماذا تصرف رجالنا عن دينهم؟ عليك أن تمتنع من ذلك وإلا سترى عواقب وخيمة. قبل أن يرد عليه مصعب، قال أسعد لمصعب بصوت خافت: هذا سيد قبيلته فحدّثه بلطف وحب. فكلّم مصعبٌ أسيدًا بأدب وحب وقال: لا تغضب من فضلك بل أرجوك أن تجلس قليلا وتسمعنا بهدوء قبل أن تتبنى رأيا. فلما سمع أسيد هذا الكلام السديد والمعقول جلس هادئا. فقرأ عليه مصعب بن عمير القرآن الكريم وأطلعه على تعليم الإسلام ببالغ الحب، فتأثر أسيد من ذلك كثيرا حتى أسلم فورا. ثم قال: إن ورائي رجلا لو آمن لآمنت القبيلة كلها، وهو من بعثني إليكم. فانتظروا فإني سأرسله إليكما الآن، ثم انطلق من عندهما وأرسل إليهما سعدَ بن معاذ بحيلة.

فلما وصل إليهما سعد بن معاذ قال لأسعد بن زرارة بغضب: إنك تستغل قرابتي معك، وهذا لا يجوز. وأنا أمنع نفسي عنك بسبب القرابة فلا تستغل وضعي هذا. وهذا لا يليق. فهدَّأه مصعبٌ بلطف ومحبة. (كان مصعب مبلغاً جيداً وتكلم معه بالمحبة)، وقال له أرجو أن تجلس معنا قليلا وتسمع كلامنا وإذا وجدت فيه شيئا يُعترض عليه فيمكنك أن تردّه دون أدنى تردد، فقال سعد: نعم، هذا الطلب معقول، ثم ركز حربته وجلس إليهما (حيث كان يحمل معه حربته، وهكذا كانوا يمشون حاملين سلاحهم.) فقرأ عليه مصعبٌ القرآن أولا ثم شرح له تعاليم الإسلام بأسلوبه الخلاب، ولم يمرّ وقت طويل حتى اقتنع هو الآخر أي لان قلبه وأثرت فيه أيضا تعاليم الإسلام، فاغتسل سعد بطريق مسنون وشهد شهادة الحق. بعد ذلك عاد سعد بن معاذ وأسيد بن حضير معا إلى قبيلتهما، فسألهم سعد بأسلوب عربي معهود: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا سيدنا وابن سيدِنا، ونثق بقولك كل الثقة. فقال فلا علاقة لي معكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله. (أي بدأ التبليغ فور إسلامه) ثم شرح لهم تعاليم الإسلام فما أمسى في دار بني عبد الاشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة. (أي أسلمت القبيلة كلها قبل حلول المساء) ثم أخرج سعد وأسيد رضي الله عنهما أوثانَ قومهما وكسراها بأيديهما.

سعد بن معاذ وأسيد بن حضير اللذان أسلما ذلك اليوم يُعدّان من أجلة الصحابة. يقول حضرة مرزا بشير أحمد t: من المؤكد أن مكانتهما كانت عظيمة جدا، ولا سيما سعد فقد حظي في الأنصار بمكانة نالها سيدنا أبو بكر t في المهاجرين، كان هذا الشاب يكنّ أقصى درجة من الإخلاص والوفاء والحب للإسلام ومؤسسه r وكان فداء له. فلما كان سيدَ قومه وكان حادّ الذكاء، فقد نال في الإسلام مكانة لم يفُز بها غير الأجلاء من كبار الصحابة. ولا شك أن قول النبي r عند وفاة سعد بن معاذ وهو شاب: “إن عرش الرحمن اهتز بموته” مبنيٌّ على حقيقة عميقة. (لقد مات سعد في شبابه) باختصار ظل الإسلام ينتشر في الأوس والخزرج بهذه السرعة. وكان اليهود ينظرون إلى هذه المشاهد بخوف ويقولون في نفوسهم: الله أعلم ما الذي عساه أن يحدث.

كتب مرزا بشير أحمد في مكان آخر من كتابه سيرة خاتم النبيين:

لم تمر على قدوم النبي r إلى المدينة فترة طويلة حتى تلقى رئيس قبيلة الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول ورفقاءه من المشركين رسالة تهديد من قريش الذين طلبوا منهم فيها أن يتخلوا عن محمد (r) وإلا فلا خير لهم. وكانت كلمات تلك الرسالة كالتالي: “إنكم آويتم صاحبنا (محمد r)، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرنّ إليكم أجمعنا حتى نقتل رجالكم ونستبيح نساءكم.”

عند وصول هذه الرسالة إلى المدينة بدأ عبد الله وأنصاره (الذين يعادون الإسلام مسبقا ويكنون للنبي r والإسلام حقدًا وضغينة) يحضّرون لمحاربة النبي r. فلما بلغ ذلك النبي r لقيهم وأفهم عبد الله بن أبي بن سلول وأنصاره أنهم إذا فكروا بمحاربته فلا يضرون إلا أنفسهم لأنه سيقف بوجههم بنو قومهم وأهل مدينتهم من المسلمين المخلصين. أي إذا حاربتموني فلا بد أن يرد عليكم من جانبي المسلمون من الأوس والخزرج. فلا يعني القتال معي غير أن ترفعوا السيف ضد أبنائكم وإخوانكم وآبائكم. والآن يمكن أن تفكروا في الأمر لتروا إذا كان هذا مناسبًا لكم. ولقد أدرك عبد الله وأنصاره خطورة الموقف لأن ذكريات دمار حرب بعاث كانت لا تزال حيّة في قلوبهم، حيث تقاتلوا فيما بينهم وحصل دمار على نطاق واسع نتيجة هذه الحرب، فأدركوا مغبة هذا الأمر فامتنعوا من الانصياع لإرادتهم.

وبعد أن أُحبطت خطة قريش، أرسلت بعد فترة وجيزة رسالة مماثلة إلى يهود المدينة أيضًا. وكانت قبيلة قريش في مكة يهدفون من كل ذلك إلى محو الإسلام من وجه الأرض بأية طريقة ممكنة. لقد هاجر المسلمون في الهجرة الأولى إلى الحبشة فرارًا من اضطهادهم فلحقتْ بهم قريش إلى هناك، وسخّروا كل ما في وسعهم حتى يرد إليهم الملك الطيب النجاشي هؤلاء المظلومين المغتربين.

ثم هاجر النبي r من مكة إلى المدينة فتتبعوا أثره ليعتقلوه ولم يدخروا وسعًا في ذلك. فإنهم حاولوا في كل مرة أن يقضوا على النبي r أو على الإسلام بأية طريقة ممكنة. فلما علموا أخيرًا أن النبي r وأصحابه قد وصلوا إلى المدينة وأخذ الإسلام ينتشر هناك بسرعة بعثوا هذه الرسالة التهديدية إلى أهل المدينة مطالبين إياهم فيها أنكم لتقاتلنه وتقضون على الإسلام أو لتسحبن منه منْعَكم له وتخرجنه من المدينة.

يقول مرزا بشير أحمد: إن رسالة قريش هذه تلقي ضوءًا على دأبهم في الحروب حيث كانوا يقتلون في حروبهم رجال أعدائهم ويتسلطون على نسائهم ويستبيحونها لهم. وكانت نواياهم تجاه المسلمين أسوأ وأخطر من ذلك، لأنهم إذا كانوا سيعاقبون بهذا مَن قدموا اللجوء للمسلمين أنهم سيقتلون رجالهم ويستبيحون نساءهم لأنفسهم، فمن المؤكد أنهم كانوا يخططون للمسلمين أكثر وأشد من ذلك.

باختصار لم تكن رسالة قريش بسبب ثورتهم المؤقتة، بل كانوا قد عقدوا العزم المصمم على أن لا يتركوا المسلمين يعيشون بسلام واطمئنان، وأنهم سيقضون على الإسلام على كل حال. لقد سجل حضرة مرزا بشير أحمد t حدثا في كتابه من التاريخ وهو يكشف عن عزائم أهل مكة على القتل وسفك الدم، وتفصيل ذلك قد ورد في البخاري أن سعد بن معاذ سيد الأوس الذي كان قد أسلم انطلق معتمرا إلى مكة بعد مدة من الهجرة، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ الذي كان صديقه في الجاهلية وكان من أسياد مكة، لأنه كان يعرف أن أهل مكة سوف يتعرضون له حتما، إذا خرج للعمرة والطواف وحده، لذا قال لأمية تفاديا للفتنة إني أريد أن أطوف ببيت الله الكعبة، فرافقْني وأعنّي على الطواف في وقت أطوف فيه وحدي بسلام، وبعد الطواف سأعود إلى بلدي. فجاء به أمية إلى الكعبة ظهرا حيث يكون الناس في البيوت عادة، لكن من المصادفة جاء إلى هناك في الوقت نفسه أبو جهل أيضا. وفور وقوع نظره على سعد استشاط غضبا إلا أنه كظم الغيظ وسأل أميةَ يا أبا صفوان من هذا الذي معك؟ فقال له أمية: هو سعد بن معاذ سيد الأوس. فخاطب أبو جهل سعدًا بمنتهى الغضب، قائلاً: أتظنون بعد أن آويتم هذا المرتد (والعياذ بالله) محمدا r أنكم تستطيعون الطواف بالكعبة آمنين، وأنكم تظنون أنكم تقدرون على منعته ونصْره؟ والله لو لم يكن معك أبو صفوان لما عدتَ إلى أهلك سالما. كان سعد بن معاذ يريد اجتناب الفتنة إلا أن في عروقه أيضا كان يجري دم الأسياد، كما كان يكن غيرة الإيمان أيضا، لذا قال له بكل جرأة والله إذا منعتنا من الطواف بالبيت فلن تجدوا أنتم أيضا السلام على طريقكم إلى الشام، فنحن أيضا في الطريق فسوف نعمل أيضا كثيرا لإزعاجكم. فلما سمع أمية هذا القول ولاحظ غضبه قال له لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي، (فكانوا يسمون أبا الجهل أبا الحكم). فقال له سعد وهو الآخر كان في غضب: دعنا عنك فإني والله لا أنسى ما تنبأ به النبي r وهو أنك ستُقتل يوما على أيدي المسلمين، أي سوف يقتل المسلمون أمية يوما. ففزع أمية كثيرا حين سمع ذلك فجاء إلى زوجته وأطلعها على ما قال له سعد، وقال إني لن أخرج من مكة ضد المسلمين. فكان واثقا من صدق ما قال النبي r أنه يتحقق دوما ما يقوله r. لذا سوف يتحقق ما تنبأ به عنه أيضا، إلا أن ما كتبه القدر نافذٌ لا محالة. إذ اضطر أمية يوم بدر للخروج من مكة فقتله المسلمون فنال مصيره السيء. فأمية هذا هو نفسه الذي كان يؤذي سيدنا بلال t أشد الأذى لإسلامه.

وفي صحيح البخاري رواية عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَالَ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ (لذا قرر سيدنا سعد أن يقيم عنده ليتمكن من الطواف بأمن، وحين قال له إنه يريد العمرة قال) أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ سَعْدٌ أَنَا سَعْدٌ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا (r) وَأَصْحَابَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أُمَيَّةُ لسَعْدٍ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ. قَالَ فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ (أي سيكون أبو جهل سببا لقتل أمية) قَالَ إِيَّايَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ قَالَتْ وَمَا قَالَ قَالَ زَعَمَ أَنَّه سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ (أي أبا جهل نفسه) قَاتِلِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ قَالَ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللهُ. (صحيح البخاري، كتاب المناقب)

وفي رواية أخرى ورد عن حضور أمية بن خلف مشهد بدر ومقتله: قَالَ سَعْدٌ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ إِنَّهُمْ (أي الصحابة) قَاتِلُوكَ قَالَ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِي فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ (لزوجته صفية أو كريمة بنت معمر) يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِي، فَقَالَ أُمَيَّةُ وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، (خاف لهذه الدرجة) فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ (أي حين أنكر أمية الخروج جاء أبو جهل بنفسه) فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ قَالَ لَا مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ. (صحيح البخاري)

ورد ذكر مقتله في رواية أخرى وقد ذكرتها في تذكرة عبد الرحمن بن عوف t في الخطبة الماضية حين نادى سيدنا بلال t الأنصار وقتله بسبب ظلمه الذي كان يُحلّه على بلال t في مكة. (صحيح البخاري)

قال سيدنا المصلح الموعود t عن سعد بن معاذ t: “حين وصل سعد بن معاذ t سيد الأوس إلى مكة ليطوف بالكعبة، فرآه أبو جهل فقال له بغضب شديد: “أتتوقعون أن بإمكانكم المجيء إلى مكة والطواف بالكعبة آمنين بعد أن قدّمتم الحماية لهذا المارق محمد؟ أتظن أنك تستطيع منع محمد وإنقاذه؟ والله إن لم يكن معك أبو صفوان لما عُدتَ إلى أهلك سالـمًا. فردّ سعد بن معاذ r قائلا: لو منعتمونا من الطواف بالبيت، فلن تجدوا سلامًا في الطريق إلى الشام. (حياة محمد r)

شهد سعد بن معاذ بدرا وأحدا والخندق مع رسول الله r وكانت راية الأوس يوم بدر في يد سعد بن معاذ t. وكان حماس سعد بن معاذ t وحبه وإخلاصه للنبي r قد بدى مما حدث يوم بدر حين أبدى سعد بن معاذ رأيه أمام النبي r وقد ذكره مرزا بشير أحمد في كتابه سيرة خاتم النبيين r كالتالي:

حين مر المسلمون بوادي الصفراء (وهو وادٍ بين بدر والمدينة حيث وزّع النبي r غنائم بدر كلها بين المسلمين على سواء بعد المعركة، وفي هذا الوادي كثير من النخل والحقول، وبينه وبين بدر مسافة منزل. (المهم أنهم مروا بهذا الوادي) ووصلوا إلى ذفران، التي كانت على مسافة منزل واحد من بدر، فوصلت الأنباء أن جيشا كبيرا لقريش يتقدم من مكة لحماية القافلة، (وهي القافلة التجارية التي كانت تمر بالمدينة وكانوا يشكّون أن أهل المدينة سيهاجمونها) والآن كان قد مضى وقت إخفاء السرّ، فجمع النبي r جميع أصحابه، وأبلغهم عن ذلك الحال، وسألهم عما ينبغي القيام به، فرأى بعض صحابته أن الأفضل نظرا إلى الأسباب الظاهرية هو مواجهة القافلة، لأننا لسنا مستعدين كل الاستعداد لمواجهة الجيش، ولكن لم يعجب النبي r هذا الرأي. وعلى هذا، حين سمع الصحابة الكبار هذا الرأي وقفوا واحدا تلو الآخر وألقوا خطابات أبدوا فيها حماسا شديدا قائلين: إن أموالنا ونفوسنا لله وإننا حاضرون لكل خدمة في كل ميدان، فقال المقداد بن الأسود الذي يُدعى أيضا المقداد بن عمرو: والله لن نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى u: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون” ولكن سِرْ بنا إلى حيث شئتَ فإنا معك، وإنا مقاتلون عن يمينك ويسارك وأمامك وخلفك، حين سمع النبي r هذا الخطاب تهلل وجهه المبارك فرحا. ولكنه r كان ينتظر رأي الأنصار، وكان يريد أن يُبدي بعض الأنصار مثل هذا الكلام لأنه كان يرى أن الأنصار ربما يظنون أنهم بحسب بيعة العقبة ملزمون بالدفاع إذا هوجمت المدينة فقط، لذا ظل النبي r، بالرغم من هذه الخطابات المخلصة، يقول: أخبروني ماذا ينبغي فعله. حينها أدرك سعد بن معاذ زعيم الأوس مراده r وقال من طرف الأنصار: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضتَه لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وسوف تجدنا صابرين في الحرب إن شاء الله، وسترى منا ما تقر به عينك. حين سمع النبي r هذا الخطاب سُرّ وقال: سيروا باسم الله وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين (الجيش أو القافلة) والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم. وهذا ما حدث. (سيرة خاتم النبيين r)

باختصار، فإن ذكر سعد بن معاذ مستمر، وسوف أذكر بقية سوانحه في الخطبة القادمة إن شاء الله.

 

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز