خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 13/9/2019م

في اجتماع مجلس أنصار الله المنعقد في كنغزلي في بريطانيا

******

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

سأتابع اليوم أيضا سلسلة بيان سيرة الصحابة البدريين التي بدأتُها منذ فترة، لكنني قبل ذلك أود أن أقول انطلاقا من اجتماع أنصار الله أن هؤلاء الصحابة الذين كان منهم أنصار ومهاجرون أيضا، حين أسلموا أحدثوا في نفوسهم تغييرات طيبة، وسجلوا أروع النماذج ليس في التضحيات فقط بل في ميدان التقوى والإخلاص والوفاء أيضا. وأكثرُكم الذين أنتم هنا من الأنصار هم أنصار وفي الوقت نفسه مهاجرون أيضا. ومن هذا المنطلق يجب أن تفحصوا أنفسكم بانتظام لأي مدى تقتدون بهذه القدوة التي تُعرض عليكم وتعملون بحسبها.

وبعد هذه المقدمة أعود إلى موضوعي اليوم، وأول من سأذكر قصتَه اليوم هو النعمان بن عمرو t، ورد اسمه نعيمان أيضا، كان اسم والده عمرو بن رفاعة واسم والدته فاطمة بنت عمرو، ومن أولاده محمد وعامر وسبرة ولبابة وكبشة ومريم وأم حبيب وحكيمة.

عند ابن إسحاق كان النعمان من الأنصار السبعين الذين بايعوا في العقبة الثانية، وشارك النبي r في بدر وأحد وسائر الغزوات، وفي رواية قال النبي r لا تقولوا بحق النعيمان سوى الخير لأنه يحب الله ورسوله، توفي النعيمان في عهد الأمير معاوية في سنة 60 الهجرية.

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ- قبل سنة من وفاة النبي r– تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى- وهي مدينة قديمة ومشهورة في سورية وكان النبي r أقام بها حين خرج مع عمه في سفر التجارة، وكذلك حين سافر حضرته r حاملا بضاعة السيدة خديجة للتجارة كان قد أقام في هذه المدينة وكان يرافقه في هذه الرحلة غلام حضرة خديجة رضي الله عنها ميسرة أيضا– وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَكِلَاهُمَا بَدْرِيٌّ وَكَانَ نُعَيْمَانُ عَلَى الزَّادِ (وفي هذا السفر كان صاحبه قد باعه لقوم مزاحا وقد سردتُ عليكم هذه القصة في السابق أيضا في بيان ذكر حضرة سويبط t، واليوم أذكرها بإيجاز مرة أخرى. كان حضرة سويبط مزاحا ونجد في بعض الروايات أن كليهما كان مازحا ولم يكن بينهما أي تكلف، وكان في طبعهما مزاح)

فَجَاءَ سويبط نُعَيْمَانَ فَقَالَ أَطْعِمْنِي فَقَالَ لَا حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ سويبط رَجُلًا مِضْحَاكًا مَزَّاحًا فَقَالَ لَأَغِيظَنَّكَ فَذَهَبَ إِلَى أُنَاسٍ فَقَالَ ابْتَاعُوا مِنِّي غُلَامًا. (ربما كان ذلك بعد بضعة أيام أو بعد وقت قصير من هذا الحديث أثناء السير، قالوا نعم، فقال لهم) هُوَ ذُو لِسَانٍ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ أَنَا حُرٌّ فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ لِذَلِكَ فَدَعُونِي لَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي فَقَالُوا بَلْ نَبْتَاعُهُ مِنْكَ بِعَشْرِ قَلَائِصَ.. فَجَاءَ الْقَوْمُ إلى نعيمان وَطَرَحُوا الْحَبْلَ فِي رَقَبَتِهِ (ليسوقوه غلاما)، فقال لهم نعيمان أَنَا رَجُلٌ حُرٌّ وهذا الرجل مزَحكم، فَقَالُوا قَدْ أَخْبَرَنَا خَبَرَكَ سلفا، فَذَهَبُوا بِهِ عنوة، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأُخْبِرَ فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابٌ لَهُ فَرَدُّوا الْقَلَائِصَ وَأَخْذُوهُ. يقول الراوي: حين جاء هؤلاء إلى النبي r وأخبروه القصة ضَحِكَ مِنْهَا r وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا.

وقد ورد في بعض الكتب أن الذي باع لم يكن سويبطا بل كان النعمان رضي الله عنهما. على كل حال قد ورد ذلك عن كليهما، فقد ورد بحق حضرة النعيمان أنه كان مزّاحا وكان النبي r يستمتع بالاستماع إلى كلامه.

عن ربيعة بن عثمان قال: أتى أعرابي إلى رسول الله r، فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض أصحاب النبي r لنعيمان: لو نحرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلى اللحم، (فهذه ناقة أعرابي، إذا رفع الشكوى إلى النبي r فسوف) يغرم رسول الله r ثمنها، (فانصاع لهم النعيمان) فنحرها، ثم خرج الأعرابي فرأى راحلته (في هذا الحال) فصاح: واعقراه يا محمد! فخرج النبي r فقال: من فعل هذا؟ فقالوا: نعيمان. فاتبعه يسأل عنه، (لأن النعيمان قد انصرف من هناك) فوجدوه في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب مستخفيًا، فأشار إليه رجل ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول الله. وأشار بإصبعه حيث هو، فأخرجه رسول الله r، فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: الذين دلوك علي يا رسول الله، هم الذين أمروني. (وقالوا لي أيضا إن النبي r سوف يدفع ثمنه) فجعل رسول الله r يمسح وجهه ويضحك، وغرم ثمنها.

لقد كتب الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، بحق النعمان t: كلما جاء بائع جوال إلى المدينة من الخارج اشترى منه النعمان شيئا ويأتي به إلى النبي r ويقول ها، أهديته إليك، وعندما كان البائع يطلب ثمنه، إذ كان بعد شراء شيء يخبره بأني أقيم في حي كذا ويدفع الثمن لاحقا والناس كانوا معارف. فكان يُحضره إلى النبي r ويقول: أعط هذا ثمن متاعه! فيقول: أو لم تُهده لي؟ فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه ولقد أحببت أن تأكله- إن كان مما يؤكل– أو تقتني، إذا كان غير ذلك، فيضحك r ويأمر لصاحبه بثمنه. فكانت مجالس النبي r يسودها الحب واللطف والمزاح أيضا ولم تكن جافة.

الصحابي الثاني الذي سأتناول ذكره اليوم اسمه خبيب بن إساف t وكان من بني جشم من قبيلة الخزرج الأنصارية، وفي رواية أخرى ورد اسمه حبيب بن يساف أيضا، فاسم والده إساف وفي بعض الروايات يساف أيضا، وكذلك ورد اسم جده عتبة وفي بعض الروايات عنبة أيضا. أمّ خبيب هي سلمى بنت مسعود وكان لخُبيب من الولد أبو كثير واسمه عبد الله وأمّه جميلة بنت عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول، والابن الثاني عبد الرحمن من بطن أمّ ولد، كانت له بنت أنيسة وأمّها زينب بنت قيس. خُبيب بن إِساف هذا تزوّج حبيبة بنت خارجة بعد أن توفي عنها أبو بكر الصَّديق رضي الله عنه.

لم يكن خبيب أسلم وقت الهجرة إلى المدينة ولكنه حظي بشرف استضافة المهاجرين وقت الهجرة، لم يكن مسلما ولكنه استضاف المهاجرين، نَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، وكذلك -بحسب رواية- حين هاجر أبو بكر الصديق إلى المدينة نَزَلَ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ الْخَزْرَجَ بِالسّنْحِ في قباء. وَيَقُولُ قَائِلٌ كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ.

شهد خبيب مع النبي r أحدا والخندق ومشاهد أخرى إضافة إلى بدر. وبحسب رواية كان خبيب يقيم في المدينة ولكنه لم يُسلم حتى خرج النبي r لبدر فالتحق بالنبي r في الطريق وأسلم.

ورد ذكر إسلام خبيب في صحيح مسلم كالتالي، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ (وهي تبعد عن المدينة بثلاثة أميال) أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ r حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ r جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ لَا، قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ (وهي قريبة من ذي الحليفة التي تبعد عن المدينة قرابة سبعة أميال) أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ (وهي أيضا قريبة من ذي الحليفة التي تبعد عن المدينة قرابة سبعة أميال، والشجرة أيضا قريبة من من ذلك، أيْ كلا المكانين قريبان من بعضهما) فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r فَانْطَلِقْ. (صحيح مسلم) ورد في شرح هذه الرواية أن الشخص الذي ورد ذكر إسلامه في هذه الرواية هو خبيب.

كتب العلامة نور الدين الحلبي في كتابه “السيرة الحلبية” وهو يذكر إسلام خبيب بن إساف ومشاركته في مشهد بدر: وكان في المدينة حبيب بن يساف ذا بأس ونجدة (وهذا اسمه الآخر الذي ورد في كتب السيرة) ولم يكن أسلم، ولكنه خرج نجدة لقومه من الخزرج طالبا للغنيمة، ففرح المسلمون بخروجه معهم، فقال له رسول الله: لا يصحبنا إلا من كان على ديننا. وفي رواية: ارجع فإنا لا نستعين بمشرك. وتكررت من حبيب المراجعة لرسول الله r، وفي الثالثة قال r له: تؤمن بالله ورسوله؟ قال نعم، فأسلم وقاتل قتالا شديدا.

وفي مسند أحمد بن حنبل قَالَ خبيب وهو يذكر تفصيل إسلامه: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ r وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ فَقُلْنَا إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ قَالَ أَوَ أَسْلَمْتُمَا قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (لأننا نقاتل المشركين فكيف نستعين بالمشركين) قَالَ خبيب: فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ فَقَتَلْتُ رَجُلًا وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً وَتَزَوَّجْتُ بِابْنَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَقُولُ لَا عَدِمْتَ رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ فَأَقُولُ لَا عَدِمْتِ رَجُلًا عَجَّلَ أَبَاكِ النَّارَ. كان خبيب بن أساف قد قتل يوم بدر رئيس قريش أمية بن خلف الذي ورد ذكر مقتله في مسند أحمد بن حنبل بإيجاز بدون ذكر اسمه، وقد أورد تفصيله العلامة نور الدين الحلبي في كتابه السيرة الحلبية فقال:

عن عبد الرحمن بن عوف قال: لقد لقيت في ميدان بدر أمية بن خلف وكان صديقا لي في الجاهلية، ومعه ابنه عليّ آخذ بيده وكان عليّ ممن أسلم والنبي r بمكة قبل أن يهاجر، ففتنهم أقاربهم عن الإسلام ورجعوا عنه وماتوا على كفرهم، وأنزل الله تعالى فيهم ]إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ[ (النساء:98) أي وهم الحارث بن ربيعة، وأبو قيس بن الفاكه، وأبو قيس بن الوليد، والعاص بن منبه، وعلي بن أمية المذكور.

كتب العلامة نور الدين الحلبي: وفي السيرة الهشامية: وذلك أنهم كانوا أسلموا ورسول الله r بمكة فلما هاجر رسول الله r إلى المدينة حبستهم آباؤهم وعشيرتهم؟ بمكة، وفتنوهم فافتتنوا: أي رجعوا عن الإسلام، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا جميعا، وسياقه كما ترى يقتضي أنهم لم يرجعوا إلى الكفر إلا بعد الهجرة، وسياق ما قبله ربما يقتضي أنهم رجعوا إلى الكفر قبل أن يهاجر.

قال عبد الرحمن بن عوف: وكان معي أدراع استلبتها فأنا أحملها، فلما رآني أمية ناداني باسمي الأوّل يا عبد عمرو؟ فلم أجبه، لأنه كان قال لي لما سماني رسول الله r عبد الرحمن، أترغب عن اسم سماك به أبوك؟ فقلت: نعم. قال: الرحمن لا أعرفه، ولكني أسميك بعبد الإله كما تقدم فلما ناداني بعبد الإله، قلت نعم.

يبدو أن أمية لما خاطب عبدَ الرحمن باسمه القديم علِم أنه يناديه هو ولكنه لم يحب أن يجيبه إذ ناداه باسمه القديم الذي يوحي إلى أنه عبدُ وثنٍ. كما أن هناك احتمالا كبيرا أن عبد الرحمن لم يعرف مِن الصوت مَن المخاطَب به، لأنه كان قد ترك استخدام اسمه الوثني منذ مدة، لكن لما خاطبه أمية باسمه الجديد أدركَ أنه هو المخاطَب، فأجابه وتوجه إليه.

فقال له أمية إن كان لي عليك حق فاعلم أني أفضل لك من هذه الدروع التي بيدك. إذ كانت بينهما صداقة قديمة فأراد أن يستعين به بحق تلك الصداقة وقال هل تستطيع أن تحميني. كان الكفار قد هُزموا في ذلك الوقت فقال له أمية إن كان لي عليك حق بسبب صداقتي فإني خير لك من هذه الدروع، فاسعَ لنجاتي. يقول عبد الرحمن: فقلت له حسنًا، ثم وضعت الدروع على الأرض وأخذت بيديْ أمية وابنه.

فقال لي أمية لم أر يوما كهذا في حياتي يعني يوم بدر. ثم قال لي: مَن هذا الذي علّق على صدره في درعه جناح النعامة. قلت: حمزة بن عبد المطلب، فقال هو المسؤول عما لقينا اليوم من هزيمة. كان هذا هو رأي أمية الشخصي عما حصل في ذلك اليوم. وفي رواية أن هذا قول ابن أمية.

على كل حال يقول عبد الرحمن بن عوف ثم سرت بهما آخذًا يديهما، حتى رأى بلال أميةَ معي، وكان أمية يعذبه في مكة تعذيبا شديدا ليصرفه عن الإسلام، فما إن رآه بلال حتى قال ههنا زعيم الكفار أمية، ولا نجوت إن نجا اليوم. قال عبد الرحمن بن عوف فلما سمعت قوله قلت له أتقول هكذا عن أسيري. لكن بلالا ظل يكرر قوله: لا نجوت إن نجا، وكنت أجيبه بجوابي هذا.

ثم صاح بلال بصوت عال يا أنصار الله هذا هو زعيم الكفار أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا أمية. وظل بلال يصرخ هكذا. قال عبد الرحمن بن عوف فلما سمع الكفار صيحته جاءوا مسرعين وحاصرونا من كل طرف وصوب، ثم حمل بلال بسيفه على ابن أمية، فسقط على الأرض، فصرخ أميةُ من شدة الذعر صرخة لم أسمع مثلها في حياتي قط. ثم إن الأنصار قطعوهما بسيوفهم.

وقد وردت قصة قتل أمية في صحيح البخاري كالآتي: عن عبد الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي أهلي ومالي بِمَكَّةَ (التي كانت دار الحرب عندها) وَأَحْفَظَهُ فِي ماله بِالْمَدِينَةِ. فَلَمَّا ذَكَرْتُ له اسمي عبد الرَّحْمَن قَالَ لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ باسمي عَبْد عَمْرٍو. فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لِأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِن الْأَنْصَار، فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ. فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِن الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمْ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ (أي كان عبد الرحمن وأمية قد اتفقا فيما بينهما، فيقول عبد الرحمن فساورني الشك وقلت لهما أتخذكما أسيرين، فأخذت بيديهما أمشي بهما، ولكن طاردنا المسلمون ليقتلوهما، فتركت ابن أمية لأشغلهم به عن أمية وأنجو به، فقتلوا ابنه، ولم تُجْدِني حيلتي) فأَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونا. وَكَانَ أمية رَجُلًا ثَقِيلًا (فلم يستطع أن يهرب ويبتعد عنهم)، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ ابْرُكْ، فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ. (يقول إبراهيم راوي هذه الرواية) وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الْأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ.

أما مَن قتَل أمية وابنَه فالمشهور أنه قتله رجل من بني مازن من الأنصار. بينما ورد في ابن هشام أن معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف هم الذين قتلوهما معًا. فخبيب الذي أتحدث عنه اليوم كان ممن قتلوهما. ويقال إن بلالا قتلهما. والحق أن كل هؤلاء الصحابة كانوا شركاء في قتلهما. كان بلال حمل على علي بن معاوية وألقاه على الأرض، ثم قتله عمار بن ياسر.

لقد تخلل ذكر خبيب في هذه التفاصيل، ولكن في بعض الأحيان لا تكون تفاصيل بعض الواقعات ذات صلة مباشرة مع الصحابي الذي أتحدث عنه، ومع ذلك أذكرها لكي نطلع على التاريخ قليلا.

وعن خبيب بن عبد الرحمن قال أصيب جدي خبيب يوم بدر في ضلع له فانكسر، فجعله النبي r في مكانه ووضع عليه لعابه، فاستوى وبدأ جدي خبيب يمشي. وفي رواية عن خبيب: أُصبت في غزوة في كتفي إصابة عميقة وصلت إلى بطني وتدلّتْ يدي، فجئت النبي r، فوضع لعابه في الجرح ولَمَّه، فعادت يدي في مكانها واندمل الجرح أيضا.

أما وفاة خبيب فيقال إنه توفي في عهد خلافة سيدنا عمر t، وفي قول آخر أنه توفي في عهد سيدنا عثمان t.

رفع الله درجات هؤلاء الصحابة، آمين.

الآن سوف أذكر بعض الأحمديين الذين قد وافتهم المنية، وأوّلهم السيدة رشيدة بيغم زوجة سيد محمد ظفر من ربوة، حيث توفيت في 24 أغسطس عن عمر يناهز 74 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان آباؤها قد هاجروا من جاركوت بكشمير إلى باكستان. كان والدها دين محمد موظفا في مصلحة سكة الحديد، وتوفي وعمرها خمس سنوات. فقامت أمها بتربية الأولاد الصغار بمنتهى المشقة والعناء. دخلت الأحمدية عائلة المرحومة على يد جدها السيد فتح محمد الذي ذهب لقاديان وبايع على يد المسيح الموعود u بنصيحة من حضرة الصحابي قاضي محمد أكبر.

وكان حضرة الصحابي قاضي محمد أكبر لما رآى ظهور آية خسوف القمر والشمس قال لأهل منطقته وأسرته أن هذه الآية تدل على أن الإمام المهدي u قد ظهر. وكانت بين عائلةَ المرحومة وقاضي محمد أكبر أواصر صداقة وقرابة، وهكذا وصلت دعوة الأحمدية إلى عائلة المرحومة بواسطة قاضي محمد أكبر، وبايع جدها.

يقول أحد أبنائها السيد محمد زكريا وهو داعية الجماعة في ليبريا: كانت والدتي تواظب على أداء التبرعات، وكانت توليها اهتماما بالغا بحيث كانت تسأل دومًا إذا كانت تبرعاته دُفعت أم لا؟ كما كانت مهتمة كثيرا بتربية أولادها فلم تكن تسمح للأولاد أن يقضوا أوقاتا خارج البيت دون أي سبب ضروري وذلك حتى لا يعتادوا على اللهو واللعب ولا يتعلموا عادات فاسدة من المحيط الخارجي. يقول والدي بأنه لما كان هو يأمرنا بأداء الصلاة بالجماعة في المسجد ولاسيما لما كان يوقظنا لصلاة الفجر كانت الوالدة في ذلك الوقت تلعب دورًا هامًّا في إرسال الأولاد إلى المسجد، ولم تكن تهدأ ما لم نخرج من البيت إلى المسجد. كانت ترتبط بالخلافة بأواصر المحبة والوفاء. كانت تستمع إلى الخطب بكل إصغاء وتسجل عندها بعض النكات الواردة فيها ثم كانت تناقشها مع أولادها.

وقالت البنت الكبرى للمرحومة: كانت مهتمة كثيرا بالصلاة حتى في آخر وقتها، وطوّلت كثيرًا في صلاتها الأخيرة، ولم تُشعرنا بأنها كانت تعاني من شيء، ولكن بعد صلاتها مباشرة ساءت صحتها، فأسعفناها إلى المشفى ولكنها إلى ذلك الحين كانت قد فارقت الحياة نتيجة تعرضها لنوبة قلبية. كانت منضمة إلى نظام الوصية بثُمن عقاراتها وأموالها. يوفّق خمس من أولادها لخدمة الدين لكونهم واقفين حياتهم. السيد محمد محسن تبسم والسيد محمد مؤمن يعملان كمعلّمَين في مؤسسة “وقف جديد” في ربوة، والسيد داود ظفر والسيد زكريا يخدمان كداعيَين للجماعة، كما أن أحد أولادها السيد آصف من أولاد وقف نو ويعمل في قسم الحواسيب في مكتبة الخلافة.

ذكرتُ أن أحد أبنائها السيد محمد زكريا يخدم الجماعة كداعية في ليبيريا ولم يستطع أن يسافر ليحضر جنازة والدته، بل أبدى نموذجًا رائعًا للصبر، بحيث ظل يؤدي واجبه خارج البلاد بانتظام دون أن يعطل أي أعماله. ألهم الله تعالى أولادها الصبر والسلوان ولاسيما ابنها الداعية في ليبيريا لأنه لم يستطع السفر عند وفاتها، ووفق الله تعالى جميع هؤلاء الأولاد لاقتفاء أثرها في كسب حسنات والدتهم ورفع الله تعالى درجات والدتهم.

الجنازة الثانية هي للسيد محمد شمشير خان رئيس الجماعة لفرع الجماعة “ناندي” في فيجي الذي توفي في 5 سبتمبر الجاري، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان قد ولد في عام 1952، ودخل الجماعة مع والده في عام 1962 من الجماعة اللاهورية. أي كان من الجماعة اللاهورية سابقا أي لم يكن مبايعا للخلافة مثل باقي أفراد الجماعة اللاهورية ولكنه مع والده بايع الخلافة في عام 1962. وكان من أوائل الأحمديين في فيجي. وفقه الله تعالى لخدمة الجماعة لفترة طويلة، ولعب دورًا هامًّا في بناء مساجد الجماعة في فروع الجماعة “مارو” و”سووا” و”ناندي” و”لتوكا”. ووُفّق لخدمة الجماعة بوصفه رئيسا لها في فرع “ناندي” منذ عام 2010 إلى وفاته. كما ظل يخدم الجماعة بوصفه سكرتيرًا وطنيا للنشر والإشاعة لفترة طويلة. كان يحظى باحترام كبير من الناحية الدنيوية أيضا إلا أنه كان يؤثر أعمال الجماعة على الأعمال الأخرى. فبالإضافة إلى كونه رئيسا للجماعة وسكرتيرا للنشر والإشاعة على المستوى الوطني كان مديرًا لمدرسة خاصة مسلمة في “ريتوكا”. كان مخلصًا جدًّا ومحبًّا للخلافة ومطيعًا جدًّا لها. ترك خلفه زوجته السيدة راضية خان وبنتًا واحدة السيدة نادية نفيسة. غفر له الله تعالى ورحمه ووفق ذويه لاستمرار في كسب حسنات يقوم بها المرحوم. آمين.

الجنازة الثالثة هي للسيدة فاطمة محمد مصطفى التي توفيت في كردستان في 13 يونيو، ولكن وصلت بياناتها متأخرة لأجل ذلك حصل تأخير في الصلاة عليها، توفيت عن عمر يناهز 88 عامًا، إنا لله وإنا إليه راجعون.

كانت قد بايعت في عام 2014، وتركت خلفها 3 بنات و5 بنين، بنت واحدة من بينهم أحمدية وهي السيدة بيريفان محمد سعيد وهي تعيش في النرويج حاليا. تقول بنتها هذه: لقد واجهتُ ظروفًا صعبة في عام 1999 بعد انتقالي إلى النرويج، فانتقلت والدتي أيضا إلى هنا لمساعدتي. مع أن والدتي كانت أمية إلا أنها حفظت كثيرًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. كانت لديها رغبة عارمة لتعلم الكتابة والقراءة وجاهدت لتتعلمها بعد عمر الاربعين. كان من أهم أولوياتها في الحياة الصلاة في وقتها. كانت كثيرة الصيام وكانت تقول إنني أصوم أيضا لأجل الذين لا يقدرون على الصيام. كانت تتمتع بروح التضحية لمساعدة الآخرين لدرجة أنها كانت تقطع مسافة 50 ميلا تقريبا لترافق النسوة اللواتي كن بحاجة إلى مساعدة للعلاج في المستشفيات، ثم كانت تقدم لهن مساعدة مالية أيضا.

تقول بنتها: جاءتني عشرات الرسائل من مختلف القوميات عند وفاتها ولا سيما من الأخوات الأحمديات الباكستانيات اللواتي قلن باكيات أنهن قد ارتبطن بها بأواصر المحبة الخاصة.

تقول: لم أفارق والدتي منذ أن ولدتني ورأيت أخلاقها العليا وسيرتها الطيبة. لم تكن تحمل أي شيء سلبي تجاه أحد وكانت مستعدة دومًا لتغفر للآخرين مهما كانت الأخطاء كبيرة. كانت تعلمنا في الصغر: “قل الحق ولو على نفسك.” كذلك كانت تقول: “لو أخطأت عينك أو يدك فلتكن لديك الجرأة على أن تخطئها.”

كانت بشوشة تقابل الناس بوجه باسم، وكانت تمتلك لسانًا لا يتوقف عن الدعاء. كانت تعشق الله تعالى والنبي الكريم r، ولعل الله تعالى وفقها لبيعة إمام الزمان لهذا السبب نفسه.

تقول بنتها: لقد وجدت القناة م ت ا في عام 2007 ثم غابت فجأة ولم أستطع العثور عليها، وبعد بضع سنوات وجدتها مرة أخرى في عام 2010، فعملتُ ضجة في البيت وناديت على والدتي قائلة بأنني وجدت تلك القناة التي كنت أبحث عنها منذ ثلاث سنوات، وقلت لها: تعالي واسمعي إنهم يقولون إن الإمام المهدي والمسيح الموعود قد ظهر؛ الإمام الذي كنا ننتظره منذ زمن بعيد وهو الذي أخبرنا عنه والدي.

تقول: أصبحت والدتي تتابع القناة معي وبعد أيام أخبرتْ إخوتي عن هذا الحدث المهم ولكنها سمعت منهم ما لا يسرّ، فتغيرت ملامح وجهها في تلك اللحظة، غير أنها استمرت بمشاهدة القناة ولم تبال بكلامهم. ولما سافرت إلى إخواني في كردستان تأثرت بأحاديثهم فرجعت وهي مشحونة ضدي، وصارت تمنعني من مشاهدة القناة. فلما بايعتُ ازداد الأمر سوءًا لأنهم كانوا يقولون لها بأن ابنتك قد كفرت. على أية حال، كلما زارتْ إخوتي ترجعُ وتكون معارضة لي، ولكنها بعد وقت يسير بدأت بمشاهدة القناة. كانت تحب كثيرًا قصائد المسيح الموعود u وكانت تبكي كلما سمعتها، وفي أحد الأيام كانت تسمع القصيدة التالية للمسيح الموعود u: يا عين فيض الله والعرفان

فأصبحت ترددها، فقلت لها: هل يكفّر من كتب مثل هذه الأبيات؟ قالت: ومن الظالمون الذين يكفرونه. قلت: يشترك فيهم أولادك أيضا. فسكتت ولم تجب. قلت لها: يا أمي أنت امرأة معروفة بقوة إيمانها، فمَن تخافين؟ الله أم أولادك؟ تأثرت جدًّا وسكتت ولم تجب، لكنها نادتني في تلك الليلة وقالت اتصلي بمركز الجماعة وأخبريهم بأنني أريد المبايعة. فقلت لها أرجوك أن تعيدي التفكير واتخذي قرارًا تثبتين عليه. على أية حال ربما دعت في تلك الليلة كلها وفكرت بالموضوع، وما أن استيقظت صباحًا حتى قالت لي: لقد قررت أن أبايع.

لقد وفقت للقاء معي في عام 2016 لما زرت تلك البلاد، وكانت فرحة كثيرا لدرجة كانت تخبر الجميع بأنها حظيت باللقاء مع خليفة الوقت، كانت مرتبطة بالخلافة بعلاقة الوفاء الخالص.

غفر لها الله ورحمها ورفع درجاتها، وقوّى إيمان بنتها، وفتح قلوب أولادها الذين لم يدخلوا الأحمدية بعد واستجاب دعواتها لهم، آمين.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز