خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 17/11/2017
***
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
يقول المسيح الموعود عليه السلام في بيت شعر بالأردية ما معناه:
كان الوقت وقتَ بعثة المسيح الموعود لا غيره، فإن لم آت أنا لكان شخص آخر بعث مسيحًا موعودًا.
كان المسلمون في ذلك الوقت يعيشون في زمن كان يسبب لهم قلقًا واضطرابًا شديدين حيث تنصر مئات الآلاف من المسلمين وآل حال المسلمين وفق قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإيمان كان قد ذهب بعيدًا إلى الثريا، ولم يبق في المسلمين عمليًّا من الدين ولا من حقيقة الإسلام شيء. ومن كانوا يكنّون مواساة للإسلام أصبحوا ينتظرون أن يأتي مسيحًا وينقذ سفينة الإسلام المتأرجحة. وكان من بينهم شخص صالح وهو حضرة الصوفي أحمد جان اللدهيانوي، وكان ذائع الصيت في المنطقة وكان له أتباع كثُر. وبسبب صلاحه قد دعاه مرة المهاراجا في جامون أن يأتي إلى جامون ويدعو له ولكنه رفض وقال له إذا كنت تريد الدعاء فأت إليّ. على أية حال، كان له أتباع من كبار الناس. كان حضرة الصوفي أحمد جان يكنّ تقديرًا واحترامًا كبيرين للمسيح الموعود عليه السلام من البداية حين لم يكن حضرته قد أعلن عن دعواه بعد. ولقد توفي أحمد جان قبل دعوى المسيح الموعود عليه السلام. ونظرًا إلى حالة الزمن في ذلك الوقت قال أحمد جان للمسيح الموعود عليه السلام مرة في بيت من الشعر ما معناه: نحن المرضى ننظر إليك، فبالله كُنْ مسيحا لنا.
على أية حال، كما ذكرت فقد توفي قبل إعلان المسيح الموعود عليه السلام دعواه، ولكنه كان على يقين أن حضرته هو إمام هذا الزمان وهو المسيح الموعود، لذلك فقد نصح أولاده وأتباعه بأن يؤمنوا بحضرته عندما يعلن دعواه. فكان أصحاب البصيرة من الصلحاء يعرفون أنه إذا كان لأحد إنقاذ سفينة الإسلام المتأرجحة فهو حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام لأنه بتأليفه كتاب البراهين الأحمدية قد أفحم معارضي الإسلام. وإن كتبه وبحوثه كانت توفر مادة يعجز معارضو الإسلام من الرد عليها. كان العلماء الكبار يقدّرون جهوده قبل أن يعلن دعواه، ولكن لما أعلن بإذن الله أصبح هؤلاء العلماء أنفسهم يعارضونه لمنافعهم الشخصية، ولا زال هؤلاء المشايخ المغرضون يعارضونه ويملأون قلوب عامة المسلمين بالكراهية ضده وضد جماعته. لقد قدم المسيح الموعود أدلة على صدق دعواه في كتابات وخطابات ومجالس لا حصر لها. فقد أخبر الناس عن حاجة الزمان إلى المسيح الموعود وعن بعثته والتأييدات الإلهية التي ظهرت له، فمن كانت قلوبهم صافية نقية فهموا هذا الأمر، ولكن لم يفهمه من كان في قلوبهم البغض والضغينة والأغراض النفسية.
سأذكر بعض الأدلة بكلمات المسيح الموعود عليه السلام.
ذكر حضرته أن البدع دخلت التعاليم الإسلامية ولم يعد الدين على حالته الأصلية، إن العلماء والمشايخ تشبثوا باجتهاداتهم وتفاسيرهم، ودخلت كثير من البدع في المسلمين. ولقد ابتعد المسلمون عن الدين بصورة عملية، والأديان الأخرى والمسيحية خاصة شنت هجمات مخططة ومدروسة على الإسلام. وأخبر أيضا أن الله تعالى ورسوله قد أنبأ عن هذه الظروف كما أنبأا عن بعثة شخص للنشأة الثانية للإسلام أيضا. يذكر المسيح الموعود عليه السلام كل هذه الأمور فيقول:
“اتركوا ادعائي جانبا وأجيبوا على هذه الأمور بالتأمل والتدبر. لو كذّبتموني لاضطررتم لترك الإسلام، (أي إن وصفكم إياي بالكاذب يبعدكم عن الإسلام) ولكني أقول صدقا وحقا أن الله حمى دينه بحسب الوعود القرآنية وتحققت نبوءة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأن الله تعالى أسس هذه الجماعة بحسب وعده وبشارة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تماما وثبت أن: صدق الله ورسوله. (أي أن قول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم حق) ومن كذّبه فهو ظالم.”
ثم قال في عام 1903:
مضى على إعلان دعواي أكثر من 22 عاما. وإن تأييدات الله تحالفني فإن كنت كاذبا فلماذا ترافقني هذه التأييدات الإلهية.
وقال حضرته بأن الأمر الثاني هو حاجة هذا الزمان، ويسلّم الجميع أنه الزمن الذي كان ينبغي أن يظهر فيه المسيح، وإن كان العصر هو عصر الحاجة فإن لم تعتبروني ذلك المبعوث فأروني غيره، لأنه ينبغي أن يأتي مبعوث لإصلاح المسلمين لأن الفساد قد بلغ ذروته في هذا العصر وبلغ الفساد مبلغه في المسلمين أيضا. فإن كنتم تكذبونني فهناك صورتان لذلك؛ إما أن تقدموا مصلحًا آخر سواي لأن الزمن يقتضي مصلحا أو أن تكذّبوا وعود الله تعالى كلها، وأن وعد بعثة مصلح في هذه الظروف الفاسدة كان كاذبًا.
فقال حضرته: هناك حاجة ماسة إلى حفظ الدين. ثم يقول:
“هناك أناس يقولون بأنه لا حاجة لحماية الدين لكنهم مخطئون جدا. (ثم يذكر حضرته مثالا فيقول) إن الذي يزرع حديقة أو يبني مبنىً أفلا يجب عليه أو أفلا يريد أن يسعى بكل ما في وسعه لحمايتها وإنقاذها من الأعداء؟ تعرفون كيف يوضع السياج حول الحديقة لحمايتها وكيف تُصنع مواد مختلفة كل يوم لصيانة المباني من الحريق، وتُركَّب الأسلاك لحمايتها من البرق. فكل هذه الأمور تدل على النزعة الطبيعية في الناس للحماية. أفلا يجوز لله أن يحفظ دينه؟ لا شك أنه يحفظه وقد حفظ دينه عند كل بلاء.
(الآن أيضًا حين طرأت الحاجة بعثنني الله تعالى) صحيح أنه كان من الممكن أن يكون أمر الحفظ مشكوكا فيه أو كان إنكارُه ممكنا إذا لم تؤيده الظروف والحاجات. (فلو كانت الأوضاع مختلفة عن الراهنة ولم تكن تؤيده الحاجة لكان لكم حق في القول إني أتيت في وقت غير مناسب) ولكن قد نُشرت ملايين الكتب ضد الإسلام، أما الإعلانات والنشرات الصغيرة التي ينشرها القساوسة كل يوم وكل أسبوع وكل شهر فلا تُعدّ ولا تحصى. فلو جُمعت هذه الشتائم كلها التي نشرها المتنصرون في بلادنا ضد سيد المعصومين  وأزواجه المطهرات لامتلأت بتلك الكتب غرفٌ كثيرة. وإذا وُضعت في طابور لطال الطابور إلى عدة أميال. قد اعترف بعض المنصفين من المسيحيين أيضا بخطورة كتب عماد الدين. (هذا الرجل كان مسلما فتنصَّر، فالمسيحيون أيضا يسمون كتاباته خطيرة جدا). فكانت هناك جريدة تصدر في مدينة لكهناؤ باسم “شمس الأخبار” نُشر فيها رأي حول بعض كتبه أنه إذا حدثت في الهند مفسدةٌ مرة أخرى سيكون سببها كتاباته. ويقول هؤلاء الناس: أيّ ضرر أصاب الإسلام؟ لا يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام إلا من الذين إما ليست لهم أدنى علاقة بالإسلام أو لا يكنون له أي مواساة، أو الذين نشأوا في ظلمة الحجرات ولا يعلمون عن العالم الخارجي شيئا. فإذا كان مثل هؤلاء الناس موجودين فلا نبالي بهم. أما الذين يملكون نور القلب ويحبون الإسلام ولهم علاقة به ويعرفون أحوال الزمان فهم لا يجدون بدا من الاعتراف بأن هذا الوقت وقت مصلح عظيم الشأن.
ثم بين حضرته بعض الشهادات على الحاجة إلى مبعوث من الله وقال:
والآن أقدم الشهادة القوية وهي وعد الاستخلاف في سورة النور. يقول الله تعالى فيها: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الخلفاء الذين سيكونون في الأمة المحمدية بحسب هذه الآية سيكونون مثل الخلفاء السابقين. كذلك قد عُدّ النبي  في القرآن الكريم مثيلا لموسى  كما ورد: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا. فهو  مثيل لموسى بحسب نبوءة وردت في الكتاب المقدس، سِفر التثنية أيضا. فكما ورد حرف “كما” لبيان هذه المماثلة كذلك جاء “كما” في سورة النور أيضا. فتبين من ذلك أن هناك مشابهة ومماثلة تامة بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية. وقد انتهت سلسلة الخلفاء في أمة موسى على عيسى  وكان قد جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى . ولتحقيق هذه المماثلة من الضروري على الأقل أن يُبعث في القرن الرابع عشر خليفةٌ بالقوة والصفات نفسها ويكون مثيلا للمسيح ويأتي بصفاته وعلى شاكلته. فلو لم يُظهر الله تعالى شهادات وتأييدات أخرى على هذا الأمر لكان من مقتضى هذه المماثلة بالطبع أن يُبعث في أمته  بروزُ عيسى في القرن الرابع عشر وإلا سيثبت ضعفٌ ونقص في مماثلته، والعياذ بالله. ولكن الله تعالى لم يصدّق تلك المماثلة ولم يؤيدها فقط بل أثبت أيضا أن المثيل (أي النبي ) أفضل من موسى ومن جميع الأنبياء عليهم السلام بكثير.
كما لم يأت المسيح الناصري  بشريعة خاصة به بل جاء ليتمم التوراة، كذلك لم يأت مسيح الأمة المحمدية أيضا بشريعة خاصة به بل جاء لإحياء القرآن الكريم وللإكمال الذي هو إكمال نشر الهداية. (ثم قال حضرته موضحا إكمال نشر الهداية):
وليكن معلوما عن إكمال نشر الهداية أن إتمام النعمة وإكمال الدين على النبي  كان من وجهين: أولا، إكمال الهداية، وثانيا: إكمال نشر الهداية. (أي تلقَّى النبي  هداية كاملة وشاملة ثم تحقق إكمال نشر هذه الهداية أيضا) فقد أُكملت الهداية من كل الوجوه ببعثته  الأولى، (أي نزلت الشريعة في زمن النبي  واكتملت، أما نشرها فكان مقدرا في بعثته الثانية أي على يد خادمه البار، المسيح الموعود) لأن الآية: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ في سورة الجمعة تُرشد بإعداد قوم آخرين ببركته  وتعليمه. فيتبين منها بصراحة أن للنبي  بعثة أخرى وهي بصورة البروز وهي البعثة الحالية. فهذا العصر هو عصر إكمال نشر الهداية. لذلك قد اكتملت كافة وسائل النشر وأسبابه. إن كثرة المطابع وظهور أمور جديدة كل يوم وإجراء مكاتب البريد ونظام البرقية، والقطار والبواخر ونشر الجرائد قد جعلت العالَم كله في حكم مدينة واحدة. (أي قد اجتمع العالم كله، وفي العصر الراهن قد توفرت وسائل الاجتماع أكثر؛ من وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت والتلفاز وغير ذلك من المخترعات). إذًا، فكل هذه الترقيات الحاصلة إنما هي ترقيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحقيقة لأن الجزء الثاني لهدايته الكاملة أي إكمال نشر الهداية في طور التحقق.
ثم يقول حضرته  وهو يبين المماثلة بين المسيح الموسوي والمسيح المحمدي:
وهذا يطابق قول المسيح الناصري  لقد جئت لأتمم الناموس. وأقول بأن من مهماتي أيضا أن أكمل نشر الهداية… إضافة إلى ذلك إن الآفات التي نشأت في زمن عيسى  توجد مثلها الآن أيضا. كانت حالة اليهود الداخلية متدهورة، ويشهد التاريخ على أنهم كانوا قد نبذوا أحكام التوراة وراء ظهورهم وبدلا منها كانوا يركّزون على التلمود ومرويات الصلحاء. وهذا ما آلت إليه حالة المسلمين أيضا الآن إذ أهملوا كتاب الله ويركّزون على المرويات والقصص بدلا منه… إضافة إلى كل ذلك هناك سرٌّ آخر يُكمل المماثلة وهو أن المسيح الناصري  كان يركّز على التعليم الأخلاقي وجاء لإصلاح فكرة حروب موسى  ولم يرفع السيف بنفسه، كذلك قدِّر للمسيح الموعود أيضا أن يقيم محاسن الإسلام بواسطة صدق التعليم العمليّ، ويرفع اعتراضا يوجَّه إلى الإسلام أنه نُشر بقوة السيف. هذا الاعتراض سيُرفع كليا في زمن المسيح الموعود (أيْ سيقول المسيح الموعود عكس ذلك ويقول إن الإسلام يدعو إلى الحب والوئام وانتشر بالحب، لذا سيزول هذا الاعتراض في زمن المسيح الموعود، قال : ) لأنه سيُظهر صدق الإسلام في العالم بواسطة بركاته وفيوضه الحية، وبذلك سيَثبت أن الإسلام كما هو مؤثر ومفيد في عصر التقدم الحالي من حيث تعليمه الطاهر فقط وبركاته وثمراته كذلك وُجد مفيدا ومؤثرا دائما وفي كل عصر لأنه دين حيٌّ. لذا عندما أنبأ رسول الله  عن المسيح القادم قال أيضا: “يضع الحرب” أي سيلغي الحروب. اِجمعوا الآن هذه الشهادات كلها وأخبروني أليست هناك حاجة أن ينزل الآن رجل سماوي؟ عندما اعتُرف بأن مجيء المجدد على رأس كل قرن ضروري فلا بد أن يأتي مجدد في هذا القرن. فما دام رسول الله  مثيل موسى  كان ضروريا من منطلق هذه المماثلة أن يكون مجدد هذا القرن هو المسيح الموعود لأن المسيح الناصري جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى، وها نحن في القرن الرابع عشر أيضا.” (الملفوظات)
ثم قال حضرته  وهو يبين أنه لو كذّبتموني ففي الحقيقة تكذبون الله ورسوله:
“إن إنكاري لا يقتصر على إنكاري فقط بل هو إنكار الله  والرسول  لأن الذي يكذبني فإنه بتكذيبي يحسب الله كاذبا، والعياذ بالله، حين يزعم أن المفاسد الداخلية والخارجية قد تجاوزت الحدود ولكن الله تعالى لم يفعل لإصلاحها شيئا على الرغم من وعده إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 10)، وحين يؤمن هذا المكذب ظاهريا بأن الله تعالى وعد في آية الاستخلاف أنه سيقيم سلسلة الخلفاء في الأمة المحمدية أيضا مثل الأمة الموسوية ولكنه  لم يحقق وعده، والعياذ بالله، إذ لا يوجد في الأمة خليفة حاليا. وليس ذلك فحسب بل سيضطر للقول أيضا بأن جعْل القرآن الكريم النبي  مثيل موسى أيضا ليس صحيحا، والعياذ بالله، لأنه كان ضروريا لتحقق المماثلة والمشابهة التامة بين السلسلتين أن يُبعث في هذا القرن الرابع عشر من هذا الأمة مسيحٌ كما بُعث في أمة موسى في القرن الرابع عشر، وكذلك سيضطر لتكذيب آية قرآنية: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (الجمعة:4) تخبر بظهور بروز أحمدي. كذلك هناك آيات قرآنية كثيرة يلزم تكذيبها… قال : فكّروا هل تكذيبي أمر هَيْن ولَيْنٌ؟ لا أقول ذلك من تلقاء نفسي بل أقول حلفا بالله حقًّا أن الذي يتركني ويكذّبني فإنه يكذّب القرآن كله ويترك الله بعمله وإن لم يفعل ذلك بلسانه.
ثم قال : إن تكذيبي لا يقتصر على تكذيبي فقط بل هو تكذيب رسول الله . فمن يتجاسر على تكذيبي وإنكاري عليه أن يفكر أولا ويستفتي قلبه ليعلم مَن يكذّب؟
ثم يقول حضرته  وهو يبين لماذا تكذيبه يؤدي إلى تكذيب الرسول : “أما تكذيب رسول الله  فلأن وعد بعثة مجدد على رأس كل قرن ثبت بطلانه والعياذ بالله. ثم قال : “إمامكم منكم” وكان باطلا أيضا، والعياذ بالله. ثم بشّر بمجيء المسيح والمهدي عند فتنة الصليب ولكنها أيضا ثبت بطلانها، والعياذ بالله، لأن الفتنة ظهرت ولم يأت الإمام المقبل. فعندما يقبل أحد هذه الأمور عمليا هل سيُعَدّ مكذّب النبي  أم لا؟
أقول بكل وضوح مرة أخرى إن تكذيبي ليس بأمر يسير، بل لا بد لمكفّري أن يصبح كافرا بنفسه أولا. لن يلبث أن يزعم أني ملحد وضال إلا وسيضطر لقبول ضلاله وسواد وجهه أولا. وقبل أن يزعم أني تارك القرآن لا بد له أن يترك القرآن والحديث، وفي هذه الحالة هو الذي سيتركهما، أما أنا فمصدِّق القرآن والحديث ومصداقهما. لست ضالا بل أنا مهدِيٌّ، لست كافرا بل مصداق حقيقي لـ “أنا أول المؤمنين”. وكشف الله علي أن ما أقوله حق وصدق.
الذي يوقن بالله تعالى ويؤمن بالقرآن ورسول الله  حقا يكفيه حجة أن يسكت بعد سماعه من لساني، ولكن لا علاج لمن كان متجاسرا ووقحا فسيفهِّمه الله بنفسه. (الملفوظات)
وقال  في بيان علامات بعثة المسيح الموعود:
“الحق أن القطار علامة المسيح الموعود وقد أُشير إليها في القرآن الكريم أيضا: وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ …. فإذا تأمل هؤلاء الناس يتبين لهم بكل وضوح أن في “ليتركن القلاص” إشارة إلى القطار لأنه إن لم يكن المراد منه القطار كان من واجبهم أن يخبرونا بحادث يؤدي إلى ترك القلاص. في الكتب السابقة أيضا إشارة إلى أن السفر سيسهل في ذلك الوقت. (أي في زمن المسيح الموعود)
الأصل أنه قد تحققت الآيات بكثرة حتى هرب هؤلاء الناس من الميدان كليا. ألم يحدث الكسوف والخسوف بالأسلوب الذي كان محددا آية للمهدي؟ لذلك لم تُكتَشف مطية مثلها أيضا منذ بدء الخليقة. العلامات تدل على أن المسيح الموعود قد ظهر، وإن لم يؤمن به هؤلاء الناس فليبحثوا عن غيري وليخبرونا عن هويته لأن العلامات المحددة له قد تحققت كلها.”
(أي إذا كنتم تريدون أن تمحصوا صدقي فافحصوا بحسب أدلة تُثبت صدق الأنبياء واتبعوا هذا السبيل، وتأملوا في الأدلة بحسن النية والإخلاص، وإذا قمتم بالعناد والتعنت فلن تروا شيئا. وفي هذه الحالة لا يهدي القرآن أيضا)
يتابع حضرته : “اختبِروا هذه الجماعة على منهاج النبوة ثم انظروا من يحالفه الحقُ. المبادئ والاقتراحات المزعومة لا تفيد شيئا، ولا أصدّق نفسي بمزاعم بل أعرض ادعائي على منهاج النبوة، فلماذا إذًا لا يُفحص صدقه بحسب المبدأ نفسه؟ إني موقن بأن الذين يسمعون كلامي بقلوب منشرحة سيستفيدون ويؤمنون ولكن الذين في قلوبهم العناد والتعنت لن ينفعهم كلامي شيئا، وإن مثلهم كمثل الأحول الذي يرى الشيء شيئين، ولا يكاد يقبل أنه شيء واحد مهما قدمتم له من الأدلة. يُروى أن سيدا قال لخادمه الذي كان أحول أن يأتي من الغرفة بمرآة فدخل الخادم الغرفة وعاد وقال: هناك مرآتان في الداخل أيتهما أحضر؟ قال السيد: ليست هناك مرآتان بل هناك مرآة واحدة. قال الخادم المصاب بالحَوَل: فهل أنا كاذب؟ قال السيد: حسنا، اكسِرْ إحداهما. فلما كسرها تبين له خطؤُه، وتبين أن المرآة كانت واحدة ليست اثنتان. فماذا أردّ على المصابين بالحَوَل الذين يخالفونني.
باختصار، نرى أن ما يقدّمونه مرارا وتكرارا إنما هو مجموعة الأحاديث التي لا ترفعونها عن درجة الظن بأنفسهم أيضا، ولا يدرون أنه سيأتي زمان يضحك الناس فيه على ما عندهم من الغث والسمين.
يحق لكل باحث عن الحق أن يطلب مني دليلا على ادّعائي، فأقدم له ما قدّمه الأنبياء، أي نصوصا من القرآن والحديث والأدلة العقلية أي حاجة العصر التي تقتضي مصلحا، ثم الآيات التي أظهرها الله تعالى على يدي. لقد أعددتُ قائمة تضم ما يقارب مئة وخمسين آية ويشهد عليها ملايين الناس. إن تقديم الأمور السخيفة ليس من شيمة السعداء.
لذلك قال رسول الله  أن المسيح الموعود سيأتي حَكَما فاقبَلوا حُكمه. والذين في قلوبهم خبثٌ وشرٌّ، ولأنهم لا يريدون أن يقبلوا فيقدمون اعتراضات وحججا واهية ولكن عليهم أن يتذكروا أن الله تعالى سيُظهر صدقي في الأخير بصولات قوية.
إنني موقن بأني لو افتريتُ لأهلكني الله فورا، ولكن كل ما أقوم به إنما هو من صنع الله وقد جئتُ من عنده، وإن تكذيبي هو تكذيبه لذا سوف يُظهر الله صدقي بنفسه.”
أقول: إن تعنُّت المشايخ كما كان في زمن المسيح الموعود  وكما بيّنه  أنهم لا يريدون أن يناقشوا الأمور بالدليل، ولا يكادون أن يفهموا شيئا، نراهم على الحال نفسه اليوم أيضا. يقول  شارحا آيات صدقه أكثر:
“أولا: لقد اعترف القرآن الكريم بكون النبي  مثيل موسى بحسب نبوءة التوراة، فكان ضروريا من منطلق هذه المماثلة أن تقوم سلسلة الخلافة بعد النبي  أيضا كما قامت سلسلة خلفاء موسى. وإن لم يكن هناك دليل آخر على ذلك فإن هذه المماثلة تقتضي بالطبع أن تكون هناك سلسلة الخلفاء.
ثانيا: لقد وعد الله تعالى صراحة بإقامة سلسلة الخلافة في آية الاستخلاف وعدّها مماثلة لسلسلة الخلافة السابقة كما قال:كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فبحسب وعد الاستخلاف وهذه المماثلة كان ضروريا أن يكون المسيح هو خاتم الخلفاء في الأمة المحمدية كما كان المسيح خاتم الخلفاء في سلسلة خلافة موسى.
ثالثا: قال رسول الله : “إمامكم منكم”.
رابعا: قال  أيضا إن مجددا يُرسل على رأس كل قرن لتجديد الدين، فلا بد أن يأتي مجدد لهذا القرن، ومهمة المجدد هي إصلاح المفاسد السائدة. فأكبر فساد وفتنة في العصر الراهن هي فتنة النصارى. فكان ضروريا أن يكون مجدد هذا القرن كاسر الصليب الذي اسمه الثاني هو المسيح الموعود.
خامسا: يجب من حيث المماثلة مع الخلافة الموسوية أيضا أن يأتي خاتم الخلفاء في الأمة المحمدية في القرن الرابع عشر لأن المسيح الناصري جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى .
سادسا: لقد تحققت كثير من العلامات المحدَّدة للمسيح الموعود مثل وقوع الكسوف والخسوف في رمضان الذي وقع مرتين، وانقطاع الحج، وطلوع المذنَّب، وتفشي الطاعون، واختراع القطار، وتعطيل القلاص.
سابعا: يثبت من الدعاء في سورة الفاتحة أيضا أن القادم سيكون من هذه الأمة. إذًا، ليس هناك دليل واحد أو اثنان بل هناك مئات الأدلة على أن القادم يجب أن يكون من هذه الأمة وهذا هو وقت ظهوره.
وأقول بإلهام من الله ووحيه أن ذلك القادم هو أنا. فليطلب مني من يشاء دليلا على منهاج النبوة الذي حدده الله تعالى منذ القِدم. انظروا إلى آيات الصدق التي ظهرت تأييدا لي. إنني لأتأسف كثيرا عندما أنظر إلى هؤلاء المعارضين أنه عندما تحققت الأمور التي كانوا يقدمونها كآية من قبل شرعوا في الاعتراض على صحتها. (مثلا كانوا يطالبونه بآية الكسوف والخسوف، يقول :) فمثلا يقولون الآن عن نبوءة الكسوف والخسوف أن هذا الحديث ليس صحيحا. فليسألهم أحد أنه ما دام الله قد أثبت صحته فهل سيصبح كاذبا بقولهم؟ من المؤسف حقا أنهم لا يستحيون من القول بما لا يكذّبون به المسيحَ الموعود بل يكذّبون رسول الله .
لا يصدّقني الكسوف والخسوف وحده بل هناك آلاف الأدلة والشواهد على تأييدي بل لا ضير إن لم يكن هناك دليل واحد ولكن ذلك سيُثبت أن النبوءة كانت كاذبة. من المؤسف حقا أن هؤلاء الناس يريدون أن يُبطلوا لمعارضتي نبوءة سيد الصادقين. أقدم هذه النبوءة بكل قوة وشدة فهي آية صدق سيدنا .
قال : إن هذا الحديث الذي تسيؤون به الظن قد أبلغ الواقعُ صدقه مبلغ اليقين وإن إنكاره ليس إلا الإلحاد واللعنة. هل يقول المحدثون في حال الأحاديث الموضوعة بأنهم قد قبضوا على مفتريها؟ كلا، بل يقولون إن ذاكرة فلان لم تكن جيدة أو هناك كلام في صدقه، وقد قبلوا مبدأ أنه إذا كان الحديث ضعيفا أيضا وتحققت النبوءة الكامنة فيه ثبتت صحته. فكيف لأحد أن يتجرأ على القول بحسب هذا المعيار أن الحديث قيد البحث ليس صحيحا.
اعلموا أن القادم يُمتحَن على محك النصوص الصريحة وهي تؤيده، ثم ترافقه النظائر لأن العقل لا يقبل شيئا بدون النظائر، (أي النظائر والأمثال تكون معقولة وهي تقدّم كدليل، قال :) وفوق كل ذلك تحالفه التأييدات الإلهية. فإذا كان أحد يشك في ذلك فليأتني ويطلب الدليل على صدقي بحسب منهاج النبوة. إن كنتُ كاذبا سأهرب، ولكن هذا لن يحدث لأن الله تعالى قال لي قبل 19 عاما: “ينصرك الله في مواطن”. (ذكر المسيح الموعود  هنا إلهامه الذي تلقاه قبل 19 عاما من ذلك الوقت، وهو “ينصرك الله في مواطن”، قال :) امتحنوني كما امتُحن الأنبياء والرسل. أقول بكل تحدٍّ بأنكم ستجدونني صادقا بحسب هذا المعيار. لقد بيّنتُ هذه الأمور بإيجاز ففكروا فيها وادعو الله تعالى القادر وسيفتح لكم سبيلا. إن تأييده ونصرته تحالف الصادق فقط.” (الملفوظات)
جرى الحديث عن المشايخ في مجلس المسيح الموعود عليه السلام فقال أحد الحضور: سيدي، لقد امتنع المشايخ الآن عن إلقاء الخطب التي تدل على وفاة المسيح عليه السلام. فقال عليه السلام: إنهم لن يذكروا الآن اسمه أيضا، ولو تحدث أحد أمامهم عن المسيح لقالوا له لا تذكر المسيح والمهدي بتاتا.
هذه هي حالة المشايخ فإنهم يعارضون المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من أجل منافعهم، ولا يعارضونه فحسب بل يعزون إليه وإلى جماعته العقائد الباطلة والمفتريات والأباطيل، ويبثون في قلوب عامة المسلمين الكراهية ضد جماعته.
يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وهو يبين كيف يمكن معرفة الحق: إذا كنتم تريدون معرفة الحق فادعوا الله تعالى في صلواتكم أن يكشف عليكم الحق، وإني على يقين أن المرء لو أناب إلى الله طالبا منه كشف الحقيقة متخليا عن التعصب والعناد، فلن تمضي عليه أربعون يوما حتى ينكشف عليه الحق (أي إذا طلبتم من الله كشف الحق بقلب صاف خال من التعصب فإن الله تعالى سيكشف الحق عليكم قبل انتهاء أربعين يوما) ولكن قليل هم الذين يسألون الله الحُكم مراعين هذه الشروط، وإنما ينكرون ولي الله بسبب غبائهم وعنادهم وتعصبهم مما يؤدي إلى سلب إيمانهم، لأن إنكار الولي -الذي هو بمنـزلة المسار للنبوة- يؤدي إلى إنكار النبوة، وإنكار النبي يوصل إلى إنكار الله، وهكذا يُسلَب الإيمان كلية ويضيع.
نسأل الله تعالى أن يلهم المسلمين الآخرين الصواب، فلا يقعوا في خداع المشايخ، بل يُعلِموا عقولهم، ويستيعنوا بالله بصدق وإخلاص. ندعو الله تعالى أن يفتح قلوبهم فيؤمنوا بالمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وينجوا من هذا الوضع التعيس الذي قد وقع فيه اليوم العالم الإسلامي. إنهم لا يجدون مفرًا مما هم فيه. وفي باكستان أيضا تتشكل تنظيمات جديدة الآن، وقد تشكل مؤخرا تنظيم باسم “لبيك يا رسول الله”، وقد قام هؤلاء بمحاصرة بعض الأماكن في لاهور، ثم في إسلام آباد. وهناك تنظيم آخر بالاسم نفسه، وقد قاموا أيضا بمحاصرة أماكن في إسلام آباد، بدون أن تجرؤ الحكومة أو الجيش أو القضاء على منعهم من ذلك. الحق أن المسلمين الأحمديين هم الذين يقولون “لبيك يا رسول الله” في الحقيقة والواقع، فنحن الذين لبَّوا نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه إذا جاءكم مهديي ومسيحي فآمِنوا به واقرأوا عليه مني السلامَ. وهذه هي الطريقة السليمة لقول “لبيك يا رسول الله”. ليت هؤلاء القوم أيضا يدركون حقيقة قول “لبيك يا رسول الله” عوضًا عن رفع الهتافات الفارغة. نسأل الله تعالى أن يحفظ العالم وباكستانَ وكلَّ بلد إسلامي من الفتنة والفساد، ويرحم المسلمين خاصة، لأن الأوضاع السائدة والمكايد التي تحاك ضد العالم الإسلامي خطيرة جدا، فإنهم إن لم يعودوا إلى صوابهم الآن أيضا، فسوف يندمون بحسرة فيما بعد. يرحمهم الله، آمين.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز